الرئيسية » » حديقة مضاءة بشكل جيد | زياد خداش

حديقة مضاءة بشكل جيد | زياد خداش

Written By غير معرف on الأربعاء، 31 يوليو 2013 | يوليو 31, 2013

حديقة مضاءة بشكل جيد


كنت أخرج من سوبرماركت الرافدين برام الله، اشتريت قهوة ومحارم مبلولة
وعلبتيّ «تونة »، كانت دورية احتلال تقف أمام دوار الرافدين، كنت وحيداً في
المكان، والليل يقترب من منتصفه، أطلقت الدورية بوقها الوقح، فتجاهلته وواصلت
طريقي للبيت. فتح جندي نافذة الدورية ونادى: «تعال هون يا قرد ». تجاهلته
فصرخ: «تعال هون ولا بطخك ». ذهبت إليه وذهني مشغول بفكرة غير مكتملة
وعالقة في ذهن روايتي التي أكتبها الآن: هل عليّ أن أجعل والد شخصيتي الرئيسة
يعرف أن ابنه لوطي؟.
في طريقي إليه لمحت شرطياً فلسطينياً مختبئاً في حديقة مبنى مهم، كانت الحديقة
مضاءةً، وكان من السهل رؤية الشرطي مع بندقيته وهو يتحرك بشكل غامض، فقلت
في نفسي سأضيف هذا المشهد إلى الرواية، حديقة مضاءة وشرطي قلق ومسلح و
مذعور يتحرك فيها، ولا يسمح له بمغادرتها.
كانت صفعة الجندي بانتظاري، صفعة قوية مائية ومائلة، لكنني لم أحس بها، لم
تؤلمني، ربما لأني كنت محصّناً بحس سخرية كبير واستهتار عنيف بهذه الكائنات
10
المعاقة التي اسمها جنود احتلال، وربما لأنني كنت مشغولاً بالأحداث التي تنقص
روايتي التي جنّنت أيامي: «لما أحكيلك تعال، بتيجي بسرعة .»
كانت آخر صفعة صُفعتها في حياتي من يد أبي قبل أربعين عاماً تقريباً، رفضت
طلبه لإحضار كرتونة بيض، من البقالة، أتذكرها تماماً، هوت يد أبي في الصالون أمام
الضيوف على وجهي، هربت من أمامه، أغلقت الباب خلفي وأسلمت روحي لدوامة
بكاء كبيرة.
« - روح على البيت يا قرد .»
ابتعدت عن الجندي ومشيت إلى البيت، لكن شيئاً ما في داخلي، قال لي حين حاذيت
الحديقة المضاءة في المبنى المهم: انظر إلى الشرطي، فنظرت، رأيت وجهه وهو يحدق
بي، ذعرت، وجمدت في مكاني، أستاذ أنا آسف، ما اقدرت أعمل شيء، سامحني.
كان زهير أجمل وألطف، وأذكى طلابي في نادي محمود درويش الإبداعي بالمدرسة
التي ما زلت حتى الآن أعلّم فيها الكتابة.
كبر الولد الأشقر القصير الذي أرهق نفسه ومكتبة المدرسة وهو يبحث فيها عن
كتب لعزيز ناسين وسميرة عزام وغسان كنفاني وراشد حسين ومحمود درويش، صار
الآن شرطياً يتحرك بشكل غامض في حديقة مضاءة بشكل جيد وتابعة لمبنى مهم.
لم أقدر على الحديث مع زهير، رأيت يدي تتحسس خدي بشكل مفاجئ الآن
أحسست بألم صفعة الجندي المحتل.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads