ساعة التذكار
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ | مَنْ مُسعدِي في ساعةِ التذكارِ |
قُمْ يا أميرُ! أفِضْ عليَّ خواطراً | وابعث خيالَك في النسيم الساري |
واطلع كعهدك في الحياةِ فراشةً | غراءَ حائمةً على الأنوارِ |
يا عاشقَ الحرية الثكلى أَفِقْ | واهتفْ بشعرك في شباب الدارِ |
يا مَنْ دعا للحق في أوطانهِ | ومضى ليهتفَ في ديار الجارِ |
الشامُ جازعةٌ ومصرُ كعهدها | نهبُ الخطوبِ قليلةُ الأنصارِ |
والحظُّ أطمارٌ كما شاءَ البلَى | والعيشُ رثٌّ والسنونُ عوارِ |
عامٌ مضى يا للزمان وطيِّه | فينا ويا لسواخر الأقدارِ! |
عامٌ مضى وكأنّ أمس نعيُّه | يا ما أقلَّ العامَ في الأعمار! |
أيْنَ الامارة والأميرُ ودولة | مبسوطةُ السلطان في الأمصار |
خمسون عاماً وهي وارفة الجنَى | تحت الربيعِ دؤوبة الأثمارِ! |
مَدَّ الخريفُ على الرياض رواقةُ | ومضى الربيعُ الضاحكُ النّوارِ! |
هيهات أنسى قبلَ بينك ساعةً | جمعتْ صحابَك في غروب نهار() |
والشمس في سقم الغروب شعاعاً غارباً | لونِ الشحوب معصفرٌ ببهارِ |
منحتْ وقد ذهبت شعاعاً غارباً | كسناكَ طوّافاً على السّمارِ |
تشكو ليَ الضعفَ الملمَّ لعلَّ في | طبي مقيلاً مِن وشيكِ عثارِ |
وكشفتَ عن متهدِّمٍ جال الردى | متهجماً في صَرحه المنهارِ |
فرأيتْ ما صنع الضنى في صورةٍ | حالتْ، وخلى هيكلاً كإطارِ |
ووجمتُ! المحُ في الغيوب نهايةً | وأرى بعينيَ غايةَ المضمارِ |
وأرى النبوغَ وقد تهاوى نجمُه | والعبقريةَ وهي في الإِدبارِ! |
أوَلم يكن لك من زمانِك ذائداً | وثباتُ ذهن ماردٍ جبارِ؟ |
أوَلَمْ يكن لكَ من حِمامِك عاصًماً | ذاك الجبينُ مكللاً بالغارِ؟ |
ولَّيتَ في إثر الذين رثيتهُم | واقمتَ فيهم مأتمَ الأشعار |
وسُقيتَ من كأسٍ تطوف بها يدٌ | محتومةُ الاقداح والأدوارِ |
والدهرُ يقذف بالمنايا دفَّقاً | فمضيتَ في متدفق التيارِ |
في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به | قيثارةٌ سحريةُ الاوتارِ |
صدحتْ بألحان الحياة ووقَّعتْ | أنغامَها المحجوبة الأسرارِ |
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذاً | منها ومن إعجازها بغرارِ |
مسترسلاً رحباً كعينٍ ثرّةٍ | شتى السيولِ سحيقةِ الأغوارِ |
متعالياً حتى الأشعةِ مشرقاً! | متألفاً كالكوكبِ السيَّارِ! |
شوقي! نظمتَ فكنت برّاً خيِّراً | في أمة ظمأى إلى الأخيارِ! |
أرسلتَ شعرَك في المدائن هادياَ | شبهَ المنارِ يطوف بالأقطارِ |
تدعو إلى المجد القديمِ وغابرٍ | طيّ القرون مجلَّلٍ بوقارِ! |
تدعو لمجدِ الشرق: تجعل حبَّهُ | نصبَ القلوبِ وقبلةَ الأنظار! |
تبكي العراقَ اذا استُبيحَ ولا تضنّ | على الشآم بمدمعٍ مدرارِ |
وترى الرجالَ وقد أُهين ذمارهم | خرجوا لصون كرامةٍ وذمارِ |
فلو استطعتَ مددتَ بين صفوفهم | كفّاً مضرجةً مع الاحرارِ! |
ما زلتَ تُبعثُ في قريضِكَ ثاوياً | أو ماضياً حَفِلاً بكلِّ فخارِ |
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ: شاعرٌ | ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ! |
فجلوتَ ما لَم يشهدوا، ورسمت ما | لَم يعهدوا من معجز الأفكار! |
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ | وجناُنهُ في نضرة الأسحارِ |
ويحسُّ تبريحَ الصبابَةِ واصفاً | مجنونَ ليلى في سحيقِ قفارِ |
ويروح يبعث كليوباترا ناشراً | تلك العصور وطيفَها المتواري! |
ويرى الحياةَ الحبَّ والحبَّ الحياة! | هما شعارُ العيش أيُّ شعارٍ |