الرئيسية » » رسالة غفران المعري | عبد الله عيسى

رسالة غفران المعري | عبد الله عيسى

Written By Unknown on الأحد، 24 أغسطس 2014 | أغسطس 24, 2014

رسالة غفران المعري 

خفّف الوطءَ ، ما أظن ّ أديم الأرض ِ إلا من هذه الأجسادِ "


وأقول ُ : يكفي كلُّ هذا الموت . يكفي
قلت ُ : يكفي ..
القبر ُ ضاق َ بساكنيه ِ المائلين بنا على أطراف ِ مجزرة ترتّب يأسنا الأعمى بهِمّة مُقْعَدٍ 
ضاقت ْ أصابعُ سيّدات ِ الحي ِّ بالندم ِ الذي يأوي برائحة ِ الظلال ِ إلى المناديل ِ الفقيرةِ .
ضِقْت ُ بي مذ ْ زُرتَني في نومتي .
أعمى بقلب ٍ مُتْرِب ٍ 
مُتَعَثَّراً بروائح ِ الجُثثِ التي تبكي كثيراً عنك َ كي تحميك َ من قتلي .
فكيفّ قتلتني حتى تُواري عنك َ سوأتك َ الأخيرة َ بي ؟ 
المنادى بين مذبحتين بالمحراثِ والعتمات ِ
تذوي في المرايا كلما اهتزت ْ على دعواتنا أكتاف ُ قتلاك َ ، 

انتظرت ُ رحيل ظلّك َ عن حجارتنا طويلاً 
غير أن عشب َ السهل ِ يهرب ُ ، إذ ذُكِرْت َ ، إليّ معتصماَ بكفّي .

قلت ُ : يكفي 
كل ُّ هذا الموت ِ 
يقطُن ُ فِطنة َ الأجسادِ ، 
يمشي بيننا أعمى يرى بسراجنا الفردوس َ تحت َ ظلالنا 
فيغيظُهُ أنّا تركنا صوتنا وصداهُ بين أصابع ِ الموتى وآبار ِ البيوت ِ 
لنكتفي بندائنا يتفقّد الطرقات أعزل َ . 
الوحيدون اللذين اطمأنت ْ لابتسامتنا على ظهر النعوش ِ الطرائد ُ والوعول ُ 
ونسوة ٌ يمهلننا يوماً أخيراً عند باب الدار ِ كي نُطري على ما لم يَقُلْن َ لنا 
والعائدون َ إلى الشوارع ِ بالصلاة على النبي ّ يبلّلون َ روائح َ الأحياء ِ كاملةً بتكبيراتهم .
ماذا تركتَ لنا إذن ْ لنُطيق َ ظلّكَ بيننا ؟
سِيَرٌ من الأكفان ِ بيض ٌ 
بينما الجدران ُ تأوينا بموعظة ِ الحدادِ 
كأننا جئناك َ كي نرثيك َ 
بالدم لا يجفّ على المعاصم ِ تحت مِسمارَيك َ 
بالصلبان ِ نرفعها على أقواس أظهرنا بأدعية الخلاص
، كصِبية يتذكّرون ، بنا ، 
لنُمهِل َ قاتلينا قش ّ مغفرة ٍ مُبللة ٍ بما لفظتْه ُ أجراسي على جنبات ِ نزفي 

ما الذي خبَأت َ يا موت ُ تحت َعباءة ِ الأبد ِ الذي أطفأت َ شمعتَه ُ لترقصَ في الظلام ِ
مبعثراً بروائح الماضي وذاكرة الشواهد ِ ؟ 
لا أراك َ سوى لأذكُر َ ما رأيت ُ 
كأنني أحميك َ منك َ بأن أعود َ إليك َ بي .
يا صائد َ الطير ِ الشريدة ِ في دفاترِ رسم ِ أطفال ٍ لنا 
يا مُرهِب َ المُضُغات ِ في أرحام ِ نسوتنا 
ويا من لا يُرَدُّ إذا سطا ، ويُعيث ُ ما شاءتْ يداه ُ من الفساد ِ
ويا أخا الظلمات ِ كاملة ً بما ساءت ْ ، وزُوّارِ طُرّاق ِ آخرة ِ الليالي 
صاحب َ الفِرِّيس ِ والسكّين عند المنحنى ، والذئب ِ خلف التل ِّ
يا متسقّط َ الأخبار ِ بين يدي وأنفي .
قلتُ : يكفي .
كل ُّ هذا الموت ِ لي ؟ 
خذ ْ غفلتي عني وعد ْ من حيث ُ جئت َ
خذ ِ البخورَ وخيبة ِ السُحّار ِ ، 
توجُّس َ الجندي ّ من ظل ّ الحفيف ِ على المقاعد ِ في الحديقةِ ،
وحشة َ التمثال ِ في وسط ِ المدينة ِ وهو يشرد ُ في تجاهل ِ مارّة ٍ لأصابع الأموات ِ في عينيه ، 
خذ ْ ما لا يسِرُّ سواك َ:
خرائط الحرب ِ الأخيرة ِ
والنياشين التي دُقّت ْ بأسماء ِ الضحايا فوق صدرِك َ 
غاسلي ما تحت َ أظفرِك َ الكبيرة ِ من دم ِ القتلى بماء ِ وضوئنا 
خذ ْ موتك َ الآتي إلى غده وحيداً دوننا برطانة الغرباءِ
خذ ما تبقى من هواء ٍ في رئات ِ الميّتين بحبرِ عهدِك َ طائعاً ومقلّم َ الأنفاس ،
خذ ْ ما يشبه المُلك َ الذي ضيّعت َ ، مثلك َ ، في مُخيّلة البلاد ِ
وما يرى العميان ُ في أرجاء ِ وصفي .
خُذك َ منّي 
يا غريبُ
:لأبْلُونّك َ ما حييت ُ بداء ِ عزفي
*****


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads