لماذا انحنيت؟!
من وراء الغيب المجهول صاح طيف الأب المقبور، يتحدث
| |
إلى ابنه الذي
| |
أهدر تركةَ أبيه، ونقَضَ وصيتَه.
| |
* * *
| |
أَلمْ أُوصِكَ الأمْسَ قَبْلَ الممَاتِ
| |
فَأيْنَ وَصَاتِي الَّتِي مَا وَعَيْتْ؟
| |
وَفِيهَا كَتبْتُ: "تَزُولُ الجِبَالُ
| |
ولا تَنْحنِي أَبَدًا" فَانْحَنَيْتْ
| |
وَفِيهَا "سَتَعْصفُ هُوجُ الرِّيَاحِ
| |
فَكُنْ قِمَةً صُلْبَةً" فَانْحَنَيْتْ
| |
وَفِيهَا "سَيمتدُّ لَيلُ الأسَى
| |
فَلا تَبْتَئِسْ بالأسى" فَانْحَنَيْتْ
| |
وَفِيهَا "يَكُونُ جَفَافٌ وَجُوعٌ
| |
فَمُتْ بِالطَّوَى شَامِخًا" فَانْحَنَيْتْ
| |
وَفِيهَا "انتَصِرْ بِالثباتِ العَتِيِّ
| |
وَبِالصَّبْرِ فِي عِزَةٍ" فَانْحَنَيْتْ
| |
وَقُلْتُ تَجَنَّبْ مَخَازِيَ الطّرِيقِ
| |
ولكنْ لخزي "الطريقِ" انتَهَيْتْ
| |
وعَانقْتَ فيه الأفاعي الكبارَ
| |
ومِن سُمِّها – يا غبيُّ– ارتويْتْ
| |
فَأين وصاةُ أبِيكَ الَّذي
| |
إلى دفْء مُهجتهِ قدْ أَوَيْتْ؟
| |
وكَمْ سهرَ الليلَ يَحمِي حِماكَ
| |
وَيبكِي دماءً إذَا ما بَكَيْتْ
| |
ويَحملُ عنْكَ هُمومَ الحَياةِ
| |
ويَرْعَى الذي بعدَهُ مَا رَعَيْتْ
| |
عَصيتَ وَصَاتِي التي صُغْتُها
| |
بدمِّي، وللمُخزياتِ مشيْتْ
| |
وكُنْتُ أَظُنُّكَ نعمَ الوريثُ
| |
فكيفَ تَبيعُ الذي مَا اشتريْتْ؟
| |
فبعْتَ جَوادِي الأصيلَ الكريمَ
| |
وأُمًّا، وأُخْتًا، وأَرْضًا، وبَيْتْ
| |
وشعرِي بعْتَ، ونخْلِي بعْتَ
| |
وسيْفِي، ورُمْحِي، وسرْج الكُمَيْتْ
| |
وبعْتَ سريرِي الذي فوقَهُ
| |
وُلدْتَ، وكمْ نمْتَ حتى اسْتَوَيْتْ
| |
للصٍّ بَغِيٍّ، عُتُلٍ، زَنِيمٍ
| |
على قدميه – خَسئْتَ – ارتميْتْ
| |
لِتَلْثَمَ نعْليه في ذِلَّةٍ
| |
وتَلْعَقَ طِينهمَا.. مَا استَحَيتْ
| |
فكيفَ تَبيعُ التراثَ العزيزَ
| |
بكِسْرَةِ خبزٍ، ونقطةِ زَيتْ؟!
| |
وتاجٍ من الشوكِ يُدمي الجبينَ
| |
ووعدٍ كذوبٍ، و"كِيْتٍ، وكيْتْ"؟!
| |
وعرشٍ حقيرٍ، لهُ لمْعةٌ
| |
من البهرجاتِ.. إليهِ ارتقيْتْ؟
| |
ولمْ تدْرِ أنَّكَ حين اعتليْتْ
| |
هَبطْتَ بمَا أنْتَ فيهِ اعتليْتْ
| |
وفي موكبِ الذُلِّ صرْتَ الأميرَ
| |
ذليلاً، كسيحَ المسارِ، مشيْتْ
| |
فلا تمْلكُ الأمرَ إمَّا تَشَا
| |
ولا النهيَ تملكُ إمَّا نويْتْ
| |
وتصدعُ بالأمرِ إمّا أُمِرْتَ
| |
وينفذُ أمْرُ العِدا إن نهيْتْ
| |
فلمَّا سكرْتَ بخمر الخِداعِ
| |
ومالتْ بكَ الخمرُ لما انتشيْتْ
| |
غدوْتَ لغيرِكَ أضحوكةً
| |
فليسَ سوى الخُسْرِ ما قدْ جَنيْتْ
| |
وقلْنَا "اكتفيْتَ بما قدْ جَمعْتَ
| |
مِن العَارِ"، لكنما ما اكتفيْتْ
| |
فعن قوسِ أعدائنا قد رَمَيْتَ
| |
فواحسرتاهُ على من رَمَيْتْ!!
| |
بسهمكَ خرَّ عزيزٌ أَبِيُّ
| |
بجمرِكَ قلبًا طهورًا.. كَوَيْتْ
| |
أتحمِي حياةَ العدوِّ العقورِ
| |
وأيضًا تُراثِي لهم قدْ حميْتْ؟!
| |
أأبكِي عليكَ؟ أأبكِي إليكَ؟
| |
أأبكِي علينَا لِمَا قدْ جَنيْتْ؟
| |
ففي غدِكَ المُستباحِ الجريحِ
| |
ستصرخُ "ياليتني ما انحنيْتْ"
| |
ويرتدُّ سهمُك في مُقلتيكَ
| |
ولن يُنقذَ البيتَ آلاف "لَيْتْ"
| |
فليس لما قدْ كسرْتَ انجبارٌ
| |
بما قد جررْتَ، وما قدْ غويْتْ
| |
وتُدْركُ – بعدَ فواتِ الأوانِ
| |
بأنكَ لمَّا انْحَنَيْتَ.. انْتَهَيْتْ
| |
ومَا دُمْتَ قدْ بعْتَ حتَّى الحُطامَ
| |
ولم تُبْقِ أُمًّا، وأرضًا وبيْتْ
| |
فإنِّي أخشي غدًا أنْ تبيعَ
| |
عِظَامِي، وقبرًا بِهِ قدْ ثويْتْ
|