الرئيسية » » خطأ كبير.... تلك هي الحياة !! | محمد الحرز

خطأ كبير.... تلك هي الحياة !! | محمد الحرز

Written By هشام الصباحي on الاثنين، 29 سبتمبر 2014 | سبتمبر 29, 2014


                        خطأ كبير.... تلك هي الحياة !!
                                  (1)


خطأ كبير تلك هي الحياة , خطأ يشبه الفراغ الذي تقع عليه أبصارنا عندما ننتهي من 

قراءة آخر 

صفحة من كتاب أحببناه , لأنه يعيدنا إلى البيت الذي قطعت فيه القابلة حبلنا الموصول بكينونة 

الرحم , ولن تكون الخطوة الأولى عسيرة على التذكر , فالأشياء من حولنا لا تجرح , ولا تغار من 

صرخاتنا المتعثرة بنفسها من شدة الإرباك , عندما تستحوذ على حيز من فراغ ذلك المنزل . لكنها 

تترك أجسادنا الطرية عارية كي تختبر أول أحساس يقاوم جاذبية الحياة .


فالأشياء والفراغ يدركان تماما ما يعنيه الإحساس الأولي للجسد . لذلك يذهب الاختبار إلى 

أقصى زاوية تتسم بالكشف والهتك , ليكون أول العارفين بعد أن يتحول هو نفسه إلى مغامرة 

عبثية . من هنا كانت ولادة العتمة التي سترافقنا إلى القبر كي تزيح عن الطريق العوائق للوصول 

إلى عالم الموتى . وليست ظلال أجسادنا في الحياة سوى العلامة الكبرى على تلك الولادة . لقد 


وقعنا في الفخ الذي توهمناه مجرد انعكاس للروح ؛ لأننا بكل سذاجة البشر , لم نطعم تلك 

العلامة , ونغذيها , لا من الأشجار , والزهر , والورود والشمس والثلوج , ولكن أطعمناها من 

موائدنا الدفينة في عمق الشعور الباطني , ولم يشذ عن القاعدة حتى الذين علمتنا سيرهم أنهم 

حولوا جاذبية الأرض إلى مجرد غيمة لا تمطر .


أيها الوشم لا تخفف من غلوائك , ربما يعبر سماءنا عصفور , فتحن الظلال إلى الظلال , ربما 

نعبر أرضا قاحلة ؛ فيموت ظلنا من الجوع والتعب. لا شيء واضح على الإطلاق في الدرب 

الذي نسلكه نحن والهواء , وكشريكين متخاصمين هو يتمدد في الريح , وعلى غصون الأشجار 

ونحن على الذكريات التي لجأت إلينا كي نكتبها قصيدة لا تشير إلى أحد سوى إلى نفسها .

لا شيء خاوٍ من اليقين , الخفة وحدها لا تميل إلى أي طرف , فالهواء والظل والفراغ ليسوا 

سوى حكاية الإنسان التي تقف على الحافة, عندما يتذكر بيته الأول .. عفوا.. فخه الأول . 

أليس من المعقول أن نسمي تلك المسيرة خطأ كبيرا ترتكبه الحياة ضدنا ؟!!.

 يمكننا أن نسمي المسافة ما بين الشجرة وجذورها مسيرة حياة بكل ما تحمل الكلمة من معنى , 

يمكننا كذلك أن نسمي المسافة ما بين الباب والعتبة مسيرة حياة أيضا , ولكن ما الذي يدعو المرء 

منا أن يقول : هذه حياة وليست فخ .


اللسان لا يعجز عن التفريق بين حروف الكلمتين , ناهيك عن البصر والسمع والأحاسيس 

الجسدية . لم يخامرني شعور بالشك أننا في متاهة اللعبة التي وضعنا

شروطها منذ الولادة , ولا زلنا نراهن العابرين عليها دون أن نعيد النظر في شروطها ناهيك عن 

اللعبة برمتها .


قال مرة إميل سيوران " قبل أن تكون خطأ في المضمون , كانت الحياة خطأ في الذوق , لم يفلح 
الشعر ولا حتى الموت في تصحيحه " . إن إحكام الباب , وإغلاق النوافذ هي وظيفتنا المحببة كلما 

داهمنا إعصار الكآبة والتفاهة البشرية مثل أفعى . ولكن لسبب غامض تظل النظرات مشدودة إلى 

نفسها ؛ كي تخترق هذا السد المنيع رغبةٌ تنقذ آخر رمق من سعادتنا . أليس هذا ما نسميه 

المستقبل .. المستقبل الذي لولاه لسقطنا في الرذيلة والكراهية, لسقطنا في الشراسة ؟!


 لذلك تقولون لي عليك بفتنة الإصغاء , لقد خبرت لذتها .لكن أن ندخل في عمق الإصغاء 

معناه أننا عانقنا أنفسنا مثل سؤال كما يقول رامبو , فشكرا على هذا العناق !!!.
                             



                                 (2)  



هذه الحياة التي أدعيها ليست هي ذاتها التي نطوّف بها على خشبات مهترئة في عرض البحر 

وأمام الأمواج المتدفقة , وكأنها ذلك الغريق الذي يحلم بالغرق لحظة الإنعتاق , لحظة الحقيقة التي 

نادرا ما نبصرها في لذة الكلام , وإشارة الأفكار وارتطامها على الرؤوس كصخرة .


ليست هي الحياة التي تخرج إلى الشارع كلما سقطت بلاغتنا على الأرض , وكلما تدفقت العزلة 

من ينبوع اللغة , وأصبح الشعراء عراة يلتقطون الحصى وكأنهم يلتقطون القصائد ؛كي لا يعبر ها 

البرابرة ولا الطغاة الذين جاؤوا من تحت جذور الأشجار قبل أن يجيئوا من قبور التاريخ .

أليست الحياة بهذا المعنى مجرد خدر يسري في الجسد بفعل الحمّى والهذيان , مجرد كرنفالات 

يقيمها الغجر الجوالون والمتسكعون على الحدود بين المدن ؟! أتساءل : ماذا تريد هذه اللغة التي 

نحاول الدخول بها في رهانات خاسرة على كلمة " الحياة ؟!

 صدقوني أشعر بحرارة أنفاسي في رئتي كلما حركت أحاسيسي جهة ماضيها المشدود إلى صخرة في 

عتمة البداهة والتأرجح بين ما نرغبه و بين ما تتناهبه الحقائق من أدلة تكشف مرارة الفاجعة , 

التي تحملها الأيام على دفعات . لا شيء يبقى في اليدين , لا شيء يبقى في مؤخرة الركب سوى 

الارتداد إلى ما كنا نسميه سياج الزهرة الذاتية . أنا لست أعلم كيف يدفعني هذا الإحساس


إلى تخطي أنوات الغير إلى أناي فقط ؟ ! . هل يمكن أن يكون قاموسنا اللغوي الشعري يحتمل 

مجموعة الكلمات التي تتواطأ ضد واقعنا المنزاح عن نفسه , وعن مخيلته , هل يمكن ذلك ؟!.

 أدرك في هذه اللحظة أنني أحاول القفز بدلا من الدوران , ولكن ما هو الفرق طالما عرفت أن 

أمامي القصيدة , وخلفي ذكرياتها , وما بينهما ربما أجمع هذه الحياة ذات يوم , وأقدمها قربانا 

لنفسي فقط , أو للواهمين مثلي من البشر .أتعلمون أن من تتعبه القصيدة لن يكون واهما , ليس 

في ذلك أدعاء , الادعاء هو الذي يعرّف نفسه للآخرين من خلال القصيدة فقط .

 ليس وهما من يرتكب الخطأ ويمضي به إلى صورته المعلقة في جدار بيته  دون ضجيج اللغة , أو 

همسات القصيدة في السمع . لطالما تنبأت أن قدرتي على التحمل يفوق تصوراتي عن اللذة 

والألم , ولكن ما أدركه الآن لا يتعدى كونه الشعور الأكثر طمأنينة لي في هذه المتاهة , 

وللقصيدة باعتبارها الوثيقة الرسمية التي ندعي أننا ننتمي إليها .

                                           
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads