الرئيسية » , » خضراء الله | محمد عيد إبراهيم | كتاب الشعر | العدد الواحد والاربعون

خضراء الله | محمد عيد إبراهيم | كتاب الشعر | العدد الواحد والاربعون

Written By غير معرف on السبت، 27 أبريل 2013 | أبريل 27, 2013





 





خضراء الله






شعر
محمد عيد إبراهيم



دار الانتشار
بيروت 2005






شخصيات الديوان

في الديوان شخصياتٌ بأسماء،
والمؤلف غير مسؤول عما قد يتماثل أو يتطابق معها
من شخصيات طبيعية، فالحياة تحمل المصادفات.
وهناك إشارات معرفية، لا تخفى على عين الأريب.
أما الأساطير فقد يكون ما سطّرهُ صحيحاً،
وربما المؤلف أعمى.














كُتبت قصائد الديوان خلال يوليو/ أغسطس 2004.





برولوج



لا تُعيدُ الألسنةُ ابتداعَ العالم.
بل تفكّرُ في الطريقِ إلى مملكةِ العقلِ، حقيقةٌ بسيطة
هي أن المادّة بدقّةِ الرسم واسمٌ للأشياءِ لا يهتدي إلا بذاته.
كلبٌ يصطادُ أرنباً بثقافةِ سهمٍ وتصريفِ معلوماتٍ،
بحسبِ تاريخهِ الجدليّ. براءةٌ، 
دون مبادرةٍ ناطقة.
حوارٌ شَفهيّ، بشريٌّ وغير بشريّ، مصدرُ الحيّ إلى الجماد،
وقرابةُ الصوتِ للمعنى. كأن النطقَ تصوّر للّغةِ، وقابلٌ للتجريبِ.
لسانٌ يدفعُ الثمن.

















وهي بموضعِ العشقِ، ترغبُ في تملّك الأمّ.
كأنها حلمٌ بمجرى المفرداتِ. توازنٌ قلقٌ على حدودٍ مفروضة،
محتوىً ثابتٌ لتنوّعِ الشخصين،
إصبعٌ مُستعارٌ لقُبلةٍ، ولسانٌ يحملُ سِمةَ الذاكرة.
واقعٌ أعمى، ونُطقٌ تعبيريٌّ بالتوازيَ. مهنةُ أنثى، وبِنيةُ إبريقٍ
حوله رجلٌ بموقعٍ مستقلّ، يقفزُ في حركتهِ اللغويةِ 
رمزاً طقسياً للكلام. بمساهمةٍ من طبيعةٍ غُفلٍ، مصيرُها
يضبطُ الوَصلَ. لسانٌ مستميتٌ على إصبعٍ،
وبراءةُ الفعلِ في صوتهِ بمثابةِ قلبٍ يُحاكي البالغين.

















جثمَ على ظهرهِ طيرٌ بخشونةٍ وحماسٍ. مُسبقاً، يعدّ 
تميمةً. بمعرفةٍ آليةٍ، بتروسٍ وأعصاب. قالَ للمرأةِ:
"لم تُحدّدي بابَ اللسان".
وغابَ برسمِ الكتابةِ، في حالةٍ من صيغةِ النفي.
لا يُتيحُ الكلامَ من دون تدليلٍ على وصفهِ رمزاً.
بينما نفسُه في عبادةِ أصنامٍ بحركاتٍ بالغةِ الهمجية.
تمتماتٌ وإيقاعاتُ حريةٍ بحيادٍ، أيادٍ تَطعَم نسيجَها في حَيطةٍ
بينما تربُط العينان كلّ مفهومٍ بنقيضهِ. "أفيقي من مَلامكِ"
قال، وانبطحَت لغةٌ. من عهودٍ طويلة.

















بنوعٍ من الغرابةِ، في حانةِ المستقبل،
يهجرُ الليلُ أوّلَه،
يختفي النورُ بترتيبٍ من نضالِ الشمسِ نحو الضياعِ،
ولا يواجهُ نفسَه إلا ليبدأ دورةً. كمن يخرُج من الفرنِ.
تنصرف عنه موسيقاهُ، ويعبثُ الزمن
بوساطةِ الشفقةِ. مدّ رجليهِ، يتّقي كارثةً: "إلى أين؟". 
أمانٌ وشيك، بينما الألم يزدادُ تحت السُرّة.
وبجُرأةٍ ملحوظة، قشّر الوحلَ عن جسمهِ. ثم طار.  







 







عالَم وعالَم



جاءَ من بعيدٍ، يحملُ صُرّةَ أحلامهِ للقاءِ أُمّهِ. وعليهِ
أن يقشّرَ الوجهَ عن الماضي ليحيا بأولِ عمرهِ كما كانَ،
غضّاً. بُخارٌ يصعد من الحبّ، وحالةُ ضِيقٍ من تذكّرِ النبعِ،
حين تغذّى اسمهُ باسمِ أُخرى على جذعِ شجرَة.
واقعياً كان، يسخرُ من نفسهِ، بينَ أمواتٍ "نقيضُ الحياةِ أن
نتنفّسَ". ليسَ للحياةِ برهانٌ على الحياةِ إلا حينَ
يُطرَدُ الجمالُ من المركزِ. والموجودُ يلمسُ الترابَ. فضاءٌ
يُعادل بين الأرضِ والعالَم. وكانا نقيضين في عينهِ. الخوفُ
لَهوٌ مالحٌ على الشفتين. واسمٌ بطيءٌ، لا يُحدّدهُ الموتُ. 
بل يجعلهُ حراً، أن يُنهكَ الرغبةَ في جلدهِ المسكين.
















طافَ حتى لا يفقأَ الزمانُ حَيرةَ عينيهِ، والوقتُ تأخّرَ. هناكَ بيتٌ غارقٌ في الماءِ. لا ناسٌ بأفمامٍ تحكيَ الحاضرَ، ولا فحمٌ تقشّرَ عن تماثيلَ تقيسُ الزمن. هو الآنَ موجودٌ وسطَ هذا المحوِ. ورقٌ ميت،
وأقلامٌ تعفّرَت مع التاريخِ. كان يكتبُ يوماً

"حلّ السلامُ والأمنُ طابَ، لكن الرعبَ أجمل!" 

ثم رأى ثمرةَ صُنوبرَ لوّنَها قديماً لتشبهَ تينةَ الفَرْجِ، وشَقفةَ إبريقٍ نالَ بهِ رَشفةً من بَولِ أنثى. جسدينِ، كانَ. واحدٌ مفقود، تضاعفَ حَظّه في الوجودِ مرتين. وواحدٌ مفقود، ضاعَ حظّه في الوجودِ مرةً. وبينهما مِخلبٌ في العينِ.
جمالٌ لا يرحمُ الحاضرَ، "من فضلكم، هل تعرفوني، أم أُعلّق نظرَتي كاللّصِ؟". كلمةٌ ضاعَ حَفرُها، والقلبُ مفتوحٌ. عمودٌ من الملحِ، بين تردّدِ السقوطِ. 
والبخارُ دوائرُ، يحتاجُ قارئَ الوقتِ.














يفعلُ الفعلُ فِعلَتهُ في الداخلِ. كلّ شيءٍ مقلوبٌ على عَقبٍ، وباطنُ جسمهِ يُفرغ حُمولتَه للخارج. أيّ بقيةٍ كانَ ظلّه في الماءِ على هذا النحو. والمَحو
محيطٌ من فراغٍ دونَ سُلطانٍ على التخيّلِ في أشياءَ لها مذاقُ الحجر. أُمّهُ لا تنامُ على الكنبة. ولا يمضغ أبوهُ مبتسماً دائماً، فهو أعمَى. لكنّ صوتاً مثلَ أمّه صاحَ فجأة "يا عليّ، لماذا فمكَ مَخيطٌ كالأهبل؟". خلفَ اسمهِ موتٌ، يأكلُ اسمَه. دُخانٌ شَقيٌّ حلّ، وعربةُ الجازِ التي كان يعمل عليها جدّهُ لا تَبين. جَدّه جَرّارُها، فهو لا يملكُ ثمنَ حمارٍ.
راعي النفطِ أصبحَ جثةً في ترابٍ بطيء. عظامٌ كالحروفِ تبعثرَت، وخيوطُ كتّانٍ مُلقاةٌ جنبَ فانوسٍ. الفقدُ كالاستعارةِ. بينما قبضةُ الطفلِ ملمومةٌ كالأهبل، على خصيتيهِ. لكن،
أينَ العربة؟

















من هناكَ، طلعَت امرأةٌ كالوحشِ، بأسنانٍ تغمّ. قالت:
"عندي أمكَ". متعةُ المصادفةِ أنسَته واقعيةَ الجمالِ، فلم يدرك أنها أخذَت في الضِحكِ دونَ حياءٍ. نسيمٌ من الاستياءِ، وروحُ الأذيّةِ تشغَلُ المكانَ بطريقتها. غضبَ من المعاناةِ أن يتوفّرَ على حاجتهِ. لكن الوحشَ لم ترقّ،
ولو لجَبرِ الخاطرِ. الخامسةُ صباحاً، وتوتّر فحَكّ أنفَه. لمعةُ الليمونِ في الفجرِ، وبقايا ضِحكةٍ تنسلّ في بابٍ، دونَ فَتحهِ. خافَ، وابتلّ. تحت الأرضِ، ينشَقّ. والوحشُ طارَت فوقَ رأسهِ "أمكَ، هنا". مالَ،
مع الحليبِ المُراقِ على ثدي أمّهِ. وحلاوةٌ نبتَت في فمهِ، بين الركامِ وقِشرِ صَبّارٍ ذابلٍ كالصَدأ. فريسةٌ تتراخَى بسَجنٍ كاشفٍ لقميصها. النسيانُ واحةُ النسيانِ. والموتُ،
طفلٌ خالد.
















فتمدّدَ من عطشِ الزمانِ على قدميهِ.
فركَ حبّةَ الحياةِ من قلبهِ، مُنسجماً بتصلّبِ راحتيهِ،
والوحشُ ساعدَت في انطباقِ ذاتهِ مع الكونِ بالراحةِ.
هاويةٌ وشَمعٌ منطفئ. لَطخةُ أسودَ في عينيهِ، وأنفهُ راقَ
للهواءِ الحبيسِ. ندوبٌ
على صدرهِ، ولُوفُ عضلاتهِ انسلّ من أطرافهِ حولَ عنقهِ.
"لن يُقدّر لي أن أرتجف، هكذا!".
بينما حملَت أمّهُ لسانَها من فمِ الموتِ، طَيّبَتهُ،
بحكايةِ قبلَ النومِ. نامَ، ولم ينم، إجلالاً لمقامها.
وبانَ الحبّ حين طوّقَت يديهِ إلى فمها بصُفرةٍ واهنة،  
"يا عليُّ، لماذا ابيضّ شَعركَ؟"
وكأليَعازرِ، قامَ من موتهِ، ليجرّبَ الموتَ.










حامي اللسان



دون انتظارِ أن يخرجَ من قلبهِ، استكانَت عندهُ الغوايةُ.
فتحَ البابَ. شجرةُ صَفصافٍ على الطريقِ، ومُقعدونَ
على ترابٍ نافرٍ وسطَ آلامٍ. راحَ يحكي:
"ثمةَ جنسٌ هو الجمالُ المطلقُ للمعرفةِ". وشاركَ الآخرين
في عددٍ من الأحلامِ جنبَ السكك. واقعةُ الوجودِ هي الهلاكُ،
وبالتأكيدِ لن نصبحَ اثنين. المرأةُ 
تبقَى على حالها، أما الرجلُ فليس موجوداً،
يحاولُ أن يُطابقُ الحركةَ بالسكونِ. وإلا سيُفلتُ. 


















وجهٌ بصوتياتٍ، وعددُها قليل.
معانٍ متقاربةٌ ولسانٌ يسيلُ إلى هدفٍ، باعتباره محرّكَ الحدَث.
جنسٌ هو مفتاحُ البيتِ وشاعريةُ الحقيقة.
فاصلٌ وَحدَه، تعرَقُ الأشياءُ منهُ. مع ذلك، عالَمٌ
لا يتوقّف عن الحركةِ، ومن الجنونِ السيطرةُ عليه.
نصُّ مراسيمٍ ومُتحفُ ألحانٍ تناغمَت مع حامي اللسان. وكانَ
الاستسلامُ هو اللغة المسيطرة وإرث الجموحِ على موتٍ،
وإن كان محدوداً.


















يُشيرُ إلى معدّلِ التبديلِ، منذُ الطفولةِ. حامي اللسانِ 
في براءةِ الجسدِ، خاصةً الوجهَ واليدين، ثم تغيّرَ النطقُ
من جسدٍ لآخرَ، من أعلى لأَخفتَ، حتى كانَ وعيُ المستمع
بمجرد الاستيلاءِ على قلبهِ. قلبٌ كبيرٌ وأبيضُ،
وامرأةٌ تفرد ذراعيها وتنامُ على بطنها
بأداةِ تعريفٍ وامتدادٍ خطّيٍّ كفورانِ بِنزين. ثم، فمٌ
مأكولٌ، هلالُ الرأسِ، مشروطٌ بسَكينٍ لطبعةِ قُبلةٍ. ووسوسةُ الثدي
مضمونُ تخريبٍ ورسمٌ لنزفٍ، ككلمة "دمٍ" فوق أبيضَ.
فيقطُرُ الشِعريُّ بالمعنى. 

















أما الذارعانِ فصليبٌ معقوفٌ على حيّةٍ،
لفَّ سِينَ السَعي نحو الولوجِ. قوسُ كمانٍ مشدودٌ يحكّ وردة،
واستلابٌ من استبدادِ نزعةِ التدليل. شَفرةُ مَعبرٍ، بصنوجِ تعذيبٍ. 
وتلاعَبَ اللسانُ بأفقِ الصوامتِ في نسيجِ الشَعرِ فوقَ العتبة.
شِعابٌ من الغاباتِ تفطرُ العالم، بتنسيقها العَفويّ.
حَصرُ الفنونِ في غضاريفَ بشُحنةٍ عاطفية.
والخيالُ يُضحّيَ بثقافتهِ، لمزاوجةِ اللّعب.



















حَدَقةٌ مُطبِقة، 
لنُعاودَ الكَرّة. وصيغةٌ من أثرٍ عصبيّ سابقٍ لأوانهِ، 
بفضاءِ المنطقة. "أنتَ عارٍ، لأجلي.
والهواءُ نقاطٌ تحتَ شفتيّ، يا مُعتم". أمامَ عينيهِ، 
يصعدُ فيهِ الماءُ. نشاطٌ بتأويلٍ، ولاوَعي مستمعٍ يلبسُ الشكّ
...
...  
فتُفلتُ المرأةُ باقتضابٍ ـ  
ومن عمَى الوظيفةِ، تمنحُ حقّ اللغة.













تعيشُ الرومية!  



في بيتِ مسلمينَ، علّقَت صورةَ العذراءِ تحملُ المسيحَ، فبانَ جَذرٌ مشترك. عملٌ مُتقَن من الحكمةِ في العنايةِ بالسكَن. وصلاةٌ من الحَلقِ نحو الحقيقةِ.
روميةٌ أسلمَت من زمان. لكن إسلامَها ليبراليّةُ أرواحٍ مُنهَكَة. وخلفَ بيتِها مقامُ مولانا جعفر الصادق. روحٌ ترفُّ من أنوثةٍ مجهولة، وتعلَمُ عن رامبو وفاجنر وبيكاسو.
وداد: عالمٌ من تفاصيلَ، دونَ عدوانيّة. ورغبةٌ نَهمَةٌ لتناولِ العشاءِ، لكن بطنَها مهضومة. وربّما، رجلٌ متوحّشُ في بالها، يتوفّر على مبدأ "الثروةُ حتى الموتِ".
تحرّقَت في مسيحيتها لناسكٍ، رَسَمَته بطبيعةٍ خاصة.
وحين خانَها، اختصرَت المعنى. فأسلَمَت على يدِ امرأةٍ كانت راقصةً بين الغجر. تقرأ لها القرآنَ بهَياجٍ شعبيٍّ، كخادمِ مسجدٍ يعمل على مهنتهِ كالساعاتي.

















تقومُ ودادُ صباحاً بترتيلِ أورادٍ على رأسها اسمُ مَولىً إسماعيليّ، ثم تفتتحُ الطعامَ بتينتين وتفاحةٍ. تشربُ رَطلاً من حليبِ الماعزِ، وبين رَشفةٍ وأخرى زَعترٌ بالزيت.
ولها صلاةٌ مع جسمِها، فتحُكّ فتحاتهِ بالكيسِ فيهِ نقطةُ زيتونٍ. تُدلّكُ ثدييها بليمونٍ ولافندَر وكِرِيمِ أطفالٍ، ثم تفتحُ ساقيها المفروجَتين أصلاً على نعيمِ مَتاعِها كي ينطلق كالفاتحِ من كِنّه. اللعوبُ برغوتهِ وحُزوزِ أعصابهِ في ضحكةٍ سوداءَ.
جميعُ الظواهرِ تجعلُ الإرادةَ ترتيباً للشهواتِ. لكنّ باطنَها يجهَلُ الفضائلَ، مثل كونفوشيوس. فهي لا ترحمُ الأوغادَ الذين يدّخرونَ، دونَ كَلَل. وهناك إضافاتٌ، أغلبُها اجتماعيّ. حيثُ خبرتُها في الحبّ، لا محدودة.
أكثرَ من الرجل، تشمئزُّ من الشروطِ. ولها سَهرةٌ جاهزة. فهي تخدُمُ آلهةً أولى حينذاك، ولا تركنُ لوضيعٍ. لكن بالخفّةِ والضَحك، تسخو إلى نقطة كمال.
















طموحٌ حزين لهمجيةٍ جديدة، كجنديٍّ عادَ من حربٍ قبلَ الأوان. "لا أحاربُ شيئاً، لكن أَلعَقُ الحياةَ لأجعلَها نبيلة". مثلَ مؤلفٍ ضمنَ أوقاتهِ الضائعةِ، يكسَبُ استغناءَه بالعدوَى.
وقد تتذكّرُ "لن أعيشَ سوى عامين، بعدُ". فالسرطانُ في كِبدها يأكلُ نفسَه. أما الظلمُ فبلدٌ لا تعرفُه. مرةً، لاحقَتها الإشاعاتُ. فالجميعُ يسيرونَ نحو هدَف. وهي كالحلاّقِ القديمِ، تُداوي أمراضَها بالكَيّ والشَفعَةِ والحِجامةِ. أما الجنسُ فطريقةٌ ثالثةٌ للحياةِ،
بعد الدينِ والموتِ. تحبّ طيّبَ الأثوابِ، ولا تغشّ "المُهانينَ المُذلّين". قرأَت "زرادشتَ" نيتشه في الثلاثين، ثم انتهكَت أصولَه قبلَ قليلٍ. وربّما كان ما لا يُميتُها قد زادَها قوّة. فتدّعي السَترَ وتهجُم على الوارثين.
ولم تنجُ روحُها دونَ معاركَ، أيضاً.

















علينا أن نذهب بعيداً. فحياتُها بريئةٌ، كفلاّحةِ فلوبير. ولم تصل يوماً إلى خائنةِ أناتول فرانس في "تاييس". حتى لا تنتهي تحتَ عجلاتِ قطارٍ مثلَ "أنّا كارنينا". والتجربةُ هي المَحكّ. فقد ماتَ جدّها عام 1947، بعدَ عَلاقةٍ عاصفةٍ مع كونتيسة.
هذا، غيرَ إشاراتِ الاحترامِ
عندَ مَن يعرفونَ رسائلَها إلى "المَولَى" في طبعةٍ محدودة.
ترعَى أحلامَها ولا تركضُ خلفَ رغبةٍ. تُذكّرنا بالثائرِ المقصودِ بينَ عامّةِ الطيبين. وحتى الحيوانات تنامُ لديها وقتَ العملِ، وفمُ كلٍ تجاهَ الآخرِ. 
قد تكونُ آمنَت بالماركسيّة اللينينيةِ، ففي رُوحِها وَثبةٌ للسلامِ. وتكرهُ نهبَ إفريقيا، كعقلٍ مُتنوّر. ولا تموتُ فيها رغبةٌ قديمة.
ولا شكّ أن ودادَ تؤمنُ بالوطن، كنموذجٍ للصرخةِ الحمراء.
















على فرضِ أن ودادَ سهلة، لكن فضائلَها عملية.
وللنساءِ أشياءُ صبيانية، كصُحبتها لسَنجابٍ وسُلحفاةٍ.
ولا تستحقُّ الرحيلَ. فهي لم تنل ليلةَ زَفافٍ،
رغمَ تحكيكِ العرائسِ كلّ أسبوعٍ
دونَ أن يعتريها الأسَى. وشَعارُها: "حلُّ الصعوباتِ بالتخلُّصِ منها".
وقبلَ موعدِ الموتِ: ازرع سبعمائةَ وردةٍ، وإن وسطَ الغرَق.
وتظنّ الله استغرقَ في صناعتِها زمناً، فهي تحبّ قراءَته
والليلُ طفلٌ، قبلَ أن تطفو كائناتُ الظلامِ
كالكِستناءِ في غيرِ حرصٍ. ولا تجدُ اهتماماً آخر،
عدا موعدٍ تقرّرُ فيهِ إجهادَ النفسِ برَقدةٍ دؤوبةٍ
كأسلوبِ عصرنا. ودادُ ـ ـ ـ 
بعدَها الانحطاطُ وحضانةُ النومِ الكبير.










نزوةُ الإيل



شاهدٌ على الماضيَ، لا الحاضرِ. فالنظرُ قرار.
وصيّادُ البريّةِ أبطأَ في "تعذّبَ". جماعاتٌ من العزلةِ
تسحَب كلامَها عن الحيّ، والصيادُ يبولُ كالنكرة.
ميولٌ تُقلّبُ نفسَها. وشكلٌ يكرهُ الأمّ، غيرُ مبرّر.
كأنه خارجيٌّ، يشبهُ النفورَ، بهلوساتٍ إلى نزوةِ الصَيدِ
خلفَ الإيلِ، وهو براءٌ من المكرِ. طِرادٌ وإمساكٌ
لحدّ الموتِ. والإيلُ مُرهَفٌ بالخُلوةِ الهمجيةِ، لكنّ موسيقى
كقَطْرِ الخيلِ نحو الماءِ تهفو. هنا، لغةٌ لتَعَدّي النظامِ. وعيّنةٌ
لاقتطاعِ الحزنِ من قلبِ اللسانِ، 
قلبُ لسانهِ يسحَرُ المتأمّلَ.
















يشهدُ الصيادُ صَرعةَ الإيلِ كحرفِ الراءِ نحو الأرضِ.
وتتكرّرُ الراءاتُ حتى ترضع الشفتان أعضاءَه الأنثوية.
أكثر من 58% من ميمِ القبلةِ لا يعني أن جنساً يقومُ. بل
عسلٌ بريٌّ صافٍ يُدغدغُ الحنكَ. وجوفُ الفمِ رَطبٌ بحلواهُ 
من رؤيةِ العلاقةِ الجنسيةِ، في غيرِ طلبِ الجنس. نشاطٌ
من الحنجرةِ كبربرةٍ أو شهيقٍ، والإيلُ مقلوبٌ ليختفي اللسانُ 
بتاريخِ الحضاراتِ من قُبلةٍ. وَلَهٌ بمنظورٍ تجديديّ
يرسُم مصيرَ الكلامِ. وكلامٌ يرسُم مصيرَ القُبلة. وقُبلةٌ ترسُم
مصيرَ السقوطِ على يوتوبيا الجنسِ، من أوّلهِ إلى فِتنِ الخلافاتِ
بعُنصرَي الفاعلِ والمفعول.
















نمطٌ من جدلِ المالكِ والمملوكِ 
من أجلِ، في، عندَ، مع، مَن يملكُ المالكَ.
والمملوكُ لاحقةٌ لتصريفِ الطرفينِ إلى واصلٍ وموصول،
جملةٌ غيرُ مستقلّةٍ لتحديدِ معنى الجنسِ. ثمانيةُ أطرافٍ
على حافرٍ، مشقوقٍ لغلق الحَبسِ. ألفُ كلمةٍ لا تَطيقُ الركونَ
بين لسانٍ وآخر. وعندَ خروجِ العَواءِ من كلٍ على طريقتهِ
استعرّت معالم بدائيةٌ، وتفكّكَت أعضاءٌ بمعنى التجاورِ
والتداخلِ في الزمانِ والمكانِ من اجتهادِ الرمزِ أن يتحَطّمَ.


















أفعالٌ تتعدّدُ تندرج تشتدّ، تجهَدُ في التتابعِ والتغيّرِ والتحفيزِ والجمعِ والطرحِ. مضاعفاتٌ من خفيفٍ ثقيلٍ بحَفرٍ ضيق. وأشباهُ الكلامِ، على ربطِ سائلٍ يسيلُ في إناءٍ كثيرِ التردّدِ والغلَبَةِ. فالجهادُ على مَخبأٍ، كبيتِ التوتِ. حرفٌ مخنوقٌ ومُتهتّك، 
ونقطةٌ فوقَ رأسِ الحرفِ سيّالة. أيقونةٌ بمُنبّه الوقتِ في حجرٍ ناعمٍ، وتصويرُ أصواتٍ لناطقَين حِسيّين كأكثرِ الرواةِ موهبةً. وثيقةٌ مُرجَأة
لتحريرِ أعضاءِ مخلوقٍ بوضعيةِ حيوانَين في شفةِ الوردةِ المُنهَكَة. تحريكُ ألحانٍ بصوتٍ خفيضٍ كتنغيمٍ وراثيّ لاقطٍ لمحاكاةٍ قديمة
من عهدِ آدمَ أو شبيههِ، وقتَ أن قامَت عنهُ حواءُ أو مَن قبلَها، أطلق عليها اليهودُ "ليليثَ" الحيّة.

















يشهَدُ الصيادُ عدوانيةً، وحسبُ. قاطعٌ طالبٌ رافضٌ، وعبثيّ
من نفورٍ وكرهٍ وصياحِ ديكٍ على ترتيبِ كلماتٍ 
في توتّرِ العضلاتِ. ريثما عنفوانُ الصوتِ بالإيقاعِ، يُوهمُ العالمَ:
"دَوري أن أُسمّي اللسانَ".
وانداحت المعاني، لشرحِ الإيل.

















لعنة صلاح الدين



تُحاصرهُ الفِرسانُ في حُجرةِ المُلكِ، والسهامُ من كلّ جانب.
هنا، يأكلُ المَلك. وهنا، يُضاجع خليلتهُ العصماءَ قبلَ انبلاجِ الفجرِ. وقد يرتزقُ السيفُ، كما يرتزقُ اللفظُ لدى فَحلِ المعاني. بشكلٍ عام، يُخلص للأبكارِ كما يُخلص لإنجابِ خليفٍ وقتَ الحاجةِ. وهو الفارسُ،
مالَ رأسُه واضطجعَ على جانبٍ. ألقَى عساكرُه السلاحَ، فما من جواسيقَ تفتحُ القلعةَ. والمقصودُ زادَ جَمراً على جَمرٍ، فالحبُّ غلاّبٌ. "داءٌ عياءٌ" كما قالَ ابنُ حزمٍ، والموتُ فيهِ  سُموٌّ تراجيدي.
للحبّ أسماءٌ، والرجلُ درجةٌ "ما بين المرأةِ والجمادِ".
حلوَى مُؤنّثةٌ، تنفتحُ في طبقاتِ لاوَعيهِ. وحولهُ طائفةٌ ازدواجيّة من الوشاةِ والظُرفاء. قد يتعارضُ أو يأتلفُ. غنيٌّ عن الترادُفِ، والشهداءُ رملٌ من ثرَى القلعةِ. 
سالَ ماءُ قضيبهِ نافراً بين المرأةِ والمرآة.















لا يغضّ الطَرفَ وعينُه كالإبرةِ، بينما عينُ القومِ كَلِيلةٌ عن بواطنِها. مزاجهُ مقلوبٌ مما صارَ للعراقِ، ولا رُسلٌ مأمونةٌ يشحنُها للترَصّدِ. من بابِ سوءِ الأدبِ أن يستعيرَ سُلطةً، ليكونَ ما سيكونُ.
ينطقُ الراءَ غَيناً، كأهلِ فرنسا.
وفَرْجُ أمّهِ لابد قد عاشَر إلهاً أكبرَ.
يتوفّرُ الوردُ من حوله، لكنه استراتيجيٌّ يسألُ عن حِصنِ بغدادَ، كيفَ اقتحمهُ المغولُ، كشقّةٍ مفروشة. زمانٌ مفككٌ مقطوعُ، يحسبُ للسِلمِ أو يُضيّع وَقتَه. وربما لا يدعَمُ الجماعةَ إلحاحٌ اجتماعيّ على الوجودِ.
يتحرّكُ، أو يجولُ بينَ أتباعهِ حائراً. سيُدمّر فضاءَه، يستنفدُ زمنَه. ولم يُرَ من زمانٍ، هكذا. طافَ أمامَ تمثالٍ لقامتهِ، فحَطّمَ رأسَه:
"كيفَ تنفرجُ البلد؟"















مرّ بالمرحاضِ على أربعةِ أولادٍ، وقطٍّ يلعبُ. قلعةٌ، كجزيرةٍ محظورة. ومزرعةٌ خَرابٌ جنبَها، لا يقومُ عليها أحد. مجرّد أرؤسٍ بمدارِ الساعةِ، في مخابئَ حجريةٍ وسطَ عُمرانِ المكانِ. يُفضي صمتاً،
ليحسبُ أبراجَه ومآويه، والسَجنُ بالفارّين هواءٌ لزِجُ وأنفاسٌ معدودة. ومساءَ الجمعةِ راحَ في الغاباتِ، يستفتيَ نفسَه. كمعكوسِ ظلٍ ولا يتعجّلُ. يكرُبُ أو ينقّ، صرخةٌ خلفهُ ومن أمامَ مناوبةٌ ساهرَة. ماءٌ مالحٌ 
وسطَ بِرسيمٍ وصنوبرَ، وكرومٌ على مدى الأبصارِ مفتوحة. بقرٌ هناك يُطلّ كساعي البريدِ، فيرعَى على المُهمَلاتِ جنبَ السكةِ الحديدِ. حركاتُ النجيلِ والتوتُ المُفرِطُ على الأرض تَبينُ عن مَوسمٍ. حملَ القليلَ إلى فمهِ، كأحجارٍ كريمةٍ تخزنُ النورَ في منشورِها كالسُكّرِ.
سيُسهّل المَهمّةَ.















عاد محتشداً وفلاحونَ وفرسانٌ وعرباتٌ من حولهِ. وَهمٌ، أن يرى المرءُ قفاهُ. لذلك، لن يُجاملَ. سيحملُ حملةَ رجلٍ واحدٍ، دونَ متعةٍ شهوراً. ليقتصدَ الجُهدَ.
برودةٌ كالحلزونِ في أذنيهِ. والفضاءُ قِتالٌ في ناظريه، بعدَ عبورِ الحدودِ. بستانٌ من الرقابِ على عصيٍّ مُخضلّةٍ بالأحمرِ. أو لا يكونُ.
فارسٌ نحو المجاعاتِ والأوبئة. والحربُ أوزَارٌ، تحُطّ الخيولَ، تشيلُ الخيولَ، كالمومسِ فوقَ سريرٍ غير مريحٍ. يدخّنُ غليونَه
قربَ مِدفأةٍ بدائيةٍ: لن يفاوضَ الملك ريتشارد، من جديدٍ. بل يركبُ المستقبلَ، فاصلاً ضرورةَ الحياةِ عن أطلالِ الموتِ، مثلَ بورخيسَ في شِعرهِ.
جرَشَ الترابَ بين يديهِ. وصرخَ بإصبعهِ على زِرٍ، يطلبُ العُدّة.

















أطلقَ سُجناءَهُ باتجاهٍ آخر. ومن فرطِ قوّتهِ، راحَ ضلعانِ لامرأةٍ مصادفةً أمامه. حملَ الرايةَ "لا إله إلا الله، صلاحُ الدينِ حبيبُ الله".
متّكآتٌ هبطَت تحتَ قدميهِ، والفاصلُ بين حجرتهِ والحريمِ طارَ على أفخاذهنّ. فأطفأَ النورَ الأحمرَ. وعلى الرصيفِ، استعارَ سيارةَ أجرة. إلى بغدادَ.
في بغدادَ، على محورِ الشارعِ، نارٌ وفرقعاتٌ ودماءٌ بلا عددٍ. صفقَ بابَ الأُجرةِ، أغلقَهُ بريموت كونترولَ. ارتجّت أضلاعُه من فوضَى الجماهيرِ نحو الشرقِ والغربِ.
آهٍ، نسيَ الغليونَ في القلعةِ.
سألَ عن المغولِ، كانوا يشربون الشايَ في المِقصَفِ. حارَ من وَرشَةِ القتلِ. كَشّر أسنانَه، وتمهّل نحو المِقصَفِ. طلبَ البيرةَ. والجنودُ مُصفّحون ببَزّاتٍ مَحميّة.
نالَ شيئاً من الاهتمامِ المنهَجيّ.
















انطلقت من أكبرِ كمبيوتراتِ العالمِ إشاراتٌ على أنّه خوارجُ.
لَمسَ حَلالَه، فوقَه المُديةُ. وتمنّى مثلَ قميصِ يوسُفَ أن يُغطّي عينيهِ، فيرى اسمَه أبيضَ. باضَت البَزّاتُ وهي ترقُبُ ما سيفعل. ترَوّى ليسحَبَ رِمشاً غاصَ في جَفنهِ، واستبشرَ. انفجرَت سيارةُ الأجرةِ، عندَ المِقصَفِ. والأميرُ
طارَ في الهواءِ، دونَ خَيارهِ. العفاريتُ قد فعلَت فِعلَته، بهِ لا بغيرهِ. وهو جريحٌ، حافياً، ظهرُه مُنبعج، قَويَ على انتضاءِ آلتهِ من حِزامهِ. وتصوّر إطلاقَها كأسلافهِ الفلاحينَ. لكن رِيحاً مُدجّجةً من البابِ، هبّت.
لم يكد أرخميدس يقولُ "وجدتُها"، حتى شافَ غريباً عليهِ ولا نظيرَ لخاتَمه. دلقَ منه على فمهِ بَولٌ كبنزينٍ، حارقٌ. كيفَ ماتَ؟
وفي موتهِ الثاني، تحمّمَ في طِستٍ
من نحاسٍ، وحولَهُ ملائكُ قدّيسونَ بحالةِ نومٍ خفيف.















عادَ للقلعةِ بعدَ الغداءِ. ريحٌ كانسةٌ أمامَ الاستقبالِ، والطعامُ مُعفّر. لم يرهُ أحدٌ، فهو في عالَمٍ غيرَ عالَم.
الجنودُ استباحوا الحريمَ، منفعةً للنافعِ، واستسلموا للصراخِ حولَ الشِطرنجَ. أوراقُ مذكراتهِ بين الممراتِ. تَهَندَم،
فأطلقَ حنجرةً، على راسمي الخرائطِ. لكن الراقدينَ كالراقدين. لكزَ مؤخرةً، وأَسَرّ إلى امرأةٍ أن تتبعَه. لكأنهُ حلمٌ، في فضاءٍ غريب.
وبالطابقِ الثالث، كما تركَ الحجرة. مُجرّد جِيرٍ تقشّرَ. آلامُ أسنانهِ تشتدّ بشكلٍ رهيب. ومثلَ هزليّ مولييرَ أو قِيانِ الأصفهانيّ،
عكفَ على الطاولةِ  
يكتبُ الأحلامَ في النصرِ، ويصقُلُ سيناريو لاقتحامِ المدينةِ. 












قناةُ العاشق 
 


كانَ يا ما كانَ، مملكةٌ جبارةٌ وهدوءٌ على المملكةِ.
ربعُ دائرةٍ من الخُضرةِ تقفُ عليها الأميرة.
إوَزٌ يعومُ بشكلٍ جماعيّ، ويرضَى باليَسيرِ من الفُتاتِ.
والأميرةُ نحو الشمسِ، تأكلُها العفّةُ. من خلفها، كلّهُ عيونٌ
وحولَهُ حروفٌ على خطٍّ مستقيمٍ: أُحبّكِ.
نظّارتُه مُضلّعةٌ، ويمشي بقائمةٍ واحدة. أقلّ تنويعاً بألوانهِ، وهو
محجوبٌ ليملكَ فضاءَه، فلا تراهُ الأميرةُ يحجل.
أميرٌ ريفيٌّ بسيط، يتبعُ الغامضَ في الهواءِ. ضريحٌ من الأمل،
سارَ جنبَهُ. وعلى بُعد أمتارٍ، سُحبٌ في السماءِ وفوقَ التلّ
زهرة. جوادُه بعيدٌ، بأرضٍ عموميّةٍ، يرقُب الحصيلةَ.
تبتسم، فيدورُ على محورٍ كالفانيَ، ينشَف دمُه.















بميعادِ الربيعِ، وصيفاتُ الأميرةِ في ظُرفٍ يُعلّقن شالاً
على ظهرِها، فيبينُ من لحمها بَرقٌ. يُشعلُ الحَشا ومشتقّاتهِ.
لو سارَت الأمور، لتزوّجَ بالصيفِ. لكنّ الأميرةَ اغتَمّت
"في بطونِ الغيبِ أرزَاءٌ". بمخبأِ الأَرزِ، كانَ.
لترفع عصاها كنمرٍ صغيرٍ فتَهوي من النقمةِ. سِلسالٌ
من الحادثاتِ، على كلّ بابٍ. قلبهُ شَفّافٌ، كأنهُ في قفص.
وليلاًًً، يعبدُ أقمارَها الزرقاءَ. أما صياحُ الديكِ فيُذكي حلمَهُ،
أن تلينَ كما تفعلُ النساءُ، لهمساتِ قدميهِ
فينسلّ شاحباً وبطولياً، نحو خُصلةِ شَعرِها. كأشعّةٍ تُمدّد
فقراتِها. أو يَشِي الصبحُ بالعاشقَين: عَيناً بعينٍ، وساقاً
على ساقٍ. وإن لم يكُ عاجلاً.
ضَربةُ الحبّ قد جعلَتهُ يَعوِي مثلَ "فارتر".














يهمُّ الملك. ملكٌ ويريدُ سعادةَ بنتهِ: "يفضحني العاشقُ، والأرضُ
تبورُ". قالت "لا تغرّني الدنيا، ولكن". كُربَةُ نفسهِ تَهولُ،
فأنّى للماءِ أن يصل. أرضهُ في وادٍ، وأرضُ الملك عالية. ولا
يحدودبُ الماءُ. جمعَ المهندسينَ وعُمّالَ التربةِ، واستشارَ
العارفينَ والعرّافينَ وعلماءَ الأركيولوجيا.
أطلقَ الريفيُّ ساقيهِ للريحِ، أمامَه امرأةٌ عجوزٌ في الهواءِ،
كصرخةِ طائرٍ. "يا عمّتي، كيفَ؟ مملكتي إليكِ". وقرّب أُذنيهِ،
فاختفَت. لم يحتَمل لوعتَه. والماءُ في فمهِ، شَرَق.
طارَت رؤوسٌ، كبِذرِ الحصادِ. وانغلقَ بابُ الحكمةِ.
أما العطشُ، فجُنّ الترابُ. ولم تُضِف الحكايةُ.












سرير المُلك



سمراءُ من غربِ آسيا. أميرةٌ تعبدُ الفَرْجَ.
كلّ ليلةٍ تنكشُ قبلَ طلوعِ الضياءِ عن فارسٍ حامٍ أو بائسٍ
محرومٍ. ولا وسيطَ. دشّنَت لظهورِ أبيقورَ، بالمقلوبِ.
رمزيةٌ تسطو على التهديدِ. ويعجزُ النُحاةُ عن صرفِ جهنمَ
من مُعجمها الليليّ، واللائمُ مَعذول.
قلمُ المرأةِ القضيبُ، ودَيدنُ الأميرةِ البَترُ. بعدَ مَهمّةٍ،
كالمُعاينِ. أوّلُها أخيرٌ. والحسابُ قبلَ الموتِ.
صورةٌ للتتيُّمِ والهلاكِ معاً. فهل من مُستزيد؟


















تجمَع نساءً في الصباحِ، ولا تُسرّي عن النساءِ.
حكايةُ الغُلمةِ اقترنَت بسُلطةٍ أبويّة، تَحولُ دونَ خليفةٍ.
والرجالُ بهلوانُ. بعدَ العَرضِ، نقّالاتٌ مريحةٌ وهياكلُ خيريّة.
كما أنه لا دِيةَ على قتلِ القضيبِ.
وتاءُ التأنيثِ علَمٌ مرفوعٌ، بغضّ النظرِ عما تحملُه.
والإسقاطُ أعمَى. محاولةٌ لقياسِ جنسٍ فاعلٍ، غيرِ مردود.
وتعني النقطةُ النهايةَ.
غِربالٌ من المعنى، فالمؤنثُ أصلٌ، ووجبَ أن تُجدَعَ الغصونُ.
شهوةٌ خَيطيةٌ، حُكمَ عليها أن تربُطَ الوَصلَ بالفَصلِ.
أو كما قيلَ: سريرُ الفحلِ، مرّة. 
















من موقع الشمسِ، تحتلّين حافلةً من حجر. نصفُها قامَ
ونصفُ السريرِ هلَك. تحتَه بوابةٌ لمشاهدةِ الأحياءِ، والعادةُ
أن يتسلّق الهاوونَ لرؤيةِ ما تكشفهُ من فتحاتٍ في الهواءِ
تَخدِشُ الفضيلةَ. وهي رَخوةٌ، بقيلولةٍ ناعمةٍ في مَحميةٍ ترتفعُ
أربعةَ أمتارٍ وحولَها ألفُ شجرة.
قوسٌ من الفراغِ على ذكرياتِ الغزوِ. فهي تُحرِقُ كلّ فترةٍ
ما تجمّعَ، في حَفلٍ باذخٍ بحديقتها الصغيرةِ.
تضجَعُ قائمةً بساقٍ، وأُخرى مستريحة. "من لم ير البحرَ في
عمرهِ، هل يفهم؟". يلتفّ حولَ الدلتا
حَشدٌ عظيمٌ، بتهليلٍ إلى الفضاءِ أن اِحفَظ لنا الدنيا.
فتُوصي الجَمْعَ بالمتعة، وإن من شتلةٍ واحدة.















لا مجالَ للخطأِ، ولو بضعة مليمترات.
كانت معلّقةً تشغَلُ القلبَ بتضفيرِ بهجتها. ووجهُها
مثلَ لوحةِ ماجريتَ، أعضاءُ فاجرةٌ في فضاءٍ 
بهيم. حكّ عبدٌ، دونَ أن يستأذنَ، الحَبلَ. فانفجرَت تفتحُ البابَ.
في كُمّه عقربٌ، غابَ على اليسارِ. في فتحاتِ الحجر،
أنوارٌ معكوسة. وبين يديها كاسٌ كالرضيعِ، نبيذُ الأديرة.
وعلى نمطِ الرواياتِ اليابانيةِ، معها كلبُها وبظهرِ السريرِ
ثريا ومرآةٌ. كالمحبوسِ في قفصٍ، زَمناً 
داسَ العبدُ قبّعةً وخارَ بمِرفقيهِ على وسادةِ شَعرها.
حقبةٌ طالَت، ولم تتحقّق من موانعِ شهوتهِ. للسرير فروضٌ،
تبلّلت. فانكبّت على آلتهِ بضراوةِ من يُسطّرُ مخطوطةً.















فجأةً، صارَ مُضطراً. فأَقحمَ عقربَه بعقربِها، وتكهربَ
المَخدَعُ. ختمَ عليهِ بالشمعِ، وهو كفيلٌ كما قالَ
علماءُ الاجتماعِ، بالفكرةِ المُسبَقَة.
سارَت في جِنازتها طبيبةُ الحيّ، وامرأةٌ تحملُ أوهامَها
مع قَزمٍ عَجول. وظلّت النيرانُ تُطلَق
على مَن يتسلّق الحَبلَ، فترة. حتى جاءَ زَلزالٌ،
ونصفُ السريرِ هلَك.















نشيد رَعَويّ



يا حبيبي،
ينبغي اكتشافُ الخطأ، لا الحقيقةَ.
فالحبُّ واقعيٌّ بعقلٍ مفتوح، والعقلُ المغلقُ يلعبُ بالشكّ.
ضروبٌ من الفوضَى للتخلّي عن الخلاصِ، كي يُستَعبدَ
الشهداءُ بأرضكِ الموعودة. إليكِ،
رأى التراجعَ والفشلَ مسائلَ إنسانيةً، وخروجاً عن الخطّ، 
طفراتٍ وثورات. لا نهايةَ للأمل. والجيلُ الثاني من أعصابهِ 
ينبني، إلى التحرير بحماسةٍ مجنونة
قبلَ حالةِ الجَزرِ. قلبكِ ذبّاحٌ
على الأرضِ، وفِردَوسُه شَراكةٌ كليّة ليس إلا.
















يا حبيبي،
فكرةُ الخلاصِ ضيّعَتهُ. واحتجابُ الشكّ أسطورةٌ مخبولة.
في زماننا أيضاً، ملائكةٌ مراهقة. لكن غيرَ البؤسِ مطمحٌ تبسيطيّ.
والخطأُ تصفيةٌ وتصريفاتٌ، لأنه عقلٌ مفتوحٌ على باطنهِ. أما
العقلُ المغلقُ فتآمرٌ لغريمِ أعصابهِ. "اشربِ الحلو، يتوزّع بالتساوي".
حبكِ مهدٌ شابَ بلسانهِ. ومضةٌ في قلبهِ لبراءةِ آلهةٍ  
بجماعةِ مؤمنين، لنفلتَ من عبثِ الموقّعين على شاهدِ الطاعةِ.
وإلخّ. نهايةُ الكلمة
فراشٌ رمزيٌّ هائجٌ، يحصرُ المعنى في تحوّلِ الاستلقاء.

















يا حبيبي،
لا نيأسُ حين نعلمُ أن اختزالَ الناطقِ في حقلٍ مليء بالزمنِ،
يصفّي القيودَ. والواحدُ أكثرُ عدداً، خاصةً حين نشدُّ السماءَ
إلى الأرضِ. يا حبيبي،
امنعي مِشبكَ الحنجرةِ عن اللّهاثِ. وابهريه، موّهيه، تملّصي
من قطوعِ الأشكالِ بالمادّةِ. ذُرّي الغبارَ في العينين،
وحُفّيهِ بما هو عائقٌ، حتى الموتِ "المطلَقِ الوحيدِ، العدَم".
وفأسُ البراءةِ لا تنشقُّ بسهولةٍ. جرّبي. طوّقيهِ
بشكلٍ أخرقَ، فالزمنُ كفيلٌ بفتحِ قمةِ الهرمِ على
قلبٍ متربّصٍ بفعاليةِ الفعلِ.
















يا حبيبي،
الحبّ صَدارةُ الناطقِ. وامتحانٌ لثلاثين مليارِ خليّة.
جهازٌ آجلٌ لقَطعِ ارتباطِ الكونِ، وحرمانٌ من النومِ مُفتَرَضٌ
لصمتِ الله. إن عادتِ الأرواحُ سائدةً فمن الواضحِ
أن ياءَ الكونِ مفتوحة.
فلا أحدٌ شافَ طاقةَ "كُن" في ترابٍ، ومدّ إصبعَه كتمثالِ أنجلو.
هنا، خَصّبيه بفلسفةِ الفيزياء، في أكثرَ من تناسخٍ. جانبكِ
مفهومٌ، بوحدانيةٍ تبتغي لغةًً. وبعيداً، هناكَ أبٌ ينتظركِ،
حَكَمٌ سماويّ بضربةِ حظّ، ينثُر رطانتَه كالمعدِن
على لوحِ مغناطيسَ. فما العمل؟
















يا حبيبي،
الشحيحُ لا يُجدي.
والحبّ حلمٌ قصيرٌ على رأسِ إصبعٍ، يرقانةٌ في حلزونٍ أسود.
مَهمّة تمسحُ دمعتَها الأخيرةَ.
مَهربٌ في شكّ "أن تلعب معي".
مُسنَدٌ جلديّ قُربَ نافذةٍ وقتَ تقليبِ الصُور.
خيطُ ضوءٍ على الخَصرِ يكتشفُ الألَم.
وشريطُ صوتكِ في الكلماتِ عند التلّ، ضرورةٌ لبلادهِ. 


















المكشوفُ من لُغتكِ. وفمكِ يرضَعُ نفسَه، يا حبيبي.
أزهارٌ تُعرّي رأسَها، وهي تضحكُ.
صوتُ رَصاصٍ في السِباع، وهو يرفعُ حاجبَ السيارةِ. 
عيناكِ مغمضتان في السقفِ، بسببِ البيرةِ.
ناموسٌ وأطفالٌ وساعةُ نحسٍ ونَقرٌ على بابٍ مُوارَب.
بِركةُ دَم. والقادمُ ضائعُ.
قططٌ في مقامِ "عرفات" تُضاجع إناثاً من النوعِ الرفيعِ.
ورمحٌ ثانٍ إلى حيّةٍ مثقوبةِ الرأسِ وأجراسُها تخفُت. 
ربّةُ الانتقامِ تعيشُ حياتَها تحتَ مصباحٍ، أمامَ ثيرانها السبعة.

















يا حبيبي،
وهو يمشي، ويمشي.
فاكهةُ البساتين مزّقَته، وأطفالٌ يُطعمونهُ الفطيرَ
في شمسٍ وجروح. شعوبٌ هدّدتهُ بدمعها الغزيرِ. وشحّاذٌ بمحبةٍ.
تنزلين عن حصانكِ، كالهدفِ المكشوفِ. يسجو جسمُكِ الآنَ.
الفراولاتُ تبكي فرحاً. فتمدّين حبالَ العشبِ قربَ سريرهِ.
جيرانُ العرضِ يسعون للصعودِ. حانَ حينُ الليلِ. الهدوءُ رخوٌ،
ورائحةُ الحموضةِ بالفضيحةِ عند البيت.
فاستدانَ طويلُ القامةِ الكلماتِ تحتَ الشجرة:
"لنعبرَ النهرَ، أيتها الحريّة".












ربّة الانتقام



تحملُه داخلَ البيتِ. مائدةٌ صاخبةٌ تُثيرُ غضبَ المتصوّفِ.
مع الليلِ تُشعلُ شمعةً، فموجوداتُ الحجر والشجر لا تنامُ.
كي تصنعَ السعادةَ للخفيّ في طلاقةِ الكونِ. أعينٌ كالفقاقيعِ
مثلَ روحهِ، جنبَ نافذةٍ مُكمّلةٍ للبصر.
سالَت الحوريةُ نصفين كنباتٍ أمامَ شاعرِ المادّة.
بحواسٍّ متعادلةٍ، للنومِ والجنس. مسافةٌ ضدّ
نحو المتصوّفِ، وهو غابَ بعيداً على الطاولةِ، ارتقاباً
لفريسةِ الجِنّ. شريطٌ ناعمٌ من تعاسةٍ
فوقَ صدرهِ. يَغبطهُ الركوعُ على قدميهِ، ليلعَقَها بشدّة.
مِخلبُها خافقٌ، فيدورُ حول المرايا. أمامَ حوريةٍ نطقَت
"وحيدٌ، أنت!" 















وبقدرِ ما كانَ الحلمُ وعداً، في صحراءَ طارئةٍ 
كانَ يغسلُ بطنَها بيديهِ، بنبيذٍ حامضٍ في صفاءِ الرُضابِ.
فارتجفَت من العمقِ حتى تألّقَت الذاكرةُ. فراغٌ
من الخوفِ والتعبُ يمرّ، حاضرُها يَهوي بمطرقةٍ على
الغرفة. ثيرانُها سبعةٌ، تثغو. فتُسدل هالتَها من السقفِ،
أشياءٌ مثلثةٌ كالذراعِ والثدي والعانةِ، تسقطُ 
في الهواءِ. يبلعُ أحشاءَه برويّةٍ، وحفيفُ جملةٍ صمّاءَ
يسمعُها بأفمامٍ تندلع من جسمِها كلّه. جفّ حلقُه، والأرضُ
تعمَى. واقعٌ مكتومُ، وحُزمَة رموزٍ تنطّ بأشواكِها. فيفتّشُ
العدمُ عن اسمهِ في رَوضةِ المتصوّفِ.
















إلى الوراءِ يحُكّ لسانَهُ بكلامٍ ناقصٍ، كالشفرةِ الخشنة.
برُتبةِ قلبٍ، تحتَ عينيهِ جناحٌ من ملذّات. وبأسنانِها صرخةٌ
"ليَ الانتقامُ، وأنا أجزي بهِ". مثلَ قيصرٍ خلفَ ثروةٍ، وأمامَ
بريء. بينما المتصوّف يجترّ عِلم العالَمِ، سلاّهُ أن يَقسِمَ نفسَهُ
شتّى على شكلِ السُحبِ، ليعبرَ الحدودَ. وبفرضِ ادّخارِ الصدمةِ،
إلا أن الجنسَ أبقَى من الحياةِ. ضريحٌ كبيرٌ من الوصلِ،
أو مِنطقةٌ حرّةٌ للموتِ. لا يفكّر، بل يعتلى 
غصناً جديلاً على الأرضِ،
كمن هو في حاجةٍ إلى اللهِ والشعراء.

















فضاعَت جوهرةُ العقلِ، وهي عادةٌ لا تُتقنُها روحُه غالباً،
والرغبةُ في قصفِ شجرةٍ حمراءَ ليسَت من شمائلهِ.
يُشقيهِ كرجالِ حربٍ، أن يُثبّتَ الماضي في العدم،
بينما الحاضر طريقةٌ للحياةِ،
ملحٌ على ماءٍ، لا تكالُبَ سوقيين على قرية هادئة. كما أن
مبدأَ الجنسِ الجفافُ، في طبقاتهِ الأولى، ثم ينهَبُ الدماغَ
بتجارةِ العدوانِ والسُلطةِ. أما الرمادُ الأخيرُ
فمادّةٌ عُضويّةٌ تُطلق الجزءَ الإراديّ في المُخّيخ. بعدَه
إنجازٌ غيرُ سامٍ، وانقلابٌ على
جنةٍ مفقودةٍ بمهارةِ قلبِ دانتي الحزين.
















تُبدّدهُ شتاتاً "العاكفانِ على حرامٍ" كما المتنبّي، فيسحَبُ نفسَهُ
بالقُرعةِ، يطردُ الحيوانَ أوجَ سلاحهِ، ويُدمّر الغزوَ.
"لا تستمهل، محبةً للكتبِ وموسيقى الألوانِ". وتُطلق ثيرانَها السبعةَ.
أَخبثُها يقومُ: أنّى لناعمِ المطرِ أن يتشمّسَ؟ أنّى لصِغارِ القِطعانِ
أن تُكركرَ بالضِحكِ عندَ الأزاهير أو تجري نحو أرضٍ 
فتمسّها خفيفاً كمن يتنمّل؟ أنّى للعَينِ أن تقبلَ المِخرَزَ
في وهمِ المساءِ فلا تعودُ تذكرُ الرؤية؟ دائماًَ هي نفسُها،
قمرٌ عالٍ عن عباد الله. لا يرغبُ الفهمَ، كطفلٍ مُعتدىً عليهِ.
كلّ ملابسهِ من أحلامنا، ولا يعرفُ الطيرانَ أو ضوضاءَ
الخيالِ. دمٌ يحتفلُ بخطوتهِ فقط،
فتخونُ فريسةُ الجنّ الطبيعةَ، ولا يمرّ عاكفٌ على المنعَرَج.















"ستعرفُ بعدئذٍ، أن الجمالَ كان حقاً أخي. وبعدَ يومين،
حملَ حُمولَته التي تسَعُ اليدين، وصدّ عني الطريقَ. فمُت
مطمئناً، غداً سيهلّ الربيعُ". والنفيُ
رقّاصُ ساعةٍ، وانطفأ.
كلّ واحدٍ إلى بابهِ الشخصيّ، نظّف حركتَه.
آهِ، يا عكّازَ الأعماقِ.
بوسعِ الصلاةِ أن تُغشِيَ المتصوّفَ. فهي خُطوةُ الموتِ التي
تملكُ الحياةَ. لكنه ارتاحَ.
فطلعَت أوراقٌ خُضرٌ على أصابعهِ وقتَ ظهورِ الشمسِ.
ورآها بحروفٍ مطبوعةٍ، تحزن. ألا تحزن؟












فاتن المجنونة



لم تنل قَسطاً من التعليمِ، بينما دامَ حملُها خمسينَ يوماً من أخيها. بالحاديةِ عشرة، صعدَ الجنيّ فيها، مثلَ حياةِ البشر. نقطةٌ
أخذَت تختفي، ثم تكبرُ. حطّمَ الأهلُ آلةَ الإنباتِ، قبلَ الفضيحةِ. وهي عمياءُ لا تَحفَل بدُنيا. كلّما واصلَ الأهلُ إيقاعَها، كانت تفرّ كالعَطسةِ نحو محيطِ المدينةِ. تعتليها أنساقُ نائحةٍ، بلمسةِ حزنٍ دونَ أن تستثمرَ التعبيرَ.
ووقتَ الرغبةِ، كالحاخامِ الفاسدِ وسطَ الراهباتِ 
تأتلفُ مع البَخورِ وثديُها يقومُ كالصبّارِ. تُهلّلُ كلّما باضَ في دَلوها أحدٌ، حتى تولولَ. فتحبس بقدميها، إلى أن تبكيَ. عالمٌ سفليٌّ
بين وَقفةٍ ووَقفة، صخورٌ مُخضَرّة من الانقطاعِ تُبيحُ
دمامةَ الماءِ تحتَ الشمسِ.
















فاتنُ تندسُّ بين النساءِ لتروي أفاعيلَها، بينما يستَزِدنَ المزيدَ، فالزوجاتُ مُرتَجَلاتُ الأداءِ  بدونِ تنويعةٍ. وهي، لا تلتزم نوتةً. أبداً. وليسَت ماري المصريةَ،
التي نذرَت جسمَها لفنونِ الرجالِ، وأربعينَ عاماً تكفّرُ عن ذَنبها. دونَ حنانٍ، تلدُ. وأولادُها كلّ طيفٍ بلونٍ. أمّها دون أيّ تصوّفٍ، تخسرُ الذاكرةَ. فبعد سنّ العشرينَ شُباكٌ على بريّة.
فاتن، كاسٌ سوداءُ مَحشوّةٌ بالرَوَث.
وهل أخطأَت أُمّها؟ زمناً، تعذّبها بفتاتِ الموائدِ في الخلّ. تربطُ قدميها ليلاً في يديها بزِمامٍ، وتعلّق هيكلَها بالسقفِ ملفوفاً في بقايا سجادةٍ حائلة. دونَ تأمّلِ الانفعالِ. كضَربٍ من الوعي، خاوٍ. ترقبُ الموتَ
أن يتحلّقَ في دُخانٍ على الصالةِ كالنازيّ الطويل.
















من ماءِ حَيضِها، هجَمَت بعصيرٍ على أمّها.
سكرَت ماما كوردةِ الحريرِ، وبشارةُ النورِ طازَجةً أزهَرَت. فاطمأَنت. وشمسٌ على مَرَجِ النومِ، تحفَلُ بالطبيعةِ. راقتِ العصافيرُ في مصانعِ الغيومِ، وهَسّ الهواءُ على سَعةٍ كبرهانٍ من الأشياءِ أن الله عادَ بالطينِ نحو الأرومةِ.
وفاتنُ لا تسمعُ. أو ترَى زَنخةَ الوقتِ.
قد شيّدَت أحلاماً أن عبادَ الله تدخلُها، تِباعاً.
عنقودُها كمِطبّات إسمنتَ، لا يتخيّلُ، حَدّ بلاهةِ القلبِ.
فاتنُ من كفنِ المفاهيمِ، تلطّخُ المرآةَ
بالأحمرِ. ثم تُطلقُ الحَمامَ، بعد أن تنخَسَه
بمساميرَ مُحمّاةٍ في النارِ. قنابلُ من جرادٍ، فوقَ سطحِ البيت. 












دورة المروحة



يراها الصغارُ كصندوقِ دُنيا، لتأمينِ دَورة هواءٍ.
وحدّه الصوتُ يبقَى، وحُمّى بالمجلسِ حتى الغروبِ.
شمّ رائحةَ الترابِ فدقّت الساعةُ الرابعة. لا تهدأ المرأةُ،
نطّت إلى جرسِ البابِ من مَرَجِ النومِ وهي تهزّ فَخذَيها
فصاحَت أمام الصغار "أخيراً، انتهى النهارُ!". طرفُ حُلقومِها
أفعَى، وليلٌ بريءٌ يبدأُ الطيرانَ.
الصغارُ بقايا عَطاشَى إلى الماءِ، مِن تعلّقهم بالشجر.
دورةُ المروحةِ، بلا هدفٍ. والبنتُ تشتَهي النسيمَ في اللّحمِ   
أو بينَ ساقَيها، لتبرّدَ قِرطَها الصَدَفيّ المبلّل بقطراتِ دَم.
مرحباً، أيها الحلمُ. ما ينقُصكَ؟
















فضةٌ، اسمُها في الكتب. ولونٌ يلحَسُ كعبَ السماءِ.
واحدٌ كاللهِ، ورطبٌ كالقيشاني بزخرفةِ المأثوراتِ.
اسمٌ بدون كلامٍ وغيرُ قابلٍ للقوانين. لكن، بلبلٌ بين الكُناسة
يهفو إلى تصفيقٍ حادّ.
قرأ المُعطّر جدائلَها في الحلمِ، واليأسُ عارٍ وأمرٌ بسيط. 
وفضّةٌ عزباءُ نافرةٌ. حبيبةُ الأعشاشِ الخاويةِ وقلبُ الرُخّ
الضاري. بإحساسِ مَن يتظاهرُ بالعفّةِ، تلتهي عيناها 
في اتجاهٍ آخر. كمن يتصرّف بحفلةِ إعدامٍ،
وتجهَل مصابيحَها ولماذا تُنيرُ. كمن هي وَكرُ أفاعٍ جنبَ
مَضيقٍ خطر، ولا تمرّ أمامَهُ سُفنٌ. بينما الصغارُ،
يدلّون سيقانَهم ويُهزهزونَ أمامَ دورةِ المروحة.















من عُريها ترتجفُ، بأمنياتِ الجِماع تدورُ كالمروحة.
والمُعطّرُ جاءَ من المدينةِ، دفترهُ قديمٌ ومُخطّطهُ قديمٌ
في قُبلةٍ، بوزنٍ وقافيةٍ كرسالةِ التخريبِ... ثمةَ ريحٌ كسولٌ،
برائحةِ الليلِ عندَ المقبرةِ. محطةٌ حسنةُ الاختيارِ. "ومَن
يُنقذكِ؟". أولُ الهدمِ ابتدأ، والمغفرةُ على نورٍ مؤقّتٍ. عارضٌ
في القلبِ من مجرّدِ النهوضِ لرفعِ زَهرة. والمعطّر،
من طَرَفٍ آخر، مُخيف... وجهُ الدهشةِ أبديٌّ، فخدشَ كوابيسَها.
وفضّةُ سريعةُ التصديق. كما تستحضرُ الفرصةَ، 
"للتنهداتِ أوان". مَوجٌ من الخِزي خطّط ساقيها، فتُحجمُ. لكن
المعطّر قبّلَ طرفَها فاتّسعَ الرجاءُ. بلبلُ لحمٍ عندَ شبّاكٍ، 
ومبلولٌ. جديدٌ وعابث، وفمٌ مصّاصٌ لفأرٍ لا يُصدّق حَسرَته.















بالمقبرةِ أمانٌ ويقظةٌ، وشهودٌ من الحُجّابِ. خافَ الغوصَ،
وخافَت الطغيانَ. بينما القمرُ كدورةِ المروحة، يستغني عن الكلامِ.
....... 
بالبكاءِ ورائحةِ التبغِ، قامت. تُخفي عن الماءِ وجهَها،
كسماءٍ مفقودةٍ. والمعطّر، الغرابُ العُتُلّ الذي يهفو للمراحيضِ
ليلاً، مالَ. يضحكُ كشقيٍّ أخضرَ عند شاهدةٍ، ليرثي
مضاءَ الزمن، بسعادتهِ التي انفتحَت في شرايينهِ فجأةً، كنشيدٍ
وقورٍ يُسديهِ لضفائرِ العذراءِ من هسيسِ الشهوةِ. فضّةٌ سائبة،
وقِرطُها الصَدَفيّ كانَ خالي الوفاضِ، فما ينبغي أن يفعلَ؟
والصغارُ رَصاصٌ، ينطلقونَ كالعِميانِ أمامَ دورةِ المروحة.












نهاية الكرديّة



خرجَت من السَجنِ بعدَ سبعةِ عشرَ عاماً، غيرَ مُحصّنةٍ. آخرُ الدراويشِ في الحبّ. وتخافُ الجسورَ، أحياناً. كتابةٌ من الطبيعةِ 
أن البلادَ حدودٌ عن بعضِها البعضِ. وهي عجينٌ من عجينِ الله ألقاهُ في الأرضِ. لا تكتُب أو تدخّن، وتشربُ القهوةَ استثناءً، 
ساهمةً بعيدة. صفحةٌ بيضاءُ، للضروراتِ فقط. لكن كلمةً كبيرةً من مركزِ الشرطةِ، تجعلُها تُمشّطُ الحَيّ. لا تهدأ، هنا وهناكَ.
صباحُ الخيرِ، مدموزيل! في شارعِ الحمراءِ تلتحمُ مع البرجوازيةِ، بدرجةٍ من العِصمةِ.
لا شيءَ إنسانيٌّ في المدينةِ. بنقاطِ استدلالٍ.
بطنُها مثلُ قفاها. وأسلاكُ شائكةٌ بمجرّدِ أن تبدأَ الغناءَ.

















عِطافُ عاطفةٌ في الأربعينَ، كغرفةٍ صغيرة. تضيقُ بها الدنيا، رغم المدَى السمينِ بمحسوسيةِ العالمِ. جِنسٌ من الأوهامِ، في هيكلٍ كالمَغسلِ العُموميّ حطّ عليهِ طائرٌ. فتحةُ الماءِ أعلى من الرفّ الرّخامِ، ودَوّت صَفّارةٌ.
لم تُضاجعُ، إلا مصادفةً. شرطيّ السجن مرةً قُبيلَ الفجرِ، وكانَ سَكراناً. وفلسطينيٌّ مريضٌ بالذبحةِ أشفقَت عليه من الموتِ. أما الدرزيٌّ فدمّرَها، غَصبَ روحَها وحَطّم أواني شقّتها، ثم غابَ في لبنانَ وقيل انسلّ نحو الدولةِ العبريّة.
مثلَ عالمِ شولوخوفَ، كانت كاملةَ السوادِ ـ 
رغمَ فراشاتِها البيضاءِ وحِرفتِها أن تنسَى غرفةَ التعذيبِ.


















تحكّ أذنَيها وهي تفكّرُ أن تستلقي تحتَ جسرٍ، فوقهُ الناسُ يدبّونَ بأحذيةٍ كالصفيحِ عاليةِ الرقبة. الساعةُ السابعة، والهواءُ نفسُهُ كسَجينٍ فارّ. أين تمضي؟
خطوطٌ من النورِ تنسحبُ على ساقَيها، وتنسى سَكينَ الفواكهِ فوقَ أرنبةِ الأنفِ. أصفرُ شاحبٌ كأطلالٍ في فُسحةِ المكانِ، وهي تقرأُ "فالسَ الوداعِ" لكونديرا.
هناك أشجارٌ دائماً، في المستقبلِ.
وأكلةٌ خفيفةٌ تتراكمُ كالحيّةِ في بطنها، آهٍ من القولونِ. طَبلةٌ في البطنِ، ومِلحٌ زائدٌ في البولِ. تستلقي، وفي بالها الدرزيُّ يَلقُمُ قِمّتها.
لعنةٌ أن تقومَ، ولعنةٌ أن تنامَ إلى منتصفِ الليلِ.
تحلقُ شَعرَ عانتِها، لتتألّمَ.

















في الصباحِ، إلى العمل. تُرنّم "كحيل الاهدابْ، ردّ البابْ". ردّ صباحَها المديرُ، وهي تخيلَته قطاً على سطحِ مكتبها، يُطاردُ سمكة. وتخيلَها تُلاعبهُ الاستغماءَ في عينيه. أربعَ مراتٍ، تُداوي الهدوءَ. وفجأةً، صاحَ كالدِيكَةِ: "سألوا عنكِ".
مقبرةٌ من الأزهارِ
طلّت، وتسمّرت قدماها خشيةَ الكهرباءِ بفَودَيها. "لابد أن أقتلَ الحبّ، إن رأيتهُ في آخرِ الزُقاقِ". وتماثيلُ من يأسٍ، تبتسم. نصفُ
إيمانها باللهِ ضاعَ، وهل تُساوي الأسئلة؟
حلُمت بتفاحةٍ وسطَ غربانٍ، وحَبلٍ طويلٍ كضفيرةٍ عذراءَ، يتدلّى. وهل تعبَ الحلاّجُ من مركزِ الشرطةِ قبلَ أن يُصرّحَ "في قتلي حياتي".

















لم تكد تخرجُ، حتى ألقَوا الطَوقَ عليها. وفي غرفةِ التعذيبِ، كان الله يأمرُها فتنسَى. أمّها في هَودجٍ من نورٍ، تنادي فوقَ سورٍ.
وتوهّمَت رجلاً بإبرتهِ على صِدغَيها.
عدالةٌ رخوةٌ تُحتَضَرُ، وصوتُ سُعالٍ وولاّعةٌ تشتعل. قلمٌ صغيرٌ في الزحامِ، يحُكّ باطنَ فخذَيها. حلوى بديدانٍ من السماءِ، ومحبّةُ الوطنِ فروضٌ ـ
"أنا وأنتَ، وجَدنا البقاءَ".
غيرُ مُجدٍ أن تنامَ، وطَقّت نافورةٌ من كلام "انقلُوها".
في المستشفى، رخامٌ بارد وقطعةُ زبدٍ وتفاحةٌ فوقَ صينية.
صداعٌ كأنّهُ حبلُ إعدامٍ، وخالاتٌ حولها كالمَجرّةِ. بعد أيامٍ،
تصعدُ الساعةُ النحسُ. يرتدّ هيكلُها للوراءِ، بعكسِ الأمل.












عروة الثعلب



انفجر اللُّغمُ في ساقيهِ بحرب 73. حلّقَ قلبهُ نحو السماءِ،
ليغفر خطاياه. ومن همسةٍ في العتمةِ استرقّ السَمعَ أن ثعلباً
هناك، تخونُ زوجتُه. كان عروةُ يفترشُ الثديين، كملحمةٍ
ويعيشُ حقيراً على موائدِ الآخرينَ. كعُشبٍ ضارٍّ لم يشذّبهُ 
أحد، كان يُغوي زوجةَ البطل. موجةُ الخِزي فوقَ الكسيحِ، فلا
تُسعفهُ قدماهُ لاعتلاءِ الثعلبِ ثم تحطيمِ عضلاتهِ فوقَ أرضِ
الشرَف. بعدَها، يأمَنُ الثعلبَ مثلَ جُثةٍ فوقَ ماءٍ. صوتُه،
رمحٌ صغيرٌ إلى أُذنِ الزوجةِ الغافلة "هاتيَ أشرَب". فأغلقتِ
البستانَ اللعوبَ على الثعلبِ البريّ، إلى باردِ الدمِ.

















خطّطَ باردُ الدمِ أن يستقيلَ، فيرمي نفسَه من نافذةٍ. فأخفَق.
وخطّطَ أن يُوقدَ النارَ في البيتِ، يحترقُ الثعلب وخادنتُه.
وأخفَق. ثم خطّطَ ثالثةً أن يُثابرَ حتى ينتقم بيديهِ. عروةُ في
جانبِ المرآةِ، لا يرى صورَته. يقرّب شَمعته في شهوةٍ عفنة،
وخاصرتا المرأةِ تصعدان وتهبطان، كحشدِ بنّائينَ على سِقالة.
ومن فَرطِ المَسرّة يلطِمُ الصدرَ مجنوناً، كشمشونَ يغتصب
غوريلا. زَرّ عروةُ سروالَه، فرأى فوقَ الوسادةِ "افتحِ الهديةَ".
سحبَ الخيطَ في ظَفَرٍ، وثابرَ حتى التهبَ حنانُه:
سكّينُ فتحِ الكتب.

















كان عروةُ يهوَى شِعر "عروةَ"، عن خفقةِ الصحراءِ
"عفراءَ". لكنه يتهكّمُ من صَرعةِ العاشقَين للانتحارِ معاً،
مثلَ روميو وجوليت. يستاءُ مما تمنّى على جسمِ محبوبته
"فأنّى لهُ أن يشتهي الجنسَ، هكذا؟". يقرأُ في الليلِ، في سعةِ
الليلِ، والليلُ فرشاةٌ ناعمة، خاصةً في السَحَر. كانت السكينُ
فوقَ الرفّ، وخبزٌ جنبهُ خوخةٌ معطوبة. بالسكينِ الخوخةُ
انشطرَت، ونصفُ الخوخةِ الآخر إلى فمهِ بغُصّةٍ خفيّة. وعادَ
للحياةِ، لسانُه ألثَغ. حِصّةُ الحبّ انتهَت، ورنينُ أجراسِ
الغيومِ على حائطِ البيتِ دَكّته، في شهوةٍ للمطر.













غلطةُ ذات الجناحين



زوجُها ماتَ في ليبيا، وهي فاتنةٌ. أمّ صغيرة، ترجّلَت 
بينَ الرجالِ "أنا أضعَف". جناحانِ مهضومانِ أمامَ
لُهاثِ الوجودِ. ومُحامياً كانَ. جاءَ من الريفِ، أعضاؤهُ
راجحةٌ وكفّته جُزافيةٌ. فأصابَها بالسِحرِ من حيثُ لا تدري.
كلّ عامٍ تحبل لهُ، وتلد. فلم تُذع موتَ القتيلِ،
وظلّت تسافرُ أياماً هناك، تعودُ حُبلى بأولادِ المحامي
تلعبُ في بطنِها. من الأحلامِ ينفُخُ نفسَه، كفريسةٍ
تزكمُ الأنفَ في حُفرةٍ. وليلاً بكاملهِ ليرفوَ نفسَه،
فترتّب وقتاً من الطينِ يُنهكُ عينَه لينامَ. وكانت صيحتُه المُملّة
"الضُرّ ينفَع".
















وعلى الريقِ ينبَطح، فالجمالُ لا يرحم. عجلاتٌ من
الرغبةِ، كزُلالٍ حرامٍ بين شحّاذين. وذاتُ الجناحَين تهمسُ
"غنّ لي، حتى ينزلَ المطرُ من السقفِ". دونَ داعٍ، تموتُ.
ويُفتَحُ شارعُ النسيانِ. خبزُ الزمن لا يُفسّر، وأحجارٌ على
الأرضِ نحنُ، لا نعي طريقَ النبعِ. كلّ ساعةٍ بسؤالٍ، وكلّ
موتٍ إجابة. وأولادُ المحاميَ دونَ أمّ، والقتيلُ في صندوقِ
الرملِ ضاعَ. وضاعَ المحامي، دون قانونٍ يشُدّ على يديهِ.
أيضاً، شبّت الأشبالُ في جنباتِ البيوتِ. بلابلُ من وَحلٍ، لا
تعرفُ العبراتِ. والحياةُ، رغمَ كلّ شيءٍ، هِبة.

















في ضيافةِ الشمسِ، أشياءُ مفضوحة. وقد نامَ المحامي
ذاتَ يومٍ مع امرأةٍ، شكّ في أنها بنتَه. فشعاعُ عينيها
كسولٌ مثلَه، وإظفرُ إصبعِها غارزٌ في اللحمِ. علامةٌ
خاصة. رقدَ وقوراً تحتَ مصباحٍ، مرحباً أيها الأقدارُ!
بلسانٍ باردٍ، يصرفها إلى البابِ. نُطفته، وانطوَت. لن
تغفرَ. بقايا عطشٍ، رغمَ فصلِ البردِ. وفي زحامِ الضَجَر،
طَقطقَت رُكبته وتسمّم بطنُه من ضَرطةٍ. قلبَ الصحيفةَ
كالعِميانِ. طائرةٌ ورقيّةٌ نحو الكُناسةِ. ما ينقُصكَ؟
الصفرُ، يبقَى فكرةَ استغناء.
 












حادثة باب توما



نقاشٌ طويلٌ بين رجلينِ، عن الربّ الذي يعبدانه. شاميٌّ
سَمينُ، وآخرُ يهتزّ نابحاً مثلَ زَلزالٍ. والتزم المارةُ الصمتَ،
كأن السماءَ تُباركُ عاريةً حدودَ الأهواءِ. وفي رصيفٍ موازٍ،
تورّطَ رجلٌ مع نفسهِ وهو يأكلُ السندويتش. وامرأةٌ حاملٌ
تتطوّحُ في ذراعيها خُضارُ. ولا وجودَ لرائحةِ العرق.
فِردوسٌ من الهِمّة، وبيوتٌ كالصبايا الصغيرةِ، مُشرَبةٌ بألوانٍ.
جنرالٌ بسيارةٍ، مع زوجتهِ. وقصّةُ حبٍ تعشّشُ في مشربية،
بصيغةِ حظّ. راياتٌ وموسيقى، غسيلٌ طافحٌ باللُّطفِ،
والحريةُ جونلةٌ ضيّقة. قوسانِ من حَجرٍ،
وفظاعاتُ الجمالِ كأنّ النجومَ استعبدَتها النساءُ.
















بعد قدّاسِ ليلِ الجمعةِ، رَسمٌ في الهواءِ الطَلقِ. هاجسٌ
يتوارَى بوطنيةِ الساقينِ، والخلافُ على النهودِ الكافرة.
قال أنصارُ الثورةِ "استراتيجيةٌ للنضالِ ضدّ العنفِ". وصرّح
الفوضويون "إنها أزلامُ الاستمناءِ". وردّ عِلمانيٌّ بائسٌ "بل
مفاجأةٌ لعالمِ الرأسماليةِ العليا". فصاح الأصوليّ "ابنة زنا.
لابدّ من عودةِ نظامِ المُلك، للتأديبِ". وبانَ شاعرٌ مهزولُ
عند الناصيةِ "المدينةُ كالمَسخِ، والنهودُ تحوّلاتُ الحيّ. هنا،
سأتمّم عليكُم فضائلَ الدنيا". فارتجّت امرأةٌ حكيمة "لا عليكُم.
فهي تحبسُ الحرّ في عزّ يونيو، فهُبّوا لمرحلةِ الغزوِ". 

















في بابِ توما سعادةٌ، من معالجةِ الحياةِ باسمٍِ آخرَ.
وجِلدُ الوجهِ يتطاير من الرغباتِ. ذاكرةٌ غامضة، لكلامٍ
بكعبينِ. والحبّ جَدليٌّ، يلحسُ العدَم. تتلمّسُ امرأةٌ عتمةً
في الزقاقِ، وبابٌ كبيتِ المُتعةِ، أعلاهُ منخفضٌ وألوانهُ
درجاتُ أزرقَ. في حَيطةٍ، دربٌ من النملِ وحُلمٌ على العظمِ.
فتحةُ الأزرارِ، وكِتفُها مالَ للحَمّالةِ. مالَت السلسلةُ، فتطوّحَ
فُلفلٌ بُرتقاليُّ. والفنانُ قصيرٌ، ينسَى حِدادَ اللوحةِ. فهو
يعلّقُ المرأةَ، باتجاهِ طائرٍ تحتَ جَناحهِ مكتوبٌ "اقضُمِ
الردفينِ قبلَ الجِماعِ". قاعدةٌ مضمونة. وداسَ ألوانَه، بحسابٍ
مع التاريخِ. رائحةُ النونِ تنفذُ في عينيهِ، والنونُ مسحوقُ
كارثةٍ. بينما الرقبة، حجرٌ ثقيلٌ على الأرضِ ينبُتُ كالشجرة.















ماتَ فوقَها، وهي حسبَ العادةِ لا تقومُ فجأةً. تتلمّسُ
عينيهِ، بعد تأوّهٍ كالمَدفَنِ. نومٌ بليدُ. وغادرَ الحبّ الهواءَ،
تُعيدُ صياغةَ العالمِ. "افتحوا البابَ، يغمرُني الترابُ".
وتنازَلت عن جسمِها، قطرةً قطرةً تنزلُ الروحُ في قدمَيها.
فسارَت إلى الشرقِ، نحو اللوحةِ. الحدادُ قديمٌ، لكنّ
اللونَ منعش. في النهايةِ، يكتبُ الله أُمثولةً. وكلّ حياةٍ
لها مُحتَضَر. ثم تلبسُ تحتَ عينيهِ، تحتهُ حُزمة حَطَب.
ويدُ النارِ تصنعُ الممكنَ.














مؤلفات جازية



تيارٌ من هواءٍ يقطعُ الصمتَ، صوتُها نصفُ خواجه.
وفروةُ رأسِها فَحمةُ اللونِ، بابتسامةٍ مشؤومة. تحتَ
إبطها حلمٌ ضيّق، أن تَسقُطَ السماءُ في الليلِ فوقَ الأغبياءِ.
تدورُ عيناها، أقلّ من الصورةِ. ويصفَرُّ الكلامُ من فمها،
تُقطّرهُ الحنجرة. حَدّ شفرةٍ أبيضُ بين شفتيها، ورمحٌ صغيرٌ
فوق شعرِها كهنديةٍ حمراءَ. تشقَى وهي تبلَعُ الريقَ،
حين تُناجي ظِلّها أن يعملَ الشايَ. عازلٌ قلبُ الحياةِ،
من جهةٍ. أو ميتٌ، سلفاً. ومن أهلِ الظلامِ، والبرهانُ في
نظارتَيها. أصابعُها منهَكة، حين ترفعُ كاسَها تفحَصهُ خِلسة.
كهرباءُ من التنميلِ، يغمرُها فجأةً. وتسيرُ جازيةٌ بأناةٍ،
كمن لا يخرجُ من جلدهِ.















طفحَت من دعوةِ المؤتمراتِ. فطعامُها كثيرُ التوابلِ والدّسَم،
رغمَ استعدادِها اللّبقِ لمواجهةِ المُصوّرين. تنتشل يدُها رقبةَ
الهاتفِ، كأنّها تشتغل بالصوفِ. رومانسيةٌ، تثيرُ الأعصابَ.
تأخذُ كيسَ المُسكّنِ. ثلاثُ حبّاتٍ معفّرةٌ، تقذِف بها في مجاري
القصبةِ كالحُصرُم. ومثلَ قطةٍ مسرحيّة، تبدأُ المشهدَ من جديدٍ: 
"لا أقبلُ الزواجَ. فهو مُساومةٌ لا تعودُ ببنسٍ على راحةِ المرأةِ
العاطفية". والطهو، أجدَى. تعملُ في ورشِ الديزلِ بالقطاراتِ،
وتعتريها حُمّى الشراءِ قبلَ الكتابة. عَشاء لا يتكلّفُ خمسينَ ليرة،
لكن حانَ وقتُ السفر. هل ننصرف؟ وتغمرُنا بقُبلاتٍ عاصفة.

















جازيةُ، حياتُها كالنائمِ. لذلك لا تحتَمل رجُلاً إلا بشِقّ الأنفُسِ.
وحين تحكي عما سطّرت من كُتبٍ، تعُدّها كخِرافِ الحظيرةِ:

1 ـ كتابٌ للقصةِ القصيرةِ، بعنوانِ "ظلُّ الساعةِ الرملية".
2 ـ رواية تحتَ الطبع، بعنوانِ "شكراً، أيها النّطعُ".
3 ـ وديوانٌ لقيطٌ، رأسهُ ذيلهُ والعكسُ. عنوانٌ مبدئيّ "لا أجزَع من مكان".
4 ـ كتابٌ عن السينما التسجيليةِ، بعنوانِ "غرابةُ السريرِ".
5 ـ وأطروحةٌ عن المراهقةِ، لم تدفَع بها للطبعِ بعدُ.

عدا أبحاثٍ وقَصصِ أطفالٍ مُخيفةٍ ومسرحيةٍ بلهاءَ وترجمةٍ منقوصة.
تستلقي على بطنها فوقَ سَجّادةٍ، أشكالٌ بلا هدفٍ. وتملّكَها السرور،
من لَدغةِ النملة.















القضيّةُ، أن الإنسانَ لا يشبعُ بعدَ قضاءِ حاجتهِ. وفكرةُ 
الماضي لا تعني أن ماضياً يموتُ. فأنت وسيلةٌ مثالية للفَناءِ،
بعدَ الأربعينَ. وربما ترتجفُ من العُري بعدَ الحَمّام، لكن تدعو
العصافيرَ لتسكُن شرايينكَ. مجرّد تصوّرٍ بريءٍ للصباحِ. أو
تحتَ مِصباحٍ، جثمانُ زهرةِ فلٍّ بين دَفّتَي كتابٍ. هكذا تبكي،
وتنذُرُ جسمكَ للكتبِ فسروالكَ الألفاظُ. والصمتُ، حبيبكَ الأوحَد.
تشكّل جُرعةً من الطينِ، على هيئةِ ذي سنامين. فهي معاً
ذكرٌ وأنثى. "كأنني عشيقي". وقامَت تصفَعُ الراحةَ، كي تذهَب
بتاكسي إلى مَوعدٍ. وحدَها، ترقصُ في حانةٍ بائسة. كالبرميلِ،
دحرَجَهُ الأسَى حتى نهايةِ العالم.












تجليات ابن عربي



بعدَ بلوغِ الثمانينَ، جلسَ "ابنُ أفلاطونَ" يتروّى بمسجدهِ في
كتابهِ التُرجُمان. المقامُ كلّه مقابرٌ دَبِقَة، من الذبابِ والأشواقِ.
والموتُ آمنٌ بالنورِ والبَخورِ ولمعةِ أعينِ المتبتّلينَ بالحَضرةِ.
قبّلَ واحدٌ يدَهُ على الخُلوةِ، لا يريدُ إلا أن يُعوَّل عليه. مدّ الشيخُ
فضلةَ توبتهِ، واستبانَ مُرادَ السامعِ "قد ضاقَ الزمانُ به".
صاحبُ النهايةِ في حالِ البدايةِ، واللقاءُ شفيع. "يا رفيقي،
عَرِيتُ ببابيَ، وانكسرَت فِقارِي وما علمتُ عن النشيدِ.
فتطلّع!". رَقّ، معبودُه بين عينيهِ، ومردودٌ عليهِ. النونُ
بساحلِ المشهَد. وحَنّ كاسٌ كلّهُ وجدان.

















دخلَت امرأةٌ، على الفِطرة. كجاريةٍ رَخْصةٍ، تكوي شُحمةَ
العينِ. سالَت الأنهارُ تحتَ كرسيّ المواجيدِ. قامَ الشيخُ، بعدَ
أن شدّ أوتادَ جسمهِ فاستقامَ. دَبيبٌ من الشمسِ في الموتِ، وَسّعَ
قلبَهُ ولانَ. "المناجاةُ تَجلٍّ". أرخَت خيطَ صَدرِها، فاستبانَ. لم
يُدبر. وهو بمنزلةِ الحنابلةِ الحُفاةِ الهائمينَ بالصحراء، "لو
اقتربتَ، احترقتَ". تأخرَت الإجابةُ من وقتهِ، فجأةً قالَ
"روحٌ كلّه، الإيلاجُ". فانسلخَت لليسارِ، بنصفِ قوّةِ تسخينِ العالم.
الحرقُ احترَق. قالَ واحدٌ من أهالي النارِ: "السببُ نفسُه، المسبّبُ.
فاعرَف نفسكَ وادخُل سكَنكَ، هذا السِترُ دونَ حجابٍ".
طارَت، تحملُ القمحَ والعسلَ. وكانت حُبلَى.
















أخرجَ مُعدَمٌ من خُرجِه، بقايا دَجاجةٍ وراحَ يأكلُ
كالمجنونِ. وبين الزوايا، حدّق الشيخُ يستفتي صُرّتَه.
حشدَ قواهُ، ونادَى في الظُلماتِ. لم يسمَع أحد. في شارعِ
مُحيي الدينِ، ضَمّ جناحَهُ لزمانِ الخلقِ. والميدانُ كالشُقّة،
أصلٌ وموصول. الجمهراتُ ما بين وَعدٍ ووعيدٍ. فاختبأَ
تحتَ الدكّةِ في باحةِ الحضرَةِ. تهليلٌ عجيبٌ، كأن الموتَ
أبردَ. ليحلقنّ رأسَه، ويطوفُ. "عليّ إطعامكَ، يا أبي".
ريحُ دمٍ آذَتهُ، فانحرَفَ فنامَ. ولم ينفُث الموتُ روحَه،
من جديدٍ. جَثا وتكفّنَ. عادَت عظامُه صمّاءَ... وتَتِمةُ
الخبرِ، أنه أوصَى إلى امرأةٍ بحُبٍ، ضيّعَه.  












فانتازيا أمّ البنات 



غمامٌ بين أحجارٍ، وعُشبٌ تالفٌ حول عُشّة. أمّ البناتِ
مسلولةٌ، كأن من نَقرَسٍ. بجراحٍ قديمة، وأوّلُ المكتوبِ
يُخفي آخرَ القادمِ. امرأةٌ في لُباسٍ قليلٍ، والهواءُ ليسَ
مكشوفاً. درسٌ في خشونةِ الناعم. بقايا الجيرِ أشباحٌ
على ظلّ الجدارِ، وسيّد النسيانِ لا يهتمّ. أبكَر من العادةِ،
في مِخلاته جُبن وزيتونٌ وقَرعَة لبن، غابَ. أيامٌ فضولية.
كلّ هذا التعب، والبناتُ يُلحفنَ. عابرٌ لطيفٌ بسيارةِ الشحنِ،
تودّدَ أن يشربَ الشايَ. كنسجِ الحالماتِ، رأتهُ على بوزِ
الإبريقِ مُفرجاً ساقيهِ والبوزُ قائم.

















بعدَ مستقبلٍ مشؤوم، حامَ سيّدُ النسيانِ. وَقعُ خطواتهِ
آخرَ الليل، على هَدي مِصباحٍ. رقصةُ الساحراتِ تواصلَت،
فوقَ الوليمةِ. والخوفُ مِسمارٌ بعينِ الأريبِ. نالَ لحماً بفُلفلٍ
مفرومٍ، وبالشاي كَبشَة قُرنفُل. وَدّ أن يغتسلَ، لكنهُ انتهزَ
الطريقَ ومَدّ إصبعَهُ في قُفلِ أمّ البناتِ.
أمُّ البناتِ تقمّصَت شهرزادَ، وانطلقَت بالحكايةِ:

"كانَ يا ما كانَ. تولّعت ستّ الجمالِ بالشاطرِ العابر. وصمّمَت
أن تنالَه رغمَ اعتراضِ البلاطِ. وبعدَ أيامٍ، بانَ بطنُها منفوخاً.
لكن والدَها تسامحَ، وأُقيمَت الاحتفالاتُ على شرفِ العابرِ".

















سيّدُ النسيانِ، نامَ. وفي الصباحِ ثانيةً، غابَ. مرّ العابرُ
اللطيفُ بسيارةِ الشحنِ، تودّدَ أن يَطعَم. كنسجِ الحالماتِ،
رأتهُ غراباً فوقَ آنيةٍ ومنقارُه أحمر.
بعدَ مستقبلٍ مشؤوم، حامَ من جديدٍ سيّدُ النسيانِ. وَقعُ
خطواتهِ آخرَ الليلِ، تسبقهُ العتمةُ. والوعيدُ يلطمُ المِزاحَ
بسِكّتهِ. نالَ لحماً بارداً وتزمجرَ. فقد بانَ بطنُها منفوخاً.
لم يغتسل، ساقَ أمّ البناتِ إلى مَربطِ الشجرةِ. أياماً، فجاعَت.
ومن طقسِ القرابينِ، طأطأَ رأسَهُ في مَذلّةٍ. وبنَصلٍ نظيفٍ،
خطّطَ وجهَها المسلولَ ثم حَشاهُ بشمعِ العسل. طيورٌ تراقبُ.
وعلى النملِ المَهمّةُ.



 








مقلوب المتنبي



في حلبٍ، على خُطَى المتنبّي. امرأةٌ تدلُّ على أعضائِها،
وبيوتٌ لها وجهٌ مقدّسُ. بالقاعِ، باعةُ حلوى ومستنقعٌ ونداءٌ
على ذُرةٍ. عمارةٌ تلجُ الفضاءَ بزَخرفةٍ من راحةٍ قديمة.
بكاءٌ من قَضاءِ الله، وهَجمةُ النساءِ تُوجِسُ خِيفةً في عمودِ
الملاكِ. الملاكُ، مقلوبُ المتنبّي. لكنه، مهندسٌ زراعيّ
يقرضُ الشِعرَ. يكتبُ المحرّمات، قد يسُبُّ يَزيداً أو يلوطُ
بكلمةٍ عن عُمر. هوَى قلبِهِ أن يصُدّ النساءَ، فهو مريضٌ
يُصيبُه الحبّ بالجلطةِ. رغمَ قضيبهِ الواضحِ. ويرى مَهَمتَهُ 
أن يشتلَ اللغةَ، بمناطقِ الشكلِ الرماديّة.

















خلالَ النهارِ يَقلِب أساريرَهُ، وفي الليلِ يرفعُ كأسَهُ.
شَغّيلٌ، لكن في عُجالةٍ من أمرهِ. ويعكّر مزاجَه امرأةٌ نالتهُ
وهو صغيرٌ. دؤوبٌ على بطنهِ، دونَ لذّةٍ. ويُؤثرُ حبوبَ
الأعشابِ. تطبعُهُ الطبيعةُ بالأمانِ. ويُمطمطُ في الكلامِ، وهو
ينكُشُ أنفَه: "مُحيطُ قصيدتي هندسيٌّ، لكنه ليس عقلانياً".
ويسحبُ كرسياً ثم يضحكُ. سيجارةٌ في يدهِ، دائماً مُطفأة
"فهي تَحُتّ تمثالَ الجسدِ". وذوقُهُ في الغناءِ، الأربعيناتُ.
سرحَ بقامتهِ، كمن في غابةٍ. ثم يستلّ من أراجونَ
"أُخطّطُ لقصيدةٍ خَشِنة، أريدُ بها لو أطلق النارَ على المارّة.
وإن بينهم أُمّي".
















بصراحةٍ، لا تفيدُ المساوماتُ. "مرةً سافرتُ في إيطاليا،
وناقشتُ روفائيلَ، غيرَ الرسامِ، أن آخُذَ سيارَته. حكّ ذقنَه،
وماتَ من الأسفِ. فصرَختُ: الكلبُ، لا يقطعُ ذَيله".
وهكذا، الشعرُ. صمتَ قليلاً ثم حدّق بعد مغزَى "والنَسرُ
لا ينزلُ ميدانَ العاهراتِ". أهليةٌ ثقافية، يُعيد بناءَ الافتراضاتِ
بأسلوبٍ هرميّ، لكنه مقطوع. حادٌّ صوتُه، بمقامٍ خفيضٍ.
حالةٌ شخصية. وبهلوانٌ في استعادةِ سُلطةِ الموضوعِ، بعدَ
انهيارِ الدَلالَةِ. عُنصريٌّ، ضدّ الأصولِ لكن بمقدارٍ. ويرَى نفسَه
سارداً حَصرياً في زواج الشِعرِ بالفنونِ، وما بعدَ الحداثةِ
تحتاجُ عيناً ثالثة.
















أنقلُ عنه، هذا المقطَع:

"أنا أجمل من الشجرةِ،
بعتُ الغامضَ من لساني
لقاءَ العدَم. سقطَ القناعُ،
وحُلمي هناكَ يشقّ الحجر".

وكان الملاكُ، مقلوبُ المتنبّي، يُقلّبُ رأسَهُ في الفراغِ،
مما يدلُّ على ضجيجِ دمِه. فمهُ صارَ كالطُحلُبِ، ثم وَشوشَ
من عُمقِ حنجرتهِ "الشِعرُ فتنة". أما النادل،
فقد فَطِنَ إلى شيءٍ جديد. أنه يصُبّ البيرةَ في قِنينةِ الأزهارِ 
مثلَ نيتشه، قبلَ أن يُحطّمَ الزجاجَ ويأكلَ الشمعة.
... من الآنَ فصاعداً، سيُعرّي الطاولة.










الياء ما فضل من اللبن



أخضرُ أخضرُ، ثم أخضَر. وأخضرُ بامتدادِ جِنانِ اللهِ.
أزرقُ أحياناً. أين يُسدِي الحبّ، وفكرةُ الأوطانِ مغلوطة.
إلى ولمَن يعودُ وكيفَ، يفقدُ القرينَ أو يلهَث على الأطلالِ؟ 
فائقُ الجمالِ، يلعبُ في المنادِي والمنادَى، ماحياً كلّ توبةٍ
بوجودٍ طويلٍ. عينهُ مفتوحةٌ، طابَ نعشُ الحياةِ. وموتهُ
بمكانٍ حارقٍ، كمربّعِ الأرقامِ على يدِ الساحرِ. يُسقِطُ في
خيالِ الماءِ أسماءً، كمَن جُنّ. وفكرةُ المطلوبِ مَحسوسةٌ،
والمجرّدُ معنَى. هل يفكُّ غمامةً، أم يفقأُ العينينِ كي يُفصحَ:
"يا بلادي، معكِ؟"

















فائقُ الجمالِ في ألمانيا، والبلادُ هي الوطَن. يشتدّ بابٌ
على نفسهِ، ويُعاندُ. هل أحدٌ يُكلّمه؟ ذهاباً إياباً، صوتُ
أحذيةٍ على بالهِ. وصَريرُ صرخاتٍ تحتَ إبطِ الجَدارِ. 
نشيدٌ من الريحِ، لا يرحَم. وشُباكٌ كثَقبٍ أزرقَ. انطرَحَت
أمّهُ بالمرَض، وتلاها أبوهُ. فانشقّ دَمعٌ لا وجودَ له، كمَن
زارَه جِنّ مِصباحٍ وتاهَ يُصوّر العتمةَ. أما حبيبتُه ليلى، بنت 
حيدَر، فتنسَى أنها نامَت معَه. بالخطأِ ومَدعاةً للسأَم، قتلَ
صديقَهُ في شتوتجرت. شافَ ليلةً في الحلمِ أن خَاتَماً يَضيقُ
على حَلقهِ، وتمنّى أن يقومَ بدرّاجةٍ نارية. يفرزُ الفقدانُ،
ضدّ الطبيعةِ. صاحَ آمرُ السَجنِ، لمّا كانَ يبكي.
















تدخلُ غرفةَ نومِها الطبيعةُ. فعليها سُباتٌ تأخّر. ورُوحُ
الأرضِ غَمرٌ. وَشمٌ على كِتفها يستوجبُ النورَ. فاقرأ.
كان هناكَ ملعَبهُ، دلالٌ يصعدُ الفضاءَ. وجيشُ أغنامٍ على
الباحةِ. في الباحةِ بئرٌ، كلّها أزهار. هشّ كَبشاً مارقاً، ثم
دارَ بلعبةِ الخُذروفِ بين يديهِ. بينما جدّه في الركنِ ينسَجُ
النسيجَ، بوَهجِ الحقيقةِ. طاقيةٌ بُنيةٌ أوشكَت، وأنّى لها أن 
تُسافرَ؟ فائقُ الجمالِ، بعيدٌ عن يدهِ. في دوائرَ تحتَ الغمامِ،
يوزّعُ نظرَتهُ. رجلٌ على فرسٍ فوقَه سيفٌ، وبالرقعةِ
زَخرفةٌ من القُبلاتِ، حولَ غزالةٍ حمراءَ لانَت إلى الموتِ.

















"ليلى. أُحييكِ، فاستَمِعي إليّ". كأنه لوركا يخطّطُ "عُرسَ
دَم". وأضافَ "بِذرَتي، كالساعةِ الرمليةِ. والزمن يأكُل أباه".
بيانُ خُطوته في السَجنِ، كالتاليَ: ستٌ لليمين، وخلفَهُ أربعٌ 
ثم واحدةٌ طويلة إلى البابِ. طاولةٌ عليها زَهرةٌ نَشِفَت،
والحياةُ تدوسُ الأمل. نطّ تركيبٌ نَحويٌّ "أنا ظلٌ، لآخرَ".
بل "أنا آخرُ". صوتٌ عارضٌ، رَنّ. كأن من قُبلةٍ. خللٌ
بتوقيتِ النهارِ. ونظرةٌ بيضاءُ تشرَحُ صدرَهُ. فضَحك. 
هاديسُ، يعرفُ كلّ شيءٍ. من أمدٍ، بمقرّ ظُلمتهِ احتكَم:
"في فمهِ، المزيدُ. ولم ينظُر وراءَه".  















ثبت الديوان

·       شخصيات الديوان                                
·       برولوج                                    
·       عالَم و عالَم                              
·       حامي اللسان                          
·       تعيشُ الرومية                           
·       نزوة الإيل                                
·       لعنة صلاح الدين                        
·       قناة العاشق                               
·       سرير المُلك                               
·       نشيد رعويّ                              
·       ربة الانتقام                               
·       فاتن المجنونة                           
·       دورة المروحة                           
·       نهاية الكردية                                
·       عروة الثعلب                            
·       غلطة ذات الجناحين               
·       حادثة باب توما                         
·       مؤلفات جازية                          
·       تجليات ابن عربي                    
·       فانتازيا أمّ البنات                        
·       مقلوب المتنبي                         
·       الياء ما فضل من اللبن    
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads