يا خَلِيلَيّ خَلِّيانِي وَما بِي
يا خَلِيلَيّ خَلِّيانِي وَما بِي | أَوْ أعِيدَا إِلَيَّ عَهْدَ الشَّبابِ |
حُلمٌ قد مَضَى وَأَيَّامُ أُنْسٍ | ذَهبتْ غيرَ مُزْمِعاتِ الإِيَاب |
وَأَزَاهِيرُ كُنَّ تَاجَ عَرُوسٍ | عُفِّرَتْ بعدَ لَيْلة ٍ في التُّراب |
وبِساطٌ للشَّاربينَ يُصَلِّي | فيه إِبْريقُهم بلا مِحْراب |
في حَدِيثٍ أَحْلَى من الأَمَلِ الْحُ | لْوِ وَأَصْفَى دِيباجَة ً مِنْ شَرابِ |
كلُّ فَصْلٍ كأَنّه صَفْحَة ُ الرَّوْ | ضِ وَعِنْد العُقَارِ فَصْلُ الْخِطابِ |
ومُجُون يَحُوطُه الأَدَبُ الْجَ | مُّ فما رَاعَه اللّسانُ بِعَاب |
يَتَغَنَّوْنَ بالنُّواسِيِّ حِيناً | وَبِشِعْر الفَتَى أَبى الْخَطَّابِ |
كُلَّما هَزَّتِ المُدَامُ يَدَيْهِمْ | قَهْقَهَتْ ثُلَّة ٌ مِنَ الأَكْوَاب |
صاحَ فيهم دِيكُ الصَّباحِ فَطارُوا | كلُّ جَمْعٍ لفُرْقَة ٍ واغْتِرَابِ |
يا شَباباً أَقَام أَقْصَرَ مِنْ حَسْوَة ِ | طَيْرٍ عَلَى وَحى ً وَارْتِيابِ |
لَكَ عُمْرُ النَّدَى يَطِيرُ مَعَ الشَّمْسِ | وَعُمْرُ الْبُرُوقِ بَيْنَ السَّحابِ |
كُنْتَ فِينا كما لَمَحْنَا حَباباً | فَنَظَرْنَا فَلمْ نَجِدْ مِنْ حَبَاب |
وَعَرَفْناكَ مُذْ ذَهَبْتَ كما يُعْرَفُ | فَضْلُ النُّبُوغ بعدَ الذَّهَاب |
مُذْ خَلَعْنا ثِيابَكَ القُشْبَ لم نَنْعَمْ | بِشَيءٍ مِنْ مُنْفِساتِ الثِّيابِ |
وَرَأَينْا في لَوْنِك الفَاحِمِ اللمّا | حِ هُزْواً بلَوْنِ كلِّ خِضَاب |
أَيْنَ لَوْنُ الْحَيَاة ِ والقَهْرِ والقُوَّة ِ | مِنْ لَوْنِ ناصِل الأعْشاب |
يا سَوَادَ العُيُونِ يا حَبَّة َ القَلْبِ | ويا خَالَ كُلِّ خَوْدٍ كَعَابِ |
سَرَقَ اللَّيْلُ مِنْك لَوْناً فأمْسَى | مَسْرَحَ اللَّهْوِ مَوْطِنَ الإطْرَابِ |
وَرَأَى فيك أَحْمَدٌ لَوْنَ كافُو | رٍ فَغَنَّى خَوالِدَ الآدَاب |
بَسْمَة ٌ للزَّمَانِ أَنْتَ تَلَتْها | كَشرَة ٌ للزَّمَانِ عَنْ أنْياب |
كُلَّما رُمْتُ خَدْعَ نَفْسِي بنَفْسِي | كَشَفَتْ لِي المِرْآة ُ وَجْهَ الصَّوَاب |
رُبَّ صِدْقٍ تَوَدُّ لو كَانَ كِذْباً | وكِذَابٍ لو كانَ غَيْرَ كِذَاب |
لَيْتَ لي لَمْحَة ً أُعِيدُ بها مِنْكَ | بَقَايَا تِلْكَ الأَمَانِي العِذَاب |
حَيْثُ أَخْتَال ناضِرَ العُودِ بَسَّا | ماً كَثِيرَ الهَوَى قليلَ العِتَاب |
في صِحَابٍ مِثْلِ الدَّنانِيرِ لا تبْ | لَى مَودّاتُهم بطُولِ الصِّحَابِ |
بوُجُوهٍ غُرٍّ تَرَاها فَتَتْلُو | في أَسَارِيرِها سُطُورَ كِتَاب |
نَسْبِق الْخَطْوَ للسُّرُور وِثاباً | لاتُنَال المُنَى بغَيْر الوِثَاب |
وَنَجُرُّ الذُّيُولَ في غَيْرِ نُكْرٍ | طَاهِرِي النَّفْسِ طَاهِرى الْجِلْبَابِ |
إِنْ دَعَانا الهَوَى لغَيْرِ سَدِيدٍ | سَدَّدَتْنا كَرَائمُ الأَحْسَاب |
زَيْنَبٌ أَيْنَ مِنْك زَيْنَبُ والشَّملُ | جَميعٌ والعَيْشُ خِصْبُ الْجَنَاب |
وَبنَاتُ الثُّغُورِ يَلْعَبْن بالأَلْ | بابِ لِعْبَ الشَّمُولِ بالأَلْبَابِ |
يَتَظَاهَرْن بالْحِجَاب وَهَلْ أَذ | كَى الجَوَى غَيْرُ لُؤْمٍ ذَاك الحِجَابِ |
كم وُجوهٍ تَنَقَّبَتْ بسُفُورٍ | ووُجُوهٍ قد أَسْفَرت بِنقَاب |
أَيْنَ تِلْك الأَيّام بَانَتْ وبنّا | وَتَوَلَّتْ بَشَاشَة ُ الأَحْباب |
لَيْتَ شِعْري أَيَرْجعُ الأَمسُ عَهْداً | غَصَبتْه الأَيَّامُ أيَّ اغْتِصَابِ |
عَهْدَ دارِ العُلوم أَنْتَ يَد َالدَّهْ | رِ جَمَالُ الدُّهُورِ والأَحْقَاب |
إِنْ ذَكَرْناكَ هَزَّنا الشَّوْق للشَّوْ | قِ وَلَهْوِ اللِّدّاتِ وَالأَترَاب |
أَنْتَ خِدْنُ الشَّبابِ بَيْنكما في الْ | وَهمِ قُرْبَى وَشِيجة ُ الأَنْساب |
فكأَنِّي أَرَى الزَّمَانَ وَقَدْ دَا | رَ وَعادَ الصِّبا نَضِيرَ الإِهَاب |
وَأرَى الْجَارِمَ الفَتِيَّ يَقُودُ الْحَ | شْدَ في جَحْفَلٍ مِنَ الطُّلاَّب |
وَاثِباً لاهِياً لَعُوباً ضَحوكاً | غيْرَ مَا وَاجلٍ وَلا هَيَّابِ |
وَاثقاً بالإِله لَيْسَ يَرَى الصَّعْبَ سِ | وَى أَن تَهابَ خَوْضَ الصِّعَاب |
فَهْوَ كالطَّائِرِ الطَّلِيقِ فِحِيناً | في وِهَادٍ وَمَرَّة ً في هِضَاب |
عابِثٌ بالغُصُونِ في ظِلِّ رَوْضٍ | حَاكَ أَفْوافَه مُلِثُّ الرَّبَاب |
يَحْمِل الكُتْبَ في الصَّبَاحِ وَلِلآ | مالِ في صَدْرِه نَئِيجُ العُبَاب |
رَأْسُه رَأْسُ مالِه وامتِلاءُ الرَّأْ | س خَيْرٌ من امْتِلاء الوِطَاب |
كُلُّ يَوْمٍ في الامْتِحاناتِ هَيْنٌ | خَطْبُهُ غَيْرَ خَطْبِ يَوْمِ الْحِسَاب |
إِيهِ دارَ العُلُوم كُنْتِ بِمصْرٍ | في ظَلامِ الدُّجَى ضِيَاءَ الشِّهِاب |
في زَمانٍ مَنْ كان يُمْسكُ فِيهِ | قَلَماً عُدَّ أَكْتَب الكُتَّاب |
أَنْتِ أُمُّ الأَشْبالِ إنْ غَابَ لَيْثٌ | صالَ لِلْحَقِّ بَعْدَه لَيْثُ غَابِ |
تَلدين البَنِينَ مِنْ كُلِّ ماضٍ | شَمَّرِيٍّ مُزَاحِمٍ وَثَّاب |
شاعِرٍ يُنْصِتُ الوُجُودُ إذا قَا | لَ وَيَهْتَزُّ هِزَّة َ الإِعْجَاب |
شِعْره زَفْرَة ُ الغرَامِ تَعالَتْ | عن قُيُود الأَوْتَادِ والأَسْبَاب |
تَتَغَنّى به العَذَارَى فَيْبعَثْن | الهَوَى بعد صَحْوة ٍ وَمَتَاب |
تَخِذَتْ فيكِ بِنْتُ عَدْنَانَ داراً | ذَكَّرَتْها بَدَاوَة َ الأَعْرَاب |
عَادَها الْحُسْنُ في ذَرَاكِ ورَوَّا | هَا عَلَى غُلَّة ٍ نَمِيرُ الشَّبَابِ |
وَغَدَتْ في عُكَاظَ بَيْنَ شُيُوخٍ | فَتَنَتْهم بِسحْرِها الْخَلاَّب |
خَلَعُوا في طِلابِها جِدَّة العُمْرِ | وقَدْرُ المَطْلوبِ قَدْرُ الطّلاَب |
وَدَنَوْا من خِبَائها فَأَرَتْهم | ثَمَراتِ النُّهَى وَسِرَّ الكِتَاب |
لَكِ دَارَ العُلومِ في كُلِّ نَفْسٍ | أَثَرُ القَيْنِ في صِقَال الْحِرَابِ |
حَسْبُ مُطْرِيك أَنَّ كلَّ نَجيبٍ | نَفْحَة ٌ مِنْ رِجَالِكِ الأَنْجَاب |
أنْتِ كالنِّيلِ كُلَّما مَسَّ جَدْباً | هَزَّهُ بالنَّمَاءِ والإِخْصاب |
كِيمِياءُ العُقُولِ أنتِ تصوغِي | نَ نضاراً من النُّحاسِ المُذَابِ |
إِنَّ خَمِسينَ حِجَّة ً قد كَفَتْ مِنْكِ | لِمَلْءِ الدّنْيا بكلِّ عُجاب |
نَهَضَتْ مِصْرُ نَهْضَة َ النَسْر فيها | واسْتَوّتْ فوْقَ مُسْتَقَرِّ العُقاب |
كلّ عام كأنّه خُطوة ُ الجبّ | ار أو وثبة ُ الأسودالغضاب |
كُلُّ عامٍ كَأنَّهُ عَلَمُ النَصْرِ | بِكَفِّ المُظَفَّرِ الغَلاَّب |
كُلُّ عامٍ كَطَالِعِ السَعِدْ شِمْنَا | هُ عَلَى طُولِ غَيْبة ٍ وَاحْتِجاب |
كُلُّ عَامٍ كالفَجْرِ يَهْزِمُ لَيْلا | نَابِغِيَّ الهُمُومِ والأَوْصاب |
كُلُّ عامٍ كأنَّهُ الأَمَلُ الضَا | حِكُ وافاكَ بعدَ طُولِ ارْتِقابِ |
كُلُّ عامٍ كَوَافِدِ الْغَيْثِ تَلْقَا | هُ وُجُوهُ الرِّياضِ بالتْرحابِ |
لاتَهابِى دارَ العُلُومِ مُلِمّاً | آفة ُ المجدِ والعُلاَ أَنْ تَهابى |
إِنّ في مِصْرَ لو عَلِمْتِ قُلُوباً | وَاجِفَاتٍ لقَلْبِكِ الوَجَّاب |
سَتَنَالِينَ بالمَليكِ فؤادٍ | كلَّ ما تَرْتَجينَ مِنْ آرَاب |
لاتُرَاعِي وفي الكِنَانِة سَعْدٌ | بَيْنَ أشْبَالِهِ الشِدَادِ الصِلاب |
واطلبي الْخَيْرَ والمُنَى مِنْ فُؤادٍ | ناشرِ الفَضْلِ ناصِرِ الآداب |
لاخَلَتْ مِصْرُ مِنْ نَدَاهُ فَقَدْ صا | رَ عِنَانَ القُلوبِ طَوْقَ الرِقاب |