الرئيسية » » العشاق الثلاثة | علي محمود طه

العشاق الثلاثة | علي محمود طه

Written By Unknown on الاثنين، 12 أغسطس 2013 | أغسطس 12, 2013

العشاق الثلاثة
سرى القمر الوضّاح بين الكواكب يفكّر فيما تحته من غياهب
فناداه من وادي الخليّين هاتف بصوت محبّ في الحياة مقارب
يقول له : يا روعة الحسن و الصّبا و أجمل أحلام اللّيالي الكواعب
أنا العاشق الوافي إذا جننّي الدّجى و راعيك بين النّيرات الثّواقب
ألا ليتني حرّ كضوئك أرتقي عوالمك الملأى بشتّى العجائب
و يا ليت لي كنز ابتسامتك التي تبعثرها في الكون من غير حاسب
***
فاصغي إليه الضّوء في صفو جذلان و أضفى على الوادي شعاع حنان
و جاس خلال السّحب و الماء و الثّرى فلم ير في أنحائها وجه إنسان
فصاح به : يا صاحبي ضلّ ناظري فأين ترى ألقاك أم كيف تلقاني
فأوما له إنّي هنا تحت شرفتي وراء زجاجيها أخذت مكاني
أبى البرد أن أستقبل اللّيل قائما و أن أنزل الوادي بحيث تراني
و حسب الهوى من عاشق لك وامق تزوّد عيني من سنا ضوئك الحاني !
***
فألقى عليه الضّوء نظرة حائر و أعرض عنه بابتسامة ساخر
و قال له : يا صاحبي قد جهلتني و يا ربّ شعر ساقه غير شاعر
أنا الموثق المكدود طالت طريقه طريق أسير في رعاية آسر
تجاذبني طاحونة الشّمس كلّما وقفت و تمضي بي سياط المقادر
و ما بسمتي إلا دموع من اللّظى قد التمعت في وجه سهمان حاسر
فدع عنك يا أعجوبة الحبّ عالمي فقبلك لم يلق الأعاجيب ناطري !
***
و أمعن في تفكيره القمر الزّاهي فمر بارض ذات عشب و أمواه
يناجيه منها عاشق ذو ضراعة مناجاة صوفيّ لطيف إله
بقول له : يا مشهدي كلّ ليلة على أنّه في النّاس من غير أشباه
و ترسم لي الأشباح طيف خياله فأدنو لضمّ أو للثم شفاه
تمنّيت لو وسّدت خدّك راحتي و صدرك خفّاق ، و جفنك ساهي
***
فرفذ على الوادي الشّعاع طروبا و ناداه من بين الظّلال مجيبا :
أزح هذه الأغصان عنك لعلّني أصافح و جها ، من هواك حبيبا
فجاوبه : يا قرّة العين إنّني قد اخترت من شطّ الغدير كثيبا
إذا أتعبت عيني السّماء تطلّعا و خالست احظا للنّجوم مريبا
ففي صفحات الماء نهزة عاشق يراك على بعد المزار قريبا
خلوت به ، أرعاك أو في قسامة و أوفر من سحر الجمال نصيبا !
***
فغاض ابتسام الضّوءمن فرط حيرة و صاح : نجييّ أنت حقّرت سيرتي
هو الكون مرآتي ، و مجلى مفاتني و ما لغدير أن يمثّل صورتي
و ما نظر العشّاق إلاّ لعالم يعظّم في المعشوق كلّ صغيرة
أعيذ الذي شبّهتني بجماله أديم محيّا مثل صمّاء صخرتي
أنا الفحمة البيضاء إن جنّني الدّجى أنا الحمّة السوداء ، رأد الظهيرة
فدع عالم الأفلاك و اقنع بلجّة و غازل من الأسماك كلّ عزيرة !
***
و بينا يهيم الضّوء في سبحاته و قد وعظ هذا الكونفي سخرياته
رأى شبحا في قرب نار كأنّما يودّع طيفا غاب عن نظراته
يمدّ ذراعيه ، و يرسل صوته بلوعة قلب في نبراته
إلى القمر السّاري محيّاه شاخص كصاحب نسك غارق في صلاته
فحام عليه الضوء و استمهل الخطى و أجرى سناه الطّلق في قسماته
و صاح به : يا شيخ ما أنت قائل تكلّم ! فإنّ اللّيل في أخرياته
***
فقال له : يا باعث الحبّ و المنى سلمت و حيّتك العوالم و الدّنى
شفيت جوى شبخ أحبّك يافعا و عاش بهذا الحبذ جذلان مؤمنا
و أفنيت عمري أرتقي عالي الذّرى إلى أن بلغت اليوم مثواي ههنا
و أوقد ناري كي تراني و أنثني لأطلق ألحاني ، و أدعوك موهنا
و قيل ضنين لا يجود بوصله فهأنذا ألقاك يا ضوء محسنا
تساوت كلاب تنبح البدر ساريا و نوّام ليل أنكروا آية السنا !
***
فحدّق فيه الضّوء و ارتد مغضبا و قال له : أفنيت في سخفك الصّبا
و لمّا ترح جفنا من السّهد متعبا و سخرية بالنّار ، أن تتفرّبا
كأنّ شعاعي في جفونك قد خبأ و من عبث مثواك في هذه الرّبى
على حين لم تبلغ من النّور مرقبا و ما كنت إلا ّ الواهم المترقّبا
وثالث عشّاق بهم ضقت مذهبا و كانوا لأمثال الخليذين مضربا
فوا أسفا ، ما كنت في الدّهر مذنبا فأجزي بنجوى من تعشّق أو صبا
و ساق على حبذي الدليل المكذّبا سل العاصي الهاوي من الخلد هل نبا
به اللّيل لمّا آثر الأرض و اجتبى؟ أ أبصر قلبي الدّجنّة كوكبا
أضاء له الدّرب السّحيق المشعّبا و هل في سنا غيري تملّي و شبّبا
بحواء و اهتاج اليراع المثقّبا حويتهما روحا طريدا معذّبا
فذاب حيائي منهما ، و تصبّبا و أورثني هذا الشّحوب ، و أعقبا
رأيت فمّا يدنو ، و وجها تخضّبا و صدرا خفوقا فوق صدر توثّبا
غرائز فيها الغيّ و النقص ركّبا تلمّس في ضوئي الأثام المحبّبا
فيا شيخ دع هذا الوشاح المذهّبا تر الحمأ المسنون في الكأس ذوّبا
طفا الرّاح فيه ، و التراب ترسّبا و إنّ كلاب الأرض أشرف مأربا
ينير لها ضوئي الظّلام لتجنبا خطى اللصّ يستار الطّريق المحجّبا
فإن نبحت ضوئي ، تسمّعت معجبا بأرخم لحن ، رنّ في اللّيل مطربا
تحيّة مثن بي أهلّ مرحّبا بني آدم ، إن لم يكن آدم الأبا
رجوت لكم من عالم الرّجس مهربا و آثرتكم بالكلب جدّا مهذّبا
و أجمل بالإنسان أن يتكلّبا
و مال عن الأرض الشّعاع و غرّبا و وسوس فس صدر الدّجى فتألّبا
***
 
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads