هذه هى الحياة
إلى أبي رحمه الله
| |
.
| |
.
| |
كان ضياء الشمس يلوِّح من نافذتى
| |
يمسح وجهى
| |
حتى يطرد نوماً يثقل فى الأحداق .
| |
صوتُ تلاوة أمى للقرآن يمس البيت بنور صافٍ
| |
كانت تدعو الله بأن يرحمنا -بعد وفاة الأب-
| |
ويفتح أبواب الأرزاق.
| |
أمى كانت تقصد سعيى !
| |
سعيى اليائس منذ شهور خلف الرزق .
| |
وما من جدوى
| |
حتى ضاق العيش
| |
وصار البيت ملاذ الفاقة والإملاق !
| |
قمت لكى أتهيأ لمواصلة السعى
| |
أقبل أمى قبل رحيلى
| |
يدفق من طيبة عينيها ينبوع حنان رقراق.
| |
رحت أغادر بؤس البيت تجاه النور
| |
وداخل روحى كان ظلام اليأس
| |
يسافر فى الأعماق !
| |
----------------------------------
| |
كنت أسير حثيثاً نحو الصرح الشامخ نصب عيونى
| |
وأنا أذكر..
| |
فأبى قضَّى ربع القرن دءوباً يعمل فى خدمته
| |
حتى مات بداخل هذا الموقع ذات نهار
| |
مات شهيد العمل الدائب..والإرهاق!
| |
وجه أبى يتجسد نوراً فى ذاكرتى
| |
وأنا أصعد درج الموقع.. يبسم لى.
| |
حين شعرت بأن البسمة..
| |
كانت ملأى بالإشفاق!
| |
---------------------------
| |
وقف رئيس الصرح الشامخ يستقبلنى
| |
يبسم فى بشرٍ وسرورٍ
| |
وقد التف الجمع العامل حول المكتب فى غرفته
| |
شد على كتفىَّ وقال :
| |
"أهلاً بابن البطل الخالد
| |
فى هذا الصرح العملاق." !
| |
"اجلس رحم الله أبيك
| |
فقد قضَّى أيام العمر عطاءاً كالنهر الدفاق."
| |
فقلت:"أيا سيدى الفاضل
| |
أشكرك على هذا المدح..
| |
ولكنى قد جئت اليوم لشىءٍ آخر."
| |
قال السيد :" نعرف هذا !
| |
نعرف كيف نكافئ من قد أفنى العمر أميناً فى خدمتنا"
| |
ثم أشار لمن قد راحوا يلتفون وراء وحول المكتب
| |
فأتوا بوشاحٍ ألاَّق .
| |
علَّقَهُ السيد فى كتفى
| |
ثم أشار.. فجاءوا بشهادة تقدير
| |
وأتوا بشهاداتٍ أُخرى
| |
كانت تثبت حسن السير
| |
وحسن السمعة والأخلاق !
| |
راح يسلمنى إياها فى هرج التصفيق الحار.
| |
ومضى الجمع الحاشد يهتف :
| |
"عاش السيد "
| |
"عاش نصير المنسيين "
| |
وهو يغادر هذا المحفل
| |
يهبط فوق الدرج اللامع فى إشراق.
| |
أخذ الجمع يهرول خلف خطاه.
| |
حين ارتفعت موسيقى الحرس الرسمىِّ
| |
تدَوِّى فى صمت الآفاق .
| |
كان السيد يغرق فى تيه الأبواق
| |
وأنا وحدى
| |
أغرق ما بين الأوراق !!
|