الملاح التائه
علي محمود طه
أيّها الملاح قم و اطو الشّراعا | لم نطوي لجّة اللّيل سراعا |
جدّف الآن بنا في هينة | و جهة الشّاطئ سيرا و اتّباعا |
فغدا يا صاحبي تأخذنا | موجة الأيّام قذفا و اندفاعا |
عبثا تقفو خطا الماضي الذي | خلت أنّ البحر واراه ابتلاعا |
لم يكن غير أويقات هوى | وقفت عن دورة الدّهر انقطاعا |
فتمهّل تسعد الرّوح بما | وهمت أو تطرب النّفس سماعا |
ودع اللّيلة تمضي إنّها | لم تكن أوّل ما ولّى وضاعا |
سوف يبدو الفجر في آثارها | ثمّ يمضي في دواليك تباعا |
هذه الأرض انتشت ممّا بها | فغّفت تحلم بالخلد خداعا |
قد طواها اللّيل حتى أوشكت | من عميق الصّمت فيه أن تراعا |
إنه الصّمت الذي في طيّه | أسفر المجهول و المستور ذاعا |
سمعت فيه هتاف المنتهى | من وراء الغيب يقريها الوداعا |
أيّها الأحياء غنّوا و اطربوا | و انهبوا من غفلات الدّهر ساعا |
آه ما أروعها من ليلة | فاض في أرجائها السّحر و شاعا |
نفخ الحبّ بها من روحه | و رمى عن سرّها الخافي القناعا |
و جلا من صور الحسن لنا | عبقريّا لبق الفنّ صناعا |
نفحات رقص البحر لها | و هفا النّجم خفوقا و التماعا |
و سرى من جانب الأرض صدى | حرّك العشب حنانا و اليراعا |
بعث الأحلام من هجتها | كسرايا الطّير نفّرن ارتياعا |
قمن بالشّاطئ من وادي الهوى | بنشيد الحبّ يهتفن ابتداعا |
أيّها الهاجر عزّ الملتقى | وأذبت القلب صدّا و امتناعا |
أدرك التائه في بحر الهوى | قبل أن يقتله الموج صراعا |
وارع في الدّنيا طريدا شاردا | عنه ضاقت رقعة الأرض اتّساعا |
ضلّ في اللّيل سراه ، و مضى | لا يرى في أفق منه شعاعا |
يجتوي اللاّفح من حرقته | و عذاب يشعل الرّوح التياعا |
و الأسى الخالد من ماض عفا | و الهوى الثّائر في قلب تداعى |
فاجعل البحر أمانا حوله | و املأ السّهل سلاما و اليفاعا |
و امسح الآن على آلامه | بيد الرّفق التي تمحو الدّماعا |
و قد الفلك إلى برّ الرّضى | و انشر الحبّ على الفلك شراعا |