الرئيسية » , » نشيدٌ للحفاظِ على البُطء | عبد الرحمن مصطفى مقلد | العدد السابع والستون | سلسلة كتاب الشعر

نشيدٌ للحفاظِ على البُطء | عبد الرحمن مصطفى مقلد | العدد السابع والستون | سلسلة كتاب الشعر

Written By كتاب الشعر on الخميس، 23 أكتوبر 2014 | أكتوبر 23, 2014



ديوان
نشيدٌ للحفاظِ على البُطء



شعر
عبد الرحمن مصطفى مقلد








إهداء:

إلى:
    والدي العظيم الراحل:
          د.مصطفى مصطفى مقلد
                            وردة على قبرك
إلى:
    أنس محمد أزمل
                          وردة جديدة تتفتح فى الغربة


إلى:
 جدتي وأمي ومنى ومحمد وأحمد ورحمة
                               ليس للحياة معنى بعيدا عنكم 
                                               
        



"من أجل أن تغني عليك أولا أن تفتح فمك، ويجب أن تكون لديك رئتان وقليل من المعرفة بالموسيقى. وليس من الضروري أن يصحبك أوكورديون أو قيثارة. الشىء الأساسي هو "إرادة الغناء"، وعليه فهذه أغنية وأنا أغني"

هنري ميللر
مدار السرطان









ما فعل الجنرال


وجه النهر
 الهادئ
 البارد
طلب مني قبلة
"رسالة انتحار"
الشاعر الأمريكي لانغستون هيوز


بل يُوشكُ الجنرالُ أن يبكيه فعلُ الوقتِ
"لا أتحملُ البردَ الشديدَ
ولا الرطوبةَ والعواصفَ ..
خانني التوفيقُ
لو عاد الزمانُ فربما سأكون أعقلَ"

يجلسُ الجنرالُ في المقهى
وحيداً
ممسكاً في راحتيه الشاي ..
رائحةُ القرنفل وحدها
تبقيه حياًً

ساخراً من نفسه ومن البقاءِ
"خسرتُ ما ربحتْ يداي
 .. ربحتُ ما خسرتْ يداي"

يظلُّ يسمعُ للضجيجِ
لكي يصالحَ نفسه
"يا نفسُ لم نقصدْ
سوى أن نستريحَ وأن نريحَ..
وما فعلنا كان يُفعلُ وحده"

بل يوشكُ الجنرالُ أن يمشي على عكازتيه
ويرتمي في الماء صاحبِه الأجلِّ
يقولُ: كنا يا حبيبي لا نعي ما نحن فيه
فأنت تجريك الرياحُ على الرمالِ
لكي تزيلَ بيوتَ من سكنوا على شطٍ يطلُّ عليك..
أمَّا من يخاطبَك ..
اختبا بمسامه اللهُ
.. اصطفاه لكي يقيمَ
حظيرةً في الأرضِ يُسمِيها
"هنا يَرعى خواصُ اللهِ .. لا لا تقربوها"

.....
كان يضربُ من يقابلُ
كان يحزنُ
حينما تروي الدماءُ غليلَ عشبِ
كان يحزنُ
كلما أمرَ الجنودَ بأن يبيدوا الزرعَ
يسألُ نفسه "ما سر هذا"
"يا تُرى من في الحظيرة يا إلهي يا يدي
كي يستحقَ دماءنا ودماءَ أعدائي الذين
جعلتهم أعدائي..

...
بل يوشكُ الجنرال أن يحتارَ في ماضيه أكثر
حينما يلقي على مَنْ في الحظيرةِ نظرةً
ويقولُ "مَنْ مِنْ هؤلاء أرقُّ أو أعلى
لكي أحميه
أو من أجله قتلت يداي جميعَ من فروا أمامي ..
هؤلاءِ وهؤلاءِ سواءُ
ما يحتار فيه صديقُنا الجنرال أكثرَ
 أنه لما يطلُّ على الحظيرةِ
لا يلاقي أي شكرٍ أو ثناءٍ..
ربما لا يعرفون السيدَ الجنرالَ
يسألُ:
كيف يصبحُ هؤلاء خواصَه
ولمَ يكون الآخَرون الآخرينَ,,
ما يحزنُ الجنرال
ما يبقيه أوهنَ من خيوطِ العنكبوتِ
هم الضحايا..
كان يلمحُ في عيون نسائهم نظراتِ حزنٍ
كن يحملن الطعامَ إلى الحقولِ
على الأكفِ صغارهن وهن يملئن الجرار
فلم يكونوا خارجين
وفاسدين لكي يموتوا..
...

بل يُوشكُ الجنرال
أن يقضي على مَنْ في الحظيرة
غير أن يديه لا تتحملان
ولا يريد خسارةً أخرى
ليصنع من تصدعِ روحه
وجهاً يقابله فيخجلُ ..
لم يعدْ في العمرِ
ما يفنيه في حصرِ الضحايا ..

يعرفُ الجنرال أن الظلم عينُ الظلمِ ذلك
يعرفُ الجنرال أن عليه أن يقتصَّ
كي تبقى الحياةُ على بداهتها
"إذن من حظهم من في الحظيرةِ
 أنه لم يدركِ الجنرالُ خدعته
 سوى في آخر المشوار
حين يظلُّ يجلسُ ساخراً من نفسه ويقول:
"ما فعلتْ يداي أظنَّ ما فعلتْ يداي".

















نشيد للحفاظ على البطء


للسلحفاةِ غطاؤها الكاكيُّ..
حين تخافُ من ولعِ اللصوصِ برصدها
تنسى عواطِفَها وتجمدُ كالحجارةِ أو أشد
تضيقُ بالمتطفلينَ فتستقرُ حواسُها

للسلحفاة حديثُها عن صمتِها
عن لا مبالاةٍ تخلصُها
من التَسآلِ عن جدوى وجودِ السلحفاةِ
لها الطحالبُ كي تكونَ أليفةً مع نفسها والآخرين
لها الزمانُ كإبرة التريكو
تَخِيطُ بها رؤاها
تصنعُ الأحداثَ للأفعالِ

تنسجُ من بقايا دهشتين "بلوفراً"
لتقي خلايا رأسها بردَ الشتاءِ وسرعةَ العربات
تحفظُ للطبيعةِ رتمَها العاديَّ
رتمَ البطءِ

يكفي للبطيئة أنه يكفي
لتقضي نزهةً تتأمل الحيواتِ عند الشطِ
تلقمُ ما يتاحُ
تشمُ رائحةً لتُشعِرَ منخَريْهَا
أنها وثابةٌ وجميلةٌ ونشيطةٌ
لتكون راضيةً
فتُضِحِكَ نفسها ..
السلحفاةُ مزاجُها متحررٌ
وقتاً تكون سعيدةً
وقتاً تكون حزينةً
لكنها تخفي مشاعرها بداخلها ..
وتملأ ظهرها، دكانةَ الوراقِ،
معرفةً وصمتاً وانبهاراً
كي تعودَ لعزلةٍ لا موتَ فيها أو حياة ..

السلحفاةُ تعيشُ حتى لا تجنَّ الكائناتُ
بهاجسِ الزمنِ السريعِ
فتستحيلُ وقودَ باخرةٍ يفرقُه الهواءُ
ولا نحسُ بها
إذن للسلحفاةِ ضرورةٌ
لتُعَلِمَ، الصبرَ، المحبَ،
يظلُّ ينتظرُ الحبيبةَ واضعاً ساقاً على أخرى
ويحملُ وردةً بيضاءَ
يَنسى نفسه ليشيخَ ثم يموتَ
لا تأتي الحبيبةُ
شاكراً للسلحفاة صَنِيعَهَا ..

السلحفاة تقولُ:
يَحسبُني الجميعُ دقيقةً ورتيبةً
لكنها الفوضى أرتبُها
وأخلقُ عبقريةَ أن تعيشَ فقط
وتنسى أن نافذةً
يراقبُ خلفها القدرُ السلاحفَ..

لم أحققْ في مصائرَ آخرين
لكي أُعَدَّ بصيرةً
لأرى وأسمعَ
ما يدورُ بمُتِحَفِ المستقبلِ الآتِي
ويَحسبُني الجميعُ غزالةَ الماضي وخازنةً له
ولِمَا أكونُ غزالةً
وأنا البطيئةُ في اللحاقِ بمستحيلي

لست عارفةً بشيء
لا مؤرخةَ الزمانِ
ولا مفسرةَ المصائرِ
لست شاهدةً على شيء
سوى أني اختفيتُ من الشتاءِ
وما رأيتُ سوى مصيري
أرنباً يجري وأجري خلفه

السلحفاةُ مساءَ يومٍ باردٍ
نامتْ على عشبٍ
وكان مزاجُهَا متقلباً
"لو أنني ربٌ لما غيرتُ شيئاً
لاختفيتُ عن العيونِ ..
تعبتُ قلتُ لتفعلوا ما تفعلون"

السلحفاةُ تقولُ:
لولا أن لى رأساً كرميةِ مدفعٍ
لحسبتُ أني صخرةٌ وبكيتْ

السلحفاةُ تقول:
لولا أن لي قلباً
كفُسْتُقَةٍ يقشِرُها الحنينُ
ورغبةٌ في داخلي لبكيتْ

السلحفاةُ تقولُ:
لولا أنني أنثى
يخصبُها قضيبُ الوقتِ
لا أهتزُّ من خوفٍ
لمتُ صغيرةً كالكائنات ..
















عن الذين أحبوا البحر

ربما وكأننا في حانةٍ بحريةٍ
تأتي الرياحُ بما نحبُ ونشتهي
البحرُ يؤنسنا ويأخذُنا صغاراً
ليس نقرأُ أو نفسرُ ما يفسره الصغارُ
فإننا يا بحرُ أطفالٌ لموجك
لا تدعنا حائرين الآن نجلسُ فوق شطك
واضعين أكفنا في خَدنا
والناسُ تسخرُ من خسارتنا
ونسخرُ من هزيمتهم
فأوضح مجتلاك ومبتغاك
لكي نصدقَ ما يصدقًه الذين يكلمونك

"فتيةُ عاشوا على أَشكَالِهم في حانةٍ بحريةٍ
يقضون ما سيضيعُ من أعمارِهم"
أوضح لهم سمتَ الحقيقةِ
كي يقولوا:

"ها ..
خسرنا..
لا يضر..
حياتنا ضاعت..
سنكملها كما بدأت"..

سنضحكُ ربما وكأننا في حانة بحرية
نتذكر الآتي فنسخرُ
هل ستقطُفُنا الأكفُّ كبرتقالٍ ناضجٍ
كالشمسِ
أم سنظلُ في شجرٍ على بعدٍ عن الأيدي
سنضحكُ
ربما نحتارُ في ضحكٍ بطعمِ الدمعِ
تقطفُنا الأكفُ
وقد تخلصنا فنبدو هادئين ومخلصين لها
وقد تجتثُنا من عالمٍ خاصٍ بنا
فنسبها
ولربما تزدادُ دهشتُنا فنرقصُ
لم تعدْ أجسادُنا
ملكاً لأجهزة الرادار ولا الحواسب
إنها ملكٌ لنزوتنا
سنوجِعُها ونجبرها على الرقصِِ العنيفِ
على موسيقى الذاهلين من الحياة
المتخمين بحسها الأخَّاذِ

...
ربما وكأننا في حانة بحرية
سنريقُ خمرتنا على أفواهنا
وندورُ نسألُ عن نساءٍ ساحلياتٍ
لنرقدَ في اتساع خيالهن
وفي فضاءٍ واسعٍ يمتدُ
من أطراف أرجلهن
حتى ذلك الدغلِ الممددِ
في سوادِ شعورهن
يمر صيفٌ هادئٌ
وتنهداتٌ ليس تهدأُ

يا نساءَ البحرِ
لا تبعدن عنا إننا أطفالكن رجالكن
افعلن ما تفعلن بالأطفال
حممنَهم
وأضئنَ ماضيهم بهالات العيون
عيونِ صيادي العيونِ
ابدأن حاضرهم بفاتحةِ الشفاهِ

ويا نساءَ البحرِ
ليس لنا سوى أجسادكن
نضيعُ فيها في تضاريسٍ
تليقُ بسيداتِ البحرِ
لا يغضبن أو يخجلن أو يهجرن
مائدةَ الأحباءِ القدامى

ربما وكأننا في حانةٍ بحريةٍ
سنحبُ أو سنموتُ
حقا
ربما تأتي الرياح
بما نحب ونشتهى
..







الناس الذين هنا

ـ الأرضُ أقطعها لنا ربٌ
وقالَ "لديكم الأوقاتُ
 فابنوا عشةً في عشةٍ
وأنا سأمنحُكم حياة ضَمِخُوهَا بالدماءِ"

ـ الأرضُ أقطعَها لنا ربٌ على جبلٍ
وكنَّا تائهينَ .. البحرُ مَرسَانا وقوت عيالنا
.. قلنا لنسمع ما يقول الرب ...
كان الخضر قائدنا لهذي الأرض
أرشدنا وغادر
قال "كونوا ليس أكثر أو أقل"
ولم نكن يوماً فلاسفة لنفهم ما يقول الخضرُ
.. صدقنا لأنا لم نجد إلا خياراً واحداً
والموت ليس بوسعنا..

في أول الأمر اتكأنا على أجسادنا
حتى تعبنا
ثم أجلسنا الحنينُ القرفصاءَ
جوارَ بعض ..

منذ كنا صبية حتى كبرنا
لم نشاهدْ أي مارٍ أي خيلٍ أي دنيا
غير دنيانا التي قامت..
فعشنا لم نغيرْ أي شيء أي شيء..
في أديمِ الأرضِ أنشأنا أسرتنا ..
عراةً لم نزلْ من يوم جئنا مهملين
نعيش ليس سوى نعيش
نقوم من نومٍ لنومٍ

لم نوسعْ ملكنا
كنا كسالى .. لم نقم بتجاربٍ كبرى ..
لم نكن شعراءَ أو أربابَ أمزجةٍ
ولا كنا خياليينَ أو متطلعينَ

على أديم الأرض أنشأنا أسرتنا
ولم نفكرْ في الحضارةِ
لم نجد جدوى لذلك
نحن من حتى نفكرُ
نحن من حتى يفكرُ غيرنا فينا
الأرضُ أقطَعها لنا ربٌ على جبلٍ ..
في أول الأمر .. اتكأنا على أجسادنا حتى تعبنا
ثم أجلسنا الحنينُ القرفصاءَ جوار بعض
ثم نمنا هادئين..












مصاحبة الرمادي الثقيل

يعني الرماديُّ الثقيلُ
تخلصَ الألوانِ من ألوانها
وفناءَها في لونها العبثي
في لونِ الرماديِ الثقيلِ
فناءها في حضرة المصباح
حين تذوبُ في جسدِ الفتيلِ
فناءها في ربكةِ الألوانِ
في عششِ الدجاجِ
وفي بيوتِ العنكبوتِ
وفي معانقةِ المصيرِ كغائبِ نشتاق عودته
لنبكي

في مساءلةِ الهواجسِ عن مسببِها
وفي مطرٍ بليلٍ لا تحدثُك السماءُ به
وفي حزنِ المقابرِ حين يغلبُكَ الحنينُ
وفي خيالِ الكهفِ حين يمرُّ
ثم يغيبُ
...............
يعني الرماديُّ الثقيلُ حيادنَا
لما ستشتبكُ الجيوشُ معاً
سيكفينا التفرجُ والخروجُ
أكفانا بيضاءَ
لا ذنب يعلوها
ستكفنا الجروحُ من الشظي
من معاتبةِ الضميرِ
لأننا لا شأن يعنينا سوى
رصدِ المعاركِ
والبكاء على دمٍ لزجٍ يسدُّ السهلَ
هل هذا يميلُ القلبَ نحو الخاسرينَ
حيادُنا يعني التمرسَ في مشاهدةِ القتال
فلا نميلُ لأي طائفةٍ
لأنا لم نشاهدْ أي شيء واضحاً
ولذا سيكفنا البكاءُ على الضحايا

يعني الرمادي الثقيل
رجوعنا لطفولةٍ
نحكي ملامحها
لنهرب من كهولتنا
ومن مللٍ يميتُ الروحَ
يعني كونَ أيدينا ملوثةً بطينِ الأرضِ
أنَّا كلما سرنا سقطنا
فاختلالُ الوزنِ يفقدُنا امتلاكَ الأمر
ـ هذا ما نشاء الآن ـ
أن نمشي ونسقطَ
أن نصاحبَ غيمنا
حيث السماءُ تمدُّ أيديها
فنحسبُ أنها اقتربتْ
لماذا كلما اقتربتْ بعُدنا
كنت أحسبُها تميلُ
ولم نزلْ نشتاقُ طعمَ لعابِها لما يسيلُ

رجوعَنا والشمسُ تغربُ للبيوت
ولم نزل نخشى من العربات
من رُكَابِها
نخشى مصادقةَ الغريبِ
وإن صحبنا ظله
ونشيده ودبيبَ خطوٍ
غاب عن عيني
ولكن لا يزال يدقُّ لي جرساً
لأصحو حين أبعدُ أو أنامُ
على المفارق لا أعي للذئبِ والحرباءِ
..............

يعني الرمادي الثقيل روجعَنا لخيالنا القروي
للنظرِ البعيدِ
ولاصطحاب الظل أين نسيرُ
للطرقِ الرمادِِ
رجعونا لله يرسمُنا على مهلٍ
فنضحكُ من خطى الفرشاةِ فوق عيوننا
"ولكم نحبُك حين تأخذُ روحنا في الليلِ
تمنحُنا السكينة..
كم نخافُ وأنت تصبغُ وجهَنا
من قصعةٍ ملأ بلونٍ
أبيضٍ في أسودٍ
لونٍ له طعمُ الحياة مخضباً بالموتِ
باللونِ الرمادي الثقيل..
***




مثل موسيقى تجيء من الشمال

غيرَ مكترثٍ بشيء
قل: جلستُ على البحيرة
مثل "بحارٍ عجوزٍ"
مرسلاً قدمي في الماء
اكتفيتُ بأن أغني غير مكترثٍ بشيء
غير موسيقى تجيء من الشَمالِ
جلستُ أسمعُها
وأسألُ:

كان يمكن أن تغادرَ للشمالِ كما تحبُ
ولا تشيخُ بذا المكان
أجيبُ "لا تحزن
نجوت من الرحيل
من التأخر في الشتاء
ومن رصاص الراصدين"..

أنت أبعدُ ما تكون عن البحيرة
لم تغازلْ أية امرأة
وعشتَ ولم تعي ما قيمةَ الماء
اكتفيتَ بأن تحدقَ في البحيرة

قد يقول الفائزون:
خسرت مالك والبحيرة
إنها للفائزين
ولم تفرق بين أن تبكي ليبكي الآخرون
وبين أن تبكي وحيداً..

ربما سيصدق الناسُ البكاءَ
يقولُ عنك الناسُ حين يلاحظون
ضمورَ عينك أو سواداً تحت هُدبيك
"اكتفى هذا المحب بأن يحدق في البحيرة"
.....


تختارني لغةٌ كحدِ السيفِ
تخطيء في الخيارِ
ولا تودُّ بأن تكذبَ نفسها وتقولُ:
"أخطأ من أتى بي هاهنا"
في الليلِ تلبس شارعين كمعطفٍ
وتدورُ تبحثُ عن مكانٍ آمنٍ
لحبيبها الخطأ ..

"اكتفي بالموت حباً ..
لا تحبُّ
عليك أن تقنع بما أتيت من ألمٍ
ولا تسألْ لماذا ..

الموت حباً دون أن تعرف
متي أحببت
أو أين التي أحببت
أو من هذه من كلمتك"..

تميتني لغةٌ
تخلصني من الأرقِ الخفيفِ
ومن ملامسةِ الجهاتِ
ووحدها تحتلُّ رأسي
وحدها
فأحبها وأموتُ
تبعثي لماماً كي أحدقَ في البحيرةِ
ثم أبعثًها لتحيى وحدها
فأحبُها
وتميتني لما تخلصني من الوحلِ القريبِ
ومن أغاني الساذجينَ
ومن خيالِ الآخرين..

تقول: "أنت حبيب نفسك يا حبيبي"
إنها تجتاحُ رأسي وحدها
فأعيشُ مكترثاً بها
وأموتُ مكترثاً بها
وكأنها صوتٌ لموسيقى تجيء من الشمال..












طَرِيقُنَا للبَيتِ

هل مشيتَ اليوم في هذا الطريقِ،
طريقِنا للبيتِ،
أذكرُه كما أتذكرُ اسمي،
شارعٌ أسفلتُ
يبعدُ، لا كثيرٌ أو قليلٌ، عن مكانٍ ما
بحي ما .. هناك على يمينِ النيلِ
.. أذكرُه كما أتذكرُ اسمي
يرتاده ناسٌ وناسٌ آخرونَ
له بيوتٌ هشةٌ وله دَكَاكِينٌ مغلقةٌ
ورائحةٌ أُميزُها ..
إذا اقتربتْ خطاي من المكانِ
يدلُني أنفي عليها
..
بيتُنَا هذا القريبُ يضيعُ مني
..
كنت أذكره كما أتذكرُ اسمي
الآن غابَ ولستُ أذكرُ أي شيء..

هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِ
وهل صدمتَ السائرينَ اليومَ
كم سيارةً صدَمَتكَ
أنت من اطلعتَ على مماتِكَ
غيرَ أنك لا تدققُ في الزمانِ
"مباغتٌ في الليلِ يمشي وحدَه ..
صدمته مركبةٌ فماتَ ولا زيادةَ"
هل رآك الآخرونَ
وهل رأيتَ الآخرينَ
مشيتَ لم تعرفْ ..
لماذا كلُّ هذا الليلِ
لم تدركه قبلُ،
وقد مشيتَ بلا ظلالٍ
ربما سقطتْ ظلالُك
عدْ لها واحملْ بقايَاهَا
لتخمدَ..
حينما ستفيقُ ..
أمَّا الآنَ فافعلْ أي شيء..

هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِِ
وقلتَ للأصحابِ:
"أخشى أن تموتَ النارُ فينا"
لا يهمُّ "الغابةُ احترقتْ"
وليس بوسعنا شيءٌ سوى
أن نوقدَ النيرانَ في الأشجارِ مثل الآخرينَ
الغابةُ احترقتْ ..
نفرُّ ونشعلُ النيرانَ ..
نحن وقُودُها الأَزَلِي
لا لا تخمدُ النيرانُ فينا أو تَموتُ ولا نَموتُ
نشدُّها في قلبنَا كمسافرينَ
"الغابةُ احترقتْ"
وليس بوسعنا شيء ٌ
سوى أن نوقدَ النيرانَ
نحرقُ أي شيءٍ

هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِ
وهل مشيتَ الأمسَ
لم تتغيرِ اللقطاتُ
لكن المُصوِّرَ غيَّر الكاميرا بأحدثَ

قالَ: أَبحثُ عن فضاء ٍ
لا يعكره الهواءُ ولا الدخانُ
أسيرُ فيه أصورُ المعنى
بهيئته الخفيةِ والشفيفةِ
طالما لم يأتِ في حَدْسِ المصورِ
أن يغيرَ في تضاريسِ المكانِ
وطالما لم يسألِ اللهُ القوي عبيَدَه
"لن يعجبَ الشعراءَ كوني
هل أرتبُه كما سيرونًه أم هل أرتبُه كما سأشاءُ؟"

لم تتغيرِ اللقطاتُ ..
لكنَّ المصورَ غيّر الكاميرا بأحدثَ
كي يصورَ أي شيءٍ

قل هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِ
هل استرحتَ غفوتَ وقتاً..
أو عبرتَ منازلاً سبعاً
وقلتَ "الآن مالى لا تطيقُ يداي شدّّ القوسِ،
أو حتى امتطاءَ الخيلِ ..
ما لي كنت سيدَ هؤلاء وهؤلاء
وسيدَ المستضعفين
خرجتُ في "أثرِ الغزالِ"
مشيتُ في هذا الطريقِ وعدتُ
كي يتذكرَ الأصحابُ أني لن أعودَ
ولم أخبئْ في المخدةِ وردةً
كي يذكروني ..
هكذا من غيرِ تذكرةٍ مشيتُ
ولم أخبئْ أي شيءٍ

هل مشيتَ اليومَ في هذا الطريقِ
وقلتَ "كفي يا تماثيلُ استقري في مكانٍ واحدٍ
حتى أعي هل تهتُ أم ضاعَ الطريقُ
يقول أصحابي "لماذا لا نعودُ"
يرد أهدئُهم: لماذا نحن في هذا المكانِ
يحيطنَا نغمٌ يهيئُ للرومانسيينَ من أعدائِنَا
"سفراً سعيداً للخيال" ويستبيحُ فضاءَنَا
فنَضِجُّ من جدوى الهدوءِ
ونحن نمشي
نستقرُ لنستريحَ
أمامنا مقهى وناسٌ جالسونَ
وخلفنا مقهى وناسٌ جالسونَ
فهل تعذبُنَا خطانَا أم نُعذبُها
خطانا تلك تحملنا لأينَ
لأي برٍ هادئٍ
ستعودُ تحملُ آيبينَ
وخاسرينَ وساخطينَ
وشاكرينَ لأي شيء ..





جامع فضلات

كيف أخلق لو تشاء توتراً في النص؟
: جمع ما استطعت، إذا استطعت،
من القمامة ما يمر عليك:
 ـ شحاذٌ يدخن كي يضيع الوقت
 "حرك رأسه واجعل يديه تشاوران إلى السماء"
 ـ بدينة ترتاح في كرسيها الخشبي
تطعم قطة
 "هبها لتوك من لدنا شقتين كبيرتين
ليصعد الفقراء فوقهما لروما"
ـ صائدٌ يصطاد من شُباكه سمكاً
 ويقسم أن بحراً من هنا سيمر حتماً
 "شده من منخريه وقل له خليك وحدك
 ربما سيمر بحر من هنا حتماً".

ـ إذن تجمع ما استطعت من القمامة
ما يمر عليك وحينها يتوتر المعنى
تجنُّ وقد تصادف عارياً بجوار قبر
 قد تصدق أنك الأفعى
 التي رسمت على رمل الطريق
بذيلها سبلاً لجوعي
 قد تصدق أن روما مثلما ذكر الرواة
حقيقة
 أن القيامة بعد يوم واحد ستجيء
 وقد تصدق أو تكذب أي مارٍ
 ربما ستصير حبراً للمشاة ودفتراً للعابرين
قد تتشاجر الأرواح:
"من منا الذي سيضيء حتى يعبر المتوترون على الصراط"
وأن كافوراً وسنطاً يطلعان على الحواف
وأينما تمشي تلوح قري
ورائحة تفسرها لتضحك أو تغنى..

ـ لو تجمع ما استطعت من القمامة ما يمر عليك
تحمل سعفة وتدور من بيت لبيت
تجمع الأحداث
تحتمل العبارة حين تسقط مثل سوط فوق رأسك ..
راصداً عينيك
تحملُ سعفة وتدور من بيت لبيت
"من سينصف بائع الفضلات"..
لما تجمع ما استطعت من القمامة ما يمر عليك
قل "بتوتر في النص أكتب: إن كافوراً وسنطاً
يطلعان على الحواف"..















ليس كمثلها بشر

ستكونُ أغنيةً لها
ستكون ذي وردٍ وشوكٍ
كي أجربَ حاستي في الشمِ
تخدشني إذا حاولتُ أن أنسى مفاتنها
وإنْ أخفيتُ عنها سحرها
ستغيب عن رأسي
سيعجبها الثناءُ
تطيرُ بي لما أغازلُها بما فيها
وتساءل: ها أصدقُ عطرها
أم كذبتني دقةُ التكوين
وافترشت غوايتُها سريري
لم أصدقْ أنها لي فاختنقتُ بها وقلتُ:
جميلةٌ أنت اتبعتُك
هل يتاحُ لي التماسَ الحزنِ فيها
سوف تصبحُ غزلتي وأكون عزلتها
سأصبحُ ضابطَ المعنى على الإيقاعِ
ألبسُها على جسدي وأصرخُ:
"كل هذا الحسن بين يديّ

يكفي أن أفسرها لأعرف حاجتي لبقائها
أتحملُ الصمتَ الذي أتحملُ
الوقتَ الذي سيضعُ مني
الأصدقاءُ يساءلون لما تأخر
كل هذا كي تقرَّ ولا تفرَّ
أخافُ أن أنسى بدايتها فتحزنُ
أن أفسرَ غيرها فتغارُ
أن أمشى بغير هدى لها فتضجُ منى
حينما تبدو قوافلها على مرأى
تميلُ مع النسيم
تكون أغنية لها
ويكون لي ماء ونار
يجذبان خطاي ثم يكونان لشاعرٍ حدسا
يوازي زرعها
ويؤكدان لشاعر أن الذي يكفيه بعدُ
قليل فتنتها
ليملأ صدره بالريح
يرقص رقص مخطوفين
ينعتهم بسوء الحظ
يجعله يرون نسيمها
 فتكون أغنية لها












وإذا السماء ازلزلت

وإذا السماء ازلزلت
فشددت جسمك من يديك
دخلت تحت مظلة تتأمل
المطر المدبب
ثم تفتح وادياً وتغيب في
أفقية والماء يصنع معبراَ
بين البساطة والغموض
بين فلسفة التفتح في السماء   
ورؤية المتقوقعين على أكف الأرض

بين الغيم والوحل المسافة غير واضحة
وجسمي معبر ما بين رأسي والحذاء

أحب أن أنسى وأن أُبقي على وهجي
لحين تقرًّ عيني ثم أنفخ في يديَّ مخلفا
أثري ورائي
ثم أصعد ثم أهبط
نشوتي هذا الصباح عفية
وأمام عيني رغبتي قط تقافز
كنت أمشي غير محتدٍ وغير مصاحب أحدا
وكان أمام عيني الطريق.. أسير
ليس على ذراعي غير جيتار مسنٍ
كان "القراد" يمص أحمري الشفيفَ
وكان أحمري الشفيف كأنه استغنى
وكنت في قارورة ألتف
ليس أمام من لا غيره يبكيه حتى لا يصاحب
غيره لا غير أن يتدخلا حتى يصيرا واحداً
يصطك في هذا الصقيع يُدسُّ في قارورة يتحمل المعنى

وإذا السماء ازلزلت
فشددت جسمك من يديك قفزت
في الوحل انثنيت تشد رابطة الحذاء
وقد تفتح جانباه وأوشكت قدماك
أن تتجمدا
لا غير أن تمشي ليحدث ما سيحدث
أن تمر أمام عينيك الحوادث
أن يمر أمام عينيك الجميع مبللين
يجرجرون وراءهم أوحال يوم
ربما قرن ولا شيء يهم
الناس أقرب للحوائط
لا غير أن تمشي
لتصبح حائطاً
تلقي السلام على الحوائط
تصعد الأوتوبيس تصدم حائطاً
وتزاحم الطابور تصدم حائطا

وإذا السماء ازلزلت
فشددت جسمك من يديك
دخلت تحت مظلة لا أنت حادثك
الذي منك اصطفيت
ولا اندسست على الحوائط
حائطاً


البستان

قال:
يا بستانُ لا تعبأ بنا
سننام أسفل نخلة
حتى يجيء الليل
نرحلُ
لن نمدَّ سواعداً
سنبيت جوعى
لن نواري سوءةً
سنظل أكثر فطرة
سنظل أعرى.

قال:
 يابستان
لا تعطف علينا
لا إذا متنا يضر الأرض شيء
أو حيينا لن يضر الأرض شيء
لا تدع عطفاً يسوقك
لم ندع قلباً يقربنا إليك
سنستعيذك ما استطعنا

لن نمد أكفّنا لكن سنبقي حائمين
محلقين وراء عطرك
لن نمد أكفّنا لكن سنفرش جلسة
ونظل نضحك من غبائك أيها البستان
من سيحول بين وجوهنا والضحك
لا تأمن فقد تشتطُّ أنفسنا ونغدر
ليس للجوعى أمان
لن يظل ثمار نخلك سرمديا
لن يضل أمام أعيننا حجاب

قال:
يا بستان لا الخوف استبد بجرأتينا
لا
ولا حتى الشجاعة أركبتنا فوق ظهرك
بل بقينا منذ ما نحن انفرطنا
كلما دب الحنين أو استبد بنا مناخ سيئ
نغتاظ ثم نقول:
نخلك ملكنا ونجيل أرضك ملكنا
لكن نظل محافظين على التوازن
إن سقطنا
من سيحمل قربة أخرى ليسقي النيل إن يعطش
ومن سيمد كفاً نحو غرقى
من سيلقي قشة لتصوننا
من قسوة المتوسط المحتدْ


فاحتملنا أيها البستان حتى الليل
...... لا تعطف علينا
لا إذا متنا
نضر الأرض شيئاً
أو حيينا
لن نضر الأرض شيئاً..




الكائن فى الليل

يحلو لمثلى
أن يسيرَ على جدارٍ مائلٍ
في سرعة حتى يغير
من رتابة عقله

في الليل أصبح عاقلاً جداً
وأخرج للمجانين الثقال
أقول لا أحد سيدرك
أنني اليقظ الوحيد
ولن يعقب أي مجنون
إذا ما قلت إني
سيد الليل
الأمير على جميع الساهرين إلى الصباح..

على النواصي أحتسي ظلي لأسكر
ثم أمشي حاملاً شبحاً
له رئتان يخزن فيهما
الأحداث
والقطط
الكلاب
الراقصات
العائدين من المقاهي الداخلية
كل شيء مدهش

يمشي بطيئاً دائخاً
حذراً ...
لكي لا تسقط الأحداث من
رئتيه
لو سقطت فماذا سوف يكتب
لا يصدق أن شيطاناً سيملي
أو ملاكاً
إنه فقط الذي يبدو ككلب جائع
أو خنفساء..
إنه فقط الذي يتحمل اللغة
الذي رئتاه لا تحنو عليه
سوى إذا امتلأت دخاناً
يجعل الألفاظ
حبلى بالدلالة والدماء..
......................
سوف أمشي تائهاً
متذكراً جسد الفتاة
فلا يزال يجيء
ليلاً كي ينام جوار ظلي
دون أي إرادة منها
وأعرف أنها ستهينه

ولربما سأرى الذي فعلت به
سيقول لا أتحمل القرصات
لا أتحمل الروح الثقيل
 لكم يشاء الله
أن أُبقي بداخلي الثقيلةًَ هذه

ولسوف أحضنه بعنف
ـ لا عليك أنا سأحمل بلطتي
لأقاتل الروح التي تجني عليك
لتستريح.


إذا سأمشي تائهاً
أصف الشوارع والبيوت
لأصدقاء تائهين
رؤوسهم ملأى
بأسراب من الطير الهزيل
أتوا بها من عالم متخيل
يغرونني بالطير
أحلف أنني
لما يناموا سوف أخنقه جميعاً
لا أحب الطير في ليل كهذا
لا أحبذ أن أكون مغنياً سذجاً
رقيق القلب في ليل أمازج
فيه بين دم ورائحةٍ
لأبعد عن ركابي الحالمين
أنا الكراهية التي ستسد أعينهم جميعاً
لا أحن إلى بساط فوق كف الريح
أحتمل الغبار لكي أرى وجه الحقيقة
في وجوه الناس
في السير الطويل
على محاذاة الرصيف
وفي احتمال الجوع
والعري الذي أبغيه
سوف أسير عرياناً
ولا أحد سيبصر..

إذا لأمشي كي أردد ما يدور
على لسان الليل
ليس سواي يقرأ
إنني اليقظ الوحيد
وربما المجنون
في تعريف طفل
أو فتاة

حينما لمست
جبيني راحة الله
انتبهت
فقال لا تأبه بغيرك سر
فلا أحد سواك يحس
قلت أحب يا الله أن أبدو
كظل تحت عرشك
أن أرى وجه الحقيقة
دون مرآة
فقال: سأمنح الصوفي راحة باله
والفيلسوف المعدن الأصلي
أما أنت أمنحك السكينة
والتباس الحق بالبطلان
فالتمس الطريق
إلى البحيرة

إن رأيت فقلت
ما لون المياه
وخلت أن الورد
يمنح عطره من غير أن يصفر
قلت الغيم أصفي من خيالي
والطريق يعد مائدة لأطفال
الشوارع.

سوف أمنحك احتمال الرؤية الحق
احتمل ملل الفراغ الآن
سر وحيداً في الشوارع ..
***





فوتوغرافيا

قلتُ أرسُمني لأنجو من حقيقةِ أننا موتى
فأفعلُ أيَّ شىءٍ مدهشٍ
حتى يكون الليلُ مختلفا
فأرسمني فأنجو
كل ما أحتاجُ
تبغٌ للمساءِ
وبعضُ أرغفةٍ
وسبعةُ أبحرِ
وتخومُ أرضٍ لم أطَأَها بعدُ

أرسمُني لأنجو من حقيقةِ أن أبيتَ الليلُ وحدي
سوف يؤنسني الذي سيكونُ بعدَ دقائقٍ
ولسوف أسألُه أأنتَ خليقُ ما خلقتْ يداي

أرسُمني لأقضي ليلةً من دون خوفٍ
ليلةً حتى ترى عيناي أني لا أزالُ
أحسُّ أشعرُ
لم أغيرْ أيَّ شىءٍ بعدُ
حتى أشبه الموتى

قلت أرسمني لأنجو
كل ما أحتاجُ
عاصفةٌ تزلزلُني
وتقذفُني إلىَّ
ولا أريدُ سوى غناءِ الطيباتِ الطيباتِ
لكى أريحَ الرأس فوق أكفِّ طيبةِ
وأسمعَ للغناءِ
أطيرُ فوق جناحِ إحداهن
ثم يقولن لى:
إن الذي تبغي هناك
على مسارِ حديقتينِ
هناك فرشاةُ وألوانُ ومرآةُ
وأين تَرى فثم خيوطُ وجهِكَ
قلت أبغيني هناك على مسارِ حديقتينِ
لكي أرى وجهي فأرسمني فأنجو

رَدَّ عفريتٌ من الجنِ
احترسْ من كثرةِ الألوانِ
يكفي عودُ فحمٍ
كي تخطَّ خيوطَ وجهكَ
لن تقابلَ بهجةً أخرى حتى تعبرَ
باختلافِ اللونِ
ردَّ الذي يَدري أنا آتيك وجهك قبل
أن يرتدّ طرفًك
قلت هبني رسمَ وجهي كي أقلدَه
فأرسمه فأنجو
قال: أنكحُ صخرةً وأهيمُ تسعة أشهر
ثم أقولُ يا صحراءُ
كوني أنفَ طفلي كي يشمَّ الريحَ
يعرف ما يخبي اللهُ فيها
يا سماءُ ويا جبالُ ويا مياهُ ويا سهولُ
تشكلي في هيئةٍ أخرى
وكوني ما أشاءُ
تشكلي في هيئةٍ أخرى
وكوني وجهَ طفلي
كي يقلده فيرسمه فينجو
..........
ردتِ امرأةُ لعلك إن رسمت
ستشبه ابنى
ذلك الولدُ البدينُ
الأسودُ الشعرِ
القصيرُ
وصاحبُ النظارةِ الطبيةِ
الولدً الذي لما مَشى في الشمسِ
من عشرينَ عاماَ
صاح "يلهبني الشعاعُ
قَبستُ من أثرِ الرسولِ عبارتينِ
ومن عواءِ الذئبِ قافيتين"
صحت: فإنك الذئبُ الرسولُ
فإن رسمت فكنتَ طفلي
خذه وقلْ لها
لتعد لأمِك أيها الولدُ البدينُ
فإنها تحتاجُ نصَك كي تطهرَه
من الدنسِ الذي سيصيبُه
لتَعدْ لأمِك أيها الولدُ البدينُ..





الوادى المقدس


(1) عتبة

لما ستنظرُ من علٍ مثلي
ستبصرُ زحمةً وغبارةً
 ستدورُ رأسُك
ربما لما ستنظرُ نظرةً كليةً
فمتى تَرى تلَّ التفاصيلِ الدقيقةِ
كومةَ الفضلاتِ
لن تتسلقَ العتباتِ نحو الحي
حتى توقنَ العتباتُ أنك سيدُ الفضلات
لن يستقيمَ لك النسيجُ سوى إذا
أمسكت كلَّ فتيلةِ وضممتَها
بفتيلةٍ أخرى




(2) النيل

طولَ المسافةِ فرحةٌ
ولضفتيكَ السامرون يصفقون
فكنت تفردُ ساعديك بنشوةٍ
لتداعبَ اللبلابَ إذ ينُمو على شطيك
تحكي ما ترسبَ بين عَظِمِك
أنت من حفظتك قضبانُ القطاراتِ
كم سافرتَ بين محطتينِ عتيقتينِ
وكم تبعثرَ فيك صيادُو القرون
وكم تصادفَ فيك أطفالٌ بميقاتِ السعادةِ
ثم راحوا يصنعونَ "مراكباً ورقية" كمراكبِ
الشمسِ المحمل سطحُها بالميتينَ تشقُّ ماءك نحو
جانبك المريحِ
لضفةِ الأبديةِ..

(3) الكوبرى

ليس غير دقيقةٍ لتغير "السيراميكَ" بالإسفلتِ
أو تستدرجَ "الكوبريَ" ناحيةَ البيوتِ الهشةِ
القللِ، الحبالِ، وكالةِ البلحِ
الملابسِ، مسجدِ "السلطان"،
مئذنةٍ تحاولُ أن تكون حزينةً،
لما سَتُسأَلُ عن حقيقةِ حزنِها
سيطلُّ مبنى الخارجيةِ كي يجيبَ
"تقابلٌ سيصوغُ هذا الواقعَ اللزجَ المبعثرَ
في خلايا لوحةٍ"..
.....................

ما بين حاملتين تمشي
أيها الربُ الذي بطرته
سكينُ الأكاذيبِ ..      
 الذي خنقته مشنقةُ المظاهرِ..
 في مركزِ الكوبري يَتفُلُ ثم يبدأُ في الغناء

(4) الوادي القدسي
 ما أضحكَ الفقراءَ
هم يمشون لا يخشون
من دوامةٍ لا يشعرونَ دوارَها
...............

الشمسُ حدأَةٌ
تحدقُ لا تغيرُ عينها
عن عينِنا
حتى نرى
تبدو السماءُ اليومَ
أبخلَ من يهودي
فلا سحبٌ تصفقُ للبحيرةِ
لا ندى في نشوةٍ
يقوى يصفرُ للنخيلِ
اللونُ أقربُ للرمادي الثقيلِ
.........

من كُثرِ ما تتجمعُ الذرَّاتُ
حول هياكلٍ عظميةٍ
يتكون البشريُّ
في هذا الزحامِ
هياكلٌ من بعضها بعضٌ
كأن الريحَ يفرقُ
طينةَ الخلقِ الطريةِ
بين ممياواتِ هذا الواديَ القدسيَ
هذا الحي
والعرقُ الثخينُ
يقربُ الماشين من لغةِ التفاهمِ
يرشحُ الضحكاتِ
ثم يزخرفُ الوجهَ المملحَ بالرضا..


 (5) النوافذ

الناسُ حين برتُهم السكينُ
قال اللهُ للفقراءِ:
تزوجوا من بعضكم بعضاً
أحبوا من ترون من النوافذِ
من نساءِ الحي..

لا تخفضوا أجفانًكم عنهن
حتى يطلعَ التوتُ البريءُ
من الخدودِ
وتختفي بعيونهن
سحابةٌ زرقاءُ
حتى يخطفَ النحلُ الرحيقَ
تطيرُ أفئدةٌ بأفئدةٍ
وأجسادٌ بأجسادٍ
وساعتها يقول اللهُ للفقراء "غنوا"
ثم يغلقُ نافذة.

(6) الشاي
الشايُ يعني
الخائفينَ العالقينَ بجوفِ مقهى في الطريقِ
الشايُ يعني
أنَّّ زوجين استراحا منهكين..
مشاجراتِ اليومِ
أنْ طفلين فرّا من مشاجرةٍ ثم راحا يشربان الشايَ
حتى ينتهي الآباءُ من نفخِ القواريرِ الثمينةِ
أنَّ مولوداً سيُولَدُ
أنَّ شيخاً أكبراً عمّا قليلٍ سوف يرحلُ
أن دائرةً ستُنهي بعضها لا دخلَ للفقراء فيها

الشايُ برهانُ اليقينِ بأن كلَّ الجالسين
 يفكرونَ بضيقِ هذا العيشِ
يعني الشايُ فلسفةَ التهكمِ والقناعةِ
حين ذاتُ الكفِ تعجزُ أن
تُخلي "الدرهمين البيض" للآتي الأليم..

 (7) كم أُحبُّ البيتَ

سيقولُ طفلٌ:
كم أحبُ البيتَ هذا
كم أحبُ المشربيةَ
كم أحبُ كلابَ هذا الحي
أصحابي القدامى
منذ كنتُ صغيركم ..

أنا كبرتُ الآن
من سنةٍ كبرتُ
وكم أحبُ البيت
لن أبكي إذا ما
قال جَدي:
لن تكون رفيقَنا
ستظلُ وحدَك
في خرابِ البيت..

أنا كبرتُ
ولا أخافُ
وكم أحبُ البيتَ..

حين تجهزون
حقائبَ السفرَ الكبيرةَ
سوف أدخلُ تحت "بير السلم"

الآن اختبأتُ
وقطتي سأسدُ فاهَا
لن يحسَ العابرون بنا
ولا شيء سيزعجُهم
هنا لا شيء أصلاً
غير هيكلِ قطةٍ
في حضنِ طيفٍ آدميِّ

والداي سينجبان سواى طفلاً
لا يهم..

أنا كبرتُ
ولا أخافُ
وكم أحبُ البيت..

 (8) (المشربية) أُطِلُّ ولا أرَاك

السوْدويّةُ يا حبيبي أن أطلَّ ولا أراكَ
أنا وراء المشربيةِ يا حبيبي
كم أطلُّ ولا أراكَ
ولا أزالُ هناك
أنتظر اقترابَك من وراء الأهلِ
هل ستجيءُ أم سأظلُّ فوق السطحِ وحدي
سوف أشكو للدجاجِ
 خيالَك الليلَي
"هان الودُّ" أم طيفُ المدينةِ شدَّ شعرَك
كم أحبكُ
لا أقولُ كما يقولُ العاشقون ولست أعرفُ
ربما كان احتضاني طيفَ هيكلِك الخفيفَ
أدلَّ من لغةٍ تكسًّرُ في شفاهِي
نحن أبناءُ السكينةِ والهدوءِ
وربما قمرٌ يدقُّ البابَ يعرفُ طبعنا
فيدُسُّ ما سنَحسُّ في غيم السماءِ
بدورِها ستدسُّ ما سنحسُ في شُرفاتِ قلبَينا الزجاجِ
وربما عصفورةٌ "فتانةٌ" تأتيك ليلاً
غير عابئةٍ بسري
كم أحبُكَ لا كما يتحدث العشاقُ
لكن الدلالةَ دائما أقوى من اللفظِ الضعيفِ
وكم أحبك
كم أطلُّ ولا أراكَ
وكم تعبتُ من الغناءِ عليك
أشكو للدجاجِ وليس يعبأ

في سريري سوف أفرطُ زهرةً
في كلِ رائحةٍ سألقي قطفةً منها
- حبيبي سوف يأتي
- لا حبيبي لن يعود
- لا حبيبي سوف يأتي
- لا حبيبي لن يعود

وأنا وراء المشربيةِ كم أُطلُّ ولا أراكَ




(9) ظل دائم

سنعلقُ الضحكاتِ في شماعةٍ
لما يحينُ زمانُها
يا حزنُ قل شيئاً
يعكر صفونا
حتى نصدقَ
أن في وسعِ العجائزِ
أن تبينَ على وجوههم السكينةُ
أن يكونوا عابثين للحظةٍ
ويفكروا أن الزمانَ
ثقيلةٌ أيامُه وخفيفةٌ
حتى نصدقَ
 أن هذا الحي يوقظنا لنرحلَ
كم تبقى
 كي نقيمَ حياتنا الأخرى
ولسنا ضامنين
 بأن ما في العمر
يكفي كوبَ شايٍ
 كي تقرَّ رؤوسُنا
أو ركعتين لمسجدِ "السلطان"
لسنا واثقين بأن أعمدةً
تثبتُ روحَنا
 تتحملُ القصفَ العنيفَ
الموتُ أقربُ من تنقلِ إصبعِ
يحتاج وابوراً
يجر حصاتِ مسبحةٍ
وأقربُ من ذراعٍ
ليس تقوى أن تهشَ
ذبابةً رفَّتْ علينا
إذا لماذا سوف نرحلُ...
قبرنُا في روحنا
لما نحسُّ بأن أنفاساً
تَسلَلُ خلسةً
سنقومُ في عجلٍ
لنطلقَها على الطرقاتِ
ترعى
ثم نخملُ هادئين
ذوي قلوبٍ هشةٍ كالقشِ
ذوي رؤوسٍ صلبة كالصخرٍ
ذوي خيالٍ واسعٍ
ولحين يأتي الوقتُ هذا
سوف نضحكُ..



(10) الوصول

إذا لننظر نظرةً جزئيةً
لنرى التفاصيلَ الدقيقةً
كي نحبَ حياتَنا العفويةَ الخطو..
الخفيفةَ والثقيلةَ
والبطيئةَ والسريعةَ
كي نحير موتنا
فيضلُ عنا
سوف نشغلُ
وقتنا بضراوة التجريبِ
والنظرِ الدقيقِ
إلى ملامحِ ساكني
هذا الزحام ..
















الفهرست:

ما فعل الجنرال : 4
نشيد للحفاظ على البطء 12
عن الذين أحبو البحر 20
الناس الذين هنا 26
مصاحبة الرمادى الثقيل 30
مثل موسيقى تجىء من الشمال 36
طريقنا للبيت 42
جامع فضلات 50
ليس كمثلها بشر 54
وإذا السماء ازلزلت 58
البستان 62
الكائن فى الليل 66
فوتوغرافيا 75
الوادى المقدس 81


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads