حافظ ابراهيم
علي محمود طه
علي محمود طه
إملأي الأرض من حداد و غيهب | مال نجم البيان عنك و غرّب |
و خبا من مصباح الفكر نور | كان أمضى من الشّهاب و أثقب |
و طوى الموت هالة كان ينمى | كلّ أفق إلى سناها و ينسب |
يا سماء الخيال ما كلّ يوم | من بني الشّعر تظفرين بكوكب |
ذهب الشاعر الذي ردّد الشّر | ق صدى شعره الجميل المحبّب |
و مضى النّاثر الذي صوّر النّفـ | ـس، و جلّى سرّ الضّمير المحجّب |
الأديب العريق في لغة الضّا | د ، وقاموسها الصّحيح المرتّب |
لم يكن شاعر القديم، و لا كا | ن لآداب عصره يتعّصب |
كان يعنى بكلّ قول فذّ من القو | ل و يزهى بكلّ حسن ويعجب |
شاعر الحبّ و الجمال و ربّ | المنطق الحقّ و الراع المؤدب |
شعره من ينابع السّحر ينسا | ب و في عالم الحقيقة ينصب |
عاطفيّ القصيد يعبث بالألـ | باب أسلوبه الرّشيق و يلعب |
و خيال يسمو إلى ما وراء الـ | ـكون من عالم اليقين و يذهب |
ينفذ الفكر في مجاهل دنيا | ه فيبدو له الخفيّ المغيّب |
و معان أرقّ من نسمة الفجر | و لفظ من سلسل الخمر أعذب |
و بيان يسيل في كلّ نفس | فعله من غرائب السّحر أغرب |
و قواف كأنها نغمات | هاجها الشّجو في يراع مثقّب |
و كأّن الأوزان شتّى مثان | ترقص النّفس وفقهنّ فتطرب |
***
| |
بؤساء الحياة من لكمو اليو | م على الحادثات، و العيش أخطب |
ضاقت الأرض بالحنان و فاضت | بالأذى أبحرا تضجّ و تصخب |
فابحثوا في شعابها عن مقيل | و انشدوا من منافذ النّجم مهرب |
قد فقدتم نصيركم و سلبتم | عضدا شدّ أن يغال و يسلب |
عقل الموت مقولا منه عضبا | و طوى مهجة و أطبق هيدب |
و خلا اليوم من شجاكم فؤاد | ذاب من رحمة لكم و تصبّب |
و غفت أعين بكتكم بدمع | لم تدع منه ما يراق و يسكب |
الرّفيق الحاني على كلّ فلب | أنشب البؤس فيه نابا و مخلب |
و الخفيف الخطى إلى كلّ نفس | مال عنها نصيرها و تنكّب |
فاذكروه على اللّيالي إذا ما | زحم الدّهر ركنكم و تألّب |
***
| |
من لصرعي الهموم بعدك يا حا | فظ من للحزين؟ من للمعذب؟ |
كنت برّا بهم و أحنى عليهم | من فؤاد الأب الشّفيق و أحدب |
عجب صبرهم على خطبك الدّا | وي و صبر البأساء من ذاك أعجب! |
قم و شاهد مآتم الشّرق و انظر | كيف يبكي البيان فيك و يندب |
قسما لو يردّ هسجو إلى العيـ | ـش لألقى لك الزّمام و قرّب |
و مشى في يمينه غلا بالريـ | ـس إلى رأسك الكريم و عصّب |
و تمنى الذي كتبت عن البؤ | س وردّ الأصيل دون المعرّب |
فجعت نهضة البلاد ببان | شدّ من ركنها و شاد و طنّب |
و حباها من شعره و حجاه | ما أفاد الجهاد فخرا و أكسب |
هزّ أشبالها الكماة و أحيا | أملا في صدورهم يتوثّب |
لو شهدتم غداة ثورتها الكبـ | ـرى لجاج النّفوس و هي تلهّب |
لرأيتم في ثورة النّفس منه | محنقا من قساور لغيل مغضب |
لم يزل منه في المسامع صوت | تتوقّى الظّبىصداه و ترهب |
نافذ في الصّميم من باطل القو | م كما ينفذ السّنان المذرّب |
***
| |
حافظ الودّ و الذّمام سلاما | لم يعد بعد من يودّ و يصحب |
كنت نعم الصّديق في كلّ آن | حين يرجى الصّديق أو حين يطلب |
لم تغيّرك من زمانك دنيا | و حياة بأهلها تتقلّب |
خلق رضته على شرعة الصّد | ق و إن خانك الرّجاء و كذبّ |
و إباء حميته من صغار | و بريق من المواعد خلّب |
و فؤاد لغير عاطفة الوجـ | ـدان لا يدنّي و لا يتقرّب |
و ضمير لا يبلغ المال منه | و بلوغ النّجوم من ذاك أقرب |
و لسان حفظته من سؤال | لا يمين الكلام أو يتذبذب |
يلفظ الرّوح صاديا و إذا لم | يصف للماء مورد ليس يشرب |
صفحات نقّية بمداد السّـ | حق في مجتلى العظائم تكتب |
***
| |
خانني فيك منطقي و عصاني | قلم طالما أفاض و أسهب |
آب بالشعّر من مصابك يبكي | رزءه فيك و الرّجاء المخيّب |
أنت من أمّة بهم بعث اللّـ | ـه هداه إلى الشّعوب فثوّب |
لم يزل منكمو على الأرض ظلّ | و شعاع هاد و غيث مصوّب |
و يجوب الحياة من كل آن | هاتف منكمو و طيف تأوّب |
حضّر في القلوب أنتم و إن كنـ | ـتم على ملتقى النّواظر غيّب |