يا ليلة هي كانت ليلة العمر
يا ليلة هي كانت ليلة العمر | بقصر شبرى ونهر النيل والقمر |
والجو طلق المحيا والصبا جمعت | لطف الأصيل لنا مع رقة المسحر |
حيث السماء بها الافلاك سائرة | كالفلك داشرة في لجة النهر |
والبدر مكتمل فيها وقد نظمت | من حوله نيرات الأنجم الزهر |
كغادة من بنات الروم حلتها | من لازورد عليها أنفس الدرر |
والنهر يجرى لجينا من سباه ومن | يد النسيم عليها أبدع الصور |
والموج بيدى فنون الرقص في مرج | يجلو صدا النفس والافكار والبصر |
والماء صب باغصان الربا كلف | للثم أقدامها يجرى على قدر |
وكلما خرّ للشكوى تجود له | أكمامها من نثار النور بالبدر |
مثل العرائس يجلو حسن بهجتها | مر الصبا في بديع الوشى والحبر |
تكاد تسلب لولا أن بلبلها | راق يعوذها من آفة الحور |
فالشهب ساطعة والقضب راكعة | والطير ساجعة تشدو على الشجر |
وللنسيم على الاغصان ولولة | وكأنما هو يتلو العشق في سور |
فصوته وهزار الروض حين شدا | قد وافقا نغمة الشادى على الوتر |
فكان بالعود مع ذا كله طربى | طورا وطور بما يحلو من السمر |
ومن أحب على لهوى يساعدنى | والدهر عبدى فلا أخشى من الغير |
وراحه ولماه كلما اجتمعا | يحار لى بين السكر والسكر |
وكيف أصحو ولى من شهد ريقته | خمر تألف بين الطيب والخصر |
عجبت للثغر يروينى بكوثره | والخد يرمى لظاه القلب بالشرر |
ومن جنى خده وردى وفاكهتى | مما يحييى به من يانع الثمر |
يقول قم واقترح ماشئت تلق كما | تهوى بلا ملل منى ولاضجر |
فيا لها كلمات كلها تحف | بحسن رقتها قد حيرت فكرى |
أشهى من البرء بعد السقم عندى بل | بعد العنا والأسى أحلى من الظفر |
بها خلعت عذارى بل ليست بها | ثوب الخلاعة لم أركن الى الحذر |
وبت أعثر في ذيل المجون كما | يهوى شبابى وبعت النسك للكبر |
فالشمس راحى وبدر التم حاملها | واللئم نقلى ومنديلى من الزهر |
وكلما جد من أهوى لسفك دمى | جديت بالكاس في سفك الدم الهدر |
مازال يشربها صرفا وأشربها | ممزوجة باللمى والغنج والحور |
حتى توسد يسراه وطوقنى | يمينه واتكا سكرا على السرر |
وقد أدرت نطاقا باليمين على | خصر له من دقيق الوهم مختصر |
وزال ماكان من خوف ومن حذر | ولا مراقب غير الدل والخفر |
فيا لها ليلة ماكان أطيبها | عندى وماكان أحلى لذة السهر |
جاد الزمان بها عفوة فسيرها | فيه الفريدة بل أعجوبة السير |
أكرم بها أنها جأت على قدر | بلا حساب ولا وعد لمنتظر |
محت سرور اذنوب الدهر أجمعها | فماله بعد ذنب غير مغتفر |
كأنها ليلة القدر التى اشتهرت | بالخير اذنلت فيها منتهى وطرى |
تنزل الروح فيها بالسلام من السقاة | بالراح حتى مطلع الفجر |
غراء واضحة جاد الزمان بها | لاعيب فيها سوى ماكان من قصر |
عن وصفها وسناها همتى قصرت | فرحت أسحب ذيل العى والحصر |
آليت أشكرها ماعشت مجتهدا | بالثر والنظم شكر الروض للمطر |
بكل نبرة الألفاظ قد بهرت | لحنها شعراء البدو والحضر |