يا دارَ فاتِنَتيِ حُيِّيتِ مِنْ دَارِ
يا دارَ فاتِنَتيِ حُيِّيتِ مِنْ دَارِ | سَيَّرْتُ فيكِ وفيِ مَنْ فِيكِ أَشْعَارِي |
رَحلتُ عَنَها وللأشجانِ ماترَكَتْ | في العَيْنِ والقلبِ من ماءٍ ومِنْ نار |
كانتْ مَجَالَ صَباباتٍ لَهَوْتُ بها | ومُسْتَراضَ لبُاناتٍ وأوْطارِ |
أسائِلُ الطَيْرَ عَنها لو تُنَبِّئني | أو تنْقُلُ الطَيرُ عنها بَعْضَ أخْبار |
يَنْسَى بهَا كلُّ نائِي الدَارِ مَوْطِنَهُ | وما تجشَّمَ مِنْ بَيْنٍ وأَسْفَار |
يَلْقى بها أينما أَلَقى عَصَاه بِها | أَهلاً بأَهْلٍ وأَصْهاراً بأصْهار |
وفِتْية ً كرِماحِ الخطِّ إِنْ خَطَرُوا | فَدَيْتَ بالنّفسِ منهم كلَّ خَطَّار |
بِيضَ الوُجُوهِ مَساميحَ الأكُفِّ مَنا | جِيدَ الصَّريخِ سَرَاة ً غيرَ أَغْرار |
لايَنزِل الضَّيفُ صُبْحاً عُقرَ دارِهمُ | إِلاّ ويُمْسِى عِشاءً صاحِبَ الدار |
قد آمنُوا بإِلَهِ الحُبِّ وارْتَقَبُوا | آياتِهِ بَيْنَ إجْلالٍ وإِكْبار |
وصوَّرُوهُ فَتى ً أعْمَى إِذا رَشَقَتْ | يَدَاهُ بالنَّبْل أصْمَى كُلَّ جَبَّار |
عُرْيانَ إِنْ مَسَّهُ بَرْدُ الشتاءِ فما | له سِوَى زَفَراتِ الوَجْدِ منْ نار |
يَغْشَى الفَتاة َ ولَمْ تَرْقُبْ زِيارَتهُ | وخِدْرها بَيْنَ أَغْلاقٍ وأَسْتار |
فَطَرْفُها خاشِعٌ من بَعْدِ زَوْرَتِهِ | وقَلْبُها نَهْبُ أَوْهامٍ وأَفْكارِ |
تَشْكُو إِلَى أُمّها ضَيْفاً ألمَّ بِها | والأُمُّ إِنْ تَسْتَطِعْ باحَتْ بأَسْرارِ |
ويصْرَعُ الفارِسَ المِغْوارَ إِن لَعِبَتْ | كَفّاهُ بالسَّيْفِ أرْدَى كلَّ مِغْوَار |
فلا تراهُ سِوَى شاكٍ لسَاجِعَة ٍ | أو نادِبٍ إِثرَ أَطْلالٍ وآثار |
ويَطْرُقُ الشَّيْخَ في المِحْرابِ قَدْ فَنِيَتْ | عِظَامُهُ وَبَرَتْهُ خَشْيَة ُ البَاري |
فلم تكُنْ لَمْحَة ٌ إلاّ ليَفْتِلَهُ | من الصَّلاة ِ ومن تَرْتيلِ أذْكار |
يبرُزْنَ في اللَّيْل مِثْلَ الشُّهبِ ساطِعة ً | مابَيْنَ سيَّارَة ٍ تَجْرِي لِسَيّار |
مِنْ كلِّ خَمْصَانَة ِ الكَشْحَيْنِ ناصِعَة ٍ | كأنّها دُرَّة ٌ في جَوْفِ زخّار |
تَسْعَى إِلى أغْيَدٍ ماطَرَّ شَارِبُهُ | كأنَّما صَفْحَتاهُ وجْهُ دِينارِ |
أرضٌ كَأَنَّ إِلَهَ الأرْضِ أَوْدَعَها | بَدائِعَ الْحُسْنِ مِنْ عُونٍ وأَبْكار |
أَلقَوْا خُدُودَ العَذَارَى في حَدَائِقَها | ولَقَّبُوها بأَثْمَارٍ وأزْهار |
وجرَّدُوا كُلَّ حُسْنٍ من قَلائِده | فَصِرْنَ حَصْباءَ في سَلْسَالها الجَاري |
لَوْ كانَ في عُنْصُرِي صَلْصالُ طِينَتِها | ماراعَنِي الدّهْرُ في يومٍ بأكْدَار |
أوْ كُنْتُ أظْفَرُ في الأخرى بِجَنَّتِها | غَسَلْتُ بالدمْعِ آثامي وأوْزاري |