الشاعر
زَخرَفَ في سِفرِ الأَسَى أَحْرُفَهْ | فَمَن تُرى يَقرَأُ مَا زَخْرَفَهْ |
صَفَّفَ فَوقَ الموجِ أَحلامَهُ | وَعَاد يَجْتَرُّ الذي صَفَّفَهْ |
تَشَابَهَت كُلُّ الرُؤَى حَولَهُ | فَمَيَّزَتْ أفْكَارَه الفَلسَفَة |
فِي عَينِه تَبرُقُ آَمَالُه | وفِيِ دُجَى آَلامِهِ عَجْرَفَةْ |
كَأَنَّمَا اليأسُ خَلاصٌ لَهُ | فَكُلَّمَا عَنَّ الرَّجَا سَوَّفَهْ |
يَسِيرُ لا يَدْرِيِ لَهُ غَايةً | كَأَنَّمَا تَعْشَقُهُ الأَرصِفَةّ |
يَرى ولَكِن لا تَرَى عَيْنُهُ | غَيرَ سيوفِ المحنةِ المُرْهَفَةْ |
لَم يَجْنِ شَيْئَاً غَيْرَ أَنَّ النُّهَى | يَدْفَعُهُ للفكرةِ المُتْلِفَةْ |
يَقْتَادُهُ الظلمُ إلى حُفْرَةٍ | عَميَاءَ سَودَاويَّةٍ مُجْحِفَةْ |
مَن أنت يَا هَذا ؟ أَجِبْ ، يَلْتَوِيِ | لِسَانُهُ المُضْنَى وَتَعْنُو شَفَةْ |
أَنَا الذيِ لَمَّا أَجِدْ بُغْيَتِيِ | بَعدُ ، ومَا لِي فِي الورى مِن صِفَةْ |
قَالوا : مُحَالٌ أَنْ يُغَنِّي الردَى | فَقُلتُ : بَلْ غَنَّى ، أَنَا المِعْزَفَةْ |
مَاهِيَّتِي لَيْسَتْ لَهَا صُورَةٌ | حُريَّتِيِ أُكذُوبَةٌ مُؤسِفَةْ |
أَدرِيِ ولا أَدرِيِ كَأَنَّ الذَّكَا | يُحِسُّ شَيْئَاً بِالغَبَا ثَقَّفَهْ |
سَطَّرتُ للموُتَى كِتَابَ العُلا | فَأََلَّهُوا فِي الفِكرِ مَنْ حَرَّفَهْ |
يَصْفَعُنِيِ دَمْعِيِ ، فَإِنْ شَفَّنِيِ | إِحْرَاقُه ، جَاءَ الأَسَى كَفْكَفَهْ |
يَغْمُرُنِيِ الحقُّ فَأغدُو لَهُ | ظِلا ، ولا يُبْصِرُ مَا خَلَّفَهْ |
أُرْضِعْتُ مِن طِينِ الأذَى مُرْغَمَاً | وَجَفَّ فِي حَلْقِيِ ، فَمَنْ جَفَّفَهْ |
"أَميرُ" " ميكيافيل" فِي كَفِّهِ | سَيفٌ ، وَفِيِ أَسْنَانِهِ مِغْرَفَةْ |
دِمَاءُ أَجْدَادِي شَرَابٌ لَهُ | وَجِلدُ أَولادِيِ لَهُ مِنْشَفَةْ |
هَذَا أَنَا سَيلٌ بَلا شَاطَئٍ | لا يَسْتَطِيعُ السَّدَّ أَنْ يُوقِفَهْ |
وَثَورةٌ مَحْمُومَةٌ تَغْتَلِيِ | لا تَعْرِفُ الكَبْتَ وَلَنْ تَعْرِفَهْ |
شِعْرِيِ عُيونٌ بالأَسَى كُحِّلَتْ | تَرنُو لِهَذي الأَوجهِ المُتْرَفَةْ |
فَيَا طِوَالَ العُمْرِ لا تَفْرَحُوا | ويلٌ لكم إِنْ ثَارت الأَرغِفَةْ |
هَذَا هُو الشَّاعِرُ فِي أُمَّةٍ | يَقْتَاتُهَا مُسْتَنقَعُ السَّفْسَفَةْ |
تَنَكَّرَ الدهرُ لَهُ فَانْزَوَىَ | وقال : يَا دُنيَا أَنَا المَعْرِفَةْ |
أَرادَ أَنْ يَكْتَشِفَ المُخْتَفِيِ | فَحِيْنَ أَعْيَاهُ النُّهَى فَلْسَفَهْ |
عَلا مَعَ النُّورِ، فَلمَّا هَوَى | تَلَقَّفَتْهُ الألسنُ المُرْجِفَةْ |
كَأَنَّهُ "عُثمانُ" بَيْنَ القَنَا | يَسْأَلُ عَنْ مَأَسَاتِهِ مُصْحَفَهْ |
كَانَ عَلى فِكرِ الوَرَى ثَائِراً | فَمَا الذِيِ فِي لَحْظَةٍ أَضْعَفَهْ |
أَرْهَقَهُ القَيدُ فَغَنَّى لَهُ | فَتَمْتَمَ السَّجَانُ : مَا أَشْرَفَهْ |
يَرى سَجِينَ الخُوفِ سَجَّانَهُ | وَسِجْنُ خَوفِ البَوحِ مَا أَعْنَفَهْ |
حَشْرَجَةُ الأَنْفَاسَ فِيِ حَلْقِهِ | أُنْشُودةٌ تَخنقُ مَن أَتْلَفَهْ |
قَد أَنْصَفَ التَّاريخَ بَينَ الوَرَى | فَهَل تُرى تَارِيخُهُ أَنْصَفَهْ |