لاَ الدَّمعُ غاضَ وَلا فُؤادُكَ سَالى
لاَ الدَّمعُ غاضَ وَلا فُؤادُكَ سَالى | دَخَلَ الْحِمَامُ عَرِينة َ الرِّئْبالِ |
وَأَصابَ في المَيْدانِ فارسَ أُمَّة ٍ | رَفَع الكِنَانة َ بَعْدَ طُولِ نِضَال |
رَشَقَتْه أحْداثُ الْخطوبِ فأقْصَدَتْ | حَرْبُ الخُطُوبِ الدُّهْمِ غَيرُ سِجَال |
لِلْمَوْتِ أَسْلِحَة ٌ يَطِيحُ أَمَامَها | حَوْلُ الَجْرِيء وَحِيلَة ُ المُحْتَال |
ماكَانَ سَعْدٌ آية في جِيلِه | سَعْدُ المُخَلَّدُ آية ُ الأَجْيَال |
تَفْنَى أَحادِيثُ الرِّجالِ وَذِكْرُهُ | سَيظَلُ في الدُّنْيا حَدِيثَ رِجَالِ |
سَارٍ كمِصْبَاحِ السَّمَاءِ يَحُثُّه | كرُّ الضُّحَى وتَعاقُبُ الآصال |
أرأيْتَ مصرَ تهُبُّ لاسْتقلالِها | والسَّيْفُ يَلْمَعُ فوقَ كلِّ قَذَالِ |
والذُّعرُ يعصفُ بالقُلوب كَمَا جَرتْ | هُوجُ الرِّياحِ على كَثِيبِ رِمال |
والأرضُ تَرْجُفُ والسَّماءُ مَرِيضَة ٌ | والنَفْسُ حَيْرَى والهُمُومُ تَوَالى |
والناسُ في صَمْتِ المَنُونِ كأنّهُمْ | صُوَرٌ كَسَاها الحزْنُ ثَوْبَ خَبال |
إنْ حَدَّثوكَ فَبِالْعيون لِيَتَّقوا | رَصَدَ العيون وشِرَّة َ المُغْتال |
والموتُ يَخْطرُ في الْجمُوعِ وحَولَه | أَجْنادُه من أَنْصُلٍ وَعَوالى |
ريّانَ من مُهَجِ الشَّبابِ كأنَّما | مُهَجُ الشَّبابِ سُلافَة ُ الْجِرْيَالِ |
وجَنَانُ مِصْرَ عَلَى جَنَاحَى ْ طَائرٍ | مِمَّا أَلَحَّ عليه مِنْ أَهْوال |
ترْنُو إلى أبنائِها بنَوَاظرٍ | غرِقتْ بماءِ شُؤُونها الهَطّال |
وإذَا بصَوْتٍ هزَّ مصرَ زئيره | غضَبُ الُّليوثِ حماية ُ الأشْبَال |
صوْتُ كَصُورِ الحشْرِ جَمَّع أمّة ً | مَنحلَّة َ الأطرافِ والأوْصال |
فتطَلَّعتْ عَيْنُ وأصغَت بعدَها | أُذنٌ وهمت أَلْسُنٌ بسؤال |
مَنْ ذلك الشَّعشَاعُ طال كأنَّه | صدرُ القَنَاة ِ وعامِلُ العَسّال |
مَنْ ذلك النَّمِرُ الوَثُوبُ وذلك ال | أَسَدُ المُزَمْجِرُ ذُو النِّداءِ العالي |
ومَنْ الذي اخْتَرقَ الصفوفَ كأَنّه | قَدَرُ الإلهِ يسيرُ غيرَ مُبالي |
سْعدٌ وحسبكَ منْ ثَلاثة أحْرفٍ | مافي الْبَرِيّة ِ من نُهًى وكمالِ |
كَتَب الكتائب حَوْل مِصرَ سِلاحُها | صبْرُ الكريمِ وهمَّة ُ الفَعّال |
ومنَ السُّيوفِ إرادة ٌ مَصْقُولة ٌ | طُبِعَتْ ليوْمِ كريهة ٍ ونِزال |
ومِنَ السَّوابِغ حِكْمة ٌ سَعْديَّة ٌ | تُزْرِي بوَقْعِ أسِنَّة ٍ ونِبَال |
ومِن الحصونِ فؤادُ كلِّ مُصَابرٍ | جَهْمِ العَزيمة ِ ضاحكِ الآمال |
فَمضَى إلى النَّصرِ الُمِبِين مُؤزَّرًا | والشَّعبُ يَهتفُ بِاسْمه ويُغَالي |
وَهَدَى الشَّبَابَ إلَى الْحيَاة ِ فأَدْرَكُوا | مَعْنَى الْحيَاة ِ وَعِزَّ الاِسْتِقْلالِ |
وَجَرَى يُغَبِّرُ لاَ العَسِيرُ بِخَاذِلٍ | أمَلاً ولا نَيْلُ السُّهَا بِمُحال |
فكأَنّه سَيْفُ الْمُهَيْمِن خَالِدٌ | وكَأَنَّ دَعْوَتَهُ أذَانُ بِلاَل |
مَارَاعَهُ نَفْيٌ وَلاَ لَعِبَتْ به | في حُبِّ مِصْرَ زَعَازِعُ الأَوجَال |
وَيَرى الْحتُوفَ وَقَدْ مَلأْنَ طَرِيقَه | نَارَ الْحُبَاحِبِ أَوْ وَمِيضَ الآل |
يزدَادُ في عَصْفِ الشَّدَائِدِ قُوَّة ً | وَيَجُولُ حِينَ يَضِيقُ كَلُّ مَجالِ |
كَالشُّعْلَة ِ الْحَمْراءِ لَوْ نَكَّسْتَها | لأَضَفْتَ إشْعَالاً إلَى إِشْعَالِ |
وَالسَّيْلُ إنْ أَحْكَمْتَ سَدَّ طَرِيقَه | دَكَّ الْحصُونَ فَعُدْنَ كَاْلأَطلاَلِ |
وَالصَّارِمُ الفَصَّالُ لَمْ يَكُ حَدُّه | لَولاَ اللَّهِيبُ بِصَارِمٍ فَصَّال |
خَصْمٌ شَرِيفٌ نَالَ مِنْ خُصَمَائِهِ | ما نَالَ مِنْ إِجْلاَلِ كُلِّ مُوالى ِ |
عَرفُوهُ وَضَّاحَ السَّرِيرة ِ طَاهِراً | شَرُّ الْبَلاَءِ خُصُومَة ُ الأَنْذَالِ |
إِنَّ الشَّجَاعَة َ أنْ تُنَاضِلَ مُصْحِرًا | لاَ أَنْ تَدِبَّ كَفَاتِكِ اْلأَصْلاَلِ |
إنْ قَامَ يَخْطُبُ قُلْتَ حَيْدَرَة ُ اْنَبَرى | لِلْقَوْل فِي سَمْتٍ وَصِدْقِ مَقَالِ |
إِعْجَازُ عَارِضَة ٍ وَنُورُ بَدِيهَة ٍ | وَبَدِيعُ تَنْسِيقٍ وَحُسْنُ صِقَالِ |
يَختَارُ مِنْ آي الْكَلاَمِ جَوَاهِرًا | دُرَرُ الْبَلاَغَة ِ كَاسْمِهِنَّ غَوَالي |
مَاعَقَّهُ حُرُّ الْبَيَانِ وَلاَ جَزَتْ | أُمُّ اللُّغاتِ وَفَاءَهُ بِمطَال |
وَالسَّامِعُونَ كأَنَّمَا لَعِبَتْ بِهِمُ | صَهْبَاءُ قَدْ نُفِحَتْ بِرِيحِ شَمَال |
فَإِذَا أَثِيرَ رَأَيْتَ بُرْكَانًا رَمَى | حُمَمًا وَدَكَّ الأَرْضَ بِالزَّلْزَالِ |
مُتَنَمِّرًا كَاللَّيْث دِيسَ عَرِينُه | مُتَوَثِّباً يَدْعُو الرِّجَالَ نَزَال |
كَلِمٌ إذَا حَدَرَ اللِّئامَ رَأَيْتَهَا | حَالَتْ إلَى مَسْنُونَة ٍ وَنِصالِ |
لاَتَذْكُرُوا نَارَ الصَّوَاعِقِ عِنْدَهَا | نَارُ الصَّوَاعِقِ عِنْدَهَا كذُبَال |
نَفْسٌ كَأَنْفاسِ الْمَلائِكِ طُهِّرَتْ | وشَمَائلٌ أَحْلَى من السَّلْسَال |
وَتَوَاضُعُ النُّسَّاكِ فِيهِ يَزِينه | شَمَمُ الْملُوكِ وَعِزَّة ُ اْلأَقْيَال |
وَخَلائِقٌ كَالزَّهْرِ سَارَ عَبِيرُهُ | مَا بَيْنَ أَمْوَاهِ وَبَيْنَ ظِلاَل |
وَعزيمة ٌ جَبَّارَة ٌ لَوْ حُمِّلَتْ | أُحُدًا لَمَا شَعَرتْ له بِكَلال |
وَشَجَاعَة ٌ فِي اللّه يَكْلؤُها الحِجا | وَالْحَزْمُ في الإْدْبَارِ وَالإِقْبَال |
وَعَقِيْدَة ٌ لَوْ هُزَّتِ اْلأَجْبَالُ مِنْ | ذُعْرٍ لَمَا اهْتَزتْ مَعَ اْلأَجْبَال |
دَارُ النِّيَابَة ِ عُوجِلَتْ فِي مِدْرَهٍ | كَانَ الزَّمَانُ بِهِ منَ البُخّالِ |
ضُرِبَتْ بِهِ اْلأَمْثَالُ لَمَّا أَنْ غَدَا | فِي دَهْرِهِ فَرْداً بِلاَ أمْثَال |
قَدْ كَانَ فَيْصَلَهَا إِذَا عَجَّتْ بِهَا | لُجَجُ الْخِلاَفِ وَلَجَّ كلُّ جِدَالِ |
يَزِنُ الْكَلاَمَ كَمَا يُوَازِنُ صُيْرَفُ | في النَّقْدِ مِثْقَالاً إلَى مِثْقَال |
وإذَا الْحقِيقَة ُ أَظْلَمَتْ أَسْدَالُهَا | صَدَعَ الدُّجَى فَبَدتْ بِلاَ أَسْدَال |
جَمَعَ الْقُلُوبَ عَلَى الْوفَاقِ وصَانَه | مِنْ وَهْنِ رعْدِيدٍ وَطَيْشِ مُغَالي |
لم يَنْتَقِلْ حَتَّى تَفَجَّر نَبْعُهُ | وشَفَى النُّفُوسَ نَمِيرُهُ بِزُلاَل |
عَقَدَ الإلَهُ عُرَاهُ جَلَّ جَلاَلُهُ | أَتَرَى لِعَقْدِ اللّهِ مِنْ حَلاَّلِ |
لَهْفِي عَلَيْهِ وَهْوَ رَهْنُ فِرَاشِهِ | مُتَفَزِّزًا مِنْ دائِه القَتَّال |
لَهْفِي عَلَى لَيْثِ الكِنَانَة ِ أُغْمِدَتْ | أَظْفَارُهُ مِنْ بَعْدِ طُولِ صِيَال |
قَنَصَتْ بَنَاتُ الدَّهْرِ واحِدَ دَهْرِهِ | وَرَمَتْهُ مِنْ أَدْوَائِها بعُضَال |
يَرْنُو إِلَيْهِ الْعَائِدُونَ بِأَعْيُنٍ | غُزْرِ الدُّمُوعِ كَثِيرة ِ التَّسَآل |
مُتَقَدِّمِينَ تَسُوقُهُمْ لُمَعُ المُنَى | مُتَرَاجِعِينَ مَخَافَة َ الإِعْوَال |
والْمَوْتُ يَسْخَرُ باَلْحيَاة ِ وطِبِّها | جُهْدُ اَلْحياة ِ نِهَاية ُ الآجَال |
والشَّعْبُ يَسْأَلُ كَيْفَ سَعْدٌ مالَه | والنَّاسُ في ذُعْرٍ وفي بَلْبَالِ |
يَفِدُون لِلْبَيْتِ الْكَرِيمِ كَأَنَّهُمْ | زُمَرُ الحجيجِ تَسِيرُ في أَرْسَال |
يَفْدُون بالنَّفْسِ الرَّئيسَ وإنَّما | نَفْسُ الرَّئيسِ بقَبْضَة ِ المُتَعَالي |
عَرَفُوا الْجمِيلَ ولا تَزَالُ بَقِيَّة ٌ | في النَّاسِ لْلإِحْسَانِ والإجْمَالِ |
مَنْ يَشْتَرِي حُسْنَ الثَّناءِ فإِنّما | بِفَعَالِهِ يَشْرِيهِ لا بِالْمَالِ |
يَأَيُّها النَّاعِي حَنَانَكَ إِنّما | هِيَ أُمَّة ٌ أَضْحَتْ بِغَيْرِ ثِمَال |
ماذا تَقُول ولِلرَّزيئَة ِ رَوعَة ٌ | تُغْنِي بَلاغَتُها عن الأَقْوال |
مَنْ كَان يَرْثي أُمَّة ً في وَاحِدٍ | تَكْفِيهِ بارِقة ٌ مِن الإجْمَال |
وإذا الْبَيَانُ أَبَى عليهِ فَرِيدُهُ | فالدَّمْعُ فِيه فَرائِدٌ ولآلِى |
سَارَتْ مَطيَّة ُ نَعْشِهِ عُجْباً به | تَختَالُ بين الوَخْدِ والإرْقَالِ |
فِيهَا كَتَابُوتِ الْكَليمِ سَكينَة ٌ | وَبَقِيَّة ٌ مِنْ هَيْبَة ٍ وَجَلاَل |
لا تَحْمِلوه عَلَى المَدَافِعِ إِنّما | فَخرُ الزَّعيمِ قِيادَة ُ الأَعْزَالِ |
أَجْدِرْ بِمَنْ حَمَلُوه فِي غَزَوَاتِهِ | أَنْ يَحْمِلُوهُ عَشِيَّة َ التَّرْحَال |
سِيرُوا عَلَى سَنَنِ الزَّعِيمِ فَإنَّهُ | سَنَنُ الْهُدَى وَجَلاَئِل الأَعْمَال |
قَدْ خَطَّ مِنْ أَخْلاقِهِ وجِهَادِهِ | لِلفِتْيَة ِ السَّارينَ خَيْرَ مِثَالِ |
إنْ كانَ لَمْ يَنجُلْ فإنَّ لهُ بِكُمْ | عَدَدَ النُّجُومِ الزُّهْرِ مِنْ أَنْجَال |
لا تَيْأَسُوا فَلَكَمْ أُبِيدَتْ قَبْلكُمْ | أُممٌ بِيَأسٍ قَاتِلٍ وَمَلاَل |
إِنَّ الشُعُوب تُصابُ في أَبْطَالِها | وحَياتُها في سِيرَة ِ الأبْطَالِ |
هِيَ قُدْوَة ٌ للعامِلينَ وَأُسْوَة ُ | الْمُسْتَبْسِلِينَ وَقصَّة ُ الأَطْفال |
سَعْدُ حَيَاة ٌ في الَمماتِ وَقَبْرُهُ | مَهْدُ الْجِهاد ومَجْدُ الاسْتِقْبَال |
أَحْرَى بَمنْ وَهَبَ الْحَياة َ لِقَوْمِهِ | أَلاَّ تُمَسَّ حَياتُهُ بزَوَال |