رأيتُ ومن يعش ما عشت يشهد
رأيتُ ومن يعش ما عشت يشهد | خطوباً في عواقبها خطوبُ |
رأيتُ النيل في هوج مخيف | تراع به المشاعر والقلوب |
هديرٌ مزعج الصرخات ماض | إلى ما لا يرام ولا يطيب |
يبيت الناس في جزع وخوف | سهارى ما تقر لهم جنوب |
إذا سمعوا بوهم الوهم صوتا | تحيّر في قلوبهم الوجيب |
فيا حابي أجبني أنت حابي | وأنت اليوم يا حابي شعوب |
غدوت اليوم يا نهراً حبيباً | وما لك في مدائنا حبيب |
يقول القائلون ولستُ منهم | بأنك فاتك الأنياب ذيب |
تصول ولست في حاج لزاد | لئيم الطبع ليس له قريب |
إلهاً كنت يا حابي قديماً | عظيم القدر ليس له ضريب |
إلها ينثر الخيرات نثراً | تطيب به الفواكه والحبوب |
فراعن جاهلون رأوك ربا | كريما لا يثاب وقد يثيب |
لقد كذبوا على الأقدار جهلا | ألا إن الجهول هو الكذوب |
ومن فرعون ما جدوى ثناه | على نهر محاسنه عيوب |
يشح إذا رنا الوادي إليه | ويخنس لا يصيخ ولا يجيب |
وحين يرى غنانا عن نداه | تضيق به الشوارع والدروب |
أنهرٌ أنت أم خودٌ كعاب | وقاح الدل كاذبةٌ لعوب |
لمن هذي الصواريخ المواضى | بصدر الجو مرماها عزيب |
ولاة الأمر منطقهم عجيب | وهل في مصر يا قومي عجيب |
أنهرٌ يأكل الخيرات أكلا | يقوم لمدحه ليلا خطيب |
وقاضي الشرع يحضر في يديه | كتاب خطّه خطّ غريب |
يرتل حجة لم يبق منها | سوى سطرين من قدم تذوب |
خرافات سخيفات وعهد | من الأوهام مرتعه خصيب |
بهذا العام يسقط كل حق | يقال له الخراج أو الضريب |
طغى فالفلك تعثر في خطاها | وتمضى لا تعود ولا تؤوب |
وكانت قبل هذا اليوم فلكا | تجوب من الغوارب ما تجوب |
بكى عبد القوي غلت دموع | يجود بمثلها رجل أديب |
مهندس مصر مكروبٌ حزين | تراجعه الحديث فلا يجيب |
أسيت له يطوف بكل أرض | وفي ساقيه من تعب ندوب |
تطيب له الخيام يبيت فيها | مبيتاً لا يريح ولا يطيب |
طغى النهران في عام وفاضا | جيب يستجيب له حبيب |
تراءت دجلة تطغى وتسعى | كما يسعى إلى الموت الطبيب |
فثار النيل يسأل ما شجاها | وما عين لأدمعها تثوب |
عراقيون في دارات ليلى | لهم من لطف أنفسهم ذنوب |
وحسن الحسن في زمن المآسي | جمال نوره نور معيب |
بنهر النيل تدهمنا الخطوب | وتشتجر الخفايا والغيوب |
حريق في ضمير الماء يذكو | كما يذكو بأدمعنا اللهيب |
حرائقُ من أمانات لطاف | وفي الكافور إن يحرق طيوب |
غرائق نحن لا أهلا وسهلا | بعهد كل جدواه لؤوب |
أفض يا نيل واسترفد صباحا | يؤمل حظه ذاك الغروب |
أفض أغرق مزارعنا جميعا | فقد أعيت وأضناها اللغوب |
ودع ما في بلادك من مآس | بهن الطفل من جزع يشيب |
خلائق ضاحكون مع الليالي | ولو عقلوا لهدّهم النحيب |
يغنّى الراد في مسي وصبح | غناء ذاك أم هذا نعيب |
وصام الناس من جوع وصاموا | صيام الذئب تحبسه اللصوب |
نناديهم فلا نلقى جوابا | نداء الحر ليس له مجيب |
ثعالب في سياسيتهم موات | وموت الثعلبان له ضروب |
تجلّى بعضهم أو جلنزوه | فأمسى وهو من جهل طروب |
إذا فرحوا بنوم الدهر عنهم | فيوم ذهابهم يومٌ قريب |
صباحُ العيد صبح غد سلامٌ | على عيد تصوم به القلوب |
هو الطوفان يرمى الناس رمياً | فلا نومٌ هناك ولا هبوب |
سلوا نوحا إذا شئتم سلوه | يجبكم ذلك الرجل الأريب |
سفينته سفينتكم وأنتم | من الأمواج دمعكمو صبيب |
تعالى النيل من ملك رحيم | غدا وشعاره الملك الغضوب |
أقمتب أرض مصر أروض قلبي | على عيش هو الروض الجديب |
أعيش بأرض مصر لأن داري | بها يا رب ما هذى الكروب |
أفض يا نيل أغرقهم جميعاً | فما لي في ربوعهمو حبيب |
وثبتُ عليهمو بالشعر إني | إذا ما شئت يرطبني الوثوب |