النّهر الظّامئ
علي محمود طه
طال انتظارك بين اليأس و الأمل | يا كعبة المجد حيّ موكب البطل |
هذا المآب المرجّى شقّة قصرت | و غربة عن ثراك الطّهر لم تطل |
يا لهفة القوم هل ضجّوا لرؤيته | و جدّدوا العدّ من أيّامه الأول ؟ |
تدفّق النّهر من أقصى منابعه | لهفان يسبق لمع البارق العجل |
يثور تيّاره العاتي فيسأله : | أي الأساطير من ماضيذ خيّل لي ؟ |
و أيّ مضطرب في ضفّتي مشت | فيه الملايين من ساع و محتفل |
أعودة الثّائر النفيذ من سفر | لا يبلغ الوهم منه مفرق السّبل ؟ |
بل الشّهيد المسجّى في لفائفه | ضنّوا عليه بقبر الهانئ الجذل ! |
ما أشبه اليوم بالأمس الذي نسلوا | فيه على صعقات الحادث الجلل |
هذا الرّفات تراث المجد في وطن | لواؤه عن زكاز المجد لم يمل |
أغلى الذخائر من ميراث نهضته | رفات مستشهد في الحقّ مقتتل |
مشى إليك به التّاريخ فاستلمي | معاقد الغار من فرقيه و اقتبلي |
حان اللّقاء فما أعددت من كلم | و ما ادخرت من الأشواق و القبل ؟ |
فاستشرفي النّصر و استدني مطالعه | هذا بشير الهدى و الحبّ و الأمل |
عواهل النّيل أم أشباحهم عبروا | من ضفّة النهر ملء السّهل و الجبل |
مروا خفاقا على الوادي كأنّهم | مواكب السّحب البيضاء في الطّفل |
و في اساريرهم ذكرى ، و أعينهم | أسرار ماض على الأحقاب منسدل |
يستغفرون ليوم مرّ ، ما لهم | يد به ، جلّ فرعون عن الغيل |
ماكان من يسلب الموتى مضاجعهم | ربّ الصّوالج و التّيجان و الدّول |
حيّوا بأرواحهم سعدا ولو ملكوا | نبض الوتين مشوا في المشهد الحفل |
***
| |
يا صاحب الخلد كم للروح معجزة | و كم تمثّل روح الخلد في رجل |
لم ينته الوحي و السّحر الحلال و لم | تخل الحياة من الرّواد و الرّسل |
و من دم الشّهداء الباعثين به | جيلا من الحقّ أو دنيا من الأمل |
و لم يزل لك صوت كلّما شرعوا | لهاذم البغي ثنّاها على خجل |
و طاف بالمدفع الدّاوي فأخرسه | و النّار في صدره تصطكّ من وجل |
لواؤك الضّخم ما زالت مواكبه | تترى و راياته حمراء كالشّعل |
يمشي على قدم جبّارة هزأت | بالصّخر و الموج و النّيران و الأسل |
هذا طريقك للبيت الذي ألفت | خطاك بالأمس ، فاسلكه على مهل |
أنظر إليه ، فما حالت معالمه | م للزمان بما خلّدت من قبل !! |
أساله اليوم جرحا لو مضت حقب | لطلّ في جنب مصر غير مندمل |
قليلق أروع ما ابدعت من خطب | جلالك الأبديّ ، المفرد المثل |
و عش ، كم أنت معنى في ضمائرنا | لا ينتهي وحيه يوما إلى أجل |
و صورة سمحة الإشراق ملهمة | أرقّ من خطرات الشّاعر الغزل |
ذاكراك في الدّهر أعمار مخلدة | حياة محتشد الأمجاد متّصل |
يطالع النّاس منها أينما اتّجهوا | شعاع كوكبك الوقّاد في الأزل |