الرئيسية » » يا والدي | جمال مرسي

يا والدي | جمال مرسي

Written By Unknown on الأحد، 14 يوليو 2013 | يوليو 14, 2013

يا والدي


حينما أقبلَ الشتاء ببرده الشديد و وحشة ليله الطويل
كتبت لوالدي هذه الرسالة
***
يا و الدي ، إني هنـا يـا والـدي لا زلت أقبعُ فـي جـوارِ الموْقِـدِ
بـردُ الشتـاءِ أصابنـي ، خبَّاْتُـهُ تحتَ الثيابِ ، دفنتُهُ فـي مرْقـدي
لا زلتُ أجلـسُ و السكـونُ يلُفُّنـي و الحزنُ يأكلُ في وعائي من يـدي
لا زال في جيْبـي خطـابٌ مُفْعَـمٌ بالشوْقِ منكَ ، و لهفةٌ لـك تَبْـرُدِ
لا زالتِ الأوراقُ حيـرى تكتـوي و يراعتي في غُربتي لـم تصمـدِ
تشكو إليكَ و حبرها مـن أدمعـي بطشَ الذئابِ و قَسْوَةَ الزمنِ الـرَّدِي
الليلُ يزحفُ نحـوَ بابـيَ شاهـراً سيفَ الظلامِ ، و قد تَرَبَّصَ بالغَـدِ
و الرِّيحُ تعوي خلفَ شُبّاكِ الأسـى هلْ أدْرَكَتْ أني أعيشُ بمفـردي ؟
هل أدرَكَـتْ أنَّ الرفـاقَ تحمَّلـوا قبلَ المغيبِ ، و ليس لي من مُنْجِدِ ؟
أم خافـت الريـحُ العقيـمُ فأقبَلَـتْ نحوي لتلتمسَ الأمـانَ و تهتـدي ؟
أَتَضَوَّرَتْ جوعاً كنصفِ الأرضِ،أمْ خارتْ من الحربِ التي لم تُخمـدِ ؟
أم أنهـا جـاءت بأسمـالٍ لـهـا تُبدي الأسى من دونِ سابِقِ موْعِدِ ؟
يا والدي ، جاءَ الشتاءُ فيـا تُـرى كم من فقيرٍ في الشقاءِ السرمـدي ؟
كم من أسيرٍ خلفَ جُـدرانِ العِـدا أكلَ الخَشاشَ ، و سفَّ رملَ الفدفَدِ ؟
كم من بتـولٍ قـد أُبِيـحَ وقارُهـا مـن ظالـمٍ متجـبِّـرٍ مُتَـمَـرِّد ؟
كم مـن غنـيٍّ موسِـرٍ و مُرَفَّـهٍ أعطى بإخـلاصٍ و لـم يتـردَّدِ !؟
لمّا رأيتُ الليـلَ خـارجَ غرفتـي مُتَوَشِّحـاً ثـوبَ الظـلامِ الأسـوَدِ
و رجعتُ بالعينينِ أقـرأُ مـا بهـا و الضوءُ يكسوها ، و دفءُ الموقدِ
و الخيرُ ، كلُّ الخيرِ فـي أرجائهـا فـي حُسْنِهـا المُتَأَلِّـقِ المُتـجـدِّدِ
أيقنتُ كـم حجـم النعيـمِ أعيشُـهُ و بأنني في السـوءِ إنْ لـم أحمَـدِ
فَرَفعْتُ كفِّـي بالضَّراعَـةِ شاكـراً للهِ ، لـم أفْـتُـرْ و لــم أتَبَـلَّـدِ
و دعَوْتُ ربِّـي أن يعُـمَّ رخـاؤُهُ من كان يتَّبِـعُ الرسـولَ و يقتـدي
و ذكرتُ نبرةَ صوتِكَ الحُلْوِ الـذي جابَ المكانَ كنسمَةِ الصُّبحِ النَّـدِي
فرأيتُ كيفَ الصُّبحُ يُسفِرُ ضاحِكـاً من وجهِكَ الغَضِّ الجميـلِ الأملَـدِ
و سمعتُ شدوَ الطيرِ فـي همساتِـهِ يحنو على القلـبِ العليـلِ المُسهَـدِ
ألقيـتُ حزنـي حينـذا ، أحرقْتُـهُ في النَّارِ ، دونَ تكاسُـلٍ و تـردُّدِ
و حمدتُ ربَّ الكوْنِ فـي عليائِـهِ أنْ كُنتَ أنتَ ، و ليسَ غيركَ والدي

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads