يا نَسْمَة ً رنّحتْ أعطافَ وادينا
يا نَسْمَة ً رنّحتْ أعطافَ وادينا | قِفي نُحيِّيك أو عوجي فحيِّينا |
مرَّتْ مع الصبح نَشْوَى في تكسُّرها | كأنَّما سُقِيتْ من كفِّ ساقينا |
أرختْ غدائرَها أخلاطَ نافِجة ٍ | وأرسلتْ ذيلَها ورداً ونِسْرينا |
كأنّها روضة ٌ في الأفقِ سابحة ٌ | تمجُّ أنفاسُ مَسْراها الرياحينا |
هبَّتْ بنا من جنوبِ النيلِ ضاحكة ً | فيها من الشوقِ والآمالِ ما فينا |
إنّا على العهدِ لابُعدٌ يحوِّلنا | عن الودادِ ولا الأيامُ تُنْسينا |
أثرتِ يا نسمَة السودانِ لاعجة ً | وهِجْتِ عُشَّ الهَوى لوكنتِ تدرينا |
وسِرْت كالحلم في أجفان غانية | ونشوة الشوق في نجوى المحبينا |
ويحي على خافقٍ في الصدر محتبسٍ | يكاد يطفر شوْقاً حين تسرينا |
مرّت به سنواتٌ مابها أَرَجٌ | من المُنَى فتمنّى لو تمرّينا |
نبّهتِ في مصرَ قُمْريَّا بِمُعشبة ٍ | من الرياض كوجهِ البِكْر تلوينا |
فراح في دَوْحِهِ والعودُ في يده | يردّد الصوتَ قُدْسيا فُيشْجينا |
صوتٌ من اللّه تأليفاً وتهيئة ً | ومن حفيفِ غصونِ الروْضِ تلحينا |
يَطيرُ من فَننٍ ناءٍ إلى فَنَنٍ | ويبعَثُ الشدْوَ والنجوَى أفانينا |
ياشاديَ الدَوْحِ هل وعدٌ يقربُنا | من الحبيبِ فإنَّ البعدَ يُقْصينا |
تشابهت نَزَعاتٌ من طبائعنا | لما التقتْ خَطَراتٌ من أمانينا |
فجَاء شعريَ أنّاتٍ مُنَغَّمة ً | وجاء شعرُك غَمْرَ الدمع محزونا |
شعرٌ صَدَحنا به طبعاً وموهِبَة ً | وجاشَ بالصدرِ إلهاماً وتلقينا |
والنَّفْسُ إنْ لم تكنْ بالشعرِ شاعرة ً | ظنَّتْه كلَّ كلامٍ جاء موزونا |
تعزّ ياطيرُ فالأيامُ مقبلة ٌ | ما أضيقَ العيشَ لو عزّ المُعَزّونا |
خُذِ الحياة َ بإيمانٍ وفلسفة ٍ | فربّ شرٍّ غدا بالخيرِ مقرونا |
فَكمْ وزنّا فما أجدتْ موازنة ٌ | في صَفْحة ِ الغيبِ ما يُعْي الموازينا |
الكون كوَّنه الرحمنُ من قِدَمٍ | فهل تريدُ له ياطيرُ تكوينا |
إن المْنَى لاتُواتى من يهيمُ بها | كالغيدِ ماهجَرتْ إلاّ الملحّينا |
تبكِي وبينَ يديْكَ الزهرُ من عَجَبٍ | والأرضُ تبراً وروْضاتُ الهَوى غِينا |
والماءُ يسبَحُ جْذلانَ الغديرِ إلى | منابتِ العُشْبِ يُحييها فُيحيينا |
والزهرُ ينظرُ مفتوناً إلى قَبَسٍ | يُطِلُّ بين ثنايا السُحْبِ مفتونا |
قد حزْتَ مُلْكَ سليمانٍ ودولَته | لكَ الرياحُ بما تختارُ يجرينا |
ما أجملَ الكونَ لو صحّتْ بصائرُنا | وكيف نُبْصِرُ حُسْنَ الشيءِ باكينا |
اللّه قد خلق الدنيا ليُسعدنا | ونحن نملؤُها حُزناً وتأبينا |
إن جُزْتَ يوماً إلى السودانِ فارْع له | مودّة ً كصفاءِ الدرِّ مكنونا |
عهدٌ له قد رَعَيْنَاهُ بأعيُنِنا | وعُرْوة ٌ قد عقدناها بأيدينا |
ظِلُّ العرُوبة ِ والقرآنِ يجَمعُنا | وسَلْسَلُ النيل يُرويهم ويُروينا |
أشعّ في غَلَسِ الأيام حاضرُنا | وضاء في ظُلْمة ِ التاريخِ ماضينا |
مجدٌ على الدهر فاسألْ مَن تشاءُ به | عَمْراً إذا شئتَ أو إنْ شئتَ آمونا |
تركتُ مِصْرَ وفي قلبي | وقاطرتي مراجلٌ بلهيبِ النار يَغْلينا |
سِرْنا معاً فُبخارُ النار يدفَعُها | إلى اللقاء ونارُ الشوقِ تُزجينا |
تَشقُّ جامحة ً غُلْبَ الرياضِ بنا | كالبرقِ شقَّ السحاب الحُفَّلَ الجونا |
وللخمائِل في ثوب الدجَى حَذَرٌ | كأنّها تتوقَّى عينَ رائينا |
كأنهنَّ العَذارَى خِفْن عاذلة ً | فما تعرّضْنَ إلاَّ حيثُ يمضينا |
وللقُرَى بين أضْغاثِ الكَرَى شَبَحٌ | كالسرِّ بين حنايا الليلِ مدفونا |
نستبعدُ القُرْبَ من شوقٍ ومن كَلَفٍ | ونستحث وإنْ كنَّا مُجدّينا |
وكم سألْنا وفي الأفْواهِ جابَتُنا | وفي السؤالِ عَزاءٌ للمشوقينا |
وكم وكم ملَّ حادينا لجاجتنا | وما علينا إذا ماملّ حادينا |
حتَّى إذا مابدتْ أَسْوانُعن كَثَبٍ | غنّى بحمدِ السُّرى والليلِ سارينا |
وماشجانيَّ إلاّ صوتُ باخرة ٍ | تستعجلُ الركبَ إيذانا وتأذينا |
لها ترانيمُ إنْ سارتْ مُهَمْهِمَة ً | كالشعرِ يُتْبعُ بالتحريكِ تسكينا |
باحُسنَها جنَّة ً في الماء سابحة ً | تلقى النَّعيمَ بها والحورَ والعينا |
مرَّتْ تهادَى فأمواجٌ تُعانقها | حيناً وتلثِمُ من أذيالها حينا |
والنَّخلُ قد غَيَّبتْ في اليمِّ أكثرَها | وأظهرتْ سَعَفاً أحْوَى وعُرْجونا |
مالابنة ِ القَفْرِ والأمواه تسكُنُها | وهل يجاورُ ضَبُّ الحرَّة النونا |
سِرْ أَيُّها النيلُ في أمْنٍ وفي دَعَة ٍ | وزادك اللّه إعزازاً وتمكينا |
أنْتَ الكتابُ كتابُ الدهر أسطرُهُ | وَعَتْ حوادثَ هذا الكون تدوينا |
فكم مُلوكٍ على الشَطيْنِ قد نزلوا | كانوا فراعينَ أو كانوا سلاطينا |
فُنونُهم كنّ للأيام مُعْجِزة ً | وحُكمهم كان للدنيا قوانينا |
مرّوا كأشرطة ِ السّيماوما تركوا | إلا حُطاماً من الذكرى يُؤَسِّينا |
إنا قرأنا الليالي من عواقِبها | فصار مايُضحكُ الأغْرارَ يُبكينا |
ثم انتقلنا إلى الصحراءِ تُوسِعُنا | بُعْداً ونُوسُعها صبراً وتهوينا |
كأنّها أملُ المأفون أطلقهُ | فراح يخترق الأجواءَ مأفونا |
والرملُ يزخرُ في هَوْلٍ وفي سَعَة ٍ | كالبحرِ يزخَرُ بالأمواجِ مشحونا |
تُطلُّ من حَوْلها الكُثْبانُ ناعسة ً | يمدُدْنَ طَرْفاً كليلاً ثم يُغْفينا |
وكم سَرابٍ بعيدٍ راح يخدَعُنا | فقلت حتى هُنا نلقى المُرائينا |
أرضٌ من النوم والأحلام قد خُلِقتْ | فهل لها نبأُ عند ابن سيرينا |
كأنما بسط الرحمنُ رُقْعتَها | من قبل أن يخلُقَ الأمواهَ والطينا |
تسلَّبَتْ من حُلِيِّ النَبْتِ آنفة ً | وزُيِّنت بجلالِ اللّه تزيينا |
صمْتٌ وسحرٌ وإرهابٌ وبعدُ مدى ً | ماذا تكونين قولي ما تكونينا |
صحراءُ فيكِ خَبيئاً سرُّ عِزَّتِنا | فأفصحي عن مكانِ السِّر واهدينا |
إنّا بنو العُربِ يا صحراءُ كم نَحتت | من صخركِ الصلْدِ أخلاقاً أوالينا |
عزّوا وعزتّ بهم أخلاقُ أمّتِهم | في الأرضِ لمّا أعزّوا الْخُلقَ والدّينا |
مِنَصّة ُ الحكْم زانوها ملائكة | وجَذْوَة الحرب شبّوها شياطينا |
كانوا رُعاة َ جِمالٍ قبلَ نهضتِهم | وبعدها مَلأوا الآفاق تمدينا |
إن كَبّرتْ بأقاصي الصين مِئْذَنة ٌ | سمعتَ في الغرب تهليلَ المصلّينَا |
قف يا قِطارُ فقد أوهى تصبُّرَنا | طولُ السفارِ وقد أكْدَتْ قوافينا |
وقد بدتْ صفحة ُ الْخُرْطوم مُشْرقة ً | كما تجلَّى جلالُ النورِ في سينا |
جئنا إليها وفي أكبادنا ظمأٌ | يكاد يقتُلُنا لولا تلاقينا |
جئنا إليها فمن دارٍ إلى وطنٍ | ومن منازِل أهلينا لأهلينا |
ياساقيَ الحيِّ جدّدْ نَشْوَة ً سلفتْ | وأنت بالجَبَنَاتِ الحُمُرِ تسقينا |
واصدَحْ بنونية ٍ لما هتفتُ بها | تسرّق السمع شوقي وابنُ زيدونا |
وأحْكِم اللحنَ ياساقي وغنِّ لنا | إنَّا محّيوكِ يا سلمى فحيينا |