يا والدي
حينما أقبلَ الشتاء ببرده الشديد و وحشة ليله الطويل
| |
كتبت لوالدي هذه الرسالة
| |
***
| |
يا و الدي ، إني هنـا يـا والـدي | لا زلت أقبعُ فـي جـوارِ الموْقِـدِ |
بـردُ الشتـاءِ أصابنـي ، خبَّاْتُـهُ | تحتَ الثيابِ ، دفنتُهُ فـي مرْقـدي |
لا زلتُ أجلـسُ و السكـونُ يلُفُّنـي | و الحزنُ يأكلُ في وعائي من يـدي |
لا زال في جيْبـي خطـابٌ مُفْعَـمٌ | بالشوْقِ منكَ ، و لهفةٌ لـك تَبْـرُدِ |
لا زالتِ الأوراقُ حيـرى تكتـوي | و يراعتي في غُربتي لـم تصمـدِ |
تشكو إليكَ و حبرها مـن أدمعـي | بطشَ الذئابِ و قَسْوَةَ الزمنِ الـرَّدِي |
الليلُ يزحفُ نحـوَ بابـيَ شاهـراً | سيفَ الظلامِ ، و قد تَرَبَّصَ بالغَـدِ |
و الرِّيحُ تعوي خلفَ شُبّاكِ الأسـى | هلْ أدْرَكَتْ أني أعيشُ بمفـردي ؟ |
هل أدرَكَـتْ أنَّ الرفـاقَ تحمَّلـوا | قبلَ المغيبِ ، و ليس لي من مُنْجِدِ ؟ |
أم خافـت الريـحُ العقيـمُ فأقبَلَـتْ | نحوي لتلتمسَ الأمـانَ و تهتـدي ؟ |
أَتَضَوَّرَتْ جوعاً كنصفِ الأرضِ،أمْ | خارتْ من الحربِ التي لم تُخمـدِ ؟ |
أم أنهـا جـاءت بأسمـالٍ لـهـا | تُبدي الأسى من دونِ سابِقِ موْعِدِ ؟ |
يا والدي ، جاءَ الشتاءُ فيـا تُـرى | كم من فقيرٍ في الشقاءِ السرمـدي ؟ |
كم من أسيرٍ خلفَ جُـدرانِ العِـدا | أكلَ الخَشاشَ ، و سفَّ رملَ الفدفَدِ ؟ |
كم من بتـولٍ قـد أُبِيـحَ وقارُهـا | مـن ظالـمٍ متجـبِّـرٍ مُتَـمَـرِّد ؟ |
كم مـن غنـيٍّ موسِـرٍ و مُرَفَّـهٍ | أعطى بإخـلاصٍ و لـم يتـردَّدِ !؟ |
لمّا رأيتُ الليـلَ خـارجَ غرفتـي | مُتَوَشِّحـاً ثـوبَ الظـلامِ الأسـوَدِ |
و رجعتُ بالعينينِ أقـرأُ مـا بهـا | و الضوءُ يكسوها ، و دفءُ الموقدِ |
و الخيرُ ، كلُّ الخيرِ فـي أرجائهـا | فـي حُسْنِهـا المُتَأَلِّـقِ المُتـجـدِّدِ |
أيقنتُ كـم حجـم النعيـمِ أعيشُـهُ | و بأنني في السـوءِ إنْ لـم أحمَـدِ |
فَرَفعْتُ كفِّـي بالضَّراعَـةِ شاكـراً | للهِ ، لـم أفْـتُـرْ و لــم أتَبَـلَّـدِ |
و دعَوْتُ ربِّـي أن يعُـمَّ رخـاؤُهُ | من كان يتَّبِـعُ الرسـولَ و يقتـدي |
و ذكرتُ نبرةَ صوتِكَ الحُلْوِ الـذي | جابَ المكانَ كنسمَةِ الصُّبحِ النَّـدِي |
فرأيتُ كيفَ الصُّبحُ يُسفِرُ ضاحِكـاً | من وجهِكَ الغَضِّ الجميـلِ الأملَـدِ |
و سمعتُ شدوَ الطيرِ فـي همساتِـهِ | يحنو على القلـبِ العليـلِ المُسهَـدِ |
ألقيـتُ حزنـي حينـذا ، أحرقْتُـهُ | في النَّارِ ، دونَ تكاسُـلٍ و تـردُّدِ |
و حمدتُ ربَّ الكوْنِ فـي عليائِـهِ | أنْ كُنتَ أنتَ ، و ليسَ غيركَ والدي |