الرئيسية » » الزمن يقول | ادواردو غاليانو ، أفواه الزمن ، ترجمة صالح علماني ،الناشر دار المدي ، الطبعة الأولي 2007.

الزمن يقول | ادواردو غاليانو ، أفواه الزمن ، ترجمة صالح علماني ،الناشر دار المدي ، الطبعة الأولي 2007.

Written By كتاب الشعر on الأحد، 7 ديسمبر 2014 | ديسمبر 07, 2014

الزمن يقول
--------------

من زمن نحن.

نحن أقدام الزمن وأفواهه.

وعاجلاً أو آجلاً، مثلما هو معروف ، ستمحو رياح الزمن الآثار.

عبور اللاشيء، خطوات اللاأحد؟ أفواه الزمن تروي الرحلة.

*

ألعاب الزمن
--------------

يقال عن القائلين إن صديقين كانا يتأملان، ذات مرة، لوحة رسم، وكان الرسم ـ ومن يدري لمن هو ـ آتياً من الصين . رسم حقل أزهار في موسم الحصاد.

أحد الصديقين ـ ومن يدري لماذا ـ كان يصوب نظره إلي امرأة.. 
واحدة من نساء كثيرات في اللوحة ، يجمعن زهور البرقوق في سلالهن .
كان شعرها المنفلت يهطل مطراً علي كتفيها.

وأخيراً ، بادلته هي النظرة ، ثم أفلتت سلتها ، ومدت ذراعيها ـ من يدري كيف ـ وأخذته إليها.

استسلم هو للذهاب ـ من يدري إلي أين ـ وأمضي مع تلك المرأة الليالي والأيام ـ من يدري كم منها ـ إلي أن انتزعته ريح قوية من هناك ، وأعادته إلي القاعة ، حيث لا يزال صديقه واقفاً قبالة اللوحة.

كانت قصيرة جداً تلك الأبدية ، حتي إن الصديق لم ينتبه لغيابه. ولم ينتبه كذلك إلي أن تلك المرأة ، واحدة من نساء كثيرات في اللوحة ، يجمعن البرقوق في سلالهن ، صار شعرها الآن ، مربوطاً فوق رقبتها .

*

كلمات ضائعة 
-----------------

في الليل، ينجز آبيل دي ألينكار مهمته المحظورة.
بينما هو مخنبيء في مكتب، في برازيليا ، يستنسج ، ليلة بعد ليلة أوراقاً سرية من أرشيف جهاز الأمن العسكري : تقارير، بطاقات، ملفات تسمي عمليات التعذيب تحقيقاً ، والاغتيالات مواجهات مسلحة.

خلال ثلاث سنوات من العمل السري ، استنسخ آبيل مليون صفحة. إنه سجل اعتراف متكامل للدكتاتورية التي كانت تعيش آخر أزمنة سلطتها المطلقة علي حيوات ومعجزات البرازيل كلها.

في إحدي الليالي، بين صفحات الوثائق العسكرية، اكتشف آبيل وجود رسالة . وكانت الرسالة مكتوبة قبل خمسة عشر عاماً ، لكن القبلة التي تختمها ، بشفتي امرأة ، كانت سليمة.

لقد وجد ، منذ ذلك الحين ، رسائل كثيرة . وكل واحدة منها مرفقة بالمغلف الذي لم يصل إلي المرسل إليه .

لم يكن يدري ما يمكنه أن يفعل . فقد انقضي زمن طويل . ولم يعد هناك من ينتظر هذه الرسائل ، كلمات مرسلة من المنسيين والميتين إلي أماكن لم تعد هي نفسها ، وإلي أشخاص لم يعودا موجودين . إنها كلمات ميتة. ومع ذلك ، عندما يقرؤها ، يشعر آبيل أنه يقترف انتهاك حرمة . هو لا يستطيع أن يعيد هذه الكلمات إلي سجن الملفات ، ولا يمكنه اغتيالها بتمزيقها.

في نهاية كل ليلة ، كان أبيل يدس الرسائل التي يجدها في مغلفاتها ، ويلصق عليها طوابع جديدة ، ويلقي بها في صندوق البريد.

----------
ادواردو غاليانو ، أفواه الزمن ، ترجمة صالح علماني ،الناشر دار المدي ، الطبعة الأولي 2007.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads