مَنْ سَلَبَ الأعْيُنَ أنْ تَهْجَعَا
مَنْ سَلَبَ الأعْيُنَ أنْ تَهْجَعَا | وبَزَّ ذَاتَ الطَّوْقِ أنْ تَسْجَعَا |
ومَنْ رَمَى بالشوْكِ في مَضْجَعِي | فَبِتُّ مَكْلُومَ الْحَشَا مُوجَعَا |
رَوَّعَنِي واللَّيْلُ في زِيِّهِ | مِنْ مُرْجِفاتِ الْخَطْبِ ما رَوَّعَا |
طاحَتْ بِأَهْلِ الْغَرْبِ نارُ الْوَغَى | وهَبَّت الريحُ بِهِمْ زَعْزَعا |
طافَ عَلَيْهِمْ بالردَى طائِفٌ | فَاخْتَرَمَ الأَنْفُسَ لَمَّا سَعَى |
وصاحَ فيهِمْ لِلتَّوَى صائِحٌ | فَصَمَّتِ الأَسْماعُ مُذْ أَسْمَعا |
في الْبَرِّ في الْبَحْر ومِنْ فَوْقِهِمْ | لم يَتْرُكِ الْمَوْتُ لَهُمْ مَوْضِعا |
يَجْمَعُهُمْ جَبَّارُهُمْ عَنْوَة ً | وإِنَّما لِلْمَوْتِ مَنْ جَمَّعا |
يَحْسُو دَمَ القَتْلَى فَأَظْمِىء بِهِ | ويَنْهَشُ اللَّحْمَ فما أَجْشَعَا |
لم يَكْفِهِ رُمْحٌ ولا مُرْهَفٌ | فاتَّخَذَ المنطادَ والْمِدْفَعا |
وَخَبَّ فِيها راكِباً رَأْسَهُ | لِلشرِّ ماخَبَّ وما أَوْضَعا |
قَدْ غَصَّتِ الأرْضُ بأشْلاَئِهِمْ | وأصْبَحَ الْبَحْرُ بِهَا مُتْرَعَا |
وآن لِلْعِقْبَانِ أَنْ تَكْتَفي | وآنَ لِلْحِيتَان أنْ تَشْبَعَا |
صَوَاعِقُ الْمُنْطَادِ لاتُتَّقَى | وصَوْلَة ُ الألغام لن تدفعا |
أُطْلِقَ عَزْرائِيلُ مِنْ قِدِّهِ | أنّى شاء أن يرتعا |
تُطْرِبُهُ الْحَرْبُ بأَزْجالِها | ويَسْتَبِيه السَّيْفُ إِنْ قَعْقَعَا |
كأنَّما في صَدْرِهِمْ غُلَّة ٌ | أَبَتْ بِغَيْرِ الْمَوْتِ أَنْ تُنْقَعَا |
كأَنَّهُمْ سِرْبُ قَطاً عُطَّشٍ | صَادَفْنَ مِنْ وِرْدِ الرَّدَى مَشْرَعَا |
كَأَنَّهُمْ والنَّارُ مِنْ حَوْلِهِمْ | جِنٌّ تَأَلَّوْا أنْ يَبِيدُوا مَعَا |
صارُوا مِنَ الْعِثْيَرِ في ظُلْمَة ٍ | لاتُبْصِرُ الْعَيْنُ بِهَا الإِصْبَعَا |
كَمْ فارِسٍ يَمْرَحُ في سَرْجِهِ | يَهْتَزُّ كَالْغُصْنِ وقَدْ أَيْنَعَا |
كَأَنَّهُ الصَّمْصَامُ إذْ يُنْتَضَى | وعامِلُ الرُّمْحِ إِذا أُشْرِعَا |
ماضَنَّ بالرِّفْدِ على وَافِدٍ | ولا لَوَى حَقّاً ولا ضَيَّعَا |
تَمْشِي بَناتُ الْحَيِّ في إِثرِهِ | يَرْشُقْنَهُ بِالزهْرِ إِذْ وُدِّعا |
مِنْ كُلِّ بَيْضاءِ الطُّلَى طَفْلَة ٍ | أَسْطَعَ مِنْ بَدْرِ الدجَى مَطْلَعا |
تَكُفُّ غَرْبَ الدَّمْعِ أَنْ يُرْتَأَى | وتَحْبِسُ الزفْراتِ أنْ تُسْمَعا |
لَجَّ بِهِ الْمَوْتُ فأوْدَى بِه | وحَزَّ مِنْهُ الليتَ والأَخْدَعا |
ماتَ فلا قَبْرٌ لَهُ ماثِلٌ | ولا بَكَى الْباكِي وَلا شَيَّعَا |
سَلْ ليجَ ما حلَّ بأَرْجَائِهَا | فقد غدتْ أرجاؤُهَا بَلْقعَا |
واسْأَلْ نَمُوراً مادَهَى أَهْلَها | فقدْ نَعاهَا البَرْقُ فيما نَعَى |
وسائِلِ الروْضَ ذَوَى نَبْتُهُ | وسائِلِ الأطْلالَ والأَرْبُعَا |
باريسُ والْعُسرَى إِلَى يَسْرَة ٍ | وغايَة ُ الْعارِضِ أَنْ يُقْشِعَا |
أَعَزَّكِ الْخَطْبُ بِأَوْجالِهِ | وَكُنْتِ عُشَّ النسْرِ أَوْ أَمْنَعا |
كُنْتِ لِطُلاَّبِ الْهُدَى مَعهَداً | وَكُنْت رَوْضاً لِلْهَوَى مُمْرِعا |
ما أحْسَنَ السِينَ وجِيرَانه | وأَحْسَنَ الْمُصْطَافَ والْمَرْبَعاا |
أَرِيعَتِ الْحَسْناءُ في خِدْرِها | نَعَمْ دَعاها الذعْرُ أَنْ تَهْلَعَا |
عَهْدي بِها كانَتْ نَؤُومَ الضُّحَى | مَلُولة ً ناعِمِة ً رَعْرَعا |
ما خَطْبُها والنارُ مِنْ حَوْلِها | والْمَوْتُ لم يَتْرُكْ لها مَفْزَعا |
ضَرَاغِمَ الْماءِ ثِبُوا وَثْبَة ً | آنَ لِهَذَا الْغِيلِ أَنْ يُمْنَعا |
دَعَاكُمُ الْجَارُ فَكُنْتُمْ إِلَى | دُعائِهِ مِنْ صَوْتِهِ أَسْرَعا |
وَسِرْتُمُ لِلْمَوتِ في جَحْفَلٍ | ما ضَمَّ رِعْدِيداً وَلاَ إمَّعا |
مِنْ كلِّ شَعْشَاعٍ خَفِيفِ الْخُطَا | ذِي مِرَّة ٍ مُنْجَرِدٍ أَرْوَعا |
لَوْ مَادَتِ الأَجْبالُ مِنْ تَحْتِهِ | أَوْ خَرَّتِ الأفْلاَكُ ما زُعْزِعا |
سَلُوا بِحَارَ الأرْضِ عَنْ مَجْدِكُمْ | إِنَّ بِهَا سِرّاً لَكُمْ مُودَعا |
كَانَتْ وَلاَ زَالَتْ لَكُمْ سَاحَة ً | تَبْنُونَ فِيها الشرَف الأفْرَعا |
تَهْوَى طُيُورُ الْماءِ أَعّلاَمَكُمْ | فَتَقْتَفِيهَا حُوَّماً وُقَّعا |
قَدْ طافَ نِلْسُنْ حَوْلَ أُسْطُولكُمْ | مُسْتَصرِخاً غَضْبَانَ مُسْتَفْزِعا |
يُغْضِبُهُ يا خَيْرَ أَشْبالِهِ | أَنْ يَبْلُغَ القِرْنُ بِكُمْ مَطْمَعا |
يَا خَالِقَ النَّاسِ طَغَى شَرُّهُمْ | فَاهْدِ الْحَيَارَى واكشِفِ الْمَهْيَعا |
لم يُشْبِهُوا الإِنسانَ في خَلَّة ٍ | وأَشْبَهُوا الْحَيَّاتِ والأَسْبُعا |
قَدْ رُفِعَ الإِحْسانُ مِنْ بَينِهِمْ | وأوشَكَ الإِيمانُ أَنْ يُرْفَعا |
لَوْلاَ سَنَا هَدْيِكَ في بَعْضِهمْ | لَدُكَّتِ الأرْضُ بِهِمْ أَجْمَعا |