الرئيسية » » القسم الرابع: (الوَجهُ الَّذي أعرِفُهُ من المِرآة) | من ديوان داكن | منذر مصري

القسم الرابع: (الوَجهُ الَّذي أعرِفُهُ من المِرآة) | من ديوان داكن | منذر مصري

Written By هشام الصباحي on الخميس، 7 مايو 2015 | مايو 07, 2015

القسم الرابع: (الوَجهُ الَّذي أعرِفُهُ من المِرآة)


-------------------------------------------------
1- ابتعتُ مِرآةً صينيّةً مُستديرة
*

ابتعتُ مِرآةً صينيّةً مُستديرة
وأسندتُّها أمامي على الطاولة
وهكذا كُلَّما رفعتُ رأسي
ورأيتُها
تصطدُمُ نظراتي بنظراتِها.
/
سُرعانَ ما أزحتُها
إلى حافةِ الطاولةِ بعيداً عنّي 
أقولُ لكَ وسوفَ تُصدِّقُني
ليسَ من السهلِ الالتفاتُ
والنظرُ طويلاً باتجاهِها.
/
كي أعرِفَ من أنا
رسمتُ وجهي مرّاتٍ ومرّات
وقد اتَّفقَ الجميعُ على اتِّهامي
بالنرجسيةِ العمياء
وأصدروا حُكمَهمُ القاطعَ بذلك
ولكنَّهم اختلفوا في تحديدِ
درجةِ توفيقي بنقلِ التفاصيل
منهم مَن لاحظَ أنّي
أُصغِّرُ من حجمِ الأَنفِ
وأزيدُ من سِعةِ العينَين
ومنهم مَن أوقَعَ بي 
لَوماً شديداً
على السَماحِ ليَدي
بهذا الحدِّ من التشويهِ 
لملامِحي.
/
أكادُ لا أصدِّقُ
أنَّهُ وجهي
الوجهُ الَّذي يراني بهِ الآخرون
فيعرِفونني 
وينادونني باسمي
الوجهُ الَّذي كلَّما 
وسَّدتُ رأسي
على فخذِ من أحببتُ
راحَ يلثُمهُ 
وأنا مُغمضُ العينَين
فأقولُ في نفسي
إنَّهُ بالابتعادِ عنهُ قليلاً
أو بإضاءةٍ مُختلفةٍ
أو رُبَّما عندَ الحركةِ
الطرفِ بالحدقتين
التحدُّثِ بالشفتَين
الالتفاتِ 
والانحناءِ بالرقبةِ
لا ريبَ أنَّ لي
وَجهاً 
آخر..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- هل أعافُ ثيابيَ الرَمادية؟
*

هَل أعافُ ثيابيَ الرماديةَ
وأرتدي ثياباً سوداءَ؟
هل أُطلِقُ سَراحَ الكناري
وأضَعُ في قفصي عِوَضاً عنهُ
ضِفدعاً
هل أُسمِّمُ كلبي
وأُربّي خَنزيراً في حديقتي
هل أقلَعُ أشجارَ التُفّاحِ
وأنصُبُ أشجارَ السَرو ذاتَ الخضرةِ الدائمة
لتأويَ إليها الغِربان.
/
هَل أركُلُ عَمودَ إنارةٍ
هل أُكيلُ الشتائمَ لشارعٍ
هل أنطَحُ جِداراً
هل أبصُقُ في وجهِ نافذةٍ
هل أكرَهُ النظرَ
إلى رجلٍ وامرأةٍ
يُطعِمان طِفلاً.
/
هل أرفَعُ قَبضتي مُتوعِّداً السماءَ
هل أنظُرُ شَزَراً إلى السَحابِ
هل ألعَنُ المطرَ
هل أرجُمُ النُجومَ بالحِجارةِ
هل أبحَثُ في الأرضِ 
أو فوقَ الأسطُحِ
عن سِلكٍ كهربائيٍ غليظٍ
وأحزُّهُ بأسناني
لأُطفِئَ القمرَ
هل أدلُقُ حمولةَ صَهريجٍ فضائيٍ جبّار
من رَغوةِ الكربونِ
على الشمس.
/
هل أقِفُ أمامَ المِرآة
مُحملِقاً في وَجهي
فأرى الرجُلَ الَّذي يُشبِهُني
الرجُلَ الَّذي يُفترضُ أنَّهُ أنا
لكنّي لا أصدِّق
وتأكيداً لشُكوكي
أنصُبُ سَبّابتي أمامَ أَنفي
وأغمِضُ عينيَ اليُسرى 
فأراهُ واقفاً على يَميني
ثم أُغمِضُ عينيَ اليُمنى 
فأراهُ واقِفاً على يَساري
وعندما أُديرُ لهُ ظَهري
يُديرُ لي قَفاهُ 
ويخرُجُ من مِرآتي.
/
هل أصعُدُ مُتسلِّلاً سطحَ بنايةٍ عاليةٍ
لا أعرِفُ أحداً من سُكّانِها
ثم أقِفُ مُترنِّحاً
وريحٌ شديدةٌ تضربُني
وأنا أضعُ قدَميَّ على حافَّةِ السَطح
وأرنو إلى مدينتي
فأرى حُشوداً من الجُدرانِ الجهِمةِ
وغابةً من الهوائياتِ الشائكةِ 
المزروعةِ على الأسطحِ الممتدّةِ 
على مدى النظر
ولا أرى شجَرةَ سروٍ تشرأبُّ برأسِها
أو غُراباً حائراً يقِفُ على سِلكٍ 
وأرى أُلوفاً منَ النوافذِ المُظلمة 
ولا أرى في واحدةٍ منها
امرأةً تتعرّى
أو ناراً تشُبُّ.
/
(فيا أيَّتُها المدينةُ الَّتي شهَدَت أجملَ هزائمي..)
لكنَّ صوتاً منَ الأسفلِ 
أسمعُهُ يُنادي اسمي
أُدقِّقُ النظرَ
فإذ بذلكَ الرجلِ الَّذي أعرِفُهُ منَ المِرآة
يصيحُ بي 
ويُشيرُ لي بكِلتا يدَيهِ
أن أقفُزَ
فهَل؟..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- أما آنَ لكَ أن تسأَمَ كُلَّ شيء
*

مُمَدَّداً عَلى ظَهرِكَ 
تنفُخُ وتُطلِقُ الزفَرات
غُيومٌ كثيرَةٌ عبرَت سَقفَكَ
وما عُدتَ تغفو
لا عندَ المائَةِ
ولا عندَ الألف.
/
برُوحٍ سَقيمةٍ 
وخُطىً خامِدَة
عَبَرتَ جُدراناً مُحتَشِدةً 
ومَرايا صَدِئَةً
وَجهاً كالِحاً ليسَ لك
ورأساً
يَغوصُ ويَطفو 
بينَ الشظايا.
/
مُمَدَّداً عَلى ظَهرِكَ 
تنفُخُ وتُطلِقُ الزفَرات
بساقَينِ ذابلَتَينِ 
وشَهوةٍ فَجَّة.
/
ما أنتَ صانِعٌ الآن
أ لم يبقَ لَدَيكَ بَعضُ الظُّنونِ 
لِتُقَلِبَها
وكتُبٌ لِتَبتاعِها 
ثُم فَقَط
تَحفَظُ عَناوينَها
أ لَيسَ في جُحرِكَ 
ثَمةُ نافِذَة
لِتُلقي فَضَلاتِ حياتِكَ منها
وأوراقٌ وأوراقٌ
ليَجِدَ عَلَيها عَنادُكَ السخيف
دَرباً؟.
/
ما أنتَ صانِعٌ الآن
أ لم يِبقَ في السماءِ 
فُسحَةٌ لشَتائمِك
وعَلى الأرضِ 
مَوطِئٌ لبُرازِكَ؟ 
/
أيةُ هالةٍ من العَتمَة
أيُّ إكليلٍ منَ الشوك 
يُتَوِّجُ رأسَك؟
وأنتَ حيناً تقِفُ وَحدَكَ بالفَلاة
كَبَقيَّةِ الرُّعاةِ الأنبياء
تُجادِلُ الرَّب
وحيناً تَمضي 
حَيثُ تَهبِطُ بكَ الطريقُ العام
مُوقِّعاً بنظراتِكَ الشزِرَة
لحناً ضائعاً 
خارِجَ المِفتاح.
/
أيَّةُ بلاهةٍ رطِبة
أيُّ عزاءٍ دافِئٍ وسحيق
في جَيبِ بِنطالِك.
/
مازِلتَ تلحَفُ الظهيرةَ
بأحلامِ ما بعدَ طعامِ الغَداء
فيما لا يدعو اليومَ 
سِوى للهَزءِ
ذلكَ الأمل
بأنَّ ما يطفو حولكَ
من رغوةٍ دبِقةٍ زنِخةِ الرائحة
قَد يستحيلُ غداً 
إلى دَسَمٍ
وأنَّ ما تطالُهُ بالكلمات
يكفي ليملأَ 
نِصفَ القلب.
/
مازِلتَ مازِلتَ
تفرُشُ سَريرِكَ العقيم
بصَفَحاتِ الجرائد.
/ 
أما آنَ لكَ أن تنصُبَ أُذُنَيكَ 
وتُصغي
إلى الغَطيطِ الَّذي يتأبَّطُ 
أذرُعَ الحُلمِ
والنشيجِ الَّذي يفتتِحُ الأُغنيات
أما آنَ لكَ أن تسمَعَ 
النُباحَ في الشوارِعِ
ونَعيبَ أشجارِ السَروِ 
في الحَدائق.
/
أما آنَ لكَ أن تلتفِتَ وترى
أنكَ بعَينَيكَ الجاحِظتَينِ 
وشِدقِكَ الفاغرِ
لم تكُن سِوى 
أُضحوكةٍ فاجعةٍ
أما آنَ لكَ أن تسأمَ 
كُلَّ شيءٍ
دفعةً واحدة..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- يا ليَ من شاعرٍ كئيبٍ أبعثُ على الضجر
*

يا ليَ من شاعرٍ كئيبٍ
أبعثُ على الضجرِ
أهذُرُ عن أيِّ شيءٍ
ولا أُبالي ما هوَ
ولِمُجردِ تلطيخي وجهَهُ بالسُخام
أحسَبُ أنَّه سيصيرُ في أعيُنِ الآخرين
شِعراً.
/
أقِفُ أمامَ المِرآة
وأتحدَّثُ بصوتٍ 
ليسَ مُنخفِضاً دائماً
مع ذلكَ الرَجُلِ الَّذي
كلَّما نظرتُ إليها
يطُلُّ بوجهِهِ منها
أمورٌ عديدةٌ كانَ من الأفضل
لو سألَني اللَّهُ رأيي
حينَ قامَ بصنعِها
من هُنا جاءتني تلكَ الفِكرةُ 
المجنونةُ
بأنَّهُ
كما ينبغي عليَّ 
تغييرُ الشِعرِ
ينبغي عليَّ أيضاً
تغييرُ العالَمِ
وأنَّهُ يُمكنني هذا
ببعضِ الكلَّمات.
/
تُرَّهاتٌ لا تُحصى
ألبستُها حُللاً مَهيبةً
وأفكارٌ رهيبةٌ 
تزيدُ عن حجمِ الرأسِ
حشَوتُها في أكياسٍ بلاستيكيةٍ مُلوَّنةٍ
وحدَّدتُ السِعرَ 
حسبَ الصِنفِ والوزنِ
أمّا أُخوتي الشُعراءُ
فقد ذبحتُهم وعبّأتُ لحومَهم
في عبواتٍ حديديةٍ صدئةٍ
كُتِبَ عليها
خاليةٌ من الموادِ الكيماويةِ
صُنِعت في 
الرُبعِ الأخيرِ من القَرنِ العشرين
وصالحةٌ لألفِ عامٍ
ولأنّي لا أصدِّقُ أنَّهُ أنا
مَن كتبَ كُلَّ هذهِ القصائد
ولأنّي سوفَ لا أصدِّقُ 
في يومٍ من الأيامِ
أنَّهُ أنا 
مَن يكتُبُ الآنَ هذهِ القصيدةَ 
فإنّي أدعُها لكم
خُذوها وأشبعوا بها شهواتِكم
قصائدي 
صرختُها مِراراً
ليست أبنائي.
/
جمعتُ أصنافاً لا حَصرَ لها من الثِمارِ
منها ما كانَ عالقاً 
على رؤوسِ الشَجرِ
ومنها ما كانَ قد تساقطَ أرضاً 
مُنذُ زمنٍ
ومنها الحُلوُ ومنها المُرُّ
ومنها الذابِلُ ومنها الفجُّ
ودونَ غَسلٍ 
هكذا نُصِحت
دلقتُها كُلَّها في جِرنٍ
وبيدَيَّ وقدَميَّ وُركبتيّ
رُحتُ أدوسُها
مازِجاً عَرَقي بنَزيزِها
ودمي بعَصيرِها
وسكبتُ الخليطَ في خابيةٍ
ثم أغلقتُ فوَّهتَها 
بقِطعةٍ كتيمةٍ من الجِلدِ
وعقدتُ حَبلاً غليظاً
حولَ عُنُقِها
فإن كانَ ما سوفَ تكرعونَهُ منها
غداً 
عندما تبقُرونَ بطونَها 
خَلاًّ
...
فهذا يكفيني.
/
ولكن هل تحسَبُني حقاً 
أعني ذلك
هل تُصدِّقُ حقّاً 
أنّي أصدِّقُهُ!؟
نعم أعنيهِ 
وأصدِّقُهُ
نعم أؤمِنُ به 
وأعبُدُهُ
لقد قطعتُ شَوطاً طويلاً
على دربٍ أعلَمُ أنَّهُ
لا يؤدي أبداً إلى نهايتِه
همّي فقط أن أصِلَ
إلى حيثُ 
يستحيلُ عليَّ أن أعودَ
وهكذا رُحتُ أعبُرُ الجميعَ
وأنا أصيحُ:
(حتّى وإن لم يستطِع شِعري
تغييرَ العالم
فإنَّكُم سوفَ تحتاجونَهُ
لأنَّكُم
بَشَر
...
مجردُ بَشَر)..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
73- الوَجهُ الَّذي أعرِفُهُ من المِرآة
----------------------------------------
75- ابتعتُ مِرآةً صينيّةً مُستديرة - 6/7/1987
78- هل أعافُ ثيابيَ الرَماديّة؟ - 6/9/1989
82- أما آنَ لكَ أن تسأَمَ كُلَّ شيء - 1/1/1987
87- يا ليَ من شاعرٍ كئيبٍ - 12/10/1988
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads