جدّدي يا رشيدُ للحبّ عَهْدَا
علي الجارم
جدّدي يا رشيدُ للحبّ عَهْدَا | حَسْبُنا حسبُنا مِطالاً وصدَّا |
جدّدي يا مدينة َ السحرِ أحلا | ماً وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغْدا |
جدّدي لمحة ً مضتْ من شبابٍ | مثل زهر الربا يرِفُّ ويندَى |
وابعثي صَحْوة ً أغار عليها الش | يْبُ حتَّى غدتْ عَناءً وسُهدا |
وتعالَى ْ نعيشُ في جَنَّة ِ الما | ضي إذا لم نجِدْ من العيشِ بُدّا |
ذِكْرياتٌ لو كان للدهرِ عِقْدٌ | كنّ في جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا |
ذِكْرياتٌ مضتْ كأحلام وصلٍ | وسُدًى نستطيعُ للحُلْمِ رَدّا |
قد رشفنا مختومهنَّ سُلافاً | وشممْنا رَيّا شذاهُنّ نَدّا |
والهوَى أمْرَدُ المحيَّا يناغي | فِتْية ً تُشبهُ الدنانير مُرْدَا |
عبِثوا سادرين فالْجِدُّ هزلٌ | ثمّ جدّوا فصيَّروا الهزلَ جِدّا |
ويح نفسي أفدى الشبابَ بنفسي | وجديرٌ بمثلهِ أن يُفَدَّى |
إنْ عددنا ليومِه حسناتٍ | شغلتْنا مساوىء ُ الشيْبِ عَدّا |
جذوة ُ للشبابِ كانت نعيماً | وسلاماً على الفؤادِ وبَرْدا |
قد بكيْناه حينَ زال لأنّا | قد جهِلْنا من حَقّه ما يُؤَدّى |
وقتلناه بالوقارِ ضلالاً | وهو ماجار مرّة ً أو تعدَّى |
ما عليهم إن هام عمرٌو بِهندٍ | أو شدا شاعرٌ بأيامٍ سُعدى |
شُغِفَ الناسُ بالفضُولِ وبالْحِقْ | دِ فإِنْ تلقَ نعمة ً تَلقَ حِقدا |
أرشيدٌ وأنت جِنَّة ُ خُلْدِ | لو أتاح الإلهُ في الأرضِ خُلدا |
حين سَمّوْكِ وردة ً زُهِي الحس | نُ وودّ الخدودُ لو كنّ وَرْدا |
توّجتْ رأسَكِ الرمالُ بتبر | وجرَى النيلُ تحت رِجْليْك شهدا |
وأحاطت بكِ الخمائلُ زُهْراً | كلُّ قَدٍّ فيها يعانقُ قَدّا |
والنخيلُ النخيلُ أرخت شعوراً | مُرسَلاَتٍ ومدَّت الظلَّ مدّا |
كالعذارَى يدنو بها الشوقُ قُرْبًا | ثم تنأَى مخافة َ اللّومِ بُعْدَا |
حول أجيادِها عقود عقيقٍ | ونُضارٍ صفاؤه ليس يصدا |
ياابنة َ اليمِّ لا تُراعي فإنّي | قد رأيتُ الأمورَ جَزْراً ومدّا |
قد يعودُ الزمانُ صفواً كما كا | نَ ويُمسي وعيدُه المُرُّ وعدا |
كنتِ مذ كنتِ والليالي جواري | كِ وكان الزمانُ حولَك عبدا |
كلّما هامت الظنونُ بماضي | كِ رأتْ عَزْمَة ً وأبصرن مجدا |
بكِ أهلي وفيكِ مَلْهَى شبابي | ولكَمْ فيكِ لي مَراحٌ ومَغْدَى |
لو أصابتكِ مسّة ُ الريحِ ثارت | بفؤادي عواصفٌ ليس تَهْدا |
أنا من تُرْبِك النقي وشعري | نفحاتٌ من وَحْيِ قُدْسِك تُهْدى |
كنتُ أشدو به مع الناس طفلاً | فتسامَى فصرتُ في الناسِ فَرْدا |
من رزايا النبوغِ أنّكَ لاتل | قَ أنيساً ولا تَرَى لكَ نِدّاً |
قد جَزيْناكِ بالحنانِ حَناناً | وجزينا عن خالصِ الوُدِّ وُدَّا |
ليتَ لي بعد عودتي فيك قبراً | مثلما كنتِ مَنْبِتاً لي ومَهْدا |
أصحيحٌ أن الخطوبَ أصابت | كِ وأنّ الأمراضَ هَدَّتْكِ هدّا |
وغدا الفيلُ فيكِ داءً وبيلاً | نافثاً سُمَّه مُغيراً مُجِدَّا |
كم رأينا من عاملٍ هدَّه الدّا | ءُ وأرداه وَقْعُه فتردّى |
كان يسعَى وراءَ لُقْمة ِ خُبْزٍ | ولَكَمْ جدَّ في الحياة ِ وكدّاَ |
فغدا كالصريع يلتمسُ الْجُهْ | دَ ليحيا به فلم يَلْقَ جُهدا |
إن مشى يمش بائساً مستكيناً | كأسيرٍ يجرُّ في الرجْلِ قِدّا |
خلفه من بَنيه أنضاءُ جوعٍ | وهو لا يستطيع للجوعِ سَدّا |
كلّما مدّ كفَّه لسؤالٍ | أشبعتها اللئامُ نَهْراً وطَرْدا |
أمن الحق أن نعيش بِطاناً | ويجوعَ العَليلُ فينا ويصْدَى |
ولكَمْ تلمَحُ العيونُ فتاة ً | مثل بدرِ السماءِ لمَّا تبدّى |
هي من نَعْمَة ِ البشائِر أحلَى | وهي من نَضْرة ِ الأزاهرِ أندَى |
تتمنَّى الغُصُونُ لو كنَّ قدًّا | حينَ ماستْ والوردُ لو كان خدَّا |
حوّمتْ حولَها القلوبُ فَراشاً | ومشت خلفَها الصواحبُ جُنْدا |
وارتدت بالْخِمارِ فاختبأ الحس | نُ يُثير الشجونَ لما تردّى |
لعِبتْ بالنهَى فأصبح غَيَّا | كلُّ رُشْدٍ وأصبح الغَيُّ رُشدا |
حسَدَ الدهرُ حسنَها فرماها | بسهامٍ من الكوارثِ عَمْدا |
طرقتها الحمَّى الخبيثة ُ ترمى | بشُواظٍ يزيده الليلُ وَقْدا |
روضة ٌ من محاسنٍ غالها الإعْ | صارُ حتى غَدَتْ خمائلَ جُرْدَا |
حلّ داءُ الفيل العُضالُ برِجْلَيْ | ها وألقَى أثقالَه واستبدّا |
كم بكتْ أُمُّها عليها فما أغْ | نَى نُواحٌ ولا التحسُّرُ أجْدَى |
ويحَها أين سِحْرُها أين صارت | أين ولَّى جمالُها أين نَدّا |
أين أين ابتسامُها ذهب الأُنْ | سُ ومال الزمانُ عنها وصَدّا |
أين فَتْكُ العيونِ لم يترك الدهْ | رُ سيوفَا لها ولم يُبْقِ غِمْدا |
أين خَلْخالها لقد خلعتْه | وهي تبكي أسى ً وتنفُثُ صَهْدا |
طار خُطّابُها فلم يَبْقَ فردٌ | وتولَّى حَشْدٌ يحذِّرُ حشدا |
لسعتها بعوضة ٌ سكنت بِئْ | رًا وقد كان جسمُها مستعدّا |
إن هذا البعوضَ أهلك نُمْرو | ذَ وأفنى ما لم يُعَدُّ وأعْدَى |
فاحذروه فإنّه شرُّ خَصْمٍ | وتصدَّوْا لحربهِ إنْ تصدَّى |
جَرِّدوا حَمْلة ً على الفيلِ أنجا | دًا كرامًا ومزِّقوا الفيلَ أُسْدا |
أرشيدٌ دونَ المدائنِ تبقَى | مُسْتراضًا لكِّ داءٍ ووِرْدا |
يفِتكُ السم في بَنيها فلا تر | فَعُ كَفًّا ولا تحرِّكُ زَندا |
ثم تُلْقي السلاَح إلقاءَ ذلٍّ | والجراثيمُ حولَها تتَحدَّى |
يا لَعارى فليت لي بين قومي | بطلاً يكشِفُ الشدائدَ جَلْدا |
ظَمِىء الشعْرُ للثناءِ فهل آ | نَ له أن يَفيضَ شكراً وحمدا |