الرئيسية » » من ثقب إلى ثقب | عباس بيضون

من ثقب إلى ثقب | عباس بيضون

Written By هشام الصباحي on الأحد، 7 ديسمبر 2014 | ديسمبر 07, 2014

من ثقب إلى ثقب

منتصف الشهر ثقب
أصل إليه من ثقب آخر
أنظر إلى حيث كنت
فلا أرى الاّ العشب
أمضغ بدون قابلية
صباحات ناشفة
وأيّاماً متساوية متثائبة في الظلّ
أتناول الحياة كسرة كسرة
وما يبقى أتركه للذكرى
المبعثرة خلفي
والّتي تتحوّل إلى آثار
وإلى عملات ممسوحة

أدخّن الوقت مخلوطاً بالهواء
وأزفره مع الكلمات
الّتي تنزل أعقاباً على الأرض
لو كان لي أن أدّخر أيامي
او أحفظها في مصرف
ان ابني هيكلا من يوميّاتي
شخصاً من شمع او خرق
أن اربّي منها شجرة
او قرداً
... أو حتّى فزّاعة
لكنّ الغربان الّتي تنقضّ من علٍ
تحمل الى المجهول
القشّ الّذي نسجتها منه
وتخلّص الخيوط والبراغي منها

يبقى زرّ واحد على صدر المانيكان
نصيبه من الحياة التي امضاها
تحت الأضواء
أنّه وسام خدمة طويلة
لم يدرك الى الآن
أنّها انتهت
فليس له جثّة نرميها في خندق
أو نغطّيها بمعطف عسكريّ
رآه الجميع وهو يبتسم لحذائه
حذاؤه يبتسم له ايضا، يتبادلان اللاشيء
الّذي هو سعادة
من يوم الى يوم
وتحتاج الى جلد لمّاع وفكّ قويّ

يحدث أنّني أخبط قدمي في ثقب جديد
انتصف شيء ما
ونحن تماماً في وسطه
كمن يقطع شعرة بسيف
مرّ الشهر تحت آباطنا
ولم نره
ولم نفكّر في أن نؤخّره

قد أكون مانيكان شجره
قد أكون مجرّد يوم أضافيّ
لا أعرف ماذا اضيف للشروق او الغروب
ماذا أمنح للفجر
لا شيء أقطعه بقدمي
كمن يقطع شعرة بسيف

لا أتصدّق على المانيكان
إنّه يعرف من أين سرقت قبّعتي
كم خسرت في شهر
ولماذا أفشل في تقليده
انّه يختارني من بين المجتمعين خلف الزجاج ويناديني
جنبي المرأة المقامرة
وقد جاءت تشتري حظا
جنبي النمر الطاعن
وقد جاء يطلب أسنانا
جنبي الجنيّة الهوجاء
توزّع بطاقات لكلّ الأماسي

الجميع ينظرون اليه
خجلين من ان يبتسموا لأحذيتهم
الّتي اندعكت منذ لبسوها
ما زال الحذاء المثالي
سؤالهم الميتافيزيقي
مع أسئلة أخرى عن اشياء السقف
وعن المصابيح

أتنفّس الوقت وأزفره
بدون أن انتبه
الى انّ في أصابعي
وفمي
واذنيّ
القدرة ذاتها
على تبديده في الهواء
ثمّة حطام يتحوّل طحينا
وطحين يغدو هباء
ثمّة نسيان يغيم فوق كلّ شيء

ايتّها السبعون تصلين وحدك
ليس خلفك عربات ولا أحمال
لا يحتاج النسيان الى حقائب
إنّه يسأل فقط عن الحلاّق
ومزيل الرائحة
لا يأبه لكل الشعر الّذي يتساقط
ولا لسلسلة المفاتيح الّتي تخرج من حلقه
ولا حتّى لتلك الرائحة المتخيّلة
الّتي يفترض أنّها تنسم فيه
اكبر الحروب تخمد بلا آهة
فقط صفحة بيضاء
نملؤها بضجيجنا الداخليّ
وخوفنا

لم أستطع ان أؤخّر الأعوام
ألوم نفسي لأنّي لم أحاول
لم أقدر على تجنّب الوقت
لا بدّ أنّ هناك طريقة ما
حتّى اللاشيء يمكن حفظه وتخزينه
حتّى السراب تمكن تعبئته
وبيعه في قنانٍ
حتّى النسيان يمكن تحويله الى طاقة
لا بدّ أنّ هناك طريقة ما
لم تكتشف بعد
سنقدر بمزيل الرّائحة
أن نمتصّ الزمن
سنقدر بساعة بسيطة
أن نغيّر الوقت

السبعون
يمكن أن ادّعي أنّي لست حيّاً ولا موجودا
قد أجبرهم تماما
فيضطرون الى إهمالي
ونسياني وسط الحياة

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads