أهواك والحب داءٌ أيما داء
أهواك والحب داءٌ أيما داء | يا مسبلاً حوله أذيال لألاء |
خلقت للحسن عباداً أواجهه | كعابد الشمس في صبح وإمساء |
يا ليت أني أعمى لا دليل له | أوليت ما في الورى ما يفتن الرائي |
عيني لا بروكتما أبداً | أطفتما بالحشا أنياب رقشاء |
ولو عميت إذاً لاشتقت نوركما | بقلب راعٍ وفيٍّ غير نساء |
أهبت وهناً بذكراكم فما عبأت | شيئاً بصبٍ بجنح الليل دعاء |
وسلمتني إلى الآمال قائلة | عني إلى أمل للروح غذاء |
مالي وللزمن الآتي وأقربه | مني إذا استثبتت عيناي كاللاء |
سلني إذا شئت عن ماضيك مبتدئاً | أرو قلبك منه أي أرواء |
عند الأماني ما تبغي فإن لها | عيناً موكلة بالمقبل النائي |
قد استوت فوق عرش الوهم حاكمةٌ | مثل المقادير في منح وإكداء |
ولها لها دون راجي عرفها حجب | ولا مطال ولا أعراض أباء |
من لا تكلفه شيئاً عوارفه | فليس يبخل عن بذل وإيتاء |
وخلفتني على الأجداث أحرسها | كالكلب يحرس ليلاً عز أحياء |
فليس يذكرني إلا أخو عدم | قد صار من ظنه في جدب صحراء |
والمرء ما بيننا حيران مضطرب | من لهو وهم إلى أشباح جوفاء |
هذي تضاحكه طوراً وتخدعه | وتلك تبكيه في صبح وإمساء |
قد أوسعتكم بني حواء عيشتكم | وطول غفلتكم من كل إزراء |
أين الحقيقة الأرماس موطنها | فذاك قلبي رمس بين أحنائي |
ماضي حياتي أحلام ومقبلها | غيبٌ وحاضرها في كف خرقاء |
كم حدثتني نفسي وهي باكية | عن الشباب وبسامين أكفاء |
وأذكرتني أياماً مسلسلة | في ظل وارفة الأظلال لفاء |
حيث الزمان ربيع والهوى أنفٌ | والأرض صادحة بالعود والناء |
تجنى الكروم إذا آنت مقاطفها | سمر العناقيد في لفاء خضراء |
يجري النسيم بأنفاس الورود كما | يجري الرسول ببشرى القرب للنائي |
يا حبذا عرفها والريح ساجية | والنجم يلحظنا لحظات هوجاء |
والنيل أجراه مجريه للذتنا | من حولنا فلنا عرشٌ على الماء |
مطرزٌ بنجوم الليل قاطبة | ومزبدٍ في سماء الليل وضاء |
أطنابه حفل الأثمار يانعة | جلت عن الوصف في حسن وإغراء |
خمري الحسان ولا حسنٌ كحسنهم | وتقلى اللحظ يشفى علة الداء |
غبوقنا بين أغصان مهدلة | ومن صبوحي تقبيل الأحباء |
إذا نشاء احتسيناها مصفقة | تسنى لشاربها من كل سراء |
أو لم نشأ لم نبع بالسكر لذتنا | في الصحو ما بين بيضاء وحمراء |
فأين أين ليالي التي سلفت | صارت حديثاً كأخبار ابن ديحاء |
لا تدرك النفس منها حين تطلبها | ألا التفجع أو لدغا بأحشاء |
أضحت حياتي ربما مقفراً خربا | من بعد ما عرت للفرح أفنائي |
يا سوء منقلب عن حسن مختبر | كالصبح يعقبه إدجان ظلماء |
بقيت يا كوكب الأيام مؤتلقاً | يزيدك الدهر ضوءاً فوق أضواء |
ويا ربيع الهوى لا زلت في حلل | خضرٍ تباً كرهاً سحبٌ بأنداء |
تنضو وتلبس أفوافاً محبرة | مستبدلاً جدداً من بعد أنضاء |
فأنت لي ولآمالي وإن بعدت | قوس الغمائم في آفاق غمائي |
إقرأ كلامي وابسم حين تقرؤه | وإن يكن لك تحبيري وإنشائي |
ولا ترع لدموع بتُّ أنظمها | وإنت تكن عن ضرام بين أحنائي |
ولست فأعلم أرجي منك مرحمة | يندى لها القلب في أعقاب رمضاء |
أحبكم ولو أني أستطيع إذاً | بدلتكم بالهوى والحب بفضائي |
كما تبدلني من صحتي ألما | مرّاً وتوسعني من كل ضراء |
قد كنت أطرب للدنيا ويعجبني | في رونق الحسن ماءٌ ليس كالماء |
وكان يفتنني تهديل ورقاء | تسمو إلى الغصن أو تهزيج حسناء |
فالآن قد صوح الغصن الذي صدحت | عليه أطيار نفسي يوم نعمائي |
وصرت لا شيء في الدنيا أسر به | ولا يفزعني دهري بأرزاء |
وصرت أنكر أيامي وينكرني | صفو اللذاذات من قصف وإصباء |
إذا سمعت لريح الليل زمزمةً | حسبتها نادباً ألحان سرائي |
كالبحر نفسي لا مأوى ولا سكنٌ | ولا قرار لها من فرط ضوضاء |
أقول في الصيف ويلي من سمائمه | وفي الشتاء ألا بعداً لمشتائي |
تمضي الليالي ولكن لا أحس لها | ما كنت أعهد من نور وظلماء |
فلا ندىً فوق خد الزهر يلثمه | ولا يفوح له مسكي بوغاء |
قد مات مثلي إلّا صورة ثبتت | نفسٌ قضت وهي في جثمان أحيناء |
خط اسمها الدهر في قيد الردى فغدت | لا تنفع الناس إلا يوم إحصاء |
كأنما الشجر المخضر في نظري | إذا دلفت له عيدان قصباء |
وللنجوم بريق لا أفرقه | عن لحظ ميتة حسناء عذراء |
في أبحر من زجاج لا بهاء لها | ما بين سوداء أو خضراء زرقاء |
حتى النهار وحتى الشمس أنكرها | كأن في نورها ديدان غبراء |
طردت في الأرض من فردوس نعمائي | طرد التي غررت قدماً بحواء |
فما أطيق نعيماً إن ظفرت به | بعد الذي بز عني يوم إثرائي |
أخاف حسنك يوماً أن يذكرني | عهداً مضى فهيج الذكر سودائي |
تغلغل السهم في قلب فاق نزعت | كفٌّ ضيت فدع سهمي بأحشائي |
هذي حياتي فقل لي كيف أندبها | قد جل ما بي عن سلوى وتأساء |
لكل شيءٍ سكونٌ بعد فورته | وكل عين إلى غمضٍ وإغفاء |
ألا ترى اليم تطغى فيه موجته | تقطع القلب من هم وبأساء |
حتى إذا بلغت مجهودها فنيت | من بعد جلجلة منها وضوضاء |
كذاك للنفس في بحر الردى سكن | تلفي به راحة بعد إعياء |