تناسيتُكم عمداً كأني سلوتكم
تناسيتُكم عمداً كأني سلوتكم | وبعض التناسى العمد من صور الود |
إذا اشتدّ إظلام العقوق تبلجت | مآثر تذكى نار معروفكم عندي |
أمثلى ينسى آه مما اجترحتُمُ | على الهائم الحيران فيحومة الورد |
أأن خفت عذّالي فأخفيت لوعتي | تظنونني صبّا أفاق من الوجد |
غرامي بكم لم يبق قلباً بلا جوىً | وحبي لكم لم يبق عيناً بلا سهد |
خلعتُ عليكم من هيامي وصبوتي | غلائل لم تخلع على ساكني الخلد |
مضى ما مضى هل يرجع الدهر ما مضى | وهل تتقون الحب أو سالف العهد |
معاهد في مصر الجديدة أصبحت | رسوماً من الأشجان أحرسها وحدي |
أتسرى معاً فيها كما كان عهدنا | وعهد الهوى أشهى مذاقاً من الشهد |
أنقرأها حرفا فحرفاً كأنها | رسائل من ليلى المريضة أو هند |
تعالوا نعد ليلاتها الغرّ حسبةً | لحبّ قبضتم روحه وهو في المهد |
تعالوا تعالوا قبل أن يُمسيَ الهوى | تواريخ لا تغنى المحبّ ولا تجدى |
تعالوا فمن ألقى سناً مثل نوركم | ولن تستطيبوا جنة الحب من بعدي |
تعالوا ففي مصر الجديدة ما بها | من النرجس النعسان والفل والورد |
مثابةُ أحلامي ومهوى مآربي | ومنسك روحي في الملامة والحمد |
إذا جلت فيها جولة الفتك أسلمت | مفاتحها فيما تسرّ وما تبدى |
وإن غبت عنها بعض ليل تلفتت | تسائل عن سرّ القطيعة والصد |
شوارعها عند الأصيل مشارعٌ | لكل محب من حبيب على وعد |
وأنفاسها بالليل كالمسك نفحةً | وظلماؤها كالخال في صفحة الخد |
فلا تذكروا نجداً أو الخيف بعدها | تسامت مغانيها عن الخيف أو نجد |
ولا تطلبوا ندّاً لها في جمالها | فما لجمال الشمس في الكوم من ندّ |
أباريسُ أو برلين تحوى فتونها | إذا ازدهرت بالحسن كالكوكب السعد |
أفى لندن شبهٌ لها في صيالها | إذ صُفّيت الأرواح جنداً إلى جند |
تجمّع فيها الحسن من كلّ أمةٍ | كبغداد بين العرب والفرس والكرد |
ورفّت بها الأنفاس شتّى غرائباً | من الورد والريحان والضال والرند |
هديرُ الأماني في الفؤاد هديرها | إذا جدّ جدّ السبق بالركض والشدّ |
وروّداها في الصبح والعصر زادهم | إذا ما استضافوها فنون من الوجد |
تشابه فيها الليل والصبح فاعجبوا | لصحراء أضحت وهي من جنة الخلد |
يجسّد نور البدر فيها مفضّضا | فتحسبه درّا يساقط من عقد |
بكل مكان أو بكل ثنيّة | بأرجائها سحرٌ يثار بلا عمد |
وما بدرها بدر السموات وحده | ففيها بدووٌ قد تجلّ عن العدّ |
خذوا وصفها عنى فلى في ضميرها | مكان الضريم الحر يكتنّ في الزند |
ولا عيبَ فيها غير أنّ نسيمها | يزيد سعير القلب وقداّ إلى وقد |
يحدّ شعوري بالوجود فأغتدى | أحدّ سماعا من قوى آلة الرصد |
أسجل فيها ما أشاء من المنى | ومن خطرات الروح للشاعر الغرد |
وأنقل عنها في ضحاها وفجرها | افانين أشتاتاً من الهزل والجد |
إذا اجتمع السمار فيها رأيتهم | ملائك توصى بالوثيق من العقد |
وإن طربوا ليلا وللقلب حقه | حسبتهم جنّا أقبلوا من القد |
هيامى بها لم يبق للعقل من شدى | بلألائه في غمرة الوجد أستهدى |
مدينة من هذى مدينة ساحر | يرى طيبها النفاح أذكى من الند |
مدينة من هذي مدينة ناسك | يسر من الإيمان أضعاف ما يبدى |
أرى اللَه في مصر الجديدة كلما | رأيت بها الأزهار تنظم في عقد |
أرى اللَه فيها ما أردت ومن يعش | كعيشى بها يقرب من الصمد الفرد |
حلوليّةٌ تزدار قلبي وخاطري | فيحيا بها عقلى وقوى بها عقدي |
أكان الحلوليون يرأون ما أرى | من الحسن فري قرب من اللَه أو بعد |
أمرّ زمان فيه مصر جديدة | بها فارس يأوى إلى فرس نهد |
أحبّك يا مصر الجديدة فاسمعى | نشيدي ولا تصغي إلى شاعر بعدي |
تعالوا تروا قلبي على ما عهدتُم | وفاء إلى غدر وصفحا إلى حقد |
أنا العيلم العجّاج بالرفق والأذى | أضل أحبائي إذا شئت أو أهدى |
بقايا من الروح المريد تعودني | فأرتدّ صبا جائر الرأى والقصد |
أحبكم ماذا أقول لقد صحا | فؤادي وأبصرت الطريق إلى الرشد |
عواطف جالت في ضلال كأنها | بوارق في جنح من الليل مسود |
عشقتكم جالت في ضلال كأنها | صحائف خطتها يد العبث المردى |
فلا تذكروا عهدى بسخط ولا رضا | تناسيت أو أنسيت ما كان من عهدي |
أضاليل أزجيها لنفسي علالةً | عساني أطفى ما تضرّم من وجدى |
وكيف التناسى كيف ما أكذب المنى | إذا حدثتني بالخلاص من القيد |
أحبّكم حبا أحر من الوغى | تؤجج في سهل إلى الموت ممتد |
أحبّكم طوعا وكرها وإنني | لأخشى الذي تخشون من ذلك الإد |
برغم الذي ألقاه من جور حكمكم | ألوذ بكم عند الخصام وأستعدى |
ملاعب من لهو أثيم تمرّدت | فأمست كأقسى ما يكون من الجد |
أروني باباً للنجاة أروده | فقد ضقت ذرعا بالضلالة في الرود |
وكيف نجاتي كيف هيهات فالذي | سقيتم به روحي سيسرع في هدّى |
دعاني الهوى ماذا أراد بي الهوى | لقد حدّ من عزمي وقد فلّ من حدى |
إذا رمت أسباب المتاب تعرضت | نسائم رياكم فأقلعت عن هودى |
أأنتم نسيتم كيف كنا ولم ندع | مآرب من قبل تراد ولا بعد |
غرامي بكم كان الغرام ومحنتي | بكم صيرتني في الأسى أمةً وحدى |
سلوا الليل في مصر الجديدة هل رأى | على عهده بالحب أصدق من عهدي |
وهل أبصر البدر المنير بأرضها | أصحّ أديماً من ضلالي ومن رشدي |
وهل عرفت ظلماؤها في سهوبها | أحب إليها من هيامي ومن سهدى |
لقد كنت ألقاها وللشمس ميلة | إلى الغرب تستهدى النعاس وتستجدى |
فأملأها وحيا وشعرا وصبوة | إلى أن تفيق الشمس من نومة الخود |
أتلك ليالٍ لا تعود ولم أزل | بحمد الهوى في صولة الأسد الورد |
جهلتم إذا كنتم تظنون مهجدتي | ستجنح يوما للسلام وللبرد |
هواي هو الجمر الذي تعرفونه | وللجمر سلطان على الحجر الصلد |
سأرزأكم بالهجر والصد فارقبوا | بلايا تغاديكم من الهجر والصد |
أكان غرامي غركم فظننتمُ | بأن ليس للإسراف في الحب من حد |
هو القول ما قلتم فإن صبابتي | ستبلغ ما لا يبلغ الجمر من وقدِ |
سنون تقضت في اضطرام وحبّنا | يصاول بالعذل المحمّل بالنأد |
فهل أفلح العذال يوماً وفيهمُ | وفيّون يؤذيهم خبالى في سهدى |
مساوئكم تبدو لقلبي محاسناً | فواتنَ تجزى بالثناء وبالحمد |
فمن أيّ واد للفتون تفجّرت | ينابيع هذا الحسن مرهوبة الورد |
أمرّ بها ظمآن والجو قائظ | فأسمع همساً من وعيد ومن وعد |
تلوّح بالإشفاق عينٌ مريبةٌ | لها ما لهذا الدهر من خاتل الكيد |
وهل يعرف الحيران ضل طريقه | بنحس رمى التلويح بالرفق أم سعد |
أرى بيتكم منى قريباً وتارة | أراه وأدنى منه أبنية السند |
على قدر ما نلقى من الوصل والجفا | يقدّر ما نلقى من القرب والبعد |
أذلك بيت أم كناس يهابه | ويرهب غزلاناً به أفتك الأسد |
فأيان أيان السلامة منكم | وليس لطغيان الملاحة من صد |
أعوذ بربّ الجنّ منكم وإنني | لأعلم أن لا عوذ من سورة الوجد |
شفى وكفى أنى محبّ محسّدٌ | يساق إليه الإفك في صورة النقد |
قضى حبكم أن أجرع اللوم طائعاً | وأن أحسب التهيام فنّا من المجد |
إذ صرت في غي الهوى ورشاده | إماماً فقد تمت أياديكمُ عندي |
أجيبوا أكان الحب حلماً تبددت | أشعته عند الإقاق من الرقد |
أكان صفاكم لمحةً جاد بارق | بلألائها في الليل يفجع بالرعد |
سأنساكم يوماً وللقلب رجعةٌ | على جهله للراجحات من الجد |
سأنسى هيامى ثم أنسى غوايتي | وكلّ ضرام في الغرام إلى خمد |
أجيبوا فلى رأيٌ يقرّ إلى مدى | قرار الجراز العضب في سدف الغمد |
أأنتم رضيتم أن تصير حياتنا | أفانين من نسك يكفنُ في زهد |
لكم ما أردتم فاذهبوا ثمت اذهبوا | إلى الوهد من وادى الخمود أو النجد |
ولي ما أراد الحب والحبّ حاكم | نرى جوره فينا أبرّ من القصد |
بلاده أقوام تعدُّ رزانةً | بكل زمانٍ عن هدى الحب مرتد |
جمال التماثيل الحسان جمالكم | وليس لغادات التماثيل من رفد |
فحتام حتام الوفاءُ لصبوةٍ | رددتم إلها سؤلها اقبح الردّ |
أحبايَ ضاقت بي بلادي وآدني | زماني فأولاني من الكرب ما يردى |
إذا قلت أيام الشقاء إلى مدى | تعاقبن بالأنواء والبرق والرعد |
وإن ظمئت روحي إلى الصفو صدني | عن الصفو أقوامٌ جبلن على الحقد |
ثلاثون عاما أو تزيد قضيتها | جواداً ببذل الروح للوطن الفرد |
فما نلت حظا من جداه سوى الذي | يمنّ به أهل الوشاية والكيد |
أمن أجل هذا عشت ما عشت صابرا | على وثبات العزم في الزمن الجعد |
بلادي بلادي أنت ما أنت إنني | أجرّع فيك الصاب ينعت بالشهد |
أأنت بلادي أنت صدّقت فاصدقي | وعودك يوما للفتى الصادق الوعد |
تسابقني فيك الأماني خوادعاً | كواذب لا تورى بحل ولا عقد |
أساهر في ليلى كتابي ولا أرى | لنفسي حظ الساهرين على النرد |
فماذا دها الدنيا وماذا أصابها | أسفّت فأمست وهي في خمسة القرد |
إلى من أسوق الشكو والدهر ما أرى | تماثل فيه شامخ القور بالوهد |
إلى الوطن الجاني شكوت كما شكا | لديغ إلى الصم المؤرّقة الربد |
أمثلى يؤذى بالعقوق ولم يكن | له غير حفظ العهد في الحب من وكد |
بلادي وما هانت على مواطن | أبى كان منها في الذؤابة أو جدى |
أيشقى الثرى بالماء حتى يعوده | أطباء علامون بالجزر والمد |
وأظمأ وحدى فيك والنيل ثائر | يروز الجسور الشم بالمزق والقد |
بلادي أمن جرم جنيت تحولت | حياتي إلى وجه من العيش مرمد |
لئن كان لي ذنب فذاك تولهى | بشرح الذي زوّدت في الدهر من مجد |
ستمضى الليالي ثم تمضى ولا يرى | جمالك أقوى من غرامي ولا وجدى |
بلادي أكان الحب نورا تطاولت | عليه غيوم من عقوق ومن جحد |
توحدت مقهوراً فما لي إخوةٌ | ولا صحبة يقوى برفقتهم زندى |
توحدت لا خل أبث شكايتي | إليه ولا حب يؤرقه سهدى |
إذا آدني الدهر اللئيم بجفوة | تحوّل أهلوه على عصبة لدّ |
توحدت لا فالأسد يؤنسها الأسى | بوحشتها في ظلمة الكثب الجرد |
ليصنع زماني ما أراد فلن يرى | سوى ساعد يلقاه بالبأس مستد |
بناني الذي يبنى الجبال شواهقاً | وليس لحصن شاده اللَه من هدّ |
فما بال أقوام تهاوت حلومهم | يعادون بنّاء الجبال بلا عند |
يعدّون أجناداً لحربى بواسلاً | وقد جهلوا أنى سألقاهم وحدى |
إذا اعتز باللَه القدير مجاهدٌ | أذل ألوف الظالمين من الجند |
أحباي في مصر الجديدة ما الذي | دعاكم إلى تكدير ذيّاكم الورد |
به جاد دهر لا يجود فكنتم | أضنّ من الدهر المبخّل بالرفد |
سقاكم فروّاكم غرامى ولم أجد | على عثرات الدهر والوجد من يعدى |
تمرّ ليالٍ أو أسابيع لا أرى | على شغفى إلا مواعيد لا تجدى |
عذرت أحباي الذين تصدّهم | فيافٍ سحيقاتٌ عن البر بالوعد |
عذرت الألى بالكرخ شطت ديارهم | فليس لهم عن عصمة الصبر من بُدّ |
فما صبركم أنتم وبيني وبينكم | خطى هيناتٌ قد يقدّرن بالعد |
إذا صلصل الهتّاف أصبحت عندكم | وإن وسوس الهتاف أمسيتُم عندي |
بخمسة أرقام تدار أركمُ | وترأونني أهون بذلك من جهد |
تعالوا ولا تصغوا لأقوال ناصح | يسوق الكلام الحر عن خاطر عبد |
نصيحةُ بعض الناس غشّ مقنّع | وإشفاق بعض الناس ضرب من الحقد |
عرفت زماني في بنيه ومن يقم | بمسبغةٍ يسبق فلاسفة الهند |
أنسمع لغو الحاقدين ولا نعى | هدير حميّا الحسن ينصح بالوجد |
هو الحسن فليأمر بما شاء ولتكن | مشيئته إنا له أطوع الجند |
سمعنا ومن يهتف به الحسن يستمع | ألا إنّ همس الحسن لحنٌ من الخلد |
تعالوا فأوقات الصفاء ذواهبٌ | وليس لوقت قد أضعناه من ردّ |
تعالوا سراعاً لا تقولوا إلى غد | غد عند صدق الشوق دهر من البعد |
وإلا ففي مصر الجديدة أنجمٌ | زواهر ترجو أن يكون لها ودّي |
أبغدادُ في عهد الرشيد تأرّجت | بأطيب من أنفاسها وهي في عهدي |