هَاجَ شوْقَ الوالِهِ المُضطرِبِ
هَاجَ شوْقَ الوالِهِ المُضطرِبِ | حُلُمٌ شَقَّ ظَلامَ الحُجُبِ |
جرّدَ الليلُ عليه غَيْهباً | فتخطَّى عقَباتِ الغَيْهبِ |
زارني والليلُ في غفْوتِه | يَتَمطّى عن دِثارِ السُّحُب |
طائفٌ إنْ رُمتَه لم تلْقَه | وهو من جفنِكَ بين الهُدُبِ |
بارعُ الريشة ِ حتّى لَتَرَى | غائَبَ الشخصِ كأنْ لم يَغِب |
بسمَاتُ الروضِ من ألوانِه | وسَنا الكأسِ ودُرُّ الحَبَب |
في يديه مجْهَرٌ من عَجَبٍ | تُفْتَحُ العينُ به عن عَجبِ |
قلتُ هذِي جنَّة ٌ أم ما أرَى | أم تهاويلُ خَيالٍ كَذِب |
أم أنا غيْري وإلاّ مَنْ أنا | أم هو السحْرُ غدا يلعَبُ بي |
ما الذي يبدو لعيني سامِقاً | يتحدّى سَبَحاتِ الكوكب |
أرضُه مِسْكٌ وفي تُرْبتِه | ينبُتُ الفَنُّ مكانَ العُشُب |
وإذا شادٍ يُغنِّى مَرِحٌ | لُؤلؤيُّ الصوتِ حُلْوُ المذهب |
صاح ذا لُبْنانُ فانزِلْ سَفْحَه | قلت مالي غيرَه من أَرَب |
هو عِرِّيسٌ لآسادِ الْحِمَى | وكِناسٌ لِظِباءِ الربْرَب |
قد تمنّاه الهَوى من بُعُدٍ | كيف لو أبصَرَه عن كَثَبِ |
الأزاهيرُ به من قُبَلٍ | والينابيعُ رَحيقُ العِنب |
وقدودُ الهِيفِ في رَوْضاتِه | قُضُبٌ تمْرَحُ بين القُضُب |
جُمِعتْ لَيْلاتُه من دَعَجٍ | وسَنا إصباحِه من لَبَب |
وَسجايا أهلِه أنْسامُه | كم نَعمْنا بِشذاها الطيِّبِ |
كتَبَ المجدُ لهم تاريخَهم | في جبينِ الدهرِ لافي الكُتب |
كلُّ شهمٍ أرْيَحِيّ أغْلَبٍ | من كريمٍ أريحِيّ أغْلَب |
بين عَدنانَ وغَسّانَ لهم | نسَبٌ يرفَعُ شأوَ النسب |
نصبوا في كلِّ أرضٍ رايَهم | ما دَروْا في المجد معنى النصَبِ |
وأذلُّوا الصعبَ في رِحْلاتِهم | أيُّ صعبٍ عندهم لم يُرْكَب |
وطَووْا شرقاً بشرقٍ وجرَى | سيلُهم يزحَمُ شطَّ المغْرِب |
ينزَحُ النازحُ مافي رَحْلِه | غيرُ إقدامٍ وعزْمٍ ذَرِبِ |
ورَجاءٍ برجاءٍ يلْتقي | وكِفاحٍ للقاءِ النُّوَب |
رأسُ مالِ المرءِ مافي رأسِه | من ذكاءٍ لاحُطامُ النَشب |
ملكوا الدنيا فلما جَمَحتْ | ملكوها برفيعِ الأدب |
ليس للسيفِ على حدَّته | صَوْلة ُ الشعْر ووَخْزُ الخُطَب |
هذّبوا الفُصْحَى ولمُّوا شَمْلَها | بعد أن كانت صَدى ً في سَبْسَبِ |
جمّعوها حُلْوَة َ الجَرْس كما | تجمَعُ النحلة ُ حُلوَ الضَّرَب |
أنتَ يا لُبْنانُ عَزْمٌ ونُهى ً | لستَ من صخرٍ ولا من حَصَب |
كلما أطلعتَ ليلاً شَفَقاً | مُوِّهتْ صفحتُه بالذهب |
ظنّتِ الغيدُ وما أجرأَها | أنّه من خدِّها المختضِب |
سِحْرُ شِعْرٍ ومَجالي فِتنة ٍ | وعيونٌ أُغْرِمتْ باللعب |
وابتسامٌ فيه أشراكُ الهَوى | وحديثٌ فيه عُذْرُ المذنب |
أين قلبي غصبوه. فاسألوا | جارة َ الوادي عن المغتصب |
واشفعوا لي واحذروا غضْبتَها | آهِ من صَوْلة هذا الغضبِ |
ثم قولوا مُسْتَهامٌ وَصِبٌ | وَيْلَتَا للمستهامِ الوَصِب |
طائرٌ غرّدَ في دَوْحَتكم | علّم الأطيارَ معنى الطرب |
طار من مصرَ يُحيِّي أمّة ً | تَوّجَتْ بالمجدِ هامَ الْحِقَب |
قاهريٌّ أخجلتْ ألحانُه | رنَّة العُودِ وشَدْوَ القَصَب |
خُلِقَتْ أوتارُه قُدْسِيّة ً | من حَنانِ الحبِّ لا من عَصب |
فارحمي مُغترِباً ليس اسمُه | في رُبا لُبنانَ بالمغترب |
جاء يبغِي الْحُبَّ لا الْحَبَّ فهل | جاوز المسكينُ حدَّ الطلب |
فنصبتِ الفخَّ خدّاعَ المُنَى | خَشِنَ الكفِّ حديدَ المِخْلبِ |
وأتَى هَيْمانَ يشدو واثباً | ليته في يومه لم يثب |
فارْتَمى بين جَناحٍ هائضٍ | وَجناحٍ خافقٍ مضطرب |
واجِبَ القلبِ ولولا نظرة ٌ | عرضتْ لاهية ً لم يَجِب |
أطلقيه وابعثي آمالَه | وثوابَ اللّهِ فيه احتسبي |
هل على الهاتفِ بالحسن إذا | ماشدا من حَرجٍ أو عَتَب |
قد براه السُقْمُ إلاّ فَضْلَة ً | من فؤادٍ حائرٍ ملتهب |
كم هفا القلبُ للبُنان وكم | عاقه صَرْفُ الزمانِ القُلّب |
أصبح الحكمُ به في نُخْبة ٍ | من بنيه الكرماءِ النُّجُبِ |
كلُّهم حرُّ أبيُّ ينتمى | في ذُرا المجدِ إلى حرٍّ أبي |
وهبوا الروحَ للُبنان فِدى ً | وضَنينٌ كلُّ مَنْ لم يَهَب |
خُلُقٌ مثلُ أزاهيرِ الرُّبا | ضحِكت للعارضِ المنسكب |
وسياساتٌ ورأيٌ ساطعٌ | يضَعُ الحقَّ مكانَ الرِيَبِ |
قادهم خيرُ رئيسٍ للعُلا | شمريِّ العزم عالي الحَسَب |
عاشَ لُبنان وعاشتْ راية ٌ | للكرامِ العُربِ فوقَ الشُهُبِ |