تمايلَ دهرُكَ حتى اضطربْ
تمايلَ دهرُكَ حتى اضطربْ | وقد ينثني العطفُ لا من طربْ |
ومرَّ زمانٌ وجاءَ زمان | وبينَ الزمانينِ كلُّ العجبْ |
فقومٌ تدلوا لتحتِ الثرى | وقومٌ تعالوا لفوق الشُّهبْ |
لقد وعظتنا خطوبُ الزمان | وبعضُ الخطوبِ كبعضِ الخطبْ |
ولو عرف الناسُ لم تهدهمْ | سبيلَ المنافعِ إلا النوبْ |
فيا ربَّ داء قد يكونُ دواءً | إذا عجز الطبُّ والمستطب |
ومن نكد الدهر أن الذي | أزاح الكروب غدا في كُرَبْ |
وإن امرءاً كان في السالبين | فأصبحَ بينهُمُ يستَلبْ |
ألست ترى العربَ الماجدين | وكيفَ تهدمَ مجد العربْ |
فأينَ الذي رفعتهُ الرماح | وأين الذي شيدتهُ القضبْ |
وأين شواهق عزٍ لنا | تكادُ تمسُّ ذراها السحبْ |
لقد أشرقَ العلم لما شرقنا | وما زال يضؤل حتى غَرَبْ |
وكنا صعِدنا مراقي المعالي | فأصبحَ صاعدنا في صببْ |
وكم كان منا ذَوو همةٍ | سمتْ بهم لمعالي الرُّتبْ |
وكم من هزبرٍ تهزُ البرايا | بوادرهُ إن ونى أو وثبْ |
وأقسمُ لولا اغترارُ العقول | لما كفَّ أربابها عن أربْ |
ولولا الذي دبَّ ما بينهم | لما استصعبوا في العلا ما صعب |
ومن يطعم النفس ما تشتهي | كمن يطعمُ النار جزلَ الحطبْ |
الا رحمَ اللهُ دهراً مضى | وما كاد يبسمُ حتى انتحبْ |
وحيى لياليَ كنا بها | رعاةً على من نأى واقترَب |
فملكاً نقيل إذا ما كبا | وعرشاً تقيمُ إذا ما انقلب |
سلوا ذلكَ الشرق ماذا دهاه | فأرسلهُ في طريق العطبْ |
لو أن بنيه أجلوا بنيه | لأصبحَ خائبهم لم يخبْ |
فقد كانَ منهمْ مقرُّ العلوم | كما كان فيهم مقرُّ الأدب |
وهل تنبتُ الزهرُ أغصانهُ | إذا ماءُ كلِّ غديرٍ نضَب |
وكم مرشدٍ بات ما بينهم | يُسامُ الهوانَ وسوء النصب |
كأن لم يكن صدرهُ منبعاً لما كانَ من صدرهِ ينسكبْ
| |
ومن يستبقْ للعلا غايةً | فأولى به من سواه التعبْ |
وليس بضائرِ ذي مطلبٍ | إذا كفهُ الناسُ عما طلبْ |
فكم من مصابيحَ كانت تضيء | بين الرياحِ إذا لم تهبْ |
وما عِيْبَ من صدفٍ لؤلؤٌ | ولا عابَ قدْرَ الترابِ الذهبْ |
بني الشرقِ أينَ الذي بيننا | وبينَ رجالِ العلا من نسبْ |
لقد غابتِ الشمسُ عن أرضكم | إلى حيثُ لو شئتُم لم تغبْ |
إلى الغرب حيث أولاءِ الرجال | وتيكَ العلومِ وتلك الكتبْ |
وإن كان مما أردتم فما | تنال العلا من وراءِ الحجبْ |
فدوروا مع الناسِ كيف استداروا | فإن لحكم الزمان الغلبْ |
ومن عاند الدهر فيما يحب | رأى من أذى الدهرِ ما لا يُحب |