الرئيسية » » أُنسي الحاجّ يُحرق مخطوطةً...| محمد عيد إبراهيم

أُنسي الحاجّ يُحرق مخطوطةً...| محمد عيد إبراهيم

Written By Lyly on السبت، 3 يناير 2015 | يناير 03, 2015

امرأةٌ تخافُ من السرطانِ، تخافُ
وتبكي، من ليلِها لنهارِها تبكي، لأنّ
حمامةً عندَ وعدٍ، وجَفّت مياهٌ. وهي
تضحكُ تبكي، كأن شُجيرةً سِيقَت
إلى مُعذِّبِها، تبكي وجنبَ بحيرةٍ تحلمُ
بحُفنةِ مطرٍ، تحتَ أنقاضِ السماءِ.
ماتَ أبوها من وَجعٍ في خِصيتَيهِ،
كمَن يتّفقُ مع نفسهِ، ليُحرّرَ السرطانُ
حريرَ رغبتهِ هيّناً، كمرورِ الخيلِ في
موكبٍ، فوقَهُ هَودَجٌ من كراكيبَ. لكلّ روحٍ
دمٌ، وأفاضَ إلى البابِ الذي لم تحمهِ
راعية: حلّ الأمانُ، وزَلَّ في نشوةٍ.

قطَعَت أمّها ثديَها، وقد ساحَ نملٌ
بطيءٌ عليهِ، فندّتْ صرخةٌ: "لا شيءَ
يخنقُني اليومَ". خَيطٌ من الجُرحِ، وأَمُسّ
القيحَ كلّ حينٍ كشَعرةٍ من الصدرِ الذي
فاقَ الطبيعةَ. أملٌ باطلٌ في الحبّ، إلى
نقطةِ الذوبانِ، أمامَ كَسْرٍ بنافذةٍ كمصيري.

الزمنُ طويلٌ، الزمنُ على درجاتِ سُلّمٍ،
الزمنُ صنيعيَ الجميلُ، الزمنُ قابيلُ بعدَما
يستأنفُ الجلوسَ، الزمنُ هو الرّعبُ
مُثقَلُ الخُطَى كالمُجرمِ الكاذبِ، يغنّي وأنا
أتوتّرُ. وبلا حقدٍ، يجيءُ ابنُ المنزلِ،
كملاكةِ التاريخِ وحياتي، هديرٌ كمَن يُفطَم.

امرأةٌ، قبلَما تُحتَضَر، رشّت النارَ فوقَ
رقائقِ الساقَينِ، وعلى مهَلٍ، لِتسحبَ من
لَحمِها في شرائطَ، كزينةِ الكرنفالِ: "رأوني،
أُفضّلُ أن أصمتَ، وأنا أمدُّ حبلَ حياتي من
الكَعبَين كالشالِ إلى الوراءِ، كأني أتلاعبُ،
لا. لا توقفوني". بندقةٌ ورديّةٌ تنفجرُ.

كانَ أُنسي الحاجّ في رحلةٍ، قد هزّهُ المنظرُ
من مُنخَلٍ كونيٍّ، بطَرفَيهِ ثَقبان: "لا تنسني،
سيدي"، فارتطمَ رأسهُ في السورِ. وكالجنديّ
برصاصةٍ، جَندلَ قوائِمَها، والحزنُ بالمقلوبِ:
أينَ رابطُ فمِها المفتوحِ، كي أُجمّلَ شِقّهُ؟
أينَ قضيبُ الوجودِ ليُعميني الأملُ؟

جرجرَ الحبّ، في قَفزةٍ، يُرقِدهُ، غَصباً،
ومن الآنَ فصاعداً، وعلى نحوٍ هالكٍ،
يرشقُ خُطّافَه في الشَرَج، ويُشبّك ذراعَيه
من تحتهِ، كالطائرِ الدّميةِ، رأساً إلى
الحلمِ، شفتاهُ بشفتَيهِ، في عطفٍ دؤوبٍ،
ورَقّـقـَه، لِيَثبُتَ، بعدَ صراعٍ: "أنا الحيُّ".

صوتٌ، كآثارِ وطواطٍ، على فُسطاطِ
شوكٍ، وينبو المشِعُّ، قد يتطهّرُ السهمُ.
بعدَ قليلٍ، زَفرةٌ فلتَت، وعلى ظهرهِ انقلبَ
القلبُ، يخنقُ ذِكرَى، من كناريٍّ تهَشّمَ ـ
... وأحرقَ أُنسي الحاجّ، وسطَ الزّبَد،
مخطوطةً، اسمُها "الباكية"!



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Google ads