الرئيسية » » أحلام البر الوحشية | زياد خداش

أحلام البر الوحشية | زياد خداش

Written By غير معرف on الأربعاء، 31 يوليو 2013 | يوليو 31, 2013

أحلام البر الوحشية


أنظرُ إليها؛ فأراها لأول مرة! مَنْ هذه المرأة البيضاء الممتلئة التي تجلس على سريري
نصف عارية؟. أنظر إليه كأني لا أعرفه أبداً، من هذا الرجل الأسمر الذي يستلقي على
الجانب الآخر من سريري بوجه غير حليق ومنامة شتوية مقلّمة؟ قلت لها: إنني يا
صديقتي، متعبٌ ومريضٌ وأتخيّل أشياءَ مرعبةً ومخجلةً، أراني أطعن أبي بسكين، أفقأ
عينَي جدي بمخرز، أحرق مكتبة المدينة العامة، أضاجع دجاجة الجيران السمينة...
آه كم أنا بحاجةٍ إلى نومٍ الليلة، تعتريني هواجس غير مفهومة، تسري في دمي رغبات
شيطانية وأحلام يقظة محرّمة. أطلقت تنهيدةً قصيرةً، نهضت عن السرير حافية
القدمين، كانت مترعةً بأرداف فضية ونهدين ياقوتيين، مشت باتجاه المطبخ، تحك
ثديها الأيسر، تتعثر بالمناضد والملاءات والأحذية، غابت طويلاً في المطبخ، كنت أظنها
ذهبت تجهز لنا ما نأكله، فإذ بها تعود بجرحٍ مفتوحٍ في بطنها وابتسامةٍ ملساء في
وجهها، تحمل في يدها اليسرى كأساً زجاجيةً كبيرةً مملوءةً بالدم، وفي يدها اليمنى
مدية حادة ينسال منها الدم منداحاً على وجهَي نصلها العريض وحواف مقبضها
الخشبي. ما زال يستلقي على السرير، كان ينظر إليّ ببرودٍ مقهورٍ أصفر، هذا الرجل
6
الأسمر، هذا الرجل ذو المنامة الشتوية المقلّمة، ماذا يفعل في غرفتي؟؟ اقترب مني
زاحفاً على بطنه، ببطء مغوٍ كان يفك أزرار منامته، يمرر لسانه على حواف شفتيه،
يطلق لهاثاً برياً لاهباً، دفن شفتيه في أمواج ثدييّ المتلاطمة الحارة، شرع فجأةً
ينتحب بصوت عالٍ كطفل. انتزعتُ شفتيه من لحم صدري، أحنيتُ جسده على
السرير برفق. رأتني أغمس رأس المدية الحارة في كأس الدم، أرسم على صدره وبطنه
وفخذيه طيور سنونو مقتولة مرمية على شواطئ شريرة، مهجورة بلا موانئ، بلا
مصطافين، ومقابر داثرة بلا معالم، ومنافض مصنوعة من جماجم رجال سمر البشر
ذبحوا في حروب قديمة شرسة وألقيت جثثهم في العراء القاسي. قلت لها: ما زلت
أغرق في مستنقع التماسيح، أمد يدي وأصرخ، ولا أحد يستجيب، أحياناً أرى أطيافاً
تمشي على أطراف المستنقع تضحك أو تبكي أو تفعل شيئاً آخر. قلت له: أتعبتني
معك أيها الرجل الأسمر لكني مع ذلك لن أتوقف عن حبك، لن أستطيع أن أتوقف
أبداً أبداً، قلت لها: أسرعي يا صديقتي، أسرعي، لا أستطيع أن أتحمل أكثر من ذلك؛
فأنا متعب ومريض وأتخيل أشياء مرعبة ومخجلة، وقد أصل لحالة من الجنون تربك
أصدقائي وتحرج أهلي. نهض عن السرير، مشى مترنحاً باتجاه المرحاض، غاب طويلاً،
عاد زائغ النظرات، محطم الخطوات، يحمل كوباً صغيراً مملوءاً بقطرات ثقيلة من
المنيّ الأبيض اللزج، وضع الكوب في يدي، أشار إليّ بيده أن أجرب الرسم بهذا
السائل، استلقى تحتي منهك الأنفاس، كنت أسمع طقطقة عظامه، كان نحيلاً، لكنه
النحول المعادي الذكي المتغطرس، الأبله أحياناً، غمست سبابتي في السائل الأبيض،
رحت أرسم على جسده كائنات مفترسة وأخرى أليفة: ضباعاً، نموراً، غزلاناً، قططاً،
أرانب، صقوراً، وأفاعي رقطاء تتسلق أشجاراً شاحبةً بلا أوراق. قلت لها: لا جدوى
7
يا صديقتي لا جدوى، ما زلت مريضاً ومتعباً وأشعر بالطحالب تتسلّق سقف حلقي
وتحاول إخراس صوتي، وتعطيل تنفسي، فيما التماسيح تحوم حولي، تتهيأ للانقضاض
عليّ. قلت له: أمامنا عدة ساعات، الساعة الآن هي الرابعة فجراً، الزوار لن يأتوا
قبل العاشرة، سأخلق منك رجلاً جديداً بلا طحالب، ومياه نهرك سوف تعود صافيةً،
دفّاقةً، نهضت من جديد، مشت باتجاه خزانة الملابس، ارتدت ملابسها، اقتربت مني،
قبّلتني في سرة بطني، داعبت شعر صدري، خرجت من الغرفة، غابت في الخارج
طويلاً طويلاً. عند التاسعة والنصف، رنّ جرس الهاتف، زحفت إليه مهلهلة الأطراف
والأفكار، جاء صوتها مثلوماً متقطعاً: صديقي أيها الرجل الأسمر، إنهم يحاصرونني
في كل مكان، في البيت والشارع والعمل، إنهم يتهامسون حولي، يخططون لالتهامي،
حاول أن تقتات وحدك، ليس الأمر صعباً، ابحث عن سوائل أخرى، فالأسطورة تقول
إن السائل السحري موجود حولنا غير بعيد عنا، لكننا لا نستطيع أن نراه إلا من
خلال الألم والرعب والجريمة، ستجد السائل يوماً ما وترسم بنفسك، على جسدك ما
تشتهي من الفضائح والأسرار والأمنيات السرية والكوارث، ستبتعد عنك التماسيح
وتختفي الطحالب وستعرف بالضبط فيما إذا كانت أطياف المستنقع تبكي أم تضحك
أم تفعل شيئاً آخر، قاتل وحدك أيها الرجل الأسمر النحيل، سيكون طعم انتصارك
مختلفاً، وداعاً.
أغلقت المرأة البيضاء الممتلئة الهاتف، بقي الهاتف في يدي، كانت لحظات قاسية
وغامضة، لم أكن أتصور أن أفقد هذه المخلوقة يوماً ما، كنت أظنها طرفاً أبدياً مركزياً
من أطراف جسدي، رحت أجر عظامي باتجاه السرير. تماماً مستغرقة في كتاب،
تجمدت في مكاني مصدوماً غير قادر على الحركة والتنفس وتمييز المرئيات، قلت
8
له: ما قلتلها: كنت أتحدث معك على الهاتف قبل لحظات، كنت تقولين إنك راحلة
وإنهم يحاصرونك في البيت والشارع والعمل وأن الأسطورة تقول .. آه إنني متعب
ومريض، وأتخيل أشياء مرعبة ومخجلة، ضحكتْ طويلاً بصوتٍ عالٍ حتى انقلبت
على ظهرها، اقتربت مني، رأسي المشعث بين يديها، مررت رؤوس أصابعها على
حواف شحمتي إذني، قبلتني طويلاً، في شفتي السفلى البلهاء، أحنت جسدي على
السرير، استلقت فوقي، بينما أخذت تتعالى في الخارج صرخات استغاثات مكتومة
لنزلاء فندق مجاور يلتهمه حريق كبير.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads