الرئيسية » » أفقُ الغرابِ | سالم أبو شبانه

أفقُ الغرابِ | سالم أبو شبانه

Written By غير معرف on السبت، 3 أغسطس 2013 | أغسطس 03, 2013

أفقُ الغرابِ

نعم، كنتُ ساحرًا أمشي بتعاويذي وهلاوسي، أرمي نفائثي خلفكِ و تضحكين عندما أطيرُ غرباني، وأرانبي تسعى بين يديّ، تمسدين فرائَها وتغمزين بفتنةٍ. في الخريفِ، أنقشُ دمي على الورقِ وأعودُ ضعيفًا كما ولدتني أمّي؛ أقعدُ بكلِّ شارعٍ أطيّرُ ألعابي. وأنتِ تنقحين مكائدَكِ على عجلٍ؛ كما تنقّين الأرزَ من الحصي، وتهمسين للأرواحِ فوقَ شجرةِ العنب، عن ولدٍ جميلٍ وحيدٍ يلعبُ بالأرانبِ والغربانِ. يكتبُ هلاوسَ بيضاءَ، ويمضي في أثرِ كلِّ جميلةٍ. لكنّه لم يُجِدْ بعدُ تدبيرَ مكيدةٍ؛ لقتلِ الأبِ الخارجِ لتوّهِ من أسطورةِ الرُّعاةِ والصحراءِ. نعم، لم يكنْ سحرًا أسودَ يكفي لصيدِ الفاتنةِ ذاتِ المكيدةِ الزرقاءَ والجسدِ الغجريِّ من فضاءِ الشجرةِ. هكذا تضحكين حين آخذكِ على غِرّةٍ؛ كساحرٍ أسودَ بأفكارٍ سوداءَ عن الحبِّ.
                                               ***
تعالوا إلىّ؛ ذي يدي في وجهِ الريحِ، لا تستهينوا بدمي فلستُ أخافُ الأغرابَ ولا الطوفانَ؛ لكنني أخافُ هذا الحجرِ. لستُ ابنَ أحدٍ في الحسدِ، والبئرُ ليس بئري ولا بئرُكم. فليس علينا تصديقُ الخرافةِ. ابنُ أبيكم أنا وابنُ هذه الشجرةِ على التلِّ؛ تبكي كلّما هبتْ ريحُ الغربِ. لا خطئيةَ بيننا إلا الدمُ المحتقنُ واليدُ المشرعةُ بالنكرانِ والدمِ. تعالوا إلىّ أنا ابنُ أبيكم، ما بي من داءٍ سوى يدي المشرعةِ بالحبِّ والسلامِ، أيّها القتلةُ.
                                           ***
ليس لي يدٌ في كلِّ هذا الضجيجِ، أكرهُ حقًا الوردةَ البيضاءَ في المزهريةِ؛ وفي الشارعِ تتفتحُ الورودُ قانيةً. حقلُ الغربانِ، الوادي المدججُ أسئلةً، البحرُ مرفوعًا على نقالةٍ، الدموعُ، الصراخُ، الهتافُ العالي للآباءِ النائمين تحتَ سريرِ التاريخِ. ليس لي يدٌ في حقلِ الغربانِ، ولا المطرِ الأسودِ. أنا رجلٌ أمضي وحيدًا رغمَ الضجيجِ والهواجسِ.
                                         ***
وحيدون، لا رائحةَ دخانٍ تعبقُ في الممراتِ، ولا أثرَ على الرملِ، وحدُها الطرقاتُ تشرعُ ذراعيها، وحدُها الأبوابُ ستئنُّ والمقاعد. حينٌ من الدهرِ مرَّ، ليالٍ طويلةٌ، نهاراتٌ بلا نسائمَ ولا ثرثرةٍ، أغنياتٌ قديمةٌ، بلا أثرٍ ولا خرافةٍ أظلُّ أنحتُ في الجدارِ الشاهقِ، والصخرةُ الصماءُ تدركُ أنّ النازلين عمّا قريبٍ؛ يتعرفون على أنفسِهم في مرايا الحجرِ. وحدُها يدي ستنزفُ دمعَها، ثمّ تستسلمُ لإيقاعِ الموسيقى القادمِ من الممرِّ البعيدِ.



سالم أبو شبانه
شاعر مصري


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads