كأس الخيّام
هاتف الفجر الذّي راع النّجوم | و أطار الليل عن آفاقها |
لم يزل يغري بنا ينت الكروم | و يثير الوجد في عشّاقها |
صيدح جنّ غراما بالسّحر | أنطقته لهفة الرّوح المشوق |
موثوق القلب ، و ميعاد النّظر | مهرجان النّور في عرس الشّروق |
فرح الجنّة في ألحانه | و صداه في السّحاب العابر |
أرسل السّحر على ألوانه | من فم شاد ، و قاب شاعر |
ي له صوتا من الماضي البعيد | رائع الإيقاع فتّان النّغم |
جدّد الأشواق باللّحن الجديد | وهو كالدّنيا عريق غي القدم |
كم عيون نفضت أحلامها | حين نادى ، غير حلم واحد |
سلسلت فيه المنى أنغامها | و هي تشدو بالرّحيق الخالد |
كلّما لألأ في الشّرق السّنا | دقّت الباب الأكفّ الناحله |
أيّها الخمّار ! قم و افتح لنا | و اسقنا من رحيق القافله |
خمرة العشّاق لا زالت و لا | جفّ من ينبوعها نهر الحياه |
نضبت في قدح العمر الطّلا | و هي في الأرواح تستوهي الشفاه ! |
كم شموس عبرت هذا الفضاء | و ألوف من بدور و نجوم |
و الثّرى بين ربيع و شتاء | ضاحك النّوار و هاج الكروم |
كلّ عنقود دموع جمدت | و قلوب فنيت فيها شعاعا |
ما احتواه الفجر إلاّ اتّقدت | جمرة تذكو حنينا و التّياعا |
لو أصابت ريشتها و ثبت | بجناحين من الشّوق القديم |
فاعذر الكأس إذا ما اضطربت حببا يخفق في الكفّ النّديم
| |
أيّها الخالد في الدّنيا غراما | أين نيسابور ، و الرّوض الأنيق ؟ |
أين معشوقك إبريقا و جاما؟ هل حطّمت الكأس؟أم جفّ الرّحيق؟
| |
هذه الكرمة و الوادي الظّليل | مثلما كانا ، و هذا البلبل |
حاضر أشبه بالماضي الجميل | لو يغنّيه المغنّي الأوّل |
اليد البيضاء في كلّ الغصون | زهرة تندى و نور يشرق |
و الثّرى من نفس الرّوح الحنون | مهجة تهفو، و قلب يخفق |
كم تشهيّت الحبيب المحسنا | لو سقي مثواك بالكأس الصّبيب ! |
و تمنّيت ، و ما أحلة المنى | خطوات منه ، و المثوى قريب ! |
أترى أعطيته سرّ الخلود؟ | أم حبوت الحسن سلطانا يدوم ! |
عجبا ، تخطئ أسرار الوجود | أيّها الحاسب أعمار النّجوم ! |
شفقة الكأس التي أنطقتها | لم تدع للسائل الصّادي جوابا |
حجب عن ناظريّ مزّقتها | فرأيت العيش برقا و سرابا |
و لمست الخافق الحيّ المنى | طينة تبكي بكفّ الجابل |
تشتهي الرّشفة ممّا علّنا | و هي ملأى تحت ثغر النّاهل |
نسي الأنخاب من تهوى و أمسى | مثلما أمسيت يستسقي الغماما |
و اشتكت رقّته في الأرض يبسا | و غدا الإبريق و الكأس حطاما |
لا ، فما زالا ، و لا زال الحبيب | أيّها المفعم بالحبّ الوجودا |
إنّ من غنّيت بالأمس القريب | منحته ربّة الشّعر الخلودا |
مرّ بي طيفكما ذات مساء | و أمن بين أحلامي و كأسي |
استبدت بي أصياف الخفاء | و تغرّبت عن الدّنيا بنفسي |
صحت باللّيل إلى أن أشفقا | فليقف نجمك...و لينأ السّحر |
جدد العشّاق فيك الملتقى | و خلا الهمس على ضوء القمر |
فادخلا بين ضياء و غمام | حانة الأقدار و اللّيل القديم |
مجلسا يهفو به روح الغرام | كلّ نجم فيه ساق و نديم |
و انهلا من سلسل النّور المذاب | خمرة ليس لها من عاصر |
فنع الصّوفيّ منها بالحباب | و هي تنهلّ بكأس الشّاعر |
فارو يا شاعر عن إشراقها | إنّما كأسك نور و صفاء |
كيف طالعت على آفاقها | روعة الغيب و أسرار السّماء؟ |
كيف أبصرت الجمال المشرقا | بصر الفانين في حبّ الإله |
و فتحت الأبد المستغلقا | عن ضمير الكون أو سرّ الحياه ؟ |
أ بروحانية الشّرق العريق | أم ببوهيميّة الفنّ الطليق |
سبحت روحك في الكون السّحيق | حيث لا يسمع طاف لغريق ! |
حيث أبصرت الذي لم تبصر | أعين مرّت بهذا العالم |
ذاك سرّ الشّاعر المستهتر | و فتون الفيلسوف العالم |
ذاك سرّ النّغم المسترسل | و الصّفاء السّلسل المطرّد |
روح شاد فنيت في الأزل | و تحدّت شهوة المنتقد |
صرخت آلامه في كوبه | فهوى يثار من آلامه |
إنّما البعث الذي تشدو به | يقظة المفجوع في أحلامه ! |
إنّما البعث المرجّى للورى | غاية الحيّ التي لا تحمد |
إنّما تبعث في هذا الثّرى | بعض ما يقطف أو ما يحصد |
حسبها تعزية أن نحلما | بأناشيد الصّباح المنتظر |
و تشقّ الأرض عن وجه السّما | حيث نور الشّمس أو ضوء القمر |
ربّما جدّد أو هاج لنا | نبأ أو قصة من حبّنا |
نوّح ورقات أرّنت حولنا | أو شجى قبّرة مرّت بنا |
أو خطى إلفين في فيجر الصّبا | أترعا كأسيهما من ذوبه |
أو صدى راع على تلك الرّبى | صبّ في النّاي أغاني حبّه |
حلم مثّاته في خاطري | فعشقت الخلد في هذال الرّواء |
أنكرو فحكوا عن شاعر | جنّ بالخمر و أغوته النّساء |
و لقد قالو : شذوذ مغرب | و أباحيّة لاه لا يفيق |
آه لو يدرون ما يضطرب | بين جنبيك من الحزن العميق |
أولا يغدو الخليع الماجنا | من رأى عقبى الصّباح الباسم ؟ |
و رأى الحيّ جمادا ساكنا | بعد ذيّاك الحراك الدّائم ؟ |
أولا يغرب في نشوته | شارب الغصّة في اليوم الأخير ؟ |
أولا يمعن في شهوته | مسلم الجسم إلى الدود الحقير ؟ |
قصّة الزاهد التي غنّوا لها | علّلتهم بالسّراب الخادع |
نشوة الشّاعر ما أجملها ! | هي مفتاح الخلود الضّائع !! |
لو أصابو حكمة ما اتهموا | و بكى لاحيك المستهجن |
فهو من دنياهم لو علموا | عبث مرّ ، و لهو محزن !! |