الراحلون
مضوا مع الليل كالصرعى وما اصطبحوا | وباللظى رغم أشواق الندى اتَّشحوا |
نعالُهم جبهةُ الدنيا ، وقامتُهم | مجدُ السماء ، ومن أشلائهم نَزَحوا |
جاءوا فما رَفْرَفَتْ أعلامُ أُمَتُهم | لهم ، ولا زَغردت في سَمعِهم مِدَحُ |
جاءوا وكل ضياء الشمس أعينُهم | وباليقينِ المُرَّجى منهمُ صَدَحُوا |
فأيِّ مِشنقةٍ لفوا جدائلها | وأي بوابةٍ للموتِ قد فَتَحُوا |
الصمتُ يفترشُ الأفواهَ حولهمُ | والحزنُ يهربُ من إرهابه الفَرَحُ |
يمشي الدجى وأتون الموت في يده | يشتدُّ كالريحِ ، كالآلامِ يكتسحُ |
واليعربيون غَرقى في مباذلهم | باعوا وليس سوى الخسران ما رَبِحُوا |
من أين أقبلتمُ ؟ هذي الديارُ هوتْ | الحاكمان هنا الأغلالُ والقدحُ |
هم يستهينون بالأهوال، ما شَعَرُوا | من عزمهم أيَّ لُجٍ فيه قد سَبَحُوا |
شيءٌ بداخلهم ينمو ، تغيب رؤىً | فيهم وتخفى بهم حِيناً وتتضِحُ |
سرعانَ ما هبَّتِ الأصنامُ وانتفضتْ | الحبلُ يُفْتَلُ ، والأذنابُ تَقْتَرِحُ : |
اضرب بسيفك ، أطعِم كلَّ مقصلةٍ | رأساً وأخْمِد لظاهم كُلما لَفحوا |
لا يحفظ الأمنَ إلا السيف منصلتاً | والناسُ لولا بريقُ السيفِ ما صَلَحوا |
قالت مذيعتهم والغنجُ يغمرها : | لقد نصحناهمُ يوماً فما انتصحوا |
***
| |
من " ملَّوي " يبدأ التاريخُ رحلته | أعباؤه في رُبَى " ديروطَ " تَنْطَرِحُ |
يُحس أن يد " الإخشيدِ " تَخْنُِقُهُ | وأن " فِرعونَ " في عينيهِ مُنْبَطَحُ |
تقتاته صُحفُ الأصنام ، تسأله | من أي مستنقعٍ " أهلُ اللحى " طَفَحوا ؟ |
يُومي إلى نفسِه ، يَنْجَرُّ مُرْتَعِشَا | يمشي على رأسهِ ، يَعرى ويُفتَضَحُ |
قيل: استقادوا لحقٍ كان مطلبَهم | وقيل: بل بئسَ ما جاؤا وما اجْتَرَحُوا |
والراحلون على أشلاء عِزَتهم | مشاعلَ النورِ في أيديهمُ " سُبَحُ " |
في كل حَلْقَةِ قيدٍ من قيودهم | نارٌ إذا أطفأتها الريحُ تنقدح |
***
| |
والنيلُ يُملي على الأجيالِ حكمتَهُ | من صُلبِ أشواكِ نخلي يُولدُ البَلح |