صَفَا وِرْدُهُ عذْباً وَطابَتْ مَنَاهِلُهْ
صَفَا وِرْدُهُ عذْباً وَطابَتْ مَنَاهِلُهْ | وَجَلَّتْ يَدُ الدَّهْرِ الَّذِي عَزَّ نَائِلهْ |
وأقبلَ مُنْقاد العِنَانِ مُذَلَّلاً | تَطَامَنَ مَتْنَاهُ وَدَانَتْ صَوَائِلُهْ |
يُطَأطِىء للفاروقِ رَأساً وتَنحنِي | أَمام سَنَا المُلْكِ المَهيبِ كَواهِلُه |
تَلفَّتَ في الآفاقِ شَرْقاً وَمغْرِباً | فَلمْ يرَ في أَنحائِهَا مَن يُماثُله |
رَأَى مَا رَأَى لَمْ يلْقَ عَزْماً كعزْمِهِ | تَقُدُّ مَواضِيه وتَفْرِي مَنَاصِلُهْ |
يذوبُ مضَاءُ السيفِ عِنْدَ مَضَائهِ | فَمَا هو إِلا غِمْدُهُ وحَمَائِلهْ |
إِذا ما انْتضَاهُ فالسعودُ أعِنَّة ٌ | إِلى ما يُرَجِّى واللَّيالِي رَوَاحِلُهْ |
رَأَى طَلْعة ً لوْ أَنَّ لِلْبَدْرِ مِثْلَهَا | لَمَا انحدرتْ دونَ النجومِ مَنَازِلهْ |
عَلَيْهَا شُعَاعٌ لَوْ رَمَى حَائلَ الدُّجَى | لَفَاخَرَ وَجْهَ الصبحِ في الحُسْنِ حائلُهْ |
تَرَاهَا فَتُغْضِي للجلالِ ورُبَّمَا | تشَوَّفَ لَحْظُ العَيْنِ لَوْ جَالَ جَائلهْ |
هُوَ الشمسُ يدنُو في الظَّهيرِة ضَوْءُهَا | ويَصْعُبُ مَرْآهَا على مَن يُحَاوِلهْ |
هَوَ الروضُ أو أَزْهَى من الروض نَضْرَة ً | إِذا داعبَتْ وَجْهَ الربيع خَمائِلُهْ |
هُوَ الأَمَلُ البَسَّامُ رَفّ جناحُهُ | فطارتْ به من كلِّ قلبٍ بَلابِلُهْ |
هُوَ الكوكبُ اللَّمَّاحُ يَسْطَعُ بالْمُنَى | وتَنْطِقُ بالغيثِ العَميم مَخَايِلُهْ |
تَرَى بَسْمَة َ الآمالِ في بَسَمَاتِه | وتَلْمَحُ سِرَّ النُّبْلِ حِينَ تُقَابِلُهْ |
شَبَابٌ كَمَا يَصْفُو اللُّجَيْنُ كأَنّمَا | تَمَلأَّ مِنْ مَاءِ الفَرَادِيسِ نَاهِلُهْ |
يُفَدِّيهِ غُصْنُ الدُّوْحِ رَيَّانَ نَاضِراً | إِذَا اهْتَزَّ في كَفِّ النَّسَائِمِ مَائِلُهْ |
تَطَلَّعَ رُمْحُ الخطِّ يَبْغِي اعْتِدَالَهُ | فَعَادَ حَسِيراً يَنْكُتُ الأَرْضَ ذَابِلُهْ |
وَمِنْ أَيْنَ لِلرُّمْحِ المُثَقَّفِ عَزْمُهُ | وَمِنْ أَيْنَ لِلرُّمْحِ الطَّوِيلِ طَوَائِلُهْ |
إِذَا حَفَزَتْهُ الحادثاتُ رَأيْتَهُ | وَقَدْ شَكَّ أَحْشَاءَ الحوادثِ عَامِلُهْ |
علاءٌ تَحدَّى الدهرَ في بُعْدِ شأَوهِ | فَمَنْ ذَا يُدانيهِ ومَن ذا يُفاضِلُهْ |
ورَأْيٌ كأنْفَاسِ الصَّباحِ وقَدْ بَدَا | تَشِفُّ مَجَالِيه وتَهْفُو غَلاَئِلُهْ |
وَخُلْقٌ كَمُخْضَلِّ النِّسيمِ بِرَوْضَة ٍ | ذَوَائبُهُ نَفَّاحَة ٌ وَجَدَائلُهْ |
يَمَسُّ جَبينَ النيل في رِفْقِ عاشقٍ | وتفْتَحُ أكمامَ الزهورِ مَسَاحِلُهْ |
دَعَوْتُ إِليكَ الشِّعْرَ فانقادَ صَعْبُهُ | وقَدْ كانَ قبلَ اليومِ شُمْساً جَوَافِلُهْ |
وَمَا كِدْتُ أدعُو الوحْيَ حتى سَمِعْتُه | تُبَادِهُنِي آيَاتُهُ ورَسَائِلُه |
خَيَالٌ إِذَا أرْسَلتُهُ إِثْرَ نَافِرٍ | أَتَتْ بأعَزِّ الآبداتِ حَبَائِلُهْ |
ولَفْظٌ كَوَجهِ الرَّوْضِ في ميْعَة ِ الضُّحَى | وقَدْ صَدَحَتْ فوقَ الغُصونِ عَنَادِلُهْ |
إِذا قُلْتُه أَلقَى عُطارِدُ سَمْعَهُ | وسَاءَلَ شمسَ الأفْقِ مَنْ هو قائِلُهْ |
وإن سارتِ الريحُ الهَبُوبُ بجَرْسِهِ | فآخِرُ أكنَافِ الوُجُودِ مَراحِلُهْ |
إِذا ذُكِرَ الفاروقُ فاضَ مَعِينُهُ | وثَجَّتْ قوافيهِ وعَبَّتْ حَوَافِلُهُ |
يقولُ وَمَالِي حِينَ أَكتُبُ قَوْلَهُ | مِنَ الفَضْلِ شَيْءٌ غَيْرَ أَنِّيَ نَاقلُهْ |
رَأَى مَلِكاً يَحْيَا القَريضُ بِوَصْفِهِ | فضائلُهُ جَلَّتْ وعَمَّتْ فَوَاضِلُهْ |
رَأى مَلِكاً يُزْهَى بِهِ الدِّينُ والتُّقَى | شمائلُ أملاكِ السماءِ شمائلُهْ |
رَأى مَلِكاً كالنِّيلِ أما عَطَاؤُهُ | فغَمْرٌ وأما المكرماتُ فساحِلُهْ |
فَغَرَّدَ في الأَجواءِ باسْمِكَ طيرُهُ | ورَدَّدَ في الآفاقِ ذكرَكَ هادِلُهْ |
وصَاغَتْ لَكَ التِّبْرَ المُصَفَّى فُنُونُهُ | وحَاكَتْ لَكَ البُرْدَ المُوَشَّى أَنامِلُهْ |
ولم يَبْقَ من نَسْجِ السَّحائبِ زَهرة ٌ | تَرِفُّ نَدى ً إلا حَوَتْهَا فَوَاصِلُهْ |
وَصَبَّ شُعَاعَ الشَّمسِ تاجَ مَهابة ٍ | لِمَنْ تَوَّجَتْهُ بالفَخَارِ فَضَائِلُهْ |
وَفَكَّ رُموزَ السحرِ من أرضِ بابلٍ | لأجلكَ حتى استنْجَدَتْ بكَ بَابِلُهْ |
أَعَدْتَ له عهْدَ الرَّشِيدِ فأسْرَعَتْ | إِلى سُدَّة ِ الفاروقِ تَشْدُو بَلابلُهْ |
وما أنتَ في الأَمْلاكِ إِلا قصيدة ٌ | تفاعيلُها البِرُّ الَّذِي أَنتَ فاعِلُهْ |
يَهُبُّ طِريحُ الشِّعْرِ في دَوْلة ِ النُّهَى | وتُلْهَمُ أَسْرَارَ البيانِ مَقاوِلُهْ |
حَمَلْتُ لَهُ الرَّيْحَانَ يومَ زِفافِهِ | نَضِيرَ الْحَواشِي يَنْشُرُ المِسْكَ خاضِلُهْ |
أُزَاحِمُ للفاروقِ حَشْداً كأنّهُ | خِضَمٌّ مِنَ الأمواجِ ضاقتْ سَبَائِلُهْ |
يُغَطِّي أَدِيمَ الأرضِ عَزَّ اختراقُهُ | وسُدَّتْ عَلَى أَقْوَى الرجالِ مَدَاخِلُهْ |
إذا أنتَ لَمْ تَعْرِفْ مَدَى أُخْرَياتِهِ | فَسَلْ طَرْفَكَ المَمْدُودَ أَيْنَ أَوَائلُهْ |
حَمَلْتُ لَهُ الرَّيْحَانَ أرْفَعُ مِعْصَمِي | إِلَى المَلِكِ الفَرْدِ الذي فاز آمِلُهْ |
وقد مَلأَ الأُنْسُ الوجوهَ فأشْرَقتْ | من البِشْرِ حتى كادَ يَقْطُرُ سَائلُهْ |
طَلَعْتَ على الجمعِ الْحَفِيلِ بِمَوْكِبٍ | يُبَادِلُكَ الشَّعْبُ المُنَى وتُبَادِلُهْ |
مَوَاكِبُ لَمْ يُعْرَفْ لرمسيس مِثْلُهَا | وَلاَ خَطَرَتْ في مِثْلِهِنَّ قَنَابلُهْ |
يُحِيطُ بِهَا عِزُّ المَلِيكِ ومَجْدُهُ | وتَزْحَمُهَا فُرْسَانُهُ وصَوَاهِلُهْ |
إِذَا امْتَلَكَ الحبُّ النفوسَ هَفَتْ لَهُ | سِراعاً وأعْطتْ فَوقَ ماهُوَ سَائلُهْ |
رَأوْكَ فعَالَوْا بالهُتَافِ كأنّمَا | يُنَافِسُ نِدُّ نِدَّهُ ويُسَاجِلُهْ |
كأَنهمُ جَيْشُ الغمائِم أَرَّقْتْ | رَوَاعدُهُ جَفْنَ الدُّجَى وزَواجِلُهْ |
فلا عَيْنَ إِلاَّ وَهْيَ تَرْتَقِبُ المُنَى | وَلاَ صَدْرَ إِلا فارِحُ القلبِ جَاذِلُهْ |
وقَدْ رُفِعَتْ أعلامُ مِصْرَ خَوَافِقاً | يُغَازِلُهَا مَسُّ الصَّبَا وتُغَازِلُهْ |
فإِنْ كانَ مِنْ عَيْنٍ فإِنّكَ نُورُهُا | وإِنْ كانَ مِنْ قَلْبٍ فإِنّكَ آهِلُهْ |
وإِنْ كانَ مِنْ دَهْرٍ فأنتَ نَعيمهُ | وإِنْ كانَ مِنْ فَضْلٍ فإِنّكَ بَاذِلُهْ |
رَأَى فِيكَ هَذَا الشَّعْبُ آمَالَهُ الّتي | تَمَنَّى عَلَى الأيامِ وَهْيَ تُمَاطِلُهْ |
أَحَبَّكَ حَتَّى صَارَ حُبُّكَ رُوحَهُ | ونُورَ أمَانِيه الذِي لاَ يَزَايِلُهْ |
فَمَنْ شَاءَ بُرهاناً عَلى صَادِقِ الهَوَى | فهذِي الْجُمُوعُ الزاخراتُ دَلاَئلُهْ |
نَثَرْتَ بُذُورَ الْحُبِّ في كُل مُهْجَة ٍ | وَتِلْكَ التي تَهْفُو إِليكَ سَنَابِلُهْ |
حَياتُكَ يَا فاروقُ لِلدِّينِ عِصْمة ٌ | وأَعْمَالُكَ الغُرُّ الجِسَامُ مَعاقلهْ |
مَنَابِرُهُ تَهْتَزُّ بِاسْمِكَ فَوقَهَا | وَتَلْتَفُّ مِنْ شَوْقٍ عَلَيْكَ مَحَافِلُهْ |
تُعَفِّرُ بِالتُّرْبِ الْجَبِينَ الَّذِي عنَا | لَهُ الشَّرْقُ وانْقَادَتْ إِلَيْه جَحَافِلُهْ |
لَهُ لمَعَاتُ المشرَفى ازْدَهَتْ بِهِ | عَلَى كلِّ أَبْنَاءِ الغُمُودِ صَيَاقِلُهْ |
لَيَاليكَ أقمارُ الزَّمَانِ وسَعْدُهُ | وأيَّامُكَ البِيضُ الْحِسَانُ أَصَائلُهْ |
قَدِ اخْتَارَكَ الرَّحْمَنُ مَوْضِعَ فَضْلِهِ | إِذَا عَزَّ مَوْصُولٌ فَقَدْ جَلَّ وَاصِلُهْ |
هَنِيئاً لكَ اليومُ السَّعِيدُ الَّذِي زَهَا | عَلَى الدَّهْرِ لَمَّا لَمْ يَجِدْ مَا يُشَاكِلُهْ |
يُذَكِّرُنَا المأمونَ يومَ زِفافِهِ | وَقَدْ مَشَتْ الدُّنْيَا إِلَيْهِ تُجَامِلُهْ |
وَسَالَ بِهِ سُيْلُ النُّضَارِ كأَنَّمَا | تَفَجَّرَ مِنْ بَيْنِ السَّحَائِبِ وَابلُهْ |
وَأيْنَ مَنَ المأمونِ أوْ مِنْ زِفَافِهِ | جَلاَلَة ُ مَلكٍ أَعْجَزَتْ مَنْ يُطَاوِلُهْ |
أَبَى الدهرُ أَنْ يَلقَى ليومِكَ ثَانياً | يُقَارِبهُ في نُبْلِهِ أَوْ يُعَادِلُهْ |
تَخيَّرْتَ مِنْ وادي الكنانة زهرة ً | تَتِيهُ بِهَا جَنَّاتُهُ وَظَلاَئِلُهْ |
فَرِيدَة ُ مَجْدٍ يَعْرِفُ المجْدُ قَدْرَهَا | وتُزْهَى بِهَا يَوْمَ الفَخَارِ عَقَائلُهْ |
ودُرَّة ُ خِدْرٍ أَقْسَمَ الْخِدْرُ إنَّهُ | عَلَى مِثْلِهَا لَمْ تُلْقَ يَوْماً سَدَائلُهْ |
نتِيهُ بِهَا ضَافي الشبابِ ونَضْرُهُ | وَتَسْمُو حَوَاليهِ بِهَا وعَوَاطِلُهْ |
تَخَيَّرْتَهَا فوْقَ السَّحابِ مَكانة ً | وَأَصفَى مِنَ الماءِ الَّذِي هُوَ حَامِلُهْ |
حَبَاها إلهُ العَرْشِ أكْبَرَ نِعمة ٍ | فجَلَّتْ أَيَادِيه وعَمَّتْ جَلاَئِلُهْ |
فَعِشْ فِي رِفَاءٍ بالبنينَ مُمْتِّعاً | يُضِيءُ بِكَ الوادِي وَيَخْضَرُّ مَاحِلُهْ |
وَدْمْ لِبَنِي مِصْرٍ أَماناً ورحمة ً | فأنْتَ حِمَى النِّيلِ الوَفى وَعَاهِلُهْ |