الرئيسية » , » الحنين ... سلة المفقودات | منتصر عبد الموجود | العدد التاسع والستون | سلسلة كتاب الشعر

الحنين ... سلة المفقودات | منتصر عبد الموجود | العدد التاسع والستون | سلسلة كتاب الشعر

Written By كتاب الشعر on الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014 | نوفمبر 25, 2014

الحنين ... سلة المفقودات
الإهداء:
إلى دمنهور
مدينتي التي تلح علي
كجرح قديم





1-    خطوط متقاطعة

كلما خرج من المسجد،  تتقاطع خطوط على جسده طولا وعرضا
حذرته زوجته بعنف: جُعِلت المساجدُ للصلاة..
لم يفهم وهي لم تتمكن من التوضيح..
مع الوقت.. كانت الخطوط تزداد ثباتا حتى توقف عن ممارسة السباحة وكلما ضم طفلته إلى صدره كانت تجفل منه..
راقبته الزوجة حتى المسجد.. مخاطرة بالدخول إلى أماكن الرجال .. وضع نعليه..
توضأ مثل الجميع ودخل في الصف... عند بداية الصلاة غادره كيان أثيري راح يدخل ويخرج عبر النوافذ الموشاة بالأرابيسك...
في تلك الليلة..تظاهر بالنوم تاركا أناملها تتحسس صدره و كتفيه مقتفية الخطوط التي صارت قنوات، راحت تملؤها بالدموع.





2-    عزلة

على الأرضية الخشبية، يزاحم الصمتَ وقعُ خطوات متخيلة، فيبالغ المصباح في تدليه؛ لاستحضار خيالات، غمرها بنور ٍ، ضيق به ذرعا من خزانة ملابس، استدرجت المائدة والكوب الذي نسي طعم أخر شفتين إلى التربص بسرير، انحرف بوجوده إلى مركبة موغلة في سهوب الأرق، فينأى الكرسي ـ بهيئته المثيرة للشجن ـ مشفقا على الجميع من أكذوبة الأمل الأخير المعلق بضلفتي شباك توشكان على الانفجار لمرأى خروج الرجل وقد اختلط صوت خطواته بقطرات من دمه تسترت عليها الألوان التي لن تغفر مطلقا انسحاب شعاع بصرك بفظاظة تجرح ذهب الإطار!!




3- خوف

كان الطريق إلى بيت العائلة مفروشا بالنوايا السيئة، و البستاني المسئول عن تشذيب الأشجار غررت به الرائحة المنبعثة من المقهى المتقشف حيث المالك هو ذاته العامل الوحيد الحريص على ما لفوطته من بياض يعكس جمود تعبيراته المستمد من غيمة ثقيلة تنبعث من دخول البن إلى النار مجنبة إياه الآثار المدمرة لتيار يمر أسفل العتبة محملا بدماء طيور مذبوحة و بذاءات صبية المحال المدفوعين – تحت الوطأة الاستفزازية لبياض الفوطة – إلى جانبي المقهى يكدسون أقفاصا صفراء أضمر لها امتنانا إذ تمنح طيورا بائسة فرصة تشييع ذويها موحية له باحترام الدموع الصامتة للبستاني الجالس في الركن الأكثر عتمة يرثي ذاتا اختلطت عليها نوايا التدخل في عمل الطبيعة التي بمنتهى الرحمة الزائفة أخفت عن الرجلين دورا تحذيريا تلعبه الأقفاص الصفراء كلما اقتربتُ من البيت


4- سمرقند
( عن رواية سمرقند لأمين معلوف )

بإغلاق الباب الأخير لفراديس طفولتي كان عليِ تدبر أمري؛ فرحت أدخر المال للسفر إلى نيسابور بيقين أن الخيام سيتجلى لي بهيئة ذاهلة، تلزمني الجلوس صامتا وهو يحكي عن الفلك والخمر والنساء دون أن يمنعه مقام الموت متعة البكاء الذي يأتي هكذا دون سبب.. وحين ينتهي، سيكافئني بعمامته أو بردته أو حتى فردة حذائه... سأقبل منه أي شيء إلا تلك النسخة المذهبة من الرباعيات التي بشأنها تصارع رغبة ُ التملك الشؤم َ فتصرعه.. تلك النسخة التي أزهقت أرواح نظام الملك و حسن الصباح والمئات غيرهم قبل أن تبحر في متاهة الظن على خلفية من الكارثة التوراتية للسفينة تيتانيك...
تلك النسخة... من معدنها النفيس و قدرها المشؤم
جُبلت طفولتي.









5- حسني حسن*
السلام عليك يا معلم الزن...
أقضي الأسبوع في انتظار صباح الجمعة لأسند روحي على دعامات نور يخرج من تلاوتك لكتب غير مقدسة دافعا بقاطرة الرجاء نحو جمعة مقبلة أقامر فيها بكل رصيد المحبة التي بيننا على تكرار سؤالي : هل كان راسكولينكوف مجرما ؟؟ ممنيا نفسي بخروج أداة النفي من فمك ككرة بيضاء يرهقها الدوران حول هواجسنا قبل سقوطها في الخانة المحفورة بيد الاستعطاف الذي لم تلحظه في المرة السابقة و هو يطفأ بزفير إجابتك الخالية من أدوات النفي ناعتا بالخيانة محبة لا تعنيها إجابتك و لا يعنيها أن يصلك همسها عند الانصراف:
السلام عليك يا معلم الزن
السلام عليك..
*روائي مصري و صديق حميم ساهم في انعتاق روحي

6- صفوة البهلوان
مهما كلفه الأمر لن يفرط في بقعة ضوء يولد كل ليلة من مائها على هيئة سيده، بذات الصلعة و العود بين الذراعين لن يخذله صوت يخرج من أعماق تتستر عليها العينان. و كمن احترف القتل  صغيرا تخضع زمة الشفتين و جمود القسمات و دماثة الخلق لضوابط صارمة يفزعه جهله لأي منها يعزي انتماءه لعامل الكواليس مقسما أنه ذات العامل في كل المسارح العامرة لياليها بميلاده على هيئة سيده غير آخذة في الاعتبار أن لا بقعة الضوء و لا جموع المصفقين المغيبين عن عمليتي القتل و الولادة و لا براعة الآداء تجبر خاطرا كسرته خيارات خاسرة كما يجبره إصرار عامل الكواليس كل ليلة على استمناء يعمد في رائحته الابن البار لبقعة الضوء.


7- سوء تقدير
في الكنيسة ترقص أضواء الشموع على البياض الخزفي لوجه العذراء المنحنية عطفا قبالة صفين من الدكك الخشبية لا ينال الزمن بخطوه البطئ و لا خواء المكان من ابتسامتها التي على غير المتوقع تكتسب قوة بفعل ما تحمله من عتاب خفي بجندي الحراسة الواقف عند الباب يفرك يديه حالما بالعودة إلى الحقول البعيدة حيث انقطاع الكهرباء السبب الوحيد لإيقاد الشموع.


8- الشتاء

مدينة شرق أوروبية لتاريخها باع في الفنون و الآداب و القمع و لعمارتها جمال متحفظ حيث الزجاج يأبى التمظهر أمام مشغولات الجص و العوارض الخشبية مع التزام الطوابق العليا بخط وهمي لا يحرمها الصعود و الهبوط تحايلا على سكون النغمة الواهبة المرء جلدا سيحتاجه عند السير في الشوارع المعبدة بمربعات سوداء عبثا تحاول فوقها الرياح تبديد صوت الكمان و إهدار غبش خفيف على زجاج نافذة خلفها امرأة تنتظر....
مهما غيرت الأطلس، نفس الخيالات تلتهم مني النهار القصير و الكئيب بطبعه!


9- الربيع

بعبور البوابة الكبيرة ثمة سلم مكشوف على السماء أخره باب خلفه طرقة طويلة، إلى اليمين تمتد النوافذ حتى النهاية و إلى اليسار أبواب الغرف:
في الأولى صناديق تختلق أفواهها ـ المفتوحة على خواءـ مساحات واسعة لعمل الخيال،
في الثانية جلوس أسرة إلى طعام دون شهية حقيقية،
في الثالثة دجاجة تملي على متجهم ذي لحية طويلة مظلمة بشأن وثنيين أفسدوا على رصيدها من البيض عذرية اللون...
عند الرابعة يلوح الزمن موغلا في القدم، أكوام التراب.. أنسجة العناكب...  و الطبقات العميقة لصرير ـ لا يسمع مثله حتى في الحلم ـ مؤثرات مصاحبة لمشهد عصا تعاقب ثعابين التهمت كل مخزون الوثنيين من البيض حتى أعاقتها التخمة عن الداء المنشود...
مازال هناك الكثير من الأبواب و النهار أوشك على الانتهاء
أيها البائس.. عجل بالخروج فأنت الوحيد الذي تُسأل عن بطاقة الدعوة حتى في الحفلات العامة!!

10- الصيف

كلما صادفته يحدثني عن كتابه الأخير، في الفصول الأولى شمس مثيرة للصخب يحتشد تحتها الأطفال، بدءا من الرابع تصر الحجارة على أسنانها لمرور مشرد لا ينال الغبار و القيظ من سعادته بتقلص احتياجاته إلى ظل جدار، في الخامس يكون البحر أكثر قربا فتفرد الصفحات للشمس المنفلتة و الجنس المكبوت، في السادس و السابع أجبرته الضرورة الفنية على الدفع بالمشرد إلى بؤرة الأحداث لملء فراغ صنعته النوارس قبل البدء في الكتابة، الثامن و التاسع تكريما للأمسيات ليست فقط التي عند الشاطئ بل و التي على مقاهي الرصيف و غرف المعيشة و أسطح المنازل و المناطق الريفية، في الفصل الأخير تنتابه رعدة طويلة و استيحاش عميق مع أسئلة لا تنتهي... كيف يتفادى الكتابة عن:
كآبة تحتل الثلث الأخير من النهار حتى صباح اليوم التالي،
انفضاض حشد الأطفال إلى مدارسهم،
الأشجار تسقط أوراقها رغم أيمانه المتكررة بأن تجاهلها لا ينطوي على أي سوء نية،
ثم ماذا عن النوارس... باقتراب عودتها ستطالب بحقها كاملا مع ارتفاع درجة المأساة بتخلص المشرد من إرادة خالقه أعلن ـن إطعام النوارس من رأسه خير ألف مرة من تفاقم احتياجاته إلى أربعة حوائط داخلية و سقف..
لا يلقى مني إجابة غير هز الكتفين بيد أنه يأبى الانصراف قبل أن يبوح لي ـ كعادته في كل مرة ـ بسره الذي يعرفه الجميع:
لن أنهي الكتاب خشية الموت.


11- الخريف

عند الساحل الصحراوي تنكشف فتنة المتوسط، يملأ التخوم بينه و بين الصحراء بأشجار التين كالعاشق الساذج في أفلام الأبيض و الأسود يضع وردة صفراء في عروة سترته واثقا من قدرتها على استمالة المحبوبة المنشغلة بقضايا أكثر إلحاحا، هكذا تنغلق الصحراء على نفسها منشغلة بتاريخها الضارب في مجاهل التأمل الذي نادرا ما يرق لتوسلات العاشق و حين يغويها بالنظر إليه، تفسد طيور السمان الأمر بالسقوط من سماوات التعب حالمة بالرائحة النفاذة للأوراق الخضراء و الطراوة المعسولة لثمار أجبرت على التورط فيما ترتكبه بنادق الرش بأيدي أعراب استشاط قاضي التحقيق غضبا لاضطراره إخلاء سبيلهم؛ فجثة المخرج كانت مشدودة الوثاق إلى جدار مهدم يعود تاريخه إلى بدايات السينما الصامتة!






12- بحث

( في الهزيع الأخير من الليل
 ألم و شغف
يخلفهما
انسحاب ملايين الحيوات
 قبل الوصول إلى عتبة الصحو)

قيام القديسين برعاية البشر مع احترام مبدأ التخصص شجعني على البحث عن اثنين:
بمجرد ذكر الأول ملايين النفوس المتعبة أشارت إليه بسبابة العزاء الناجم عن استثمار كل إنسان جدارته بعطف القديس راعي القضايا الخاسرة..
أما الثاني فكانت شبكة المعلومات و مكتبات الأديرة و مراسلات أكاديميات لاهوتية مسرحا لمطاردات أفضت إلى يأس تعهدته بتقليب دفاتري القديمة حتى طالعني أحدها بوجه زميل دراسة كان اقبه الععاشق لعقيدته...
بسؤاله نظر طويلا ثم قال:
لرتبة القديس الراعي ضوابط صارمة، فراعي القضايا الخاسرة ـ مثلا ـ حفلت حياته الدنيوية بخسائر كانت معراج ترقيه، و قبل أن تبتأس لحقيقة أن القديس موضوع بحثك قديس منسي اعلم أن هذا النسيان حجر الزاوية لإيمان بدونه لن تنال مساعداته الغامضة، و لأثبت لك.. هب تجليه بيننا الآن، ماذا ستطلب منه؟
انفتح فمي ليحلق في سموات العطايا بيد أنه بقي مفتوحا على خواء مربك.. حقا ما الذي يرجوه المرء من قديس يرعى الأحلام المنسية؟!




13- في المدرسة الثانوية

أحببت شعرا لم أجده في المقررات الدراسية و لا في مكتبتها التي هجرها الجميع إلى كتب الرسومات العارية. الملاعب كبيرة و المساحات واسعة، بقاع بأكملها ينقضي العام دون أن يطأها أحد، لقدم المباني و جمالها إثارة أخرى غير المتنامية من مطالعة الرسومات العارية. و يوما بعد يوم كان الحارس يعود إلى بيته بعد أن يغلق الأبواب غافلا عن طالب لا يساوم على مطاردة أشباحه الحميمة...
ربما كان للأمور منحى آخر لو تجاسر أحدنا على كسر قوقعة الصمت بشأن عجوز كان يظهر كل ثلاثين دقيقة ملوحا بعصا في يسراه و يختفي.



14- أسطورة عراقية

في الليالي المقمرة يطوف المتنبي شوارع الكوفة مستدرجا الموت الذي سلبه كل فعالية إلى لعبة الروائح... الثقيلة المقبضة للسلطان، و الخفيفة المؤلمة للنساء، و الموقعة هباتها للعاديات، أما الحاملة المرء إلى نشوة الطيران يحتفظ بسرها. و حين العودة لا يمنعه تهدل أعضائه و الأسمال و الرائحة العفنة للموت من زهوة النصر و النوم ضاحكا من أسماك دجلة..
كانت ـ لأسباب محض علمية ـ تتناسل على السطح!



15- هنا
نشأت في مدينة خارجة لتوها من مخمل الحياة الريفية حتى أن السكان و معظمهم يشتغلون بوظائف مكتبية تنتابهم مشاعر الحسرة في ذكرى مواسم الحصاد .. و أنا نفسي كلما حاولت الهرب كانت تستوقفني عند التخوم حقول واسعة أقرأ في خضرتها تحذيرا مما ينتظرني خلفها فأعود إلى تلك المدينة التي بلا مستقبل و التي كلما نظرت إليها من أي زاوية أبصر بطاقة بريدية صممها رسام على عجل و بذهن خال من أي مناسبة يمكن أن تستخدم بشأنها.



16- طبعة شعبية
قال إن الحياة طبعة شعبية لإحدى روايات الـ: BEST SELLERS
العواطف الجياشة و الصداقات الطيبة
جنب إلى جنب الحزن و السعادة يمضيان مستمدين قوتهما من كونهما بلا سبب
إيمانك بأن تحركات الأجرام السماوية دائما لصالحك
و لكي يخفف وطأة النهاية يستقبل العالم كل صباح بصلاة قوامها تذكير النفس أن كل الأشياء كما في الطبعة الشعبية على ورق رخيص ... لن يصمد طويلا.



17- حكمة الأربعين
احتاج الأمر بلوغه الأربعين لإدراك الخديعة فاندفع في البحث عن تلك المراكز المتخصصة في إعادة تأهيل ضحايا الحروب و حين واجهناه بحقيقة أن مدينته لم تخض حربا واحدة في المائة عام الأخيرة بكى ثم تحدث عن أصوات معلبة تسقط من السماء و تعبر العصور لتصله همسا و أصوات أخرى طازجة لا يفصله عنها سوى بعض الأزرار  كل هذه الأصوات غيبته عن حقيقة أن جميع من مروا بحياته كانوا يخوضون ضده حربا قذرة حرمته حتى اختيار الخسارة بشرف  بيد أن حكمة الأربعين تجعل الزمن مسافة تنأى بنا عن تأثير الأصوات و تمنحنا رؤية واضحة للأمور.



18- تربص
غرفة قديمة لها بابان متقابلان ادخل من بابها المطل على الصحراء رغبة في الخروج من بابها المطل على البحر لكن الأرضية مزدحمة بـ:
مبخرة نحاسية تموه خضرة الصدأ على تاريخها المناهض للحسد
آثار قدمين صغيرتين تهمان باعتلاء شيء ما
شعور مبهم بحياة أهدرت دون عزاء
أحذية مهترئة الله وحده يعلم فوق أي الطرق أستهلكت
أدوات مطبخ قديم يبرز منها إناء بلاستيكي و وجه أمي الغاضب
حتى لو تجاهلت كل هذا فلا حيلة لي أمام ديك يسد على الطريق   لم يغفر للطفل الذي كنته وقوفي بعد أن ذبحته أمي على الإناء البلاستيكي الموضوع فوقه كي لا تفسد دماؤه المكان.



19- عبد العظيم ناجي*
كان عبد العظيم ناجي القاطن بزيزنيا كلما عبر طريق الحرية امتقع من اللون الوردي لأسوار قصر المجوهرات و كلما عبر شريط الترام ما من شيء يعصمه من البحر مما عمق رغبته في اقتناء كلب يدعوه بــ ( الجندي الذي فقد رباط حذائه )
و كثيرا ما يحدث الواحد نفسه بأن زيزنيا مسجلة في الأوراق الرسمية باسم قصر الصفا و أن البوذا القابع في غرفة الصالون بترهلاته و شحمتي أذنه الأسيويتين مازال محتفظا بنفس الابتسامة البلهاء و النظرة الراضية
البوذا الأحمق.... أين يظن نفسه؟!
*شاعر مصري راحل



20- من وحي محاكم التفتيش
بمجرد الانتهاء من مؤلفه الضخم عن الروح أغلق عليه الناشر الدائرة بطبع عشرة آلاف نسخة من ورق سريع الاشتعال و غلاف ردئ  راح يتأملها بينما وثاقه يشد إلى شجرة شديدة الجفاف نجحت مع رباطة جأشه في جذب أنظار الجموع بعيدا عن ندمه على ليال أنفقها مشدودا إلى ذاته و قد صرفته شهوة الكتابة عن تشققات لحقت بروحه من شدة العطش.



21- كابوس
في الكابوس الملازم لصديقي الذي مات أخوه التوءم إثر مرض غامض كان يسبب له آلاما رهيبة و نزيفا بالدماغ يمشيان إلى سوق السمك منتشيين برائحة الشواء و الأصناف الطازجة المعروضة  بمجرد دخولهما المحل يباغتهما الجميع بالعصي و الركلات في مطاردة تنتهي دائما بموت أخيه و فراره إلى الشوارع الخالية حيث الظلام و برك المطر يزيدان من عدم وعيه بذاته المجبرة في كل مرة على النظر في صفحة الماء فيطالعه وجه قط بائس ينهي مرآه الحلم بصرخة تعيده إلى الواقع متوجسا من تلك الإشارات الغامضة للعائلة و الجيران بشأن قط حزين يهيم في الجوار دون أن يصادفه مرة واحدة.

22- انسحاب
كان أبي فخورا بامتلاك الأعمال الكاملة لآرسين لوبين خاصة تلك النسخة النادرة من مغامرته النهائية التي نسيها الجميع و التي أعلن فيها و هو في قمة لياقته اعتزاله اللصوصية و الظرف قانعا بوظيفة حكومية في بلدة منسية يضبط فيها خلو البال كل تنافرات الوجود على وقع خطوات أمي و هي تعبر المطبخ حاملة إناء الطبيخ الساخن تعلوه صلصة حمراء.



23- استدعاء
بعيني طفل كان شهر رمضان يعني ترك القلب مفتوحا على كل المفاجآت السارة و المعجزات الطيبة فسارت ساعات الامتناع عن الطعام جنبا إلى جنب مع الليالي المتخمة باللعب و حين صعد الطفل إلى البيت بكدمة في إحدى ركبتيه نام في الصالة ملتحفا بنور الفوانيس العابر زجاج النافذة ليختلط بدموع على صفحة الوجه الأمر الذي مثل استدعاء سريعا لبته العذراء بهيئتها النورانية مانحة الطفل قطعة حلوى و قبل أن يقربها من قمه مست يدها الركبة المكدومة فانبعث النور في كل الجسد الذي استيقظ و قد جرف آلامَه تيارُ التكهنات بالمذاق القدسي لقطعة الحلوى.



24- نقطة في العمق

في الحرب الأخيرة طاف أسرانا عاصمة العدو ملوحين بقبعاتهم لجماهير على الجانبين تردد أغنيات عن الحنين و عن نقطة في العمق يصعب الوصول إليها. قدمت طفلة الورود لأسير، اقتسم طفل قطعة بسكويت مع ثان، و أشعلت مراهقة لفافة تبغ لثالث. أمام كل هذه الحفاوة لم يجد كبير الأسرى سوى نظرات الامتنان يوزعها على الجميع. بوصول الموكب إلى الميدان الكبير رجاه المحافظ أن يزيح الستار عن جدارية معلنا بفخر تغيير الاسم إلى ميدان الجندي الأسير فعلا الهتاف و التصفيق ثم تسيد الصمت بخطوات كبير الأسرى إلى الجدارية و بنزول الستار شيئا فشيئا سقط الجميع في البكاء... كانت الخطوط شديدة الصرامة و الألوان زاهية و لسبب ما عمد الرسامون إلى استبعاد كل المجسمات البارزة.


25- حصار

قضت مدينتنا الشتاء تحت حصار هبط بميزاننا التجاري إلى درجة الصفر، حتى المنتجات الصينية الرخيصة منعوا دخولها..
في أوقات كتلك كان الواحد يستمد العون بالنظر المباشر في عيني من بجواره دون استدعاء أدنى نأمة للوقاحة. و كنت أقتل الوقت و النقص الحاد في المؤن بالسير كل أصيل في الظلال الباهتة للأسوار أسأل فتاة عن الوقت فتنظر في ساعة يدها...
كانت متقنة التقليد و ذات معصم ذهبي.


26- كما ترون
ما إن انهارت المقاومة و صارت كلمة العدو هي العليا حتى غرقت المدينة في الاحتفالات  كانت الليالي الأولى تكريما للخونة و المتعاونين   و الليالي التالية كانت للأحياء من رجال المقاومة صافحهم قائد العدو بمودة صادقة و توقير ملحوظ  و حين ازدهرت في الظل الآمن لسرمدية الكرنفالات جسارة الاستفسار بشأن المصابين و الشهداء ساد صمت و اشمئزاز أنهاه قائد العدو بخطبة هادئة قال فيها:
كل ما أستطيع تقديمه للمصابين السماح لهم بالتسول في سلام أما الشهداء ففقد أفسدوا كل شيء و كما ترون _ مشيرا بيده إلى سماء تستتر خلف حبال تتدلى منها مثلثات ملونة _  لم يكن الأمر يستحق كل هذا العناء.


27- البكاء
أن تنظر في مرآة العالم و قد كسرتها يد  لأحزان تقلب كيمياء جوفك بموجة أحماض تعلو و تعلو في مد يجتاحك من ثغرة التهدج و الرعشات  باحمرار لا جذور له سوى ما اختزنته ذاكرة أسلاف بائسين من غروب اليوم الأول لطوفان خرج من غضب الرب ليخلد في كوارث تذكارية و ليال أسطورية يسوط فيها القمر ظهور البحار كي لا تنسى انتماء قديما لا يكف عن ضخ ذاته في قنوات تمتد من أرواحنا إلى عيوننا المفتوحة على مرآة العالم و قد استسلمت هذه المرة لمفسدة الكيمياء الرحيمة ؛ فنرى العالم في نسخته السامية مصطبغا بآلامنا في تشويه سولته لنا زفرة الارتياح تلك الإبرة اللامرئية تنغرس في أكياس رمل كم أثقل كاهلك رغم علمك – أيها المصقول بالأحزان – عدم صلاحيته لإيقاف أي مد...



28- لمن
كيف و متى سيطرت علي عادة تقسيم حياتي إلى مشاهد بعضها يمرق خاطفا و الآخر يمتد لسنوات مما جعلني أسيرا لشاشة عملاقة تتناوب عليها جداريات مزدحمة بما يبسطه الزمان و المكان من ظلال تعلو و تعلو حتى تصير سقفا تتوهمه الحواس سماء تمطر هبات من وجوه و روائح و أصوات تنسرب عبر مسارات التبدد فتترصدها الذاكرة بشراك من انفعالات بعضها يفلت صيده و الآخر يقبض بقسوة تحفر في النفس تجسيدا لوحشة تتفاقم ليس فقط من جراء النظر إلى آثار خلفتها الهبات الهاربة بل و حين أدرك عبر ملايين التفصيلات لجداريات تمثل لحياتي أن ثمة جدارية كبرى ألوح فيها محاطا بتفصيلات غامضة يتأملها الزمان و الممكان بعين راضية.


29- التاريخ السري للهايكو
ما بين خروج من رحم و دخول قبر تلوح الحياة كهامش للراحة من ثقل أبدية تلاحقنا بشأنها العقائد عارضة ثوبين أكبر و أصغر
مما أوقعني في حيرة لم يغمض لها جفن إلا بإدارة ظهري للأمر داعمة صواب ذلك بأعمالي التي لا تجلس صاحبها في مقاعد الصديقين و الشهداء و آثامي التي لا تؤهلني لترنيمة عطاء بقرة تغنى الأولون بلحظيها و الأخرون بلحومها المقدسة احتفاءً بمثل عليا لآثام حياة سابقة لم يكتف ِ صاحبها بالارتياب في أمر الثوبين فصنع من أيامه صاريا و شرع عليه حواسه مبحرا في المياه العميقة لروح الأشياء  فكان إذا مر بماء لا يقول هذا ماء
فقط يترك الماء يقول أنا ماء
و الغراب يقول أنا غراب
و حين عبور الصاري المياه الإقليمية لروح الله تنظر الحواس خلقها ضاحكة : أنى لهامش هذا الاتساع؟!
فتقول العقائد:
لأني متاهة من صنع كهان و حاخامات و قديسين و أئمة  يرقبها الله بحنو بالغ انفرطت لشدته إشارات لا يبلغها إلا شراع تخفف من أثقاله فرأى الإشارة الأولى كلمة المطلق في يد المحدود و الثانية عن هامش يحكم متنه و الأخيرة قول الله:
كتب ربكم على نفسه دفقات تهيم في أودية سرية و تدنو حين انفراط ذواتكم فتتلبسها كلمات تثمر في أرواح صقلت بالتسامي حواسا مشرعة على صار ٍ لا يعتد بعليائه على المياه العميقة لروح الأشياء.


30- انتقام
إله وجهي العملة يتشمم أفعالنا
فكل الرغبات المهملة قرابين
يستمد من دمها الدافئ
وجوده المقدس
و لأنه – رغم شراهته – عادل
يفتح لأرواح الرغبات بابا ضيقا
تنطلق منه إلى نومنا
لتثأر
بكتم الأنفاس
و تكبيل الحركة
و عند اللحظة الأخيرة
ترفع أيديها
لتهش رحمة الموت عن المكان
فما زال ثمة ليال أخرى
و نوم آخر
و مزيد من الانتقام..



31- نبؤات مهدرة
ممر مظلم و ضيق مجبر لعبوره على خلع جسدك فتشرف عند نقطة يصعب تحديدها على مراع قصية تتنازعها مفردات ماض و علامات مستقبل يضللك بحركته البطيئة و تفاصيل تافهة كغطاء لهاوية ما أن تنزلق إليها قدماك تطلق صرخة التذكر مدركا  وأنت معلق في الهواء كم سقطة حُذرت بشأنها ! و كم كانت تعوزك فضيلة الانصات لما تقله شاحنة الحلم كل ليلة إلى منطقة من وعيك استوطنها ضباب كثيف لا يبدده سوى قصور ذاته عن مجاراتك في السقوط ربما لثقل اختصتك به حياة اعتدت الهروب منها إلى ممر مظلم و ضيق يجبرك على خلع جسدك لتتوهم حين انزلاق قدميك جدوى التشبث بصرخة التذكر متناسيا في كل مرة أنها مجرد أداة لفضح ذات تعوزها فضيلة الإنصات..


32- التباس

قطعة الكيك التي بيني و بينكِ
كنت ترينها
كيانا من الإسفنج الطيب
يمتص كل أخطائك
ثم ينطوي على ذاته
دون انتظار إيماءة شكر.

قطعة الكيك التي بيني و بينكَ
كنت تراها
مذاقا حلوا طريا
يسهل عبور مرارات
عبر حلقك الخارج على سيطرتك ؛
ليخبرك أن حياتك رهينة كوارث تافهة ؛
فلا تستحق تشبثك بها.

قطعة الكيك التي بيننا
آلمها ضغط سبابتكَ المتواصل
لتنز ما ظننتها تخفيه.

كما آلمتها مغالاتكِ
في مقادير السكر و الطحين الناعم
المندفع إلى صورته الجديدة
فرارا من :
غضبة رياح تتربص به ،
و حومان غامض لشبح مهرج
راح ضحية نجاح مهني
أغراه بالمساحيق الرديئة القاهرة مسام جلده
ضامنة ألا يباغت في منتصف العرض
بدموع تطفر
أو موجة عرق تقذف الجمهور بــ :
أسماك ميتة
و محارات فاشلة
و صرخات
و أنا لست أنا ...


قطعة الكيك التي بيننا
عندما تعود إلى طاولة المطبخ
و تُطفأ الأنوار
تقدم في حضور الأواني الفارغة
عرضها الليلي حول تاريخ
صنعه مزارعون و عمال و حركة أسواق
و توجهات جمالية ذات نسب و مقادير
تاريخ لا يخص سوى قطعة الكيك
التي  - كأثر أخير –
تختم العرض و هي تندب مآلها
إلى معية عاشقين أحمقين
يكذب كل منهما أذنيه
بشأن همهمات مونودراما البارحة
مع تجاهل صريح لحركة خاطفة
تقوم بها كل صباح
أوان فارغة
فقدت السيطرة على أفواهها المفتوحة على أخرها
بفعل مزيج من الإعجاب و السخرية...



33- السعادة

مصارعو السومو يطاردون ريشة ؛ فتربك خلخلة الهواء قاطرة صلوات في صعودها إلى سماء تلعب بورقة التسويف على احتياطي يرتع في انحناءات مؤلمة لمؤمنين يتفادون الانتظار بتأويلات تتداعى : من سقوط الشمس و صعودها إلى سقوط المطر إلى انهيارات البورصة إذ يثملون ارتيابا لمشهد مضاربين يتألمون لانحناءات أكثر تجريدا تلوح في الخط النازل لرسوم بيانية على شاشة كلما تذكر المؤمنون مكانها في الصدارة و أضواءها و تعلق العيون بها وجلت قلوبهم فهي طيور تتجاذبها سماوات عدة مصبوغة باشتياق حين يلبيه الطائر تطبق عليه يدان ثقيلتان لا تثنيانه عن  محاولاته المشفوعة جدواها بريشة يخلفها وراءه تميمة حظ يرتج لها الفشل ككلمة أخيرة .. حتى إذا دار الزمان دورته يستيقظ مصارعو السومو و المؤمنون و مضاربو البورصة على سموات تمطر ريشا أبيض فينهمكون في لهو صبياني تشف لهم أرواحهم ليروا :
الماضي قاطرة تنأى محملة بفراديس الطفولة ،
و الغياب آلية وحيدة لجلوس الموتى في مقاعد الطيبين ،
و الاحتياج عشبة ضارة نبتت من شواغلنا التي وضعناها في صدارة ترعى الحماقات.
و بعد أن يبلغ التعب منهم مبلغه يستلقون جميعا على الأرض التي صارت فراشا ناعما في نوم يصنع من حيواتهم استعارة لحلم حيث أبناء قبائل استوائية يتضرعون منتحبين لفقدان ريشة من طائرهم المقدس المنصرف كلية إلى حنين موجع لسماء تحول بينه و بينها قداسة تطبق عليه كيدين ثقيلتين.


34- تحامل

أعرف أنك
 تؤدي الصلوات كلها،
وتبكيك في الخريف
 سماء الخامسة بعد الظهر،
وكثيرا ما تمد يد العون للآخرين
 برجاء واحد ...
أن ينسوك ما أن تدير لهم ظهرك،
وأنك صافحت ــ بروح قديس حقيقي ــ
حبيبتك وزوجها وطفلهما الذي
 لم تمنعك بلاهته البادية من الإعجاب به
لمجرد أنه جاء من رحم هذه المرأة،
وأن تلك الكذبة المدعوة حياتك
لم تكن سوى
سلسلة من التجاوزات
تدفعك إلى عبور إهانات الآخرين
بالصمت أوالتجاهل أوالمقاطعة
وأن ما يمنعك من الانهيار
ذلك الضوء الشحيح لشمعة بيضاء
تحتفظ بها في درج خفي من نفسك،
أعرف كل هذا
وأشياء أخرى كثيرة
لا تردعني عن منحك دور العم
في كل مرة نلعب فيها هاملت!!



35- الصراخ
مدينة ملاه مهجورة إلا من قزم اجتذبه بيت المتاهة من زجاج و مرايا تعده أن يشفي التكاثر الفيزيائي لصورته روحا مثقلة بكدمات من قبضة التساؤل طالما سددتها إليه عيون الآخرين فانطلق ثملا بالكم الهائل من احتمالات و وعود  ، فكل زاوية وعد و كل التفاتة عشرات منه يحلقون قرب الأرض بطفولية يسترد بها حبا مهجورا لذات كان يكيل لها البغضاء دون ذنب جنته فتسقط عن كتفيه السنوات و الخيبات و قوانين الوراثة و العدوانية غير المبررة بكلابها المسعورة : السخرية و العنف الجسدي و نظرات لأحداق تتفانى في صنع جحيم أرضي لمذنبين قدريين يكفي لإدانتهم تشبثهم الوقح بالحياة كما لو كانوا يمتلكون فرصا متساوية مع الجميع المانح اختفاؤهم عينيه لأول مرة لذة أن تفيض بدموع العرفان لإله لم ينسه شغفه بصنع معذبين أن يتقن صنع متاهات و أساطير تسند أدوار البطولة لأقزام و عميان و مغدورين .... بالرضوخ لمشيئة الفيزياء تارة و الخروج عليها تارة أخرى جاعلة منها امرأة ذات خريف طويل يزحم الهواء بذكريات جمال كان يشدها إلى مرآة مصقولة بفضة الزهايمر الضارب بقدمي الزمن الثقيلتين دون ترك أدنى أثر لخشخشة أوراق صفراء لن يجدي كنسها في تفعيل طاقات الزهايمر نحو مشاعر ندم ستقود المرأة إلى التورط في علاقات جديدة لمداواة جرح علاقتها بالمرآة الخائنة التي ستتجرع خليطا من الإذلال و الغيرة برؤيتها تتحايل على خريفها الطويل بالمراوحة بين أحضان عاشقين ماهرين في مراوغة الزمن إذ يجابها الشيخوخة بالتلاشي ثم يعاودان الميلاد من أحقر المثيرات و أعظمها ، هكذا هما دائما :
الصوت الذي يتكدس داخلك و يتكدس خالقا من كل ما سبق مثيرات لشحنك بوجوده ،
و الحركة التي ستخضعها الطبيعة فيتوقف القزم لاهثا و قد أدرك سوء موقفه أو موقفك ....
و قبل أن تصل الأمور لنقطة خطرة وجب عليك احتشاد لا يكلفك سوى طقس استحضار ـ أنت بارع فيه ـ و سحب شهيق مقدار ما تحتمل نفسك ثم بقوة توتر أعصابك يدفع جوفك الزفير من حنجرتك محملا بـ:
حطام متاهة ،
أشلاء قزم لا مفر لك من كراهيته ،
شظايا مرآة ذليلة ،
آثار أقدام كانت تؤرخ لهزائم سابقة ،
فينسحب الزمن و الفيزياء و هما يجحدانك بنظرة تقول : ليس الآن ....
 و يعتريك سلام لن يفسده حتى إدراكك أنهما عائدان
 و أن عليك بعد وقت ليس بالطويل
 إعداد مكان أكثر وحشة من مدينة ملاه مهجورة
 تدير فيه معركتك التالية...








36- العزاء أو .... صلاة الخائب

ضع قليلا من الأكاذيب على نار المخيلة مع التقليب عكس عقارب الساعة في دائرة نصفها للحلم و الآخر لليقظة . أصالتك الشخصية و براعتك في انتقاء الأكاذيب سيعبران بك الشبه بين القوام المتماسك و خيباتك الثقيلة إلى عمق المرارة الخالصة المانحة روحك شعورا بالسمو مثقال ما تحمله كتفاك من هزائم تلزم يديك بمعدل تقليب يضمن سلامة الوعاء الحامل هشاشة حياتك كما يضمن المذاق الملائكي لتلك اليخنة المقدرة من قبل كتاب السيناريو ؛ فأي سيناريست عديم الموهبة بإمكانه في أي جزء من عمله إقحام مشهد يقف فيه وغد بشعر أشعث و عينين دامعتين و رابطة عنق غير محكمة و وجه يملأ الكادر و نبرة صوت عميقة: ( عزائي الوحيد أنني.... ) و لن يعدم السيناريست المفاضلة بين ملايين الجمل التأثيرية ـ كالبهارات ـ  دون وعي بما قدمه للجماهير من وجبة جاهزة ، لينطلق كل واحد بعد العرض إلى تشغيل ذاكرته في عرض تنازلي عكس عقارب الساعة  مجهدا روحه مع كل هزيمة بالتماهي مع البطل الوغد باحثا في عمق آلامه عما يكمل به فاتحة صلاة الخائب : ( عزائي الوحيد أنني .... )

و بعد ليلة حافلة بالصلوات
 نستقبل الصباح
 سعداء بطرف زائف
مسنا من محاكاة أرسطو.








37- إنه ماجريت !

في منتصف عبورك جسرا  دون رغبة منك . تتوقف شاعرا بالأسى ليس لأنك وحيد و الوقت ليلا  و الفصل شتاء و ضوء المصباح يسقط فوقك لزجا . بل لأن الأسد القابع خلفك - في هدوء تعبيري لسطوة آلاف الأشياء الصغيرة التي تمرر كل يوم نصلها الحاد على رقبتك دون أن تملك حيالها دفعا -سيرغمك على النظر بعيدا بما منحتك المواجع من رهافة تكسر الأقفال الملغزة لذاكرة الكون حيث كل الأشياء التي عبرتك تقبع ساكنة و قد برأت من الأعراض الناجمة عن المرور من مستقبل إلى حاضر إلى ماض يخدعنا بسراب قدرات لم تستغل في الحفاظ على مياه تسربت بين أصابعنا لتفعم قنوات الري في حديقة ذات بستاني وحيد دائما ما يتصدر المشهد بأدوات حفر و قطع و غرس و عينين مهووستين بمعجزة تحشد لها الأرض كل طاقات ألم يربكك التعامل معه بعد أن فارقتك عند أول الجسر حكمة طفل منغمس في ألم نمو أسنانه ، فتأسى ــ بمنتصف الجسر ــ لعجزك عن الانغماس في ألم مشابه بالظهر لا دخل فيه للأسد الممسوس بكل ما تنوء بحمله:
 حصتك من ذاكرة الكون،
رحيل الحكمة القسري ،
انفلاق سترتك السوداء عن جناحين أسودين ربما يعودان بك إلى بداية الجسر .


38- صهيل آخر .....
( بين ابن السائب و بورخيس):

(( مرض أبو أحيحة و هو سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه أبو لهب يعوده ، فوجده يبكي ، فقال : ما يبكيك يا أبا أحيحة ؟ أمن الموت تبكي و لابد منه ؟ قال : لا . و لكني أخاف ألا تعبد العزى بعدي. فقال أبو لهب: و الله ما عبدت حياتك لأجلك ، و لا تترك عبادتها بعدك لموتك ! فقال: الآن علمت أن لي خليفة ! و أعجبه شدة نصبه في عبادتها.))
من كتاب الأصنام

ربما كان اسمه ابن السائب لانفلات ما يمور داخله قائدا إياه عكس خطوات العالم فيسوي حسابه مع ألم مصدره حمحمة الخيل بتقصي أنسابها دون التصريح بأن الصهيل محاولة لقطع وحشة الفراغ و تراتبية الزمن و قدر الإقصاء للوصول إلى ما كان و لن يعود إلا برؤيا يقطع فيها ابن السائب المسكون بالتاريخ طرقات مكة متأملا مسيرة الشمس و جدل الضوء و الظلال على خلاء ذي يقين بأن ثمة صهيلاً آخر سيتكفل بألم مصدره آلهة منكرة و صلوات مهجورة و قرابين بشرية و رجاءات مؤجلة ما ملت التماس النصح بالفعل أو عدمه ....
صهيل آخر ربما سيكلف ابن السائب رقبته التي ستدين بسلامتها لبرودة حبر التأريخ و حجة تعاقب السنوات و زيف الشخوص في متاهة الرواية الصانعة مادة كتاب يعج بالأسماء و النشأة و الكهان و مظاهر الاحتفاء و حوارات التقديس و النهايات المخزية .... ليسري عبر كل ذلك تيار يجرفنا خلف ما يذهب به الزمن تاركا الأبواب على مواربة تراها النفس تذكرا و تحسبها المادة فراغا و تدفعها الخيول بالصهيل بينما يجابهها ابن السائب بالسير عكس خطوات العالم منعشا ذاكرة الكون بشعلة الاستقصاء و قد تسرب نورها إلى طرق أخرى غير مأهولة ليس أكثرها غرابة ظهور الآخر المسكون بآلام أسلافه يسوي حسابه مع الزمن بالكتابة عن الشاهد زري الطلعة ينشد الموت كما ينشد المرء نوما ، يعاين جدل الضوء و الظلال على جدار الكنيسة الصخرية من مكانه بالأصطبل محاطا بالحقول المحروثة و القناة العميقة المسدودة بالأوراق الميتة و أطراف غابة تظهر عليها بين الحين و الآخر آثارُ ذئب أوفرُ حظا من حياة الشاهد التي ستنتهي عند الفجر ؛ ليصبح العالم أكثر فقرا بانطفاء نور أخر عينين شهدتا طقوس عقيدة وثنية ، كما أنطفأ نور أخر عينين أبصرتا المسيح ..... ألم فادح يتجسد في: كل عينين تموتان تنطفئ معهما ذكرى ما . لينتهي الأمر بتساؤل يحمل سخرية مرة : أي ذكرى حقيرة ستموت بموتي ؟ أي حنين مهلك ورثه لنا الأسلاف ؟ سؤال ربما يجبرنا على السير عكس خطوات العالم....




39- على المستوى الشخصي

متى تلقت روحك أول ضربة من جناحي الطائر؟
دائما ما يقيد الله للبدايات قدرا غائما كجيب مثقوب نحتفظ فيه بعملة فضية فلا يبقى لنا سوى رنين مكتوم و ترددات حلمية لسقوط على أرض صلبة ينتهي بفرار للبعيد ، و حين تتسلل أصابعنا في وهم البحث يرتكب الثقبُ عضة َ المفاجأةِ عندها تتوارى أهمية ُ العملة أمام تشبث خائب بمؤثرات صاحبت الفقدان المباغت : رنين مكتوم و ترددات حلمية و أرض صلبة نرتكز عليها في مجابهة حقيقة أن الله يطلق آلاف الطيور على أرواحنا ليجرف سيل الضربات تلك الضربة الأولى فلا سبيل إليها إلا بالسير عكس خطوات العالم على هدى مشاعر مدربة – كأصابع الصيرفي - على التمييز بين ضرباتٍ  العميقُ منها كالعملة الجيدة له رصيد في الذاكرة التي كلما عاينتها تقودني عبر آلاف الضربات و الرنات المكتومة و الترددات الحلمية إلى أصيل يوم مطير حيث طفل يطل عبر نافذة على حقل برسيم ترتاده شمس خجلى فينعكس نورها على ابتلال الأوراق الخضراء ملقيا في وعي الطفل – لم يدرك بعد الحنين كضربة من جناحي الطائر – أنه أمام عزيز سيفقده كالعملة التي وضعها في جيبه المثقوب و هو يعبر طريقا تأكل الكثير من العملات و السنوات و الضربات ...... دون أن تقوى على هضم شعور مقبض تسلل في حسية خائبة عبر أصابع صغيرة تتحسس جيبا مثقوبا لا يفارق مخيلتي كلما أطللت عبر النافذة على أرض بور أقيم فوقها عدة مبان بينها فراغات تشبه  ثقوبا خرجت منها في حركة معاكسة لخطو العالم أعشابٌ بائسة لم تعد تستوقف طائرًا راح يضرب بجناحيه في البعيد.....



40- ندم و أسف
ياللمعاجم كيف لم يلتفت أحد لخطأ الربط بين كلمتي ندم و أسف برباط الترادف ؟ كيف يكون ندم الذي يحب الظلال و ينأى عن الأضواء و التجمعات مرادف أسف الذي يجيد ألعاب الورق و يحفظ كتاب الأمير و يموت في الأماكن المنعزلة ليس رعبا بل لفقدانه الجدوى ؟ ربما كان الاثنان أخوين لكنهما ليسا شخصا واحدا ، فندم أهلته طبيعته ككائن داخلي إلى السكنى العميقة بسوداوية و خيال ساخن يدمغان مخيلتنا بختم من يأكل أنامله أو ختم غرفة تم لها إخلاء تأثيري يقصي كل ما يعيق ترددات نشيج يدفع في بحار اللبن المسكوب موجات حالمة تحمل سفنا مثقلة بالتنهدات و الحسرات و أكداس ليت الصادقة و المكروهة من قبل أسف المرغم – بطبيعة عمله – على تزييف الكثير منها للاستعمال الخارجي حيث يعرف كيف يتقدم بهيئة لا تخطئها عين : أنيق في بساطة ، جميل في تواضع ، صادق في هز الكتفين عند انطلاقه لإبراز أحاسيسنا الملساء في قاعات الطعام و المراحيض العامة أو لأداء دوره الإعجازي في تفادي صخور تعترضنا من قبل الآخرين . و رغم كثرة ما يكون المرء نادما و آسفا في آن واحد لم تسجل حالة ٌ واحدة لاعتداء أحدهما على مناطق الآخر ، فأسف – رغم كل مثالبه – يترفع عن أن يكون تعليلا لترددنا على الحانات ملاجئ الندمان !!! كما يدرك ندم عاقبة خروجه على الملأ : ازدراء و سخرية و مهانة تسحق النفس البشرية تلك الحضانة العتيقة منذ انبثاق الاثنين إلى الوجود إثر تناول الثمرة المحرمة إذ أرضعت ندم مقارنات صامتة بين قبل و بعد ، و أسف أرضعته حاجة غريزية إلى التمويه على ما يمور به الداخل مما لا  يحمد ظهوره أمام إبليس شامت و ملائكة متحاملين و رب لم يكن آدم قد عرف بعد قدرته اللامتناهية على غفران سينظر به ضاحكا لما يقدمه آدم من أسف مقابل ما يكنه لتبدل حال و نعيم زائل و حواء مفقودة من ندم...


41- جنون

تحت ضغوط كثيرة كانت تدفعني نحو طرق غير مأهولة كالانتحار أو الحقد على عامل الفنار إذ كان في عزلته الباردة يمثل أحد أوجه الوقاية من الطريق الأولى ، و بعد أن وجدت نفسي منغمسا في البورنو باعتباره أحد أكبر النشاطات المنظمة فنيا و الغنية تنظيريا وفق مبدأ مكرس لاحتقار الحياة و على غير المتوقع من ريفي النشأة صار العاملون في هذا المجال محل احترام انضم بدوره إلى مجموع الضغوط المذكورة أعلاه فكان لابد لي من اختيار محكوم بحب  لا يصل  حتى الانتحار و كراهية لا ترقى إلى الانخراط في خدمة الفنارات حيث الملوحة و صخرية التربة و الصورة الموروثة لا تعد  سوى بخيالات مشنوقة لأبطال هلاوس ساخنة و أنصار ثورات مغدورة و عشاق ضاقوا بضغوط  كالمستمرة في دفعي لاختيار طريق .... و هكذا بعد قراءات مرهقة و حضور جلسات علاج كئيبة و استشارات ملغزة  لأطباء نفسيين اخترت الجنون في صورته الآمنة هكذا ظننت أو هكذا ظن ريفي نشأة لا قبل له ــ رغم احترامه الشديد للبورنو ــ بالجري عاريا في الشوارع أو بالصراخ الهيستيري رغم رغبته الملحة  في عمل مسح للمدى الشاسع الذي يحتكره عامل الفنار بصمت كان يجلس منزويا في حانوت المرهونات كعادية لأرملة أتهمها أهل القرية بالسوء حتى فاتها موعد السداد . و هكذا حفزتني القراءات المرهقة و جلسات العلاج الكئيبة و الاستشارات الملغزة مع إمكانية التدريب على تلك البضاعة التي لا تثير شبهة إذا قررت الاعتماد عليها أو التراجع عنها حفزتني على التقاطه و مسح غبار التجاهل من عليه و بدأت في تدريبات تشبه  الحقن الوقائي للنفس  بأقصى أنواع السموم يمارسه ديكتاتور محاط باعداء و محظيات و عمليات نهب منظم ،  فكنت أقضي اليوم جالسا في صمت لا أتكلم إلا لضرورة أخذت مع الأيام تذوي كشمعة أشعلتها الأرملة على ضريح شيخ قرية بعيدة ، معتقدا لوقوعي تحت سطوة الذهب و بريقه الحكمي أنه بلا آثار جانبية ، لكنه راح يملؤني و يعدل صيغة وجودي ككائن تم زرعه في ظروف بيئية مغايرة في البدء الثقل الشديد يمهد لفقدان التوازن و الحركة المشوهة  ثم تغادرني العناية الإلهية تاركة إياي لاستعادة وعيي بأذني اللتين صارتا جمرتين تدفعان الألم في رأسي و جسدي الممتلئ صمتا حتى انفصال داخلي عني ؛ فصرت أعيي ذاتي كرسم أنجزه الديكتاتور في طفولته رأى فيه الجميع عبقرية مبكرة في نقد فني تم تعديله بعد حياة مليئة بالدسائس إلى تنقيب عن نفس شوهتها ضغوط و سوء رعاية و اضطراب تفكير و  تعاقب أيام يمرر فيها الصمت أعصابي على شمعة الأرملة و قد أبت الانطفاء في معجزة بهت لها أهل القرية متوافدين على الضريح للتأكد من صدقها الذي يسير عكس تقديرهم لذواتهم التي هي أيد تصفق مع الديكتاتور و أنياب تنهش مع الأرملة و مع المعجزة احتشاد سنوي يلتمس الغفران في ذكر حكيم و مراجيح و عروض سحرة و وعود الملبن اللذيذة لمن يغمض عينيه جاءت كضربة لازب فخلصتني النصيحة الأولى لثلاث قرود حكماء من عذاب جنون الصمت . خلعته في صرخة عالية أفقدت عامل الفنار بعض احتكاره للمدى الشاسع و أجهز على بقيته تقاعد انطلق على إثره يظلم شقته كل ليلة و يستوي على قمة سلم خشبي نصبه في الحمام لقضاء الليل ملوحا بمصباح لحوض الاستحمام حيث عشرات السفن الورقية لن يعصمها الضوء من صباح مدركها باهتراء يجعلها تشبيها تمثيليا لحياة تسير مذعنة لضغوط كثيرة نحو طرق غير مأهولة كالانتحار أو الصمت أو الشفقة على عامل الفنار و هو  يصرخ كل صباح أمام السفن الغارقة : يا أولاد الكلب ... لست نبيا متقاعدا. 


42-  الصمت

عندما أفكر في الصمت كموضوع خارج الذات كشيء خلقه الله مما لا ندريه أصاب بالحنق من تلك القصص القديمة حين تعترض جزيرة المغناطيس سفن البحارة و المغامرين و المسافرين ذوي الحظ العاثر و بلحظة يلعنون حياة قضوها محترقين شوقا لأي جذب بينما هم الآن يقضون نحبهم في لجته ، نفس البحارة و المغامرين و المسافرين ذوي الحظ العاثر الذي سيقودهم هذه المرة إلى جزيرة الأصوات حيث الصرخات تصنع مرتقى الجحيم :
الأولى تملأ النفوس رعبا ،
و الثانية تبسط يد الإرباك على الحواس ،
و الثالثة تضرب بمعول التخبط و الألم رغبة الكائن التي سيفقدها في الرابعة ؛ ليتجلى الوجه الصادق للجحيم في إدراك الكائن أن ما يتمناه لم يعد يذكره فنعي أننا  أمام فصيلة نادرة من الجحيم ؛ لأن تلك الرغبة المنسية مجرد لحظة صمت تشكل مع ملايين الملايين من بني جنسها جحيما هادئا لسجين عصري لم يجد تفسيرا لأثقال فراشة رفرفت حوله محدثة أمطارا عميقة انطلق تحت سطوتها يمزق البطاطين و يقلب طعام السجن و يشتم سجانه ليدخل الحبس الانفرادي مراهنا على ذاكرته في استحضار أصوات بعيدة و اختلاق أصوات أبعد و كلما أخلص لرهانه كلما تمادى في لانهائية الجنون المصفى من كل البروبجاندا المصاحبة لجنون البحارة و المغامرين و المسافرين ذوي الحظ العاثر الذين لا يشبهون مسافرا مراهقا أطبق عليه صمت المحيط و صمت اليتم و صمت عميق كدرقة  يلوذ بها رعايا امبراطورية همشها تاريخ يربكه الاعتراف بما حدث للصبي إبان عودته عندما رفرفت في القيلولة الزرقاء للمحيط فراشة حول رأسه محدثة أمطارا عميقة عاد تحت سطوتها إلى مقاهي لشبونة و جدرانها الصخرية و شوارعها المتمترسة بأسماء قديسين سيغضون الطرف عن مثلية معذبة يستعين بها في ترسيم حدود  عزلة تمكنه من فضاء يطلق فيه أربعة أفراخ يقطعون كل الخيوط مع خالقهم عدا خيطا غامضا يأبى الخضوع لتاريخ لا قبل له بأثقال فراشة يلغي رفيف أجنحتها الفوارق بين ساحة السجن و قيلولة المحيط الزرقاء بأمطار عميقة تمسح عذابات سجين عصري و رعايا أمبراطورية همشها التاريخ و بحارة و مغامرين و مسافرين ذوي حظ عاثر ملقية في روعهم أن ثمة مصيرا آخر ...



43- هجائية للشوبنج

زوج خالتي الذي خرج منذ ثلاثة أو أربعة أسابيع لعمل شوبنج ،  بفقدانه السيطرة على الأمور صار منتميا لقبيلة من الهيبيين يتزعمهم متزوج كان ـ حتى وقت قريب ـ رهن الاعتقال إثر سلسلة من الاعتداءات على مطاعم الوجبات السريعة ، لم يدعم قرار الإفراج عنه سوى ملاحظته المقلقة التي تضمنتها الأوراق الرسمية و على إثرها جندت الدولة جيشا من السيميائيين انقسموا بعد  بحث علمي مرير و جهود استخباراتية مكثفة إلى ثلاث فرق:
 الأولى أعلنت أن السيد كنتاكي ذلك الشيخ المتصابي يستقبل العملاء بابتسامة مفادها : أعدكم بمجرد الانتهاء من وجباتكم أكون قد انتهيت من زوجاتكم ....
 بينما الفريق الثاني أكد أن المهرج الودود الذي يحبه الأطفال و المدعو ماكدونالدز امرأة سحاقية تخدعنا بالمساحيق الكثيرة التي تغطي وجهها و شعرها و تخطط بها ملابسها لصرف أنظارنا عن القوام و مكمن الشهوة اللذين يقودان بسهولة إلى فضحه أقصد فضحها و هو الآخرـ السيد ماكدونالدزـ يستقبل العملاء بنفس الابتسامة التي يستقبلهم بها السيد كنتاكي...
 الفريق الثالث رغم أنه بدا كقاطع لشوط أبعد من سابقيه بتوسيع نطاق دراسته الميدانية ليشمل أفراد قبيلة الهيبيين و خلفياتهم الثقافية و الاجتماعية لم يضف جديدا لإنجاز الفريق الأول و بدا أعضاؤه من خلال تقاريرهم  ضحايا لأفكار خالتي الحادة الطبع معلنين أن الابتسامة المشتركة لا تقول سوى ( استمتعوا بوقتكم فأنتم بعيدا عن زوجاتكم ) الأمر الذي أنذر باتساع دائرة الصراع و تدخل أطراف جديدة ابرزها الجمعيات النسائية التي أسقط قضاؤنا النزيه  دعواها حول إغلاق تلك المطاعم مشددا  في الحيثيات أن الحكم صدر بعد عمل مسح لعدد الأزواج الذين يصحبون زوجاتهم إلى تلك المطاعم بقصد أو بدون قصد مما أضعف موقف خالتي و أظهر تقصيرها القاتل حيال كوابيس ظلت طوال سنوات تهاجم زوجها الذي صادفته البارحة على الرصيف المبتهج ـ دون مناسبة ـ لأحد المولات ،  يدخن الماريجوانا و في عينيه بريق من عثر أخيرا على يقينه الخاص بينما يغط الداخل في جلبة المتسوقين الباحثين دون جدوى ...


44- عاهة

منذ فقدانه إحدى ساقيه و هو يفكر ،
كيف يستكمل إنسان جسده بالمعدن
إذ راحت تهاجمه الوساوس
فترتفع حرارة جسده
و يفقد صوابه
كلما وقعت عيناه على أشياء صدئة
كما ضرب حصارا حول انفعالاته
بعد أن فوجئ بنفسه يصرخ ذات مرة :
..... أنا من لحم و دم ......


صار نومه جريا في صحراء معادية ينكشف فيها المدى عن وجه عملاق يطلق شظايا تعيد أرواحا إلى الرب و تستنبت في أخرى جراحات و عاهات و شهيقا لا يهتدي إلى الرئتين إلا بصحوه على مشهد ساق وحيدة ترفس الفراش و تملأ ظلام الغرفة بآلاف الصور لوجه طبيب الجراحة الودود الذي أخضع جسده شهورا طويلة لمشارط و عقاقير و لمسات مهنية تسوطه عبر نفق من ضباب كثيف إلى حياة سابقة يرى فيها طبيب الجراحة عشيقا لزوجته بوعي يؤلمه فلاش التساؤل : أي اسم لحوائط نمت بيني و بينك سوى الخيانة؟


قانون المصادفات الخفي عرض - بعد مصادفة الشظية السيئة  - مصالحاته ؛ قرأ أن الإنسان صانع لوجوده فأعاد فتح ملفات الماضي مدققا في سيناريوهات من نوع :
أي الساقين كانت الأسرع في الطريق إلى العاهرات ؟
أي الساقين كانت الأبطأ في الطريق إلى المساجد ؟
حتى انتهى به الأمر إلى أي الساقين خانت : من توارت عند الخطر أم من رحلت تاركة الأخرى لنكد الانتماء إلى ذي عاهة؟



و هكذا صارت الخيانة فلكا لتأملات تزداد سخونة في الأعياد القومية دافعة إياه إلى التفكير في نصره الشخصي الوحيد هناك حين يحدث نقصان جثته ارتباكا في صفوف الدود الذي يمتلك ذاكرة لم تقو على الاحتفاظ بمذاق قديم لساق متبلة بالبارود و رائحة تعقيم يدي طبيب الجراحة..


45- في مديح الجاز

متحدا مع الليل و أضواء الملهى الثقيلة و آلام المرتادين
يدخل العازف الأسود بإرث من العبودية
يضمن له رصيدا لا ينفد من النفخ ...
الطويلة الهادئة تنفث حنينا للغابات
العالية المتلاحقة
أمواج تقلنا إلى العالم الجديد
و القصيرة الحاسمة
إلى نهاية الخلق و يوم يبعثون .

و بينما الشاعر مأخوذ برؤاه حول علب يعجن فيها اللحم البشري بالدموع و العرق و بخارآهات يتكاثف معاودا السقوط من سماء الساكسفون ، يطل الله من فرجة في السماء مشهدا ملائكته بفرح طاغ :
انظروا صنعتي.



46- كل هذا بسبب الليل

خرج فلاح ذات ليلة لري حقله، فإذا بثلاث جنيات يلهون عند النبع. أخذ ملابسهن و ابتعد مسافة آمنة تمهيدا لمساومة انتهت برحيل اثنتين و اقترانه بالراغبة في حياة أخرى قضتها في منحه حبا شيطانيا يسلمه عقب كل مضاجعة لمعاناة حروق و كدمات و عطش لا ارتواء له...

حتى ألحت عليها لعنة قديمة حيكت لها من ظلام الليل و وطأة الأرض و حين لم تجد منها فكاكا راحت تعد له كل ليلة كوب شاي يسحبه من رأسه عبر سراديب سوداء تنتهي بصحوه على وخز تساؤل حرضه على مغافلتها و سكب الكوب في أصيص نبتة لا يدرك من أمرها سوى ظهورها المباغت عقب قرانه و أن رعبا يتملكه كلما مالت نفسه للحديث عن تربتها الشبيهة بعظام آدمية...
اقتفى أثرها حتى النبع.. صاحت كرضيع حديث الولادة فانفلقت الظلمة عن أختيها، لهون في الماء، و عند الساعة التي ينحو فيها الليل منحى آخر ذهبن إلى القبور.. رآها تدق عنقا و تشارك أختيها الوليمة...

سبقها إلى المنزل، ابتهل أن تتغمده رحمة السراديب السوداء و في الصباح راح يكيل لها المديح: رقتها.. جمالها.. قيامها على شئونه.. متوسلا ألا تحرمه كوب شايه الليلي، و لمزيد من الاحتياط كرس ما بقي من حياته للعناية بالنبتة الغريبة علها تقدر ذلك و لا تبوح لصاحبتها بتغيير مسار كوب شاي البارحة!!



47- النسيان

بوجه شاحب و نظرة حائرة كانت تدخل الفصل لتوزع علينا أوراقا بيضاء و أقلام الرصاص. بعد أن تستريح في مقعدها تخرج إبرتين محاولة بأقل أخطاء ممكنة سحب خيط من كرة في قاع حقيبتها...
كنا نحن التلاميذ الصغار جنودها ضد عدو تجهله عقولنا المرتبكة أمام غموض علاقة بين شغل الإبرة و ما يملى علينا من أحداث تافهة...
بالتفاف الإبرتين حول الهواء توقف الإملاء لضبط الأمر مستغلة ذلك في التأكد من صحة التاريخ، و بانضباط مسار الإبرتين تخرج الأحداث دقيقة متتابعة من فمها إلى الأوراق:
مشاجراتها مع البقال خرب الذمة،
حماقات زوج عاش و مات دون الوعي بعشرات الأصابع تغتابه يوميا،
و كثيرا ما أبكتنا الحياة العاطفية المتوترة لابنتها الجميلة.
كانت تحفزنا بالحديث عن نقيصة بشرية من شأنها إشعال الكوارث و قصف الحيوات. و بخطوات مدروسة لقائد لا يلقى من جنوده إلا الطاعة العمياء كانت تسأل أحدنا عن أحواله بابتسامة تزداد جمالا إذا جاءتها الإجابة مختصرة و سريعة، كما وزعت علينا ذات مرة قطعضاعف من سعادتنا عدم ورود أدنى إشارة لها في إملاءات اليوم التالي...
و حين سولت لنا نفوسنا إسقاط بعض الأحداث رحمة بأصابعنا طاردتنا صورتان لزوجها الساذج و ابنتها الجميلة و هما جثتان متفحمتان إثر الشروع في إعداد طعام سجلنا كل خطواته  عدا إغلاق الموقد بعد خمس و أربعين دقيقة؛ مما أعادنا إلى المعركة كمحاربين شجعان قانعين منها بمتعة حكي ذكريات عجفاء و تبرير إصرارها على شغل الإبرة الذي تعلمته من أمها أو ربما جدتها الراحلة دون ترك صورة واحدة، فتجرأ أحدنا على السؤال عن مستقبل قطعة الصوف التي تكبر يوما بعد يوم. غاصت في شحوب وجودها و عادت إلينا بنظرة المتعرض لخيانة تصلبت لها يداها الباردتان و هما تكيلان لنا الصفعات.


48- فوائد أخرى للأسفار

                                         إلى/ ياسر عبد اللطيف
سحر الأسفار في تسليم دفة الزمن لوسيلة المواصلات حيث سكون الجالسين في انتظار الوصول تمويه على داخل يجرف صاحبه عبر خيالات و مشاعر كشعورك أنك هارب و أن قدرك يقبع في استراحة حقيرة تدير امرأة ذات ملامح محايدة و قلب نسيت أين ضاع منها...
بكسرك المدة المعتادة لبقاء أي مسافر ستقترب منك مستمتعة بفتح كل الجراح القديمة. ستمنحك كوبا آخر من الشاي مؤكدة أن أباها في الدور الأعلى ينام النهار كله و يصحو مع الغروب الموشك، بعبوره إلى زجاجة الخمر ستمنحه الكأس الثالثة شجاعة الجلوس في ذات المقعد حيث قلبت الابنة حياتها أمامك. فترى الشبه الوحيد بينهما نظرة موجعة حريص كلاهما على منحها للعربات المارق...
سيحكي قصته كقاتل أجير أجبرته الشيخوخة على تقاعد أخرجه من حطام الدنيا بهذا المكان و ابنة لا تكلمه. حديثه عن شرف المهنة و لا مبالاته بالأجر مقابل تفاصيل تجعل الضحية جديرة بنهايتها سيقوده إلى النظر في يديك معلقا: كيف يحتمل المرء الحياة بيدين لم تزهقا روحا واحدة؟ فيسقط بينكما صمت يضاعف من شعورك بألم النظرة الممنوحة للعربات و بحياتك الملأى بكثيرين تود يداك إزهاق أرواحهم...
بنبرة عميقة تليق بمعلم روحي سيخبرك أن نومه الثقيل إجبار على الوقوف أمام حائط ثبتت عليه اللقطة الأخيرة لوجوه ضحاياه مغ تساؤل مر: أنى للموتى كل هذه القسوة؟
بيقين أنهم ينتظرونه و أن بقاءك إلى جواره سيؤمن له عبورا يحول بينه و بينهم سيسألك المكوث معه عشر سنوات يموت بعدها أو ـ يضيف ضاحكا ـ تموت أنت أو يموت العالم...
قبل إعلان موافقتك ينتهي سفرك فتغادر المقعد مثقلا بفكرة أن يديك لم تزهقا روحا واحدة، و أن زمنك الوحيد يمتد هناك في الفراغ القائم بين محطتين..



49- اعتداءات متكررة

كان رجال الدين في القاعة المغلقة يضعون نقاطا فوق حروف تقرأ هكذا: الرب جانبه الصواب بالتوسع في توزيع القمصان البيضاء...
فقضى المنبوذون الليلة المقدسة بين كتب و موسيقى تحلقان بعيدا عن عالم اللون الواحد واثقين أن الصباح سيدركهم بنوم ثقيل يحول بينهم و بين الصلاة الكبيرة حيث رجال الدين يختالون بقمصان ببسيضاء ذات تاريخ مشبوه ليس أخر حلقاته بائع أغلق على نفسه أبواب الندم عقب ثراء جاءه كخراج أرض حرثت باعتداءات متكررة على ملكوت الرب المتجول كل ليلة بين صناديق الموسيقى كمشرد يتحاشاه المارة حرصا على بياض ملابسهم الشاغل أبصارهم عما في عينيه من مساحات شاسعة للحنان يحكم بها ـ ضمن أعمال أخرى أكثر سرية ـ غطاء الحلم على النائمين حتى ساعة متأخرة من النهار.




50- هكذا يكتب التاريخ

في حياة أخرى كنت ابنا لعائلة أندلسية، أبي كان تاجرا و أمي من نبيلات الطبقة الثانية. بعلو كلمة الملك فردريك رحلا و تركاني ثم أخذني قس إلى الكنيسة و قال: صل للرب يسوع. بنفاد حيلته على ما تعلمته من شيخ الجامع الكبير: ( صل بجسدك لمن شئت و احفظ لروحك صلاة واحدة ) أقام احتفالا لمراسم تعميدي الكاذب ممتنا لصمتي الأقرب إلى التواطؤ على دموع طالما غالبته أمام قصر الحمراء...
قبل موته أعطاني كتابين و قال: احذر أن يراهما أحد من أهل هذه البلاد، اهرب بهما إلى مصر.
أثناء هروبي قرأت الكتاب الأول كان ترجمات من الإغريقية لوثنيين يمتلكون نفاذ بصيرة إيمانية، و أجبرني الجوع على أكل الكتاب الثاني. بدخولي مصر كنت قد أتيت على أخر ورقة، فدفنت الغلاف في المقطم متذكرا كلمات القس: ... جلد غزال جيء به من صحراء العرب و لم يحل ثراء المرعى بينه و بين قراره بالموت سوى أسبوعين.
في الأزهر استقبلني شيخ مسح على الكتاب و قلب صفحاته ثم وضعه في خزانة الكتب. حزنه على القس لم يكسر نظرة مؤنبة: صليت ليسوع؟؟
فقلت: ( صل بجسدك لمن شئت و احفظ لروحك صلاة واحدة)
فاعتدل في جلسته سائلا عن شيخ الجامع الكبير و بإدراك أنه معلمي أجلني بيد أن إجلاله لي و خزانة الكتب ما حالا بيني و بين الموت سوى أسبوعين قضيتهما في نسخ مخطوطتين. كانت الأولى لابن زيدون و الثانية لابن سناء الملك مأخوذا بقدرة الكلمات على حمل رائحة والدي و شيخ الجامع الكبير و القس الطيب.
بموتي أم الشيخ حشدا من الناس في صلاة الجنازة ثم همس بالقرب من جثماني مداعبا: ( صل بجسدك لمن شئت و احفظ لروحك صلاة واحدة ) ... آه يا بن الأبالسة!!
تلك المداعبة قادت تخميني إلى: لا يتجاسر على مداعبة الموتى سوى من أدرك بطريقة خفية أمر بعثيمرة أخرى ابنا لأب يعمل بالطباعة و أم من صعيد مصر تغالب الحنين بمتعة الحكي.



51- عطش

بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فإذا بقوم يعرفهم، مستجمعا كل طاقاته التعبيرية حدثهم عن العطش و كيف خلقه الله عقابا للجسد و الروح معا... بوصولهم إلى درجة مشجعة من التأثر طلب الماء... فسددوا نحوه نظرة قاسية. كان لانتقالهم إلى الضحك المؤلم ابتهاج غير متوقع و لتحقيق المزيد عمدوا إلى سكب الكثير من الماء على الأرض....
مضى الرجل و قد استبد به العطش، فإذا بقوم لا يعرفهم، أخبرهم مباشرة بما يريد، تجاهلوه، كرر السؤال دون جدوى... فأرغمته المهانة على المضي في طريقه حتى وجد بئرا، لم يعطل العطش حاسة قديمة جعلته ينظر طويلا حول البئر قبل الاندفاع إليها.. شرب حتى ارتوى و إذا بكلب يلهث يأكل الثرى من شدة العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثلما بلغ مني. ملأ فردة حذائه اليسرى و بالنظر في عيني الكلب تذكر القوم الذين يعرفهم و القوم الذين لا يعرفهم .. ابتأس لجهل الكلب أن غدا و بعد غد لن يكون أمامه إلا أن:
 يلقى قوما يعرفهم يسخرون منه بعد استجماعه كل طاقاته التعبيرية  للحديث عن العطش و كيف خلقه الله عقابا للجسد و الروح معا ...
أو قوما لا يعرفهم يتجاهلونه كلية لتتفاقم معاناته بين المهانة و العطش...
أو يعود إلى هنا يلهث و يأكل الثرى من شدة العطش...
حين تأمل الاحتمالات الثلاثة ارتجف قلبه ارتجافة تدلت لها اليد الممسكة بفردة الحذاء، نهض الكلب ليقابل اليد في منتصف المسافة فعاجلته القدم اليمنى بركلة أسقطته في البئر....
و مضى الرجل سعيدا بما قدمه للكائن البائس من مساعدة لن يعطش بعدها ما تبقى من حياته، واثقا من إصرار الكلب على رد المعروف باكتشاف مداخل و مخارج الشبكة الخفية لكل آبار العالم. و بكل ما للكلاب من دأب و إخلاص سيوزع حمولة جثته من عفونة و ديدان و سموم بنسب كافية لحرمان القوم الذين يعرفهم و الذين لا يعرفهم من الحصول على ماء نظيف... و هكذا تنقضي حيواتهم بالتشتت في طرق تبدد كل طاقاتهم التعبيرية في الحديث عن العطش و كيف خلقه الله عقابا للجسد و الروح معا...

52- هكذا كان الأمر دوما

كانت الأطباق الطائرة تمطر المدينة بوابل من الصواعق ، دمروا مبنى البلدية و فرع جامعة إقليمية و دار المناسبات الملحقة بالجامع الكبير ، في دار الخيالة المصنفة درجة ثالثة كانت الخسائر أكثر فداحة ... أتت النيران على مكبرات الصوت الرديئة و المراحيض القذرة ... علب حفظ الأفلام لم يعصمها شغف أجيال من المراهقين من الانصهار و حين ارتفعت أعمدة الدخان كانت محملة برائحة اللحم المشوي لتزامن القصف و حفلة كاملة العدد ، الأمر الذي يعد من طبائع الأمور ؛ فليس ثمة حاجة لشهود عيان لن يستمع إليهم أحد في التحقيقات التي لن تجرى تحت أي دافع حتى و إن كان تبديد حيرة عامل السايبر بشأن ابتسامة اللاعب الخاسر و هو ينصرف في كل مرة تاركا الشاشة تحت وطأة الـ game over  المخاتلة بامتياز.


53- قصائد هايكو من أجل يارا

صباح هادئ
و طفلتي نائمة في السرير
يالرقة الهايكو.

شمس أول الربيع
ما الذي يدفعني للعودة سريعا
سوى ابتسامتك

أحملك
فتضربين بأصابعك على كتفي
أي رسالة يبعث بها الله !


كل غروب
ترقبين الطيور العائدة
و ينقبض صدري.

مطر أخر العام
من سيصرف قلبي
عن كل الأشياء التي كانت؟


يوما ما سأكون
جديرا بما خلفته
تبدلات المواسم.

وحده ظل صامدا
أمام رعونة العاصفة
الصمت المحيط بالمقابر.


في الحديقة الخالية
عبر الغريب صامتا
تابعته حتى اختفى.


كلما انغمست في الهايكو
أعود سريعا
خوفا مكن فقدان ذاتي

لماذا عند عبور الجسر
أفكر في أشياء كثيرة
عدا أنني أعبر جسرا.

عند الشروع في السفر
تبدو الأشياء و كأنها
تريد قول شيئا

منذ أن عششت العصافير
في شرفتي
و الصباح يحل مبكرا.

مؤلمة
بعد المطر الخفيف
رائحة التراب.

أمسيات صيفية
و وحده صوت الملعقة في أكواب الشاي
يأتي من المنزل المجاور.

خلعت حذائي هذا الصباح
فارتاح باطن قدمي
على العشب الندي.


بعودتي إليها
كانت قد اختفت
الكتابة البارزة على غلاف كتاب الهايكو.


تثاءبتُ
و أنا أحملك
فبكيتِ بحرقة.


لوحة الحبر الصيني
التي تزين بيت الأرملة
لم يلحظها أحد.














التعريف بالشاعر
منتصر عبد الموجود حسن
شاعر مصري مواليد 25 من مارس 1973
يعمل بتدريس اللغة العربية
صدر له ديوان حروب و هزائم سلسلة الكتاب الأول 2004 المجلس الأعلى للثقافة
مصر
نشرت قصائده في جريدة أخبار الأد ب ، الحياة اللندنية ، الصدى الإماراتية، مجلة مينا، و على المواقع الإلكترونية : منتدى الكتاب العربي، إيلاف، كيكا ، الكلمة

و رشح كتاب حروب و هزائم للمشاركة في مسابقة جسور للشعراء الشبان المنظمة من قبل اليونسكو و مهرجان استروجا للشعر و صدرت ترجمات لبعض قصائد الديوان للغة المقدونية في أنطولوجيا جسور ععام 2006.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads