في المقهى
في مقعدٍ هادئٍ في الركنِ مُسْتَتِرِ | نَأَىَ بعيداً عن الفوضى ، عنِ النَّظَرِ |
عيناهُ في مدخلِ المقهى تُراقبُهُ | هذا يروحُ ، وذا يرتادُ في خَفَرِ |
وذا يميلُ مع الألحانِ في طَرَبٍ | وذاك يَغرِقُ في بحرٍ من الفِكَرِ |
طوْراًَ يُحَمْلِقُ في الجُدرانِ يرسُمُها | وتارةً راكزاً عينيه في السُّتُرِ |
يكادُ تفضِحُهُ عينُ الهوى ‘ و فَمٌ | يُتَمْتِمُ اْسمَ التي أَعْيَتْهُ بالسَّهَرِ |
والوقتُ يمضي بطيئاًً مثلَ مُذنبةٍ | سِيقَتْ إلى غُرفةِ الإِعدامِ في خَوَرِ |
في كُلِّ ثانيةٍٍ يرنو لساعتِهِ | كأنَّما عقربُ السَّاعاتِ في سَفَرِ |
يا أيُّها النادلُ السَّاعِي لخِدمَتِنا | هلاَّ أَتَيْتَ بِفنجانٍ من الصَّبَرِ |
فقد شربتُ كؤوسَ الإنتظارِ ‘ وما | هلَََََّت حبيبةُ قلبي ، مُهجتى ،عُمُري |
أرى المكانَ وقد غابتْ مُعَلِّلَتِي | أمسى كمثلِ الدُّجَى في غَيْبَةِ القَمَرِ |
فلا جَمَالٌ ، و لا نُورٌ أُحِسُّ بِهِ | ولا أَشُمُّ أَرِيجَ العِطرِ في الزَّهَرِ |
و لَسْتُ أسمَعُ من أنغامِ صادحةٍ | هُناكَ غيرَ صدى الآلامِ و الضَّجَرِ |
يا أيُّها النادِلُ الغادي بقهوتِهِ | زِدْنِي ، فإنِّي أرى مُكْثي إلى السَّحَرِ |
مالي أراكَ و لم تبرحْ تُحَدِّقُ في | مُتَيَّمٍ بلهيبِ العشقِ مُسْتَعِرِ |
أَمُشْفِقٌ أنتَ ، أمْ أبْصَرْتَ مُعجزةً | كما يُرى اْلماءُ في عينٍ من الحَجرِ |
أَما رُمِيتَ بسهمِ العشقِ في كَبِدٍ | مثلي ، فصرتَ أسير الهُدبِ و الحَوَرِ |
أما أُسِرْتَ ، و بعضُ الأسرِ نعشقُهُ | نسعى إليهِ بلا حِرصٍ و لا حَذَرِ |
أما رأيتَ التي رقَّ الفؤادُ لها | و ليسَ يُشبِهُها نفسٌ من البَشَرِ |
لو كنتَ أبصَرتَها ، ما كُنتَ تعذلني | و لا وَصَفْتَ الهوى بالحُمقِ و الهَذَرِ |
شَعْرٌ تَدَلَّى على أكتافِها مَرِحاً | يزهو بِسُمْرَتِهِ ، يزدانُ بالدُّرَرِ |
كأنَّهُ موجةٌ تجري ، و تتبعُها | أخرى ، فتهربُ للشُطآنِ و الجُزُرِ |
و الوجهُ واحةُ فُلٍّ في تأنُّقِهِ | و الخَدُّ روْضةُ كَرْزٍ باسِمٍ نَضِرِ |
و الثَّغرُ ياقوتةٌ حمراءُ ، راقَصَها | ضوءُ النَّهارِ على ترنيمةِ الوَتَرِ |
يا لائمي في الهوى ،إنَّ الهوى قَدَرٌ | إنْ كنتَ تؤمنُ يا "جرسونُ" بالقَدَرِ |
فاْذهَبْ و دَعْنِي وحيداً في تَرَقُّبِها | حانَ اللقاءُ ، لقاء الأرضِ بالمَطَرِ |