يا بني الفقر سلاماً عاطراً
يا بني الفقر سلاماً عاطراً | من بني الدنيا عليكم وثناء |
وسقى العارضُ من أكواخِكم | معهدَ الصدق ومَهد الأتقياء |
كنتمُ خير بني الدنيا ومن | سعدوا فيها وماتُوا سُعداء |
عشتم من فقرِكم في غبطةٍ | ومن القلةِ في عيشٍ رَخاء |
لا خصامٌ لا مِراءٌ بينكم | لا خداعٌ لانفاقٌ لا رياء |
خلقٌ بَرٌ وقلبٌ طاهرٌ | مثل كأس الخمرِ معنىً وصَفاء |
ووفاءٌ تثبَتَ الحبُّ به | وثباتُ الحبِّ في الناسِ الوفاء |
أصبحت قصتكم معتبراً | في البرايا وعزاءَ البؤساء |
يجتلي الناظر فيها حكمةً | لم يُسطِرها يَراعُ الحُكَمَاء |
حِكَمٌ لم تقرءوا في كتبها | غيرَ أن طالعتُمُ صُحفَ الفَضاء |
وكتابُ الكونِ فيه صُحفٌ | يقرأ الحكمةَ فيها العُقلاء |
إن عيش المَرء في وَحدَتهِ | خيرُ عَيش كافِلٍ خَيرَ هَنَاء |
فالورى شرٌ وهمٌ دائمٌ | وشقاءٌ ليس يَحكِيه شَقَاء |
وفقيرٌ لِغَنىً حاسدٌ | وغنىٌ يستذلَّ الفقراء |
وقويٌّ لضعيفٍ ظالمٌ | وضعيفٌ مِن قوىٍّ في عناء |
في فضاء الأرض منأى عنهمُ | ونجاءٌ منهمُ أي نَجاء |
إن عيش المرءِ فيهم ذلةٌ | وحياةُ الذلِ والموتُ سواء |
ليت فرجيني أطاعت بولسا | وأنالته مناهُ في البقاء |
ورثت للأدمعِ اللاتي جَرَت | من عيونٍ ما دَرَت كيفض البُكاءِ |
لم يكن من رأيها فُرقَتُه | ساعةً لكنه رأيُ القضاء |
فارقتهُ لم تكن عالِمةً | أن يومَ المُلتقى يومُ اللقاء |
ما لفرجيني وباريس أما | كانَ في القفرِ عن الدنيا غَناء |
إن هذا المال كأسٌ مُزِجَت | قطرةُ الصهباءِ فيه بدِماء |
لا ينالُ المرءُ مِنه جُرعَةً | لم يَكن في طيّها داءٌ عَيَاء |
عَرَضوا المجدَ عليها بَاهِراً | يَدهَشُ الألبابَ حُسناً ورُواء |
وأَرُوها زخرفَ الدنيا وما | راقَ فيها مِن نعيمٍ وَثَراء |
فأبته وأبى الحبُّ لها | نَقضَ ما أبرَمَه عَهدُ الإِخاء |
ودَعَاها الشَوق للقفر وما | ضمَّ مِن خَيرٍ إليهِ وهَناء |
فَغَدت أهواؤُها طائرةً | بجناحِ الشوقِ يُزجِيها الرَّجاء |
يأمُلُ الإِنسانُ ما يَأمُلُه | وقضاءُ اللَه في الكونِ وراء |
ما لِهذا الجوّ أمسى قاتِماً | يُنذرُ الناسَ بويلٍ وبَلاء |
ما لِهذا البحر أضحى مائجاً | كَبِنَاءٍ شامخٍ فوقَ بِنَاء |
وكأَنَّ الفُلكَ في أمواجِه | رِيشةٌ تحملُها كفُّ الهواء |
وَلِفرجِيني يدٌ مبسوطةٌ | بدعاءٍ حين لا يُجدي دُعاء |
لَهَفِي والماءُ يَطفو فَوقَه | هيكلُ الحُسنِ وتِمثَالُ الضيّاء |
زهرةٌ في الرّوضِ كانت غَضَّةً | تملأُ الدُّنيا جَمالا وبَهاء |
من يَراها لا يَراها خُلِقَت | مثلَ خَلقِ الناس من طِينٍ وماء |
ظَنَّتِ البحرَ سماءً فهوت | لتُبارى فيه أَملاكَ السّماء |
هكذا الدنيا وهذا مُنتهى | كلِّ حيٍّ ما لحيٍّ من بَقاء |