رثاء شوقي
قلْ للذين بكَوْا على (شوقي) | النادبين مصارعَ الشُّهبِ |
وا لهفَتاه لمصر والشَّرْقِ | ولدولة الأشعار والأدبِ! |
دنيا تَفرُّ اليومَ في لحدٍ | وصحيفةٌ طُويتْ من المجدِ |
ومُسافرٌ ماضٍ إلى الخلد | سبَقتهُ آلاءٌ بلا عَدِّ |
هذا ثَرى مصْرَ الكريمُ، وكمْ | أكرمتَهُ وأشدْتَ بالذكرِ |
يلقاك في عطفِ الحبيبِ فنمْ | في النور لا في ظُلمةِ القبْر! |
كم من دفينٍ رحتَ تحييهِ | وبَعثْتَهُ وكَففْتَ غُرْبَتَهُ |
فاحللْ عليهِ مُكرّماً فيهِ | يا طالما قَدَّست تُربتَهُ |
يا نازلَ الصحراء موحشةً | ريَّانةً بالصمت والعدمِ |
سالتْ بها العبراتُ مجهشةً | وجَرت بها الأحزانُ من قدمِ! |
هذا طريق قد ألفناهُ | نمشي وراءَ مُشَيَّعٍ غالِ |
كم من حبيبٍ قد بكَيْنَاهُ | لم يُمْحَ من خَلدٍ ولا بالِ |
وكأنَّ يومَك في فجيعتِهِ | هو أولُ الأيامِ في الشَّجنِ |
وكأنَّما الباكي بدمعتِهِ | ما ذاق قبلك لوعةَ الحَزنِ! |
فاذهبْ كما ذهب النهارُ مضى | قد شيَّعَتْه مدامعُ الشفقِ |
ما كنتَ إلاَّ أمةً ذهَبتْ | والعبقريَّةُ أمَّةُ الأُمَم |
أو شُعلةً أبصارَنا خلبتْ | ومنارةً نُصبَتْ على عَلَمِ |
يا راقداً قد بات في مَثوىً | بَعُدَتْ به الدُّنْيا وما بَعُدَا |
أيْن النجوم أصوغ ما أهْوى | شعراً كشعْرك خالداً أبدَا؟! |
لكنَّ حزني لو علمْت به | لم يُبْقِ لي صبْراً ولا جُهْدَا |
فاعذر إلى يوم نفيك به | حقَّ النبوغِ ونذكرُ المجْدَا |