القبو الزجاجي
رسالة إلى " محمد الفاتح "
| |
قائد الفتوح الإسلامية فى "البلقان"
| |
*
| |
أيها الفاتح .. ضيعنا مفاتيح المدائن
| |
ونسينا البحر .. والموج وتهليل السفائن
| |
ونسينا الخيل والرمح .. وأسرارالكمائن
| |
سورة الفتح هجرناها .. وبددنا صداها
| |
وتراءت فى حنايانا أنينا وحنينا
| |
كل أشجار الفتوحات أراها
| |
عاريات من رؤاها
| |
من ثمار المجد ..
| |
فى أوراقها جفت دماء
| |
كنت تسقيها شذاها
| |
أيها الفاتح أقبل .. أنت ما زلت فتاها
| |
انزع السيف من الغمد فقد تهنا وتاها
| |
* * *
| |
لم يزل سيفك فى القبو الزجاجى سجينا
| |
نائما فى غمده يحرس أسياف الخلافة
| |
وإلى جانبه سيف على "ذو الفقار"
| |
ذلك الباتر فى كل غزاة : سيرة الكفر .. صداه وشغافه
| |
انظر الآن إليه ..
| |
ليس إلا أثرا يشهده "السياح" من كل القفار
| |
وضعوه حلية للزهو .. واللهو بأزمان الفتوحات الكبار
| |
* * *
| |
أيها الفاتح .. ضيعنا مفاتيح المدائن
| |
.. خالد .. فى عصرنا يسجن فى قبر زجاجى ..
| |
وللفاروق والصديق ذياك المصير
| |
.. هذه أسيافهم مثلومة تنعى إلينا
| |
حدها المغتال فى جوف القبور
| |
أيها الفاتح أمسى السيف ظلا
| |
ووشاحا ساكنا فوق الصدور
| |
إنه أضحى بقصر الحكم مرسوم ضيافه
| |
إنه أصبح نقشا فوق جدران الطلول
| |
كل من يشهده ..
| |
يقرأ فى جبهته عصر روايات الأفول
| |
وأنا جئت إلى قصرك ضيفا ما معى إلا الهوية
| |
إنها " الله ولا رب سواه "
| |
إنها " لا إله إلا الله .. محمد رسول الله "
| |
جئت والقلب بأبواب الفتوحات معلق
| |
جئت .. لكن
| |
باب "إسلامبول" فى وجهى مغلق
| |
صدنى عن بابك العالى
| |
انكشارى بلا أى هوية
| |
جاء من أرض الشتات الهمجية
| |
جاء والصرب تغذيه .. ويسقى من كئوس الروس نخب البربرية
| |
.. قلت إنى ..
| |
من جنود الفاتح القائد حامى أرض كل المسلمين
| |
قال : فى القاعة لا يوجد إلا بعض أشلاء من العهد الطعين
| |
إنها رائحة من زمن
| |
كان .. صعودا .. وانحدارا .. وانكسارا بين أيدى الخائنين
| |
إنها أطلال تاريخ .. وأشباح رجال …
| |
… سكنوا القبو الرخامى السجين
| |
رحلت ذاكرتى فى مدن الشعر ……
| |
وأصغت لأمير الشعراء … فى شرود وعياء
| |
" الله أكبر كم فى الفتح من عجب
| |
يا خالد الترك جدد خالد العرب"
| |
أى فتح .. يا أمير الشعر فى عصر الفتوحات العقيمة ؟
| |
أى فتح ؟ خالد الترك .. أتاتورك ..
| |
.. لقد ألقى بماء النار فى وجه الخلافة
| |
شوه الوجه السماوى الجميل
| |
جعل البسفور ملهى ..
| |
والعرايا .. فيه يسبحن ويعبرن مضيق الدردنيل
| |
سفن الفتح …
| |
ويا للفتح أحالوها مواخير السكارى العابثين
| |
والمحاريب
| |
فضاءات نحيب .. حومت فيها طيور من عويل
| |
ينعق البوم بأحشاء الثريات المطفأة
| |
آه قد كانت لآلاف المصلين منارات …
| |
وللمقرور كانت مدفأة
| |
وهى الآن بقايا من قناديل الفتوح المرجأة ..
| |
* * *
| |
أيها الفاتح .. "إنا.. قد فتحنا لك فتحا ..
| |
كان بالحق مبينا" ..
| |
وأبو أيوب فوق السور ما زال يكبر
| |
الله أكبر … الله أكبر … الله أكبر
| |
غلب الروم .. وأشجار الفتوحات تهلل
| |
والنواقيس تلاشت
| |
والجياد الصافنات المؤمنات
| |
فى ميادين الوغى تصهل .. بالفتح تحمحم
| |
وعلى الشاطئ تختال المآذن ..
| |
وتصلى وتسلم
| |
إنه الماء يسبح
| |
والنجيمات تسبح
| |
والفنارات تسبح
| |
والمجاديف تسبح
| |
إنه الله .. فسبح باسم ربك
| |
إنه حامى الحمى حارس دربك
| |
أيها الفاتح ..
| |
فى ظلك ظل السيف مصباحا مضيئا
| |
حارسا شرعة ربك ..
| |
هل أعود الآن من وهمى ..؟ أعود ..
| |
وأعود : حاملا فى القلب مشكاة حزينة
| |
ضوؤها الدرى من نيران أشلائى يمتاح الوقود
| |
نقشها الساكن فى القلب تواريخ لأمجاد طعينه
| |
وفضاءات غمامات وأسراب بروق ورعود
| |
* * *
| |
أيها الفاتح "إسلامبول" يغزوها الجراد
| |
وجهها الأبيض ألقوا فوقه قار الفساد
| |
سلبوها العرض .. والأرض وباعوها جهارا فى المزاد
| |
جاءها من كل فج أزرق الناب ..
| |
ومصاص الدماء
| |
أحمر الرغبة فى عينيه أمواج الدهاء
| |
أصفر البسمة فى خطوته ريح الفناء
| |
أطلق الريح .. العقيم
| |
آيا صوفيا فى مهب الريح شيخ جذره فى الأرض موصول باسباب السماء
| |
صورة العذراء فى محرابه تغشى وجوه العابرين
| |
متحفا صار لأجساد عراة ..
| |
يصلبون العمر إثما فى مساءات الجنون
| |
خطفتنى الريح ألقتنى "بواد غير ذى زرع .. سراييفو..
| |
جبال من جليد ودماء ..
| |
وتلال من عظام وفناء ..
| |
.. أيها الفاتح "إسلامبول" يغزوها الجراد
| |
فى سرادييفو وبيهاتش وفى الشيشان فى القرم
| |
وحوش العصر تغتال الطفولة ..
| |
فى دماء التائبين الراكعين الساجدين الشهداء
| |
هم يخوضون ويلهون بأجساد النساء
| |
ويبيدون الرجولة
| |
يزرعون الرحم المؤمن كفرا .. وشياطين عذاب
| |
فى خلايا الطهر يلقون المنايا .. شكلتها نطف
| |
تقذفها فى الرحم المؤمن أصلاب الكلاب
| |
والصناديد الصلاب
| |
حرقوا فى دارهم .. لا جرم إلا أن يقولوا: ربنا الله ..
| |
حملوا القبر على أكتافهم ..
| |
لا جرم إلا أن يقولوا: ربنا الله
| |
أكلوا الميتة والعشب وماتت شمسهم
| |
لا جرم إلا أن يقولوا: ربنا الله
| |
شهدوا أعضاءهم تسقط من أجسادهم لا جرم إلا أن يقولوا: ربنا الله
| |
بالمناشير يشقون :
| |
ويقولون : ربنا الله
| |
بالوحوش الطائرات القاصفات ::
| |
يمطرون: ويقولون: ربنا الله ..
| |
بالنجوم المرسلات العاصفات يصعقون وينادون: ربنا الله
| |
بالجوارى الذاريات الحاملات
| |
نذر التيه وإشعاع الموات
| |
: ينسفون: ويصيحون: ربنا الله
| |
إنهم يحيون فى الموت الشهادة
| |
لهم الحسنى خلودا وزيادة
| |
* * *
| |
أيها الفاتح إنى طائع من هؤلاء
| |
إنهم من شجر النار يجيئون ومن شمس الهدى والكبرياء
| |
إنهم ضوء التجلى
| |
… والخيول العاديات الموريات ..
| |
إن أتى الطوفان واجتاح النهارات وإيقاع البقاء
| |
إنهم أحفادك الغر الميامين ..
| |
يقودون سباق الشهداء
| |
أيها الفاتح إنى .. جمرة من هؤلاء ..
| |
مات في الشجر اليابس
| |
واستيقظ في الفارس .. الواحد بالألف ..
| |
.. وألفيت ظلال الوحى .. والتوحيد تمتد وتلقى
| |
شهب الحق وأقمار الإباء
| |
* * *
| |
أيها الفاتح .. هل ضاعت مفاتيح المدائن ؟
| |
.. المحاريب فراغات وأشلاء مآذن
| |
والمصلون .. يغلون .. ويصلون سعيرا
| |
أترانا :
| |
نفتح الآن كتاب الماء .. نغتال الهجيرا ؟؟؟
| |
أترانا
| |
.. نعلن الآن اكتشافات الفتوح
| |
نقبض الآن على الجمر ونغتال السفوح
| |
أم ترانا ..
| |
لم نزل نغدو خماصا .. وكما كنا نروح
| |
ومفاتيح المدائن
| |
لم نزل نبكى عليها وننوح
| |
سورة الفتح هجرناها ..
| |
ومزقنا صداها ..
| |
وتراءت فى مآقينا دماء وقروح
| |
كل أشجار الفتوحات أراها
| |
عاريات من رؤاها
| |
من ثمار الفتح ..
| |
.. فى أوراقها جفت دماء
| |
كنت تسقيها شذاها
| |
أيها الفاتح أقبل .. أنت ما زلت فتاها
| |
انزع السيف من القبو الزجاجى
| |
فقد تهنا وتاها ..
|