الهدم لا يعني النهاية
جمال مرسي
جلست على أنقاض منزلها الذي دكته معاول الهدم الإسرائيلية
| |
تتحدث إلى مراسل الأخبار وقد سقطت من عينها دمعة
| |
لن أسكبَ الدمعَ كي أبكيكِ يا داري | ولا لأُطْفِئَ في جوْفي لظى ناري |
لكنْ لأرويَ بالدمعِ السخينِ هنا | في ساحةِ الموتِ بعد الهدمِ أزهاري |
أبكي ؟، وماذا يفيدُ الحزنُ في زمنٍ | قد ألْقَمَتْ جَوْفَهُ صمتاً يدُ العارِ ؟ |
فطأطأَ الرأسَ في ذُلٍّ و في خَوَرٍ | وأغمضَ العينَ عن أفعالِ أشرارِ |
يا ناقلاً صورةَ البيتِ الذي اْنهَدَمَتْ | جدرانُهُ فوقَ أطفالي و أطياري |
بألفِ طلقةِ حِقْدٍ كان صَوَّبَها | في هجعةِ الليلِ وحشٌ آثِمٌ ضاري |
هل تستطيعُ إذا ما كنت مُقتَدِراً | أن تنقِلَ الجُرْحَ في تقريرِ أخبارِ ؟ |
هُنا ستُنبيكَ أحجارٌ بما صَنَعَتْ | معاولُ الهدمِ ، فاسمعْ قولَ أحجارِ |
وانظرْ هناكَ بذاكَ الركنِ ، وا عَجَباً | يا كم طوى قلبُهُ مليونَ تذكارِ |
كم قِصَّةٍ في سكونِ الليلِ قد نُسِجَتْ | و كم سَبَحْتُ بِهِ في بحرِ أشعارِ |
و كم سمعتُ نداءَ الفجرِ مؤتَلِقاً | من شُرْفَةٍ سَبَّحّتْ للخالِقِ الباري |
حتّى بَدَتْ و كأنَّ الصُّبْحَ وضَّأَها | للهِ ساجِدَةً من خلفِ أستارِ |
أين ابتسامُ الضُّحى إنْ زارَ غُرفَتَنا | فأرسلَ الشدْوَ ممزوجاً بأنوارِ ؟ |
انظُرْ فأنقاضُها أفشَتْ سرائِرَها | صراحةً ، مثلما ضَنَّتْ بأسرارِ |
انظُرْ إلى فِعْلِهِمْ عمداً بمُصحَفِنا | يا ويلَ صُهيون من ثأري و من ناري |
قد كان " أحمدُ " نصفَ الليلِ يقرأُهُ | و يُكملُ الليلَ في حمدٍ و أذكارِ |
ما كان يعلمُ أنَّ الموْتَ سابِقُهُ | إلى مُصَلاّهُ في أثوابِ غدارِ |
لا زلتُ أذكرُ سطراً في وصيَّتِهِ | القُدس يا زوجتي أغلى من الدارِ |
أَوْصِي بها " خالداً " في كلِّ آونةٍ | كي يقتفي للعُلا والمجدِ آثاري |
قولي لوردتنا إن أنجَبَتْ وَلَداً | يا " فاطمُ " انتَهِجي دربي و أفكاري |
كي يكبُرَ الطفلُ والأوطانُ في دَمِهِ | يُعلي بيارِقَها في كلِّ مضمارِ |
أوصيكِ أن تحفظي عهدي و موعدُنا | في جنَّةِ الخُلدِ عند الكوثَرِ الجاري |
***
| |
يا ناقلاً صورة التشريدِ ، معذرةً | يكفيكَ ما قُلْتُهُ ، فاذهبْ إلى الجارِ |
قد تحكي زوجتُهُ عمّا أحاقَ بها | مثلي ، فمحنتُها لحنٌ بقيثاري |
كلٌّ يُرددهُ ، والكلُّ يسمعهُ | و الكلُّ في غفلةٍ يلهو بأقداري |