عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ
عصافيرُ يحسبنَ القلوبَ من الحبِّ | فمنْ لي بها عصفورةٌ لقطتْ قلبي |
وطارتْ فلما خافتِ العينُ فوتها | أزالتْ لها حباً من اللؤلؤ الرطبِ |
فيا ليتني طيرٌ أجاور عشها | فيوحشُها بعدي ويؤنسُها قربي |
ويا ليتها قد عششتْ في جوانبي | تغردُ في جنبٍ وتمرحُ في جنبِ |
ألا يا عصافيرَ الربا قد عشقتُها | فهبي أعلمكِ الهوى والبكا هبي |
أعلمكِ النوحَ الذي لو سمعتِهِ | رثيتِ لأهلِ الحب من شغفِ الحبِ |
خذي في جناحيكِ الهوى من جوانحي | وروحي بروحي للتي أخذتْ لبي |
نظرتُ إليها نظرةً فتوجعتْ | وثنيتُ بالأخرى فدارتْ رحى الحربِ |
فمن لحظةٍ يرمى بها حدَ لحظهِ | كما التحمَ السيفانِ عضباً على عضبِ |
ومن نظرةٍ ترتدُ من وجهِ نظرةٍ | كما انفلبَ الرمحانِ كعباً إلى كعبِ |
فساقتْ لعيني عينها أي أسهمٍ | قذفنَ بقلبي كلَّ هولٍ من الرعبِ |
وساق لسمعي صدرها كلَّ زفرةٍ | أقرت بصدري كلّ شيءٍ من الكربِ |
ودارت بي الألحاظُ من كل جانبٍ | فمنهنَّ في سلبي ومنهنَّ في نهبي |
فقلتُ خدعنا إنها الحربُ خدعةً | وهون خطبي أن أسر الهوى خطبي |
فقالت إذا لم تنجُ نفسٌ من الردى | فحسبكَ أن تهوى فقلتُ لها حسبي |
وليَ العذرُ إما لامني فيكِ لائمٌ | فأكبرُ ذنبي أن حبكِ من ذنبي |
ويا منْ سمعتمْ بالهوى إنما الهوى | دمٌ ودمُ هذاكَ يصبو وذا يصبي |
متى ائتلفا ذلاً ودلاً تعاشقا | وإلا فما رونقِ الحسنِ ما يسبي |
سلوني انبئكمْ فما يدر ما الهوى | سوايَ ولا في الناسِ مثلي من صبِ |
إذا شعراءُ الصيدِ عدوا فإنني | لشاعرُ هذا الحسنِ في العُجْمِ والعُرْبِ |
وإن أنا ناجيتُ القلوبَ تمايلتْ | بها نسماتُ الشعرِ قلباً على قلبِ |
وبي من إذا شاءتْ وصفتُ جمالها | فواللهِ ما يبقى فؤادٌ بلا حبِّ |
من الغيدِ أما دلُّها فملاحةٌ | وأما عذابي فهو من ريقها العذبِ |
ولم يبقِ منها عُجبُها غيرَ خطرةٍ | ولا هي أبقتْ للحسانِ من العجبِ |
عرضتُ لها بينَ التذلّلِ والرضا | وقد وقفتْ بينَ التدللِ والعتبِ |
وأبصرتُ أمثالَ الدمى يكتنفنني | فقلتُ أهذي الشهبُ أم شبهُ الشهبِ |
فما زالَ يهدي ناظري نورَ وجهِها | كما نظرَ الملاحُ في نجمةِ القطبِ |
وقد رُحنَ أسراباً وخفتُ وشاتَها | فعيني في سربٍ وقلبي في سربِ |
وقالتْ تجلّد قلتُ يا ميُّ سائلي | عن الحزنِ يعقوباً ويوسفَ في الجبِ |
وما إن أرى الأحبابَ إلا ودائعاً | ترد فإما بالرضاءِ أو الغصبِ |