أقاموا بعضَ يومٍ فاستقلّوا
أقاموا بعضَ يومٍ فاستقلّوا | فطار القلبُ يخفِقُ حيثُ حلّوا |
مضت بهمُ النجائبُ مُصْعِداتٍ | تَمَلُّ بها الطريقُ ولا تَمَلُّ |
زواملُ لم يُعِّوقْهُنّ ليلٌ | ولم يُثْقِلْ كواهلَهُنّ حِمْل |
رآها آدمٌ وَعَدَتْ بنُوحٍ | وولَّى بعدَها نَسْلٌ ونسل |
يسايرهُنَّ أنَّي سِرْنَ بَيْنٌ | ويتبعهُنّ حيثُ ذهبنَ ثُكْل |
هَوَتْ أمُّ الركائب كيف سارت | وهل تدري الركائبُ من تُقِلّ |
أسائلها وقد شطّتْ وقوفاً | وأيْنَ من الوقوفِ المُشْمَعِلُّ |
طفِقْتُ أمدُّ نحوَ الركبِ طَرْفي | فَغَصَّ الطرفَ كُثْبانٌ ورمل |
وقمتُ أُطِلُّ من شَرَفٍ عليهم | فخانتني الدمُوعُ فما أُطلّ |
وناديتُ الحبيبَ فعاد صوتي | وفي نَبَراتِه هَلَعٌ وخَبْلُ |
أصاخ له من الصحْراء نَجْدٌ | فردّده من الصحراءِ سهل |
إذا بدت الغزالة ُ ثم غارت | علِمنا أن هذا العيشَ ظِلّ |
هي الدنيا فليس لها ذِمامٌ | وليس لها على الأيام خِلّ |
إذا أعطت فقد أعطت قليلاً | ولا يبقَى القليلُ ولا الأقلّ |
تدورُ فبْينَ شيخٍ أسكتته | مَنيَّتهُ وطفلٍ يَسْتهِلُّ |
لها نهل من الأمم المواضى | ومما تنسل الأيام علّ |
نعودُ إلى الترابِ كما بدأنا | فكُلُّ حياتِنا نَقْضٌ وغَزْل |
رأيتُ لكلِّ مشكلة ٍ حُلولاً | ومشكلة ُ المنيِّة ِ لاتُحلّ |
إذا كان الفَناءُ إلى بقاءٍ | فأنجَعُ ما يُصِحُّك ما يُعِلّ |
بنفسي في الثرى غُصناً رطيباً | يرِفُّ من الشبابِ ويَخضَئل |
تُضاحكُه لدى الإصباحِ شمسٌ | ويلثِمه لدى الإمساءِ طَلَ |
كأنّ حَفيفَه نَضْراً وريقاً | بسمعي حَلْيُ غانية ِ يصِلُ |
يميلُ به النسيمُ كأنّ أُمًّا | يميلُ بصدرِها الخفّاقِ طفلُ |
إذا اشتبهت غُصُونُ الروضِ شَكْلاً | فليس لقدِّه في الحسنِ شكلُ |
ضَنْنتُ به وجُدتُ له بنفسي | وإنّ الحبَّ تبذيرٌ وبُخل |
وكنتُ أشَمُّ ريحَ الخُلْدِ منه | وأهنأ في ذَراه وأستظِلّ |
وقلتُ لَعلّه يبقَى ورائي | بدَوْحَتِه فما نفعت لَعلّ |
فَسَلْ عنه العواصفَأيُّ نَوْءٍ | أطاح به وأيَّ ثَرَى يحُلّ |
نأَى عنّي وخلّف لي فؤاداً | يذوبُ أسى ً عليه ويضمحلُ |
يُبلُّ على التداوي كلُّ جُرْحٍ | وجُرْحُ القلبِ دامٍ لا يُبِلّ |
أشرتم بالرثاءِ فهجتموني | وتعذيبُ الذبيحة ِ لا يحِلُّ |
فضلّ الشعرُ في وادي الثُكالَى | وكان إذا تحفّز لا يضِلّ |
خذوا مني الرثاءَ دموعَ عينٍ | تَكِلُّ المُعْصِراتُ ولا تكِلّ |
وآلامَ الجريح أطلّ نَبْلٌ | يزاحمِ جانبيْه وغار نَبل |
وشعراً يُلهبُ الأشجانَ جَزْلاً | كما أذكَى لهيبَ النارِ جَزْل |
فليس به مع الأنّاتِ خَبْنٌ | وليس به مع الزفَرات خَبْلُ |
له نَغَمٌ يعِزُّ عليه مِثلٌ | على ماضٍ يَعِزُّ عليه مثلُ |
لعلّ به لمن فُجعوا عزاءً | فإنّ جميعَنا في الحزنِ أهل |
فقد يشفى بكاءٌ من بكاءٍ | كما يشفى أليمَ الْجُرْحِ نَصْلُ |
بكى خيرُ البرية ِ خيرَ طفلٍ | ودمعُ العينِ في الأحداثِ نُبل |
مضى النجارُ والعلياء حِصْنٌ | عليه بعده بابٌ وقُفْل |
به جمع الحجا للعلمِ شَمْلاً | فبُدِّد بعده للعلم شمل |
له حججٌ يُسمِّيها كلاماً | وماهي غيرُ أسيافٍ تُسَلّ |
إذا فاضت ينابعُه خطيباً | علمتَ بأن ماءَ البحرِ ضَحْل |
يذِلُّ له شَموسُ القوْلِ طوْعاً | ويستخذِي له المعنى المُدِلّ |
بيانٌ مشرقُ اللمحاتِ زاهٍ | وقولٌ صادقُ النّبرَاتِ فَصْل |
وآياتٌ تُرى فيها ابنَ بحرٍ | يصولُ كما يشاءُ ويستدلُّ |
يفُلُّ شَبا الخصومة كيف كانت | برأيٍ كالمهنّدِ لا يُفَلّ |
فذاك الفضلُ جلّ اللهُ ربّي | فليس يُحَدُّ للرحمنِ فضل |
رأيتكَ والردَى يدنو روْيداً | إليكَ كما دنا للفتك صِلُّ |
فوجهُك ذابلٌ والصمتُ هَمْسٌ | ومشيُك واهنُ الْخَطَواتِ دَأْل |
تجرُّ وراءكَ السبعينِ عاماً | وللسبعينَ أَرْزاءٌ وثِقْل |
مشيتَ كأَنّ رِجْلاً في بساطي | تسيرُ بها وفوق القبرِ رِجْل |
أتيتَ تزورني فهُرِعْتُ أسعَى | إليكَ ودمعُ عيني يستَهل |
وكان عِناقُنا لمّا افترقنا | وَثَاقاً للمودّة ِ لا يُحَلُّ |
ذممتَ لِيَ المشيبَ وفيه حَزْمٌ | وأطريتَ الشبابَ وفيه جهل |
وأين الْحَزْمُ ويْحَكَ يا ابنَ أُمِّي | إِذا ما خانني جسمٌ وعقل |
أتذكرُ إذ تَمازَحْنَا لتنسَى | وقد أدركتَ أنَّ المزحَ خَتْل |
إذا أمَلَ الفتَى فالهزلُ جِدٌّ | وإن يئِسَ الفَتى فالْجِدُّ هزل |
فديتك هل إلى الأخرَى بَريدٌ | وهل لتزاورِ الأرواحِ سُبْل |
وهل يبقَى الفتَى بعد المنايا | له بالأهلِ والإخوانِ شُغْل |
وهل تصِلُ الدُّموعُ إلى حبيبٍ | ويعلَمُ حُرْقَة َ الأشجانِ نَجْل |
وهل لي بينَ من أهوَى مكانٌ | إِذا قوَّضْتُ رحلي أو مَحَلُّ |
وهل في سَاحَة ِ الجنّاتِ نهرٌ | يزولُ بِمائهِ حِقدٌ وغلّ |
وهل إن ساءل الأحياءُ قبراً | يُجابُ لصيحة ِ الأحياءِ سُؤْل |
لقد جلّ المصابُ وجلّ صبري | عليكَ وأَنت من صبري أَجَلّ |
فقم واخطب بحفلِك وكم تَغَنّى | وهام بصوتِكَ الرنّانِ حَفْلُ |
وذكّرنَا اليقينَ فكم عقولٍ | تكادُ عليك من شَجَنٍ تَزِلّ |
وقل إنّ الفناءَ إلى خلودٍ | وإنَّ زخارفَ الأيامِ بُطْل |
وإنّ الموتَ إطلاقٌ لروحٍ | معذَّبة ٍ وإنَّ العيشَ غُلّ |
شبابُ المسلمين بكلِّ أرضٍ | عليكَ ثناؤهم فرضٌ ونَفْلُ |
أخذتَ عليهِمُ للحقِّ عهداً | فوَفوْا بالعهودِ وما أخلّوا |
شبابٌ إن دعا القرآنُ شُمْسٌ | وإن تستصرِخ النّجَداتُ بُسْل |
بنو العرب الذين عَلَوْا وسادوا | سما فرعٌ لهم واعتزَّ أصل |
فنم ملءَ الجفونِ أبا صلاحٍ | ففي الجناتِ للأبرارِ نُزْل |
يطوفُ بقبرِك الزاكي سلامٌ | وينضَحُه من الرَّحَماتِ وَبْل |
وهاك رثاءَ محزونٍ مُقِلٍّ | وما أوْفَى إذَا بذلَ المُقِلّ |