طائرٌ وحيد
إلى صلاح فائق
***
في كلِّ سِرْبٍ للْعصافيرِ
طائرٌ يَشْرُدُ بعيداً
لِيُغَنِّي وَحده على فرعِ شجيرةٍ وحيدةٍ،
قَطَعَتْ الطريقَ على الأحلامِ الغائمةِ
لكن ظِلًّا مُهاجِراً يصنَعُ فُلْكاً ويُنادِي:
اقْفِزْ مَعَنا، وغَنِّ كما تُريد
ويمضي الماءُ بعيداً
فيبْقى الغناءُ مُعَلَّقًا
على فرعِ شجرةٍ وحيدةٍ
***
في كلِّ قطيعٍ مِعزاةٌ شريدةٌ
تَثْغُو وحْدها ،
وهي تُفَتِّشُ في الغُبارِ عنْ وَليفٍ
أو شاعرٍ يجيدُ الغناءَ
فَتَقِفُ الأعشابُ الُمحْتَرِقَةُ بينها وبين حُلمِ العبورِ
وتَأْوي الجبالُ أحلامَ القطيعِ المُمْكِنَةِ
ثمَّ تُغْلِقُ البابَ على قَدَمَيِّ حُلْمٍ صغيرٍ
تسقطُ صَخْرَةٌ على جَسَدِ أُغْنِيَةٍ
ويبقى ثُغاءٌ وحيدٌ وبقايا غُبار
***
في كلِّ صقيعٍ قطعةُ ثَلْجٍ صغيرةٍ
تشتَعِلُ لِتُدْفِىَء نَفْسَها بيَن ساقَيّ صخرةٍ
يبحثانِ عن مَعْنَى للبَقَاءِ صامِتَيْن مُنْذُ الأزَلِ
وفي كلِّ صَقيعٍ تَسْتَقيل شمسٌ
تعمَلُ جاريةً بلا أجرٍ في خدمةِ سيدةٍ قاسيةٍ
فلا يَكفي ضَوْؤُها لصَبْغِ أجْسادِ البَناتِ
بِسُمْرَةٍ فاتنةٍ على البحرِ
ولا لإطعامِ العصافيرِ الشريدة
ولا الماعزِ التي لا تزال تبحثُ عن وَليف
ولا يكفي لِشُعاعٍ يَتَسَّللُ بينَ القُضْبان
لِرَيِّ شهيدٍ مُحْتَمَلٍ بما يكفي لِرِحْلَةِ السماء
فيصبحُ العشقُ والحريةُ و الوطنُ
حقائبَ سَفَرٍ أبديةٍ خلفَ الأبوابِ
تَنْتَظِرُ الصباحَ
ويصبحُ الكونُ مرْهوناً لِثَدْيٍ فَقيرٍ
يَنِزُّ ضياءً من السماءِ ويَحْلُمُ باشْتِهاءٍ بَعيدٍ
ويبقى الصقيعُ طويلاً
***
في كلِّ القصائدِ شاعرٌ وحيد
يحبُّ غناءَ العصافيرِ الشاردةِ
وثُغاءَ المطرِ على الترابِ في الغروبِ
يُغَنِّي وحْدَهُ فيَرْجُمُهُ القطيعُ بِصَخْرَةٍ
حالَتْ بينَ الثُّغاءِ والعبورِ
أو يسحبُ النهرَ من تحتِ قدمَيْهِ لِيُعَرِّيهِ
فيَطْلُعُ لهُ الوطنُ شجرةَ كافورٍ
مهجورةٍ بينَ الحٌُقولِ
وجسراً يتهاوَى كُلَّما هَمَّ بالكتابةِ
ودَمَاً مُناسباً لِحدائقِ الغناءِ
***
يكتبُ الشاعرُ بِقَلَمٍ من البوصِ على الترابِ
ويَمْحُو المطر ما يريد :