التمثال
قصة الأمل الإنساني في أربعة فصول
| |
.
| |
.
| |
أقبل اللّيل ، و اتذخذت طريقي | لك ، و النّجم مؤنسي و رفيقي |
و توارى النّهار خلف ستار | شفقيّ من الغمام رقيق |
مدّ طير المساء فيه جناحا | كشراع في لجه من عقيق |
هو مثلي ، حيران يضرب في اللّيـ | ـل و يجتاز كلّ واد سحيق |
عاد من رحلة الحياة كما عد | ت ، و كلّ لو كره في طريق !! |
أيّها التّمثال هأنذا جئـ | ـت لألقاك في السّكون العميق |
حاملا من غرائب البرّ ، و البحـ | ـر و من كلّ محدث ، و عريق |
ذاك صيدي الذي أعود به ليـ | ـلا و أمضي إليه عند الشّروق |
جئت ألقي به على قدميك الآ | ن في لهفة الغريب المشوق |
عاقدا منه حول رأسك تاجا | و وشاحا ، لقدّك الممشوق ! |
صورة أنت من بدائع شتّى | و مثال من كلّ فنّ رشيق |
بيدي هذه جبلتك من قلـ | ـبي و من رونق الشّباب الأنيق |
كلّما شمت بارقا من جمال | طرت في أثره أشقّ طريقي |
شهد النّجم كم أخذت من الرّو | عة عنه ، و من صفاء البريق |
شهد الطّير كم سكبت أغانيـ | ـه على مسمعيك سكب الرّحيق |
شهد الكرم كم عصرت جناه | و ملأت الكؤوس من إبريقي |
شهد البرّ ما تركت من الغا | ر على معطف الرّبيع الوريق |
شهد البحر لم أدع فيه درّا | جدير ابمفرقيك خليق |
و لقد حيّر الطّبيعة إسرا | ئي لها كلّ ليلة و طروقي |
و اقتحامي الضّحى عليها كراع | أسيويّ أو صائد إفريقي |
أو إله مجنّح يتراءى | في أساطير شاعر إغريقي |
قلت : لا تعجبي فما أنا إلاّ | شبح لجّ في الخفاء الوثيق |
أنا يا أم صانع الأمل الضّا | حك في صورة الغد المرموق |
صغته صوغ خالق يعيشق الفنّ | و يسمو لكلّ معنى دقيق |
و تنظرّته حياة ، فأعيا | ني دبيب الحياة في مخلوقي !! |
كلّ يوم أقول : في الغد ، لكن | لست ألقاه في غد بالمفيق |
ضاع عمري ، و ما بلغت طريقي | و شكا القلب من عذاب و ضيق |
***
| |
معبدي ! معبدي ! دجا اللّيل إلا | رعشة الضّوء في السّراج الخفوق |
زأرت حولك العواصف لمّا | قهقه الرّعد لالتماع البروق |
لطمت في الدّجى نوافذك الصّم | و ضقّت بكلّ سيل دفوق |
يا لتمثالي الجميل ، احتواه | سارب الماء الشّهيد الغريق |
لم أعد ذلك القويّ ، فأحميـ | ـه من الويل و البلاء المحيق |
ليلتي ! ليلتي جنيت من الآ | ثام حتّى حملت ما لم تطيقي |
فاطربي و اشربي صبابة كأس | خمرها سال من صميم عروقي ! |
مرّ نور الضّحى على آدمي | مطرق في اختلاجه المصعوق |
في يديه حطامة الأمل الذا | هب في ميعة الصّبا المرموق |
واجما أطبق الأسى شفتيه | غير صوت عبر الحياة طليق |
صاح بالشّمس : لا يرعك عذابي | فاسكبي النّار في دمي و أريقي |
نارك المشتهاة اندى على القلـ | ـب و أحنى من الفؤاد الشّفيق |
فخذي الجسم حفنة من رماد | و خذي الروح شعلة من حريق |
جنّ قلبي فما يرى دمه القا | ني على خنجر القضاء الرّقيق !! |