شاعر البحر إلى البحر يعود
شاعر البحر إلى البحر يعود | بالهوى المشبوب والروح المريد |
إن هذا اللحن من هذا النشيد | هو للبحر وجودٌ وخلود |
وطن الروم وبحر العرب | قد ملكناه بسيف الأدب |
إن يقل يوماً هنا كان أبي | قلت مجد الشعر فوق النسب |
أين أيامي برمل اسكندريه | والهوى يمرَح والروح فتيّه |
أين أيامي ونار الوطنيه | تجعل القلب إلى الوادي هديه |
لم أعد أذكر والدنيا صروف | غير أوهامٍ سوار وطيوف |
شاب رأسي أترى الشيب يخيف | فارس الحب وقهّار الحتوف |
إن في قلبي بقايا من شباب | إن في عقلي بقايا من صواب |
ما على الأيام إن جارت عتاب | إنها المعصور من ماء السراب |
إن هذا البحر روحٌ من نعيم | إن هذا البحر لفحٌ من جحيم |
في ثناياه خفيفٌ من نسيم | وأعاصيرُ من الكرب المقيم |
كان لي فيه على عهد شبابي | صبواتٌ في ذهابي وإيابي |
لم أكن أعرف والحظ كتابي | أنه خطّ على متن العباب |
أنا بالشعر وبالنثر أجود | ما الذي يا بحر في الحب تجود |
أمل الحب قريبٌ وبعيد | وسراب في هبوط وصعود |
جئت وحدي لا أنيسٌ لا رفيق | ما لمحزونٍ إلى الصفو طريق |
فسحة الأيام ضيق بعد ضيق | وندى البحر حريق في حريق |
أنا يا بحر بأهوائي غريق | أشرب الأهواء ريقا بعد ريق |
بالهوى قل لي متى يوما أفيق | من غرام هو كأسٌ من رحيق |
جنيّة البحر ماذا أنت صانعةٌ | يا دميةً صنعتُها من وحي أحلامي |
لا تنكري كيف كنا والهوى شرفٌ | أصوغه من غواياتي وآثامي |
قصائدٌ هي أمواجٌ مؤججةُ | وأبحر من صبابات واشجان |
جنية البحر لو أصغت لنا برزت | وأسلمت خدها للشاعر الجاني |
شيطانةٌ لو بدت يوما لكان لها | من وحي روحي وقلبي ألف شيطان |
تبيت تلعب تحت الموج لاهيةً | بما هنالك من در ومرجان |
إلى الفضاء تعالى واسمعي وترا | قد أسكر الخلق من إنس ومن جان |
إذا تغنّى وقال الشعر متقدا | أصغى له من جواه كل مرنان |
جنيّة البحر عودي | وباللّمى العذب جودي |
لا تنفرى من صعود الشط خائفةً | من شاعر فاتك بالحسن هيمان |
بلقيسُ أنت وعرش المجد تحت يدي | ورثته أنا عن جدي سليمان |
أيها البحر سلام وسلام | أيها البحر غناء وغناء |
أيها البحر غرامٌ وغرام | أيها البحر لقاءٌ ولقاء |
تعال يا بحر عندي | إني بروحي عندك |
فضحت بالشعر وجدي | فافضح بقربك وجدك |
ما كان عهد تلاقينا سوى زمن | مضرج بنجيع السيف والنار |
رأيت شطك والأهواء تعصف بي | عصف الإسار بليث الغابة الضارى |
كان الحديد سياجاً أستظلّ به | ظهراً وكان نديمي عند أسحاري |
إن أنسَ لا أنس والأيام ذاهبة | أني سجنت مع الأحرار في داري |
كان اصطخاب هدير الموج يؤنسني | كأنما هو من صحبي وسمّاري |
الإنجليز رمموني ها هنا سحرا | والدهر يضرب أحجاراً بأحجار |
كانوا يخالون لا صحت مخايلهم | أني أقلّم عند السجن أظفاري |
قد استتابوا رجالاً كان أشجعهم | عند الكريهة مأموراً لأمّار |
تعهدوا أن يتوبوا من غوايتهم | والتوب في بعض معناه من العار |
بقيت وحدي وأجنادٌ مدججة | حوارسٌ ها لهم عمدي وإصراري |
عني عفوا لا عفت عنهم جرائمهم | من جانثين بصدق الوعد غدّار |
ملائكٌ في تساميهم إذا نطقوا | وفعلهم مثل بغي القط بالفار |
جنت عليهم مع الأيام بيئتُهم | إن الضباب دخانُ النار بالقار |
الصيد مهنتهم والبحر ساحتهم | ما للمصايد إلا كل ختّار |
في نهرنا الرعاد | في نهرنا وحده |
لا تخدعوا الصياد | لا تخلفوا وعده |
إن بشعري سأطويكم وأنشركم | يا جاهلين بإيماني وتبياني |
عدت للبحر وما عاد الفؤاد | إنه من محنة الوجد يعاد |
بجميل الوجه واللحن يصاد | إنه المأسور من صوت سعاد |