حوار مع منافق
جابر قميحة
كان زميل دراسة، وصاحبًا وصديقًا، وكنت آملاً في أن يكون
| |
في صف الحق والحقيقة، ولكني ـ وأسفاه ـ رأيته
| |
يلقي بنفسه في أحضان النفاق، ـ عن قناعة واقتناع ـ حرصًا
| |
على الدنيا وزخرفها وبهارجها.
| |
فكان هذا الحوار:
| |
* * * *
| |
لستُ أنساه ... صاحبي وصديقي | فلقد كان في مقامِ شقيقي |
ثم هانت عليه نفس تمادت | فرأى في النفاق خيرَ طريق |
ومشى زاهيًا بوجه ذليلٍ | مثقلَ السمْتِ بالهوان الطليق |
قلتُ "بُـؤْساك" قال "عفوًا فإني | أشتهي العيش صافيًا ذا بريق |
متعٌ كلها الحياةُ، فدعْني | لمتاعٍ ميسرٍ معشوق |
ولماذا أعيش في الفقر عمري | وأُقضِِّي الحياةَ في شر ضيق؟ |
أم تريدون أن أكونَ من الإخـ | وانِ أحيا في مصرَ كالمخنوق |
* * *
| |
لا تقل لي "كرامة"؛ فالكراما | تُ هُراء، ما أنقذت من غريق |
ما روتْ ظامئًا، ولم تمْحُ جوعًا | أو تخففْ عن بائس مسحوق |
وغدًا تسمَعَنَّ عني فإني | سوف أغدو ذا منصِبٍ مرموق |
قلت: يا ضيعةَ الرجالِ إذا عا | شوا بعِرضٍ مُقَيَّحٍ ممْزوق |
لا تقل "مسلمٌ"؛ فمن باع طوعًا | دينَه في هَوَى السقوطِ السحيق |
لاعقًا نعلَ حاكم مستبدٍّ | رغبةً... رهبةً.. بلا تفريق |
زاحفًا آثمًا بغيرِ ضميرٍ | لم يكن غيرَ مارقٍ زِنديق |
عزَّ من عاش في الحياة كريمًا | وهواه الأبِيُّ في التحليق |
وحد اللهَ، لم تعدْ بصديقي | فطريقُ النفاقِ ليس طريقي |
والمنايا ولا الدنايا نشيدي | وصلاتي في مغربي وشروقي |
والمعاني الكبارُ والعزة القعـ | ساءُ أمي ومهجتي وشقيقي |
والزلال القَراحُ لو شِيبَ بالضيْـ | ـم لحرَّمْـتُه يبللُ ريقي |
وحروقي ـ إن كان بلسمُها الذلَّ | "فزيدي تقرُّحًا يا حروقي" |
ودمي لو يهادنُ الظلمَ يومًا | برِئتْ منه ذمتي وعروقي |
* * *
| |
وحد اللهَ، إن طعمَ الرزايا | في مذاقِ الأُباةِ طعمُ الرحيق |
وإذا الموت هلَّ بالعز أضْحَى | في عيونِ الإخوان نورَ الشروق |
إنهَا عزةُ الإلهِ حباها | لنبي الهدى الأبيِّ الصدُوق |
فعززنا بها كرامًا أباةً | عزةَ المسلمِ الأصيلِ العريق |
ثم فاضت منارةُ الحق بالنـ | ـور وعزمِ الخليفةِ الصدِّيق |
وانطوتْ رايةُ العبودةِ تنعَى | كلَّ باغٍ في هواه غريق |
يوم دُك الإيوانُ إيوانُ كسرى | بجيوش الإيمان والفاروق |
واسألَنْ خالدًا وسعدًا وعَمْرًا | هازِمِي الفرسِ قاهرِي الإغريق |
وعلى دربهم مشينا حشودًا | بخطَى ثابتٍ وعزمٍ وثيق |
تحت رايات أحمدٍ وهداهُ | وسنا المسجد الحرام العتيق |
وشعارِ السيفين بينهما القر | آنُ نورٌ للنصر والتوفيق |
* * *
| |
وحد الله إن ديني متين | وشموخُ الأباةِ مالي وسوقي |
بينما غاية الخسيس الدنايا | من طعامٍ ومنصبٍ وعقيق |
فاعذُرَنِّي فسوف أبقى بريئًا | من فصيل التزوير والتزويق |
واعذرني فلن أكون شريكًا | في فريق الكئوس والإبريق |
مغرِقًا في النفاق من أجلِ أن أحـ | يا حياةَ التطبيلِ والتلفيق |
بين كأسٍ دوَّارةٍ في انتشاءٍ | وصَبوحٍ ملعونةٍ وغَبوق |
فَاطْلِقن البخورَ للوثنِ الموْ | كوسِ في قصره المَشِيد الأنيق |
واسجدنَّ الغداةَ نذلا ذليلاً | في زفيرٍ مسبِّحٍ وشهيق |
ولْتَدَعْنا نعيشُ قرآنَ حقٍّ | يملأ النفسَ بالضياءِ الدَّفوق |
فبِهِ الحكمُ والعدالةُ أصلٌ | والمساواةُ في اقتضاءِ الحقوق |
والجهادُ المريرُ أمضَى سبيلٍ | للمعالي وللسلامِ الحقيقي |
في كيان موحَّدٍ مُتـنامٍ | كبناءٍ علا بغيرِ شُقوق |
بينما الموتُ في سبيل إلهي | هو أُمنـيَّة التقيِّ المَشُوق |
وحياةُ الشموخِ فرضٌ أكيدٌ | وانحناءُ الجباهِ شرُّ فُسوق |
إنها شرعةُ الإله ارتضاها | لصلاح العبادِ والتوفيق |
* * *
| |
إن تقلْ: حسْبنا قوانينُ صِيغتْ | وبها كلُّ نافعٍ ودقيق |
قلت: شتانَ بين شدْوٍ رقيق | ونعيبٍ مذُمَّمٍ ونَهيق |
أو ظلالٍ معطَّراتِ الحواشي | وحَرورٍ مُلَـهَّبٍ كالحريق |
أنت يا من غدوتَ في العين أقذا | ءً وعارًا وغُصَّةً في الحلوق |
وحد الله واتركنَّ طريقي | فمن اليومِ لم تعد بصديقي |
هاكَ عهدي وموثقي ويقيني | هاتفًا بالتُّـقَى وطُهرٍ صدوق |
" لستُ من أحمدٍ إذا هنتُ يومًا | لا ولستُ بدينه بخليق |
فالذي ينحني لغير إلهي | ليس بالمسلم الأصيل الحقيقي" |