بأهل اسكندرية بعض ما بى
بأهل اسكندرية بعض ما بى | من الأحزان للثغر المصاب |
أدار هواي ما قلبي بناس | هُيامى فوق أثباج العباب |
وهل ينسى أخو كرمٍ وعهد | رحيق الراح يمزج بالرضاب |
فإن تكن الكوارثُ آثمات | صببنَ عليك أسواط العذاب |
فلن ينسى لك التاريخ عهداً | ضحوك الوجه مرهوب الجناب |
حماك اللَه يا دار التنادى | إلى الهيجاء أو دار التصابى |
ألم تمرح بساحتك الجوازى | لواعب في حمى الأسد الغضاب |
ألم تلفى مع الأقدار يوماً | كتائب من لحاظ أو حراب |
وكيف يطيب للدنيا وجودٌ | إذا هدّدت ظلماً بالخراب |
وأين تجول أفراس المعالي | وأين تصول أحلامُ الشباب |
عروس البحر والدنيا سفينٌ | تروّع بالقواصف والضّباب |
أعندك أن دار المجد تنجو | على الأيام من كرب الصعاب |
أعندك أن في الدنيا رياضاً | تصان من الأفاعي والذباب |
عروس البحر ما هذي الرزايا | تصبُّ على بنيك بلا حساب |
أكنت جنيت والدنيا مجال | لمفروض الثواب أو العقاب |
جمالك فاتنٌ والحسن ذنب | لأهل الحسن في شرع الذئاب |
فما شكواك من ظلماء طالت | وتلك جناية المجد اللباب |
عروس البحر يا مهوى فتوني | ويا مغنى أمانيّ العذاب |
عقلت بأرضك العزّاء عاما | فكان أعز عام في شبابي |
دخلتك عانياً في أسر ليل | أصم القلب زنجي الإهاب |
فأقبل نورك الروحي يسري | إلى أرواحنا من كل باب |
رأى العقّال أن نحيا أسارى | حياة السيف في سدف القراب |
فلا ندرى لوجه البحر لونا | سوى الموهوم من لمع السراب |
ولا نقتات من زاد الأماني | سوى المظنون من يوم المآب |
فهل سمع الشقيّ بما أفاءت | علينا اسكندرية من ثواب |
هدير البحر كان يعجّ عمدا | ليطربنا على بعد المثاب |
وحبّ الزمل صار لنا مهاداً | مطرّزةً بأزهارِ الروابى |
فأمسى الاعتقال على اجتواهُ | رخيّ القيد مأنوس الرحاب |
عروس البحر حدّثني شهودٌ | بأن الشط صار إلى تبات |
فلا غيداءُ تخطر في حماه | كرقص البدر من خلف السحاب |
ولا صبّ ختور العهد يمشى | على جنباته مشى الحباب |
ولا صهباء يحسوها بنوه | وقد قبست من الذهب المذاب |
إذا طافت بهم هاموا فخفوا | لمقبول المجانة والدعاب |
وأمسوا والكواكب في علاها | لهم أسلاب فتك وانتهاب |
سلاف صانها باكوس عما | يشوب الراح من إيم وعاب |
ألم يثقل على حكماء قومى | وقد عاقرتها وزر اغتيابي |
أمير الشط كنتُ فأين عهدى | برعي الحسن في الشط العجاب |
وأين رماله منى وكانت | مناسك صبوتي في كل آب |
إليها كان حجّى واعتمار | وفيها كان ختلى واختلابي |
فكيف أذوقُ للصبوات طعما | وعن عرفاتها طال احتجابي |
ندامى البحر سوف أعود يوماً | لأطفىء ما بقلبي من لؤاب |
نشيدي في التصوف كان لحناً | نقلت صداه عن قصف العباب |
سواي يرى الوجود إن اجتلاه | سطوراً ثاويات في كتاب |
ويجلوه لوجداني وروحي | إذا ما شئتُ إظلال السحاب |
وهل كانت حياة الناس إلا | قلائد صاغها ربّ الرباب |
عشقت البحر والصحراء عشقا | به طال اندفاعي وانجذابي |
أطلّ على الفضاء فتزدهيني | رحابٌ غارقاتٌ في رحاب |
وأنظر للوجود فلا أراه | سوى خمرٍ تعاقر أو رضاب |
أخلّائي هنالك حدّثوني | حديث الثغر وانتظروا إيابي |
أفوق ربوعه غامت سماءٌ | مؤججةٌ بأقباس اللهاب |
وما القوم الذين عدوا عليه | كعدوان الذباب على الشراب |
أكانوا جنّة صمّا فعاثوا | به عيث الأراقم بالوطاب |
أكان النسر في التحليق أدنى | إلى الإسفاف من ذاك الغراب |
نطاح كلّه سفهٌ ولؤم | ولو كرهَ المصانع والمحابى |
أحقّ أن مغنى الثغر أقوى | واقفر من أحاديث الصحاب |
فلا النشار يسال غير صاح | ولا شيبوب يحلم بالجواب |
أبو شادي أفاق فمن بشيري | برجع الأمن للثغر المهاب |
وكيف يعيش روح كان أنسى | وإن ألف اللجاجة في الغضاب |
أكاتمُ حبّه قلبي وأمضى | فأعلن بغضه عند العتاب |
هو الدنيا وقد جنّت فصاغت | رحيق هواه من شهد وصاب |
بأهل اسكندرية بعض ما بى | من الأحزان للثغر المصاب |
سمعت حديث نكبتهم فأمسى | فؤادي في انصداعٍ وانشعاب |
ملائك من أديم الخلد صيغوا | ليوم الوجد أو يوم الغلاب |
أعزّ البحر أنفسهم فعزّوا | فهم قوم اعتلاء واصطخاب |
هم الحراسُ للوطن المفدّى | من العادين أبناء القلاب |
فكيف تبدلوا وأدال منهم | مديل البأس من وكر العقاب |
تساق إليهم الأقواتُ هلّا | تساق إليهمُ عدد الحراب |
أغيثوهم بسيفٍ لا بزاد | فهم خلفُ القساورة الصلاب |
أمدوهم إذا شئتم بجيش | وقاح الوجه منزوع النقاب |
فما حفظ الديار سوى حسام | به ظمأٌ على يوم الضراب |
أجب عبد القوى وأنت شهمٌ | صريح لا يراوغ في الجواب |
أأنت ترى المخابىء وأقيات | وهنّ أذل من غار الضباب |
وما شرف الفتنى وقد استنامت | جوانحُه إلى مثوى الهوابى |
لنا ماض نسيناهُ فضعنا | ضياع التبر في جوف التراب |
لقد كنّا وكنا ثم كنا | أداة الفتك من ظفرٍ وناب |
ركزنا الرعب في مهج الضوارى | فكيف تروزنا مهج الذئاب |
لوادينا القوىّ عنت وجوهٌ | عززن بالانتساب والاكتساب |
ألم ندفن بوادينا قروماً | أرادوا الشرب من أمواه حابى |
فكيف نكولنا عن ردع قوم | لئام البغي منكودي الإصاب |
همُ ظنوا الكنانة زاد يوم | كظن النمل في نسف الهضاب |
فإن فازوا فسوف نكون منهم | مكان البحر من لهب الضوابي |
وسوف نظل نحن كما فطرنا | أباة الضيم أحرار الرقاب |
عركنا الدهر جيلا بعد جيل | وكابدنا الألوف من الصعاب |
فما هنّا على الأقدار يوما | ولا أمست بوارقنا نوابى |
ألم نشرق على الشرق المعنّى | فندفع عنه آصار الضباب |
ولولا جدنا في الشرق صارت | بقاياه العزاز إلى الذهاب |
بنا وثقت شعوب لم تواجه | بروق الغرب إلا في ارتياب |
بنا استهدت بصائر لم نرضها | خداعا بالمواعيد الكداب |
كدأبكم وقد مرنت نهاكم | على سرت الخيانة بالخلاب |
أكان العلم في عالى سناه | ذريعة الاستراق والاستلاب |
أروني منّة أسلفتموها | بلا نهب يراد ولا اغتصاب |
طلائع كان علمكم ليوم | يهون بجنبه يوم الحساب |
ولم يك علمنا إلا نظيراً | لضوء الشمس يزهد في الثواب |
أأنتم تفتنون بما ملكتم | من العدد النذيرة بالخراب |
ولا نُزهى بآراء صحاح | هي المنشود من فصل الخطاب |
فإن تخلد مآثرنا وتسلم | على التاريخ من شبه المعاب |
فذام لأنها آثار قوم | كرام الروح أطهار الإهاب |
لنا الخلد الذي لن ترزقوه | ولو أوتيتمُ ملك السحاب |
فخبّوا في المطامع كيف شئتم | وخوضوا القاتمات من العقاب |
ورودوا الأرض في شرق وغرب | بكبر الليث أو زهو الغراب |
وصولوا آثمين بنار حرب | تحيل المزهرات إلى يباب |
فسوف ترون بعد مدىً قصير | فرائس للمحاق وللذهاب |
بأهل اسكندرية بعض ما بى | من الأحزان للثغر المصاب |
أتلك قيامةٌ قامت فدكّت | حصون الباس من تلك الطوابى |
فمن كهل سديد الرأى يمسى | لوقع الهول مفقود الصواب |
ومن رشإ تصيّره الرزايا | وقيذ الشيب في شرخ الشباب |
ومن عذراء يلفظها حماها | فتخرج للبلاء بلا نقاب |
قوارع لم تقع إلا بأرض | يقارع أهلها وقد الحراب |
فما آثام أهل الثغر حتى | يشَنَّ عليهم ويل العذاب |
مضت زمرٌ إلى الأرياف منهم | مضيَّ السد من غاب لغاب |
فكيف استقبلوا بعد ارتفاه | جشيب العيش في تلك الشعاب |
أمن بعد الحشايا ناعماتٍ | يكون بساطهم متن التراب |
على جلواتهم في الصيف كانت | تزفّ أطايب الحسن اللباب |
وفي داراتهم كان التنادى | إلى الصبوات في الشط الرغاب |
فكيف مضوا حيارى لم يثوبوا | إلى زادٍ يعدّ ولا ثياب |
وكيف غدوا بهذا الصيف صرعى | لمشئوم الشتات والاغتراب |
كذاك العيش بؤسٌ بعد لين | وشهد يستقى من بعد صاب |
ومن عشق السلافه في صفاها | أحب لحبها رنقَ الصباب |
عروس البحر نسرف إن رأينا | حياتك في المزاح وفي اللعاب |
وكيف وفي معاهدك الخوالي | تسابقت العقول إلى الوثاب |
بكل محلة وبكل أرض | مآثر منك طيبة النصاب |
وما روما وآثينا إذا ما | تبارى الفاخرون بالانتساب |
منار العقل كنت بلا امتراء | ونار القلب كنت بلا ارتياب |
بكى التاريخ من عهد لعهد | مصاب العلم في دار الكتاب |
فهل كانت بدائعها لقوم | أجانب عن مرابعك الرحاب |
بناك اسكندرٌ فيما بناه | كذلك قيل رجما بالمغاب |
ولو أصغى أولو الألباب يوما | لهمس الوحي في تلك الروابي |
لآمنَ فتيةٌ منهم برأى | يخالك صادقا بكر العباب |
وهل فينوس عند مرببيها | سوى راقود في أحلام حابي |
لكيمى أنت يا دار التنادى | إلى الهيجاء أو دار التصاري |
ل كيمى أنت من أيام نوح | توارثك ابنمٌ عن خير آب |
مضى عهد القياصر في انزعاج | بأرض اسكندرية وانقلاب |
بلادٌ لم تكن إلّا مجالاً | لمشبوب الصيال والاحتراب |
بجمر الثورة الحمراء يغذى | بنوها لا بزاد أو شراب |
وجاء الفتح فانقادوا لقومٍ | مساكنهم بصهوات العراب |
هو الإسلام طهّرهم فأضحوا | كماء المزن في شعب اللصاب |
فهل يدرى المؤرخ كيف صاروا | طلائع للجهاد وللغلاب |
عليهم عوّل الإسلام فيما | أراد من المغاربة الصلّاب |
فأموا الغرب يحرسهم تقاهم | وقد مشت الملائك في الركاب |
وحلوا عادلين به كراماً | حلول الغيث بالبقع الجداب |
فلما أن هوت شمس المعالي | بأندلس ولاذت بالحجاب |
تقاطر أهلها يبغون حصناً | يقيهم شر أيام التباب |
إلى جفن الحمى بالثغر عادوا | كما عاد الجراز إلى القراب |
أتاريخاً يحبّره قصيدي | لماضى الثغر في عهد الشباب |
وما الشمس المضيئة إن حكتها | لرائيها خيوط من لعاب |
عليك اسكندرية أجّ حزنى | فطار تجلدي وهوى صوابي |
إذا فكرتُ فيك غلت دمائي | وآذن جمر حقدي بالتهاب |
ألا سيف أجرّدهُ وأمضى | لأدفع عنك عادية الذئاب |
ألا جيش قويّ البطش ضار | يذيق عداك أكواب العذاب |
سأصمت كارهاً والصمت حينا | يعدُّ من البراعة في الجواب |