إِلاَمَ يَهْفُو بِحِلْمِكَ الطَّرَبُ؟ إِلاَمَ يَهْفُو بِحِلْمِكَ الطَّرَبُ؟
محمود سامي البارودي
إِلاَمَ يَهْفُو بِحِلْمِكَ الطَّرَبُ؟ | أبعد خمسين فى الصبا أربُ ؟ |
هيهات ولى الشبابُ ، واقتربتْ | سَاعَة ُ وِرْدٍ دَنَا بِها الْقَرَبُ |
فليس دون الحِمامِ مبتعدٌ | ولَيْسَ نَحْوَ الْحَياة ِ مُقْتَرَبُ |
كلُّ امرئٍ سائرٌ لمنزلة ٍ | لَيْسَ لَهُ عَنْ فِنائِها هَرَبُ |
وساكنٌ بينَ جيرة ٍ قذَفٍ | لا نَسَبٌ بَيْنَهُمْ، ولا قُرَبُ |
فِي قَفْرَة ٍ لِلصِّلالِ مُزْدَحَفٌ | فِيها، ولِلضّارِياتِ مُضْطَرَبُ |
وشاهدٌ موقفاً يُدانُ بهِ | فَالوَيْلُ لِلظَّالِمِينَ والْحَرَبُ |
فاربأ يفاعاً ، أو اتَّخذ سرباً | إنْ كانَ يُغْنِي الْيَفَاعُ والسَّرَبُ |
لا الْبَازُ يَنْجُو مِنَ الْحِمامِ، ولاَ | يخلُصُ منهُ الحمامُ والخربُ |
مسلَّطٌ فى الورى َ : فلا عجمٌ | يَبْقَى عَلَى فَتْكِهِ، وَلاَ عَرَبُ |
فَكَمْ قُصُورٍ خَلَتْ، وَكَمْ أُمَمٍ | بادت ، فغصَّت بجمعها التُّربُ |
فمنزلٌ عامرٌ بقاطنهِ | ومنزلٌ بعدَ أهلهِ خرِبُ |
يغدو الفتى َ لاهياً بعيشتهِ | وليسَ يدرى ما الصَّابُ والضرَبُ |
ويقتنى نبعة ً يصيدُ بها | ونبعُ من حاربَ الرَّدى غربُ |
لا يَبْلُغُ الرِّبْحَ أَوْ يُفارِقَهُ | كماتحٍ خانَ كفَّهُ الكربُ |
يا وارِداً لا يَمَلُّ مَوْرِدَهُ | حذارِ من أن يصيبكَ الشَّربُ |
تَصْبُو إِلَى اللَّهْوِ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ | والَّلهوُ فيهِ البوارُ والتَّرَبُ |
وتتركُ البرَّ غيرَ محتسبٍ | أجراً ، وبالبرِّ تُفتَحُ الأربُ |
دَعِ الحُمَيَّا، فَلاِبْنِ حانَتِهَا | من صدمَة ِ الكأسِ لهذمٌ ذرِبُ |
تَرَاهُ نُصْبَ الْعُيُونِ مُتَّكِئاً | وعقلهُ فى الضلال مغتربُ |
فبئستِ الخمرُمن مخادعة ٍ | لسلمها فى ِ القلوبِ محتربُ |
إِذا تَفَشَّتْ بِمُهْجَة ٍ قَتَلَتْ | كما تفشِّى فى المبركِ الجرَبُ |
فتب إلى الله قبلَ مندَمَة ٍ | تَكْثُرُ فيها الْهُمُومُ والْكُرَبُ |
واعْتَدْ عَلَى الْخَيْرِ، فَالْمُوَفَّقُ مَنْ | هذَّبهُ الاعتيادُ والدَّربُ |
وجد بما قَدْ حوَتْ يداكَ ، فمَا | ينفَعُ ثَمَّ اللُّجينُ والغرَبُ |
فَإِنَّ لِلدَّهْرِ لَوْ فَطَنْتَ لَهُ | قَوْساً مِنَ الْمَوْتِ سَهْمُهَا غَرَبُ |