اللقاء الثاني
و حَمَلْتُ أحلامي على ظهري ، و قد | سَلَكَتْ أمانيَّ الطريقَ الثاني |
و تعثَّرتْ قَدَمايَ في صمتِ الدُّجى | و تنكّرتْ لتعثري أحزاني |
فإذا بعيني قد تأبّى دمعُها | و القلبُ في وسطِ الطريقِ رماني |
يا قلبُ لستُ بخائنٍ عهدَ الهوى | كلاّ ، و لستُ بغادرٍ أو جاني |
إنّي أنا المقتولُ غدراً حينما | ضيّعتُ عمري عاشقاً و زماني |
سافرتُ و الآمال تملأ مهجتي | بسفينتي لجزيرةِ المرجانِ |
كي أقطفَ العِقْدَ الذي واعدتُها | من قاعِ بحرٍ هاجَ كالبركانِ |
عانيتُ ما عانيتُ من أهوالهِ | فالموْجُ عاتٍ و الجوى أضناني |
و الغربة الحمقاءُ كادت و النوى | أن يعصفا بالحلمِ و الربَّانِ |
لكنني لم يُثنني بحرٌ ، و لم | أحفلْ بطول البعدِ عن أوطاني |
وطني الجميلُ رسمتُهُ في عينها | و نَقَشْتُ عينيها على وجداني |
قد كانتا زادي فلم اشعرْ بما | لاقاه قبلي سائرُ الركبانِ |
أغفو على صدرِ الحبيبةِ وقتما | شئتُ الهجوعَ ، فصدرُها بستاني |
و ألوذُ من قيظِ السنينِ بجفنها | كالطيرِ حين تلوذُ بالأغصانِ |
و رجعتُ يا قلبي و مَهْرِي في يدي | من لؤلؤٍ و زبرجدٍ و جُمانِ |
و حقائبي ملأى بنارِ صبابتي | و الشوقُ يُفعمُ خافقي و كياني |
فمشيتُ في الدربِ الطويلِ يقودني | خطوي و شوقي للقاءِ الثاني |
نفسُ الطريقِ عرفتُهُ من عطرها | لا زلتُ أذكرُهُ ، فهل ينساني ؟ |
حتى إذا انتهتْ الخُطى في بيتها | و تسمّرَتْ في بابِهِ القدمانِ |
خَرَجَتْ إليَّ و حَمْلُهَا في بطنها | ترنو إليهِ و خلفها طفلانِ |
و تبعثَرَت نظراتُها في دهشةٍ | بيني ، و طفليها ، و من باراني |
هذا الذي كانت هناك رسومُهُ | فوقَ الجدارِ بسائرِ الأركانِ |
قالت: زمانُكَ قد مضى فاذهب بما | أحضرْتَهُ يا فارسَ الفرسانِ |
ماذا تفيدُ جواهرٌ و فرائدٌ | إن بدَّدَ الهجرُ الطويلُ أماني |
إذهب بمالكَ لم تعد بي حاجةٌ | في المالِ بعد الليلِ و القضبانِ |
إذهب فزوجي و الصغارُ و وحدتي | هم حاضري و لهم أعيشُ زماني |
فوقفتُ منبهراً ألملمُ حيرتي | وكتمتُ في جوفي لظى أشجاني |
و رجعتُ أدراجي و قلبي حائرٌ | هذا ، و قد عقد الذهول لساني |