من زمن نحن.
نحن أقدام الزمن وأفواهه.
وعاجلاً أو آجلاً، مثلما هو معروف ، ستمحو رياح الزمن الآثار.
عبور اللاشيء، خطوات اللاأحد؟ أفواه الزمن تروي الرحلة.
*
يقال عن القائلين إن صديقين كانا يتأملان، ذات مرة، لوحة رسم، وكان الرسم ـ ومن يدري لمن هو ـ آتياً من الصين . رسم حقل أزهار في موسم الحصاد.
وأخيراً ، بادلته هي النظرة ، ثم أفلتت سلتها ، ومدت ذراعيها ـ من يدري كيف ـ وأخذته إليها.
استسلم هو للذهاب ـ من يدري إلي أين ـ وأمضي مع تلك المرأة الليالي والأيام ـ من يدري كم منها ـ إلي أن انتزعته ريح قوية من هناك ، وأعادته إلي القاعة ، حيث لا يزال صديقه واقفاً قبالة اللوحة.
كانت قصيرة جداً تلك الأبدية ، حتي إن الصديق لم ينتبه لغيابه. ولم ينتبه كذلك إلي أن تلك المرأة ، واحدة من نساء كثيرات في اللوحة ، يجمعن البرقوق في سلالهن ، صار شعرها الآن ، مربوطاً فوق رقبتها .
*
خلال ثلاث سنوات من العمل السري ، استنسخ آبيل مليون صفحة. إنه سجل اعتراف متكامل للدكتاتورية التي كانت تعيش آخر أزمنة سلطتها المطلقة علي حيوات ومعجزات البرازيل كلها.
في إحدي الليالي، بين صفحات الوثائق العسكرية، اكتشف آبيل وجود رسالة . وكانت الرسالة مكتوبة قبل خمسة عشر عاماً ، لكن القبلة التي تختمها ، بشفتي امرأة ، كانت سليمة.
لقد وجد ، منذ ذلك الحين ، رسائل كثيرة . وكل واحدة منها مرفقة بالمغلف الذي لم يصل إلي المرسل إليه .
لم يكن يدري ما يمكنه أن يفعل . فقد انقضي زمن طويل . ولم يعد هناك من ينتظر هذه الرسائل ، كلمات مرسلة من المنسيين والميتين إلي أماكن لم تعد هي نفسها ، وإلي أشخاص لم يعودا موجودين . إنها كلمات ميتة. ومع ذلك ، عندما يقرؤها ، يشعر آبيل أنه يقترف انتهاك حرمة . هو لا يستطيع أن يعيد هذه الكلمات إلي سجن الملفات ، ولا يمكنه اغتيالها بتمزيقها.
في نهاية كل ليلة ، كان أبيل يدس الرسائل التي يجدها في مغلفاتها ، ويلصق عليها طوابع جديدة ، ويلقي بها في صندوق البريد.